ذكرى الشهيد .. وثمار الشهادة
تقرير
تأتي مناسبة الذكرى السنوية للشهيد ونحن في العام السادس نواجه العدوان الإجرامي الذي تقوده أمريكا وإسرائيل ومن معهم من أنظمة الخيانة والعمالة في المنطقة والهادف إلى احتلال بلدنا، واستهداف شعبنا، وإذلال أمتنا، وفرض خيارات العمالة والخيانة، على شعبنا وعلى سائر شعوب المنطقة، ومحاولا لسوقنا نحو تولي اليهود والتطبيع معهم ونسيان قضايا الأمة وفي المقدمة قضية فلسطين.
الذكرى السنوية للشَّهيْـد، ذكرى للعز والإباء، ذكرى للثبات والشموخ، ذكرى لكلِّ قيَم الحقِّ والخير والعدالة، ذكرى تُحيي فينا من جديد رُوحَ المسؤولية، وتزيدُنا من جديد عزماً إلى عزمنا وثباتاً في مواقفنا، وصُمُوداً في مواجَهة التحديات والأخطار.
والشهداء الأعزاء الذين ببركة تضحياتهم, وتفانيهم في سبيل الله, وصدقهم مع الله, وعطائهم العظيم بكل شيء حتى النفس, تحقق النصر والعزة, ودفع الله عن عباده المستضعفين خطر الإبادة والاستعباد, لهؤلاء الشهداء عظيم الفضل ورفيع المكانة والحق الكبير علينا تجاههم وتجاه أسرهم, وهم مدرسة متكاملة نعرف من خلالهم الإيمان وقيم الإسلام, من عزة وإباء وصمود وثبات وتضحية وصبر وبذل وعطاء وسخاء وشجاعة, ونعرف من خلالهم أثر الثقة بالله سبحانه وتعالى.
ولقد تحقق لشعبنا اليمني العظيم بفضل عطاء الشهداء وتضحياتهم نقلات نوعية وكبيرة بفضل الله وكل هذه النقلات تدل على عظمة هؤلاء الشهداء، وعلى بركة وعظمة ما قدموه وجادوا به، من أجل أبناء شعبهم وأمتهم، وهذه النتائج العظيمة، كثيرة ومتنوعة تشمل كل الجوانب نستعرض بعضا منها:
أولا على مستوى الجانب النفسي والمعنوي
حينما تعود بنا الذاكرة إلى ما قبل الحرب الأولى، فإننا ولا ريب نتذكر تلك الحالة الرهيبة من الخوف، والانبطاح، والاستسلام، حيث لاذ الكثير من الناس بالصمت، ورأوا فيه قربة إلى الله، وتسابق مهرة الانبطاح والتذلل نحو تقبيل أقدام الظالمين، وأصبح آخرون دعاة للاستسلام، وتنكر البعض لدينهم، ومبادئهم، وقيمهم، ومعتقداتهم، بل وسعوا إلى نبذها، ومحاربتها، وحينما تحرك الشهيد القائد (رضوان الله عليه) بمشروعه القرآني التحرري، ارتعدت فرائص البعض، ورأوا فيه انتحارا حقيقيا، ومستحيلا لا يمكن تحقيقه، عاكسين بذلك مدى تجذر الخوف والهزيمة النفسية لديهم.
غير أنه مع ثلة من المؤمنين الصادقين، بفضل الله ـ سبحانه وتعالى ـ ثم بفضل ثباتهم وتضحياتهم كسروا حاجز الخوف، وأثبتوا للجميع أنه في مقدور أي فئة صادقة وصابرة لديها استعداد عال للتضحية والصمود أن تواجه، وأن تتحرر من سطوة الظالمين مهما كان جبروتهم وقوتهم، مجسدين بذلك قوة الحق، وهشاشة الباطل، ومثبتين لكل الناس على أرض الواقع، أن ثقافة الشهادة تقوي النفوس وتزكيها، فيبطل معها كيد الأعداء، وتخيب رهاناتهم في ترغيب الأمة وترهيبها، وتجعل من أساليبهم ومكرهم وخداعهم سلاحا فاشلاً، وضعيفاً لا يحقق لهم هدفا، ولا يوصلهم إلى نتيجة، ولا يهيئ لهم ما أرادوه منه، وحينها ارتفعت معنويات الناس، وقويت نفوسهم، وذهب عن قلوبهم رين الخوف ورهبة العدو، فانتعشت نفوسهم واتجهت نحو التحرر.
وهذا ما نلمسه اليوم بشكل واضح، فبثبات شهدائنا الأبرار وتضحياتهم، أصبحنا أكثر شعورا بحريتنا وعزتنا، وكرامتنا من أي وقت مضى، ويتنامى هذا الشعور ويتجلى في واقع شعبنا مصداقية الهوية والانتماء، وصرنا أحرارا نملك قراراتنا وإراداتنا.
ثانيا: على مستوى الجانب العسكري
تمثل الاستجابة الصادقة لله ـ سبحانه وتعالى ـ والمبادرة الجادة لتطبيق توجيهاته، سرَّ القوة الحقيقة، لأنها تمثل سببا رئيسيا لكسب معية الله القوي العزيز قال تعالى: (إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ) [آل عمران آية: (160)] ومن هذا المنطلق الحقيقي تحرك شعبنا اليمني امتثالا لقوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) [الأنفال آية: (60)] فحقق إنجازات جيدة في وقت قياسي لفت بها أنظار العالم وخاصة في المجال العسكري نذكر بعضا منها:
أ): الخبرات والمهارات القتالية
مع توالي الأحداث، ومن مدرسة الميدان، كسب المجاهد اليمني خبرات كبيرة، ومهارات عالية، أهلته لمواجهة أعتى وأكبر قوى الشر في العالم، وأكثرها خبرة، وأرقاها تدريبا، فأصبح اليوم يمثل بمعارفه القتالية الحقيقية والراقية التي يجسدها على أرض الواقع رقما صعبا لا يمكن تجاوزه، وقوة عظيمة لا يستهان بها، وهذا بفضل الله ـ سبحانه تعالى ـ ثم بفضل صمود وتضحية المخلصين من الشهداء الأبرار، والصادقين الأحرار، ممن لا يزالون يسيرون في خطهم، وينهجون منهجهم في الصبر والثبات والاستعداد العالي للتضحية في ميدان المواجهة لقوى العدوان السعودي الأمريكي.
ب) : امتلاك القدرات والإمكانات العسكرية واللوجستية
بفضل الله وبفضل تضحيات شهدائنا الأبرار من أبناء هذا الشعب العريق، تحققت نقلات نوعية في هذا الجانب جعلت العالم يندهش من عزيمة أبناء اليمن وتصميمهم على إيجاد البديل الأفضل، من خلال العمل الدؤوب على التصنيع والتطوير وقد حققوا نتائج جيدة وكبيرة بالنظر لتلك السياسة السابقة التي كانت قائمة على المصلحة لقوى النفوذ والتسلط دون الاهتمام بالبناء وامتلاك القدرات والإمكانات في مختلف المجالات، وإلى تلك الأوضاع التي يعيشونها اليوم من حصار شديد وحرب ضروس على أبناء هذا البلد فصنع الطائرات المسيرة، بأحجام مختلفة، وبأشكال متعددة، ومديات متفاوتة، ولأغراض متنوعة، وبجانبها صنع أنواعا وأجيالا مختلفة من الصواريخ، بمديات مختلف أربكت العدو ومن خلفه، كما صنع مع المدفعية ذخيرتها، وهذا الشيء لم توفق إليه دول ذات زخم اقتصادي كبير، واستقرار داخلي مديد، كالنظامين السعودي والإماراتي، اللذين ليسا إلا مجرد سوق استهلاكية، وهذه القفزة النوعية جاءت بجهود ذاتية وخبرات يمنية، جاعلة من عائق الحرب والحصار دافعا قويا نحو مزيد من المفاجآت المتواصلة، والتي ستستمر في المستقبل ـ بإذن الله ـ، لتجعل من هذا البلد بلداً متطوراً، وقويا، يكون في مقدوره حماية الأمة، وصون كرامتها، وعزتها، ومقدساتها، وكل هذه النتائج هو بفضل الله ـ سبحانه وتعالى ـ ثم بفضل تضحية شهدائنا الأبرارـ سلام الله عليهم.
جـ) : على المستوى الميداني
لقد حقق اليمنيون الكثير من الإنجازات على هذا المستوى، بفضل تضحية شهدائنا الأبرار وثبات رجالنا الأبطال، تحققت الكثير من الانتصارات واستعادة السيطرة على كثير من المواقع التي دخلها العدو بإمكاناته الكبيرة، فتكبد هذا العدو الخسائر المهولة على مستوى القوى البشرية والمعدات العسكرية من ضمنها إسقاط عدد من الطائرات الحربية والتجسسية المتطورة وأغرق العديد من البوارج والسفن الحربية.
د) : الخسائر الاقتصادية
شعبنا اليمني أرهق بصموده وثباته اقتصاد دول العدوان بشكل كبير إلى حد جعل النظام السعودي ومعه الإماراتي يخرجان من زمن النعمة والرخاء والفائض المالي والميزانيات الاحتياطية، ويدخلان إلى نفق مظلم من الأزمات الاقتصادية، والقروض والجرع المتنامية والمتنوعة، ودخلوا في سياسات اقتصادية تخلق لهم أزمات، ومشاكل اقتصادية مستقبلية كبيرة، وخطيرة، وخيم الفقر بشبحه على بلدانهم، هذا هو الواقع، الذي يمكن استقراؤه ببساطة بدون مشقة من خلال وسائل الإعلام عن واقعهم الداخلي .
ثالثا: على المستوى السياسي
بفضل الله –سبحانه وتعالى- وبفضل صمود أبناء شعبنا العزيز وتضحية شهدائنا الأبرار، حقق شعبنا اليمني مكاسب كبيرة في هذا الجانب، فبعد أن كان رهين الإملاءات الخارجية، تحكمه من خلف الكواليس بعض السفارات الأجنبية، كالسفارة الأمريكية، والسعودية، والإماراتية، وبعض السفارات الأوروبية، فتتحكم في توجهاته، وقراراته السياسية، ويخضع بشكل كبير لسياسات تلك الدول وإملاءاتها، وتتنازع الحكم فيه شخصيات عميلة لعدد من الأنظمة الدولية، كلا يريد فرض إملاءات أسياده، وكل سفير يسعى لإحداث أكبر تأثير على كل المستويات.
تحرر شعبنا اليمني في قراره السياسي، من أغلال تلك القيود الضاغطة والعزلة المفروضة على المستويين الداخلي والخارجي وأصبح يمثل رقما لا يمكن تجاوزه في المحافل الدولية فيما يخص قضيته العادلة، ورؤيته العامة حول الأوضاع في المنطقة.
رابعا: على المستوى الثقافي
ساهم شهداؤنا الأبرار في نشر الثقافة القرآنية، ومبادئها العظيمة، التي رفعت منسوب الوعي النير لدى أبناء هذا الشعب، وصححت نظرته حول كثير من المفاهيم المغلوطة للأمور، وصوبت رؤيته نحو الأحداث، وأكسبته الحكمة والبصيرة، والفهم الثاقب، والذكاء، فبات يتعامل مع الأحداث ويتفاعل معها وفق رؤية قرآنية واضحة، وبصيرة إيمانية عالية، ولم يعد ذلك الشعب الذي يسهل خداعه، ومراوغته، والاستهتار به، بل صار يبهر المتابعين برقي مواقفه ورؤاه السياسية وما يمتلكه من وعي سياسي قيم، ينعكس في مواقفه الصادقة من قضايا الأمة الإسلامية، تلك المواقف التي أصبحت محط إعجاب وتقدير أحرار العالم.
خامسا: على مستوى الأمني
في ظل الأنظمة السابقة لم يكن الوضع الأمني بأحسن حالا من بقية الجوانب الأخرى، فقد خيمت عليه الثارات، وطغت عليه النزاعات، والخلافات البينية، وفقدت كثير من المجتمعات اليمنية أمنها واستقرارها، ونشبت بينها حروب أهلية، بدفع وتشجيع النظام السابق، وأصبحت سياسة (فرق تسد) هي السياسة المتبعة في الوسط المجتمعي، فطفت للسطح عادات سيئة، كقطع الطرقات، وتخويف المسافرين، وسلبهم، والسطو على حقوق الغير من أموال وأراضي وغيرها، خاصة من قبل النافذين في السلطة، وصار الفساد وإقلاق السكينة العامة، والثارات، والتصفيات، والقمع، ومصادرة الحقوق والحريات، ثقافة، وممارسة شبه يومية، حتى وصل الأمر للسماح بانتشار العناصر والتنظيمات التكفيرية في ممارسة القتل والتفجير، لكن بفضل الله ـ سبحانه وتعالى ـ ثم بفضل تضحيات وصمود الشهداء الأبرار، انتشرت الثقافة القرآنية التي تهدف بكل وضوح إلى إصلاح الإنسان وربطه بالله ـ سبحانه وتعالى ـ وغرس قيم الخير والفضيلة فيه، وتربيته على مكارم الأخلاق التي هي جزء من الدين، ولقيت هذه الثقافة المباركة قبولا واسعا بين أبناء الشعب اليمني، وحققت نجاحا ملفتا خاصة عند الشباب الذين انطلقوا في المسيرة القرآنية مؤمنين صادقين، مخلفين وراءهم الكثير من الثارات والمشاكل، والعادات السيئة، ومتجهين نحو الله بقلوب صادقة، فقلت نسب الجرائم، وتلاشت الكثير من المشاكل، خاصة مع توجه القيادة الحكيمة إلى حلحلة الكثير منها، وفي مقدمتها تلك المشاكل المستعصية، والمتجذرة، ذات الطابع الأوسع، ولم يبقى منها إلا رواسب بسيطة تسعى الجهات الأمنية إلى حلها والقضاء عليها.
سادسا: على المستوى الاجتماعي
لقد مثلت المسيرة ملتقى هاماً للتعارف والتقارب بين أبناء الشعب اليمني، كما أن وحدة القضية، والهدف، والمصير، دفعت بأبناء هذا الشعب للتعاون والتفاهم، وانعكست تلك الأخوة الإيمانية على واقع المجتمع اليمني، فازداد تقاربا وتآلفا، وتكافلا وتسامحا، وتعاونا في التصدي للعدوان ومواجهته، بكل الطرق والوسائل الممكنة فدعموا الجبهات ورفدوها بقوافل الغذاء، وقوافل الرجال المقاتلين، وقوافل المال، وبشكل شبه يومي، مع التنافس والتسابق في ذلك، وهذا التآخي والتعاون كله ببركة دماء الشهداء الأبرار وصبرهم، وصمودهم، وثباتهم.
سابعا: على المستوى الاقتصادي والزراعي
هناك جهود حثيثة وتحركات جادة وتعاون كبير بين مؤسسات الدولة وبين كافة شرائح المجتمع للاهتمام بالجانب الزراعي والاقتصادي رغم قلة الإمكانات والظروف التي يعانيها شعبنا العزيز سعيا نحو الاكتفاء الذاتي الذي سيصل إليه إن شاء الله في القريب العاجل.
إن الأحداث والحروب المتوالية أوجدت دافعا نفسيا ومعنويا للإبداع، وتطوير المهارات، وصقل المواهب والقدرات، وهذا لم يكن ليتحقق لولا عطاء الشهداء الأبرارـ سلام الله عليهم ـ إذ لولا ذلك العطاء لما تسنى للجميع أن يكسبوا كل تلك الخبرات، ولا أن يصقلوا تلك المواهب والمهارات، ولا أن يحققوا كل تلك الإنجازات علما أن الكثير من العقول اليمنية عانت إبان النظام السابق من التهميش والإقصاء، مما دفع ببعضها نحو الهجرة إلى بلدان أخرى، بحثا عمن يتقبلهم، ويحتضن مواهبهم وقدراتهم.