الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوابِ الْجَنَّةِ فَتَحَهُ اللهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ

يخال للبعض أن الشهادة هي خسارة وثغرة تفتح في جسد الأمة، لأن فقدان جيل الشباب على الجبهات خسارة للجيل النامي في الأمة، إلا أن المسألة تكون كذلك لو كان الهدف من الجهاد أن نحافظ على أنفسنا فحسب، وحينما نفقد أنفسنا نكون قد خسرنا المعركة وحلت علينا الهزيمة، ولكن الهدف من الجهاد، هو تحقيق الهدف الإنساني الأكبر الذي يريده الله تعالى من الإنسان، وهو الوصول إلى طاعة .
يقول الله تعالى في محكم آياته: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾.
وعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “فوق كل ذي برّ برّ حتى يقتل في سبيل الله، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر…”.
كيف تكون شهيداً؟
أولا : الزهد في الدنيا لا شك أن الشهادة نعمة إلهية يمنحها الله سبحانه وتعالى من اصطفاهم من عباده، ولا يقدر عليها الإنسان بنفسه ولتمنح الشهادة وتكون شهيدا يجب أن تكون من صفاتك الزهد في الدنيا .
إن كان للدنيا من قيمة فلأنها مزرعة الآخرة، ومسجد أولياء الله، وطريق الوصول إلى ساحة رضاه، فلو قطعناها عن كل ذلك ونظرنا إليها نظرة مادية، فلن يكون لها أي قيمة على الإطلاق، كما أخبر عنها أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له:
“كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾، بلى والله لقد سمعوها ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها. أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز …”.
هكذا يجب أن يكون المجاهد في سبيل الله، زاهداً عن الدنيا عارفاً بمقام الشهادة ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
فإن الإنسان كلما اقترب من الآخرة وابتعد عن التعلق بالدنيا، يكون بذلك قد مهد الطريق لنفسه للانخراط في سلك الشهداء الذين يختارهم الله تعالى.
ثانيا : الارتباط بمدرسة عاشوراء إن تاريخ المسلمين حافل بالجهاد والشهادة، وليس غريباً على المسلمين أن يرتفع شبابهم شهداء إلى بارئهم مخضبين بدمائهم، “القتل لنا عادة”.
فمدرسة عاشوراء هي المعين الذي لا ينضب وهي الخزان الأكبر للمعاني الأخلاقية الأسمى، فمنها يتعلم الإنسان القيم الدينية والإنسانية كالتضحية والإيثار والبذل وعزة النفس والاستقامة في الحياة،
“لقد قدمت أمة الإسلام من محراب مسجد الكوفة إلى صحراء كربلاء وعلى مر التاريخ قدمت تضحيات قيمة إلى الإسلام العزيز وفي سبيل الله”.
إن ثورة أبي عبد الله الحسين عليه السلام بما تحمل من رسالة كتبت بأطهر دماء الأرض لتخترق بنورها كل أنواع الحجب وتصل إلى آذاننا، هي القادرة على صنع الشهداء بكل ما يحتاجه الشهيد من مواصفات إلهية، وقد استطاعت هذه المدرسة أن تخرّج ببركتها قوافل الشهداء على مر التاريخ.
ثالثا : الارتباط بالشهداء وبالإضافة للارتباط بهذه المدرسة التاريخية العظيمة، يجب الاستفادة من أنوار شهداء هذا العصر أيضاً وزيادة الارتباط بهم، والتعرف على روحيتهم ومسلكيتهم وقراءة وصاياهم، لأن وصاياهم تهز الأنفس وتوقظ الضمائر التي يحاول الشيطان أن يخرسها ويمحو صوتها الموجه إلى الصلاح.
فالارتباط بالشهداء يقرب روحية الإنسان من روحيتهم، حتى يصير واحداً منهم جاهزاً لتلقي هذا الفيض الإلهي الذي تلقوه، وهو الشهادة.
منازل الشهداء
قد نأسف عندما نجد مجاهداً مات على فراش المرض في نهاية الأمر بعد سنين طويلة من الجهاد.
إن هذا الأسف في غير محله، لأنك إن أصلحت نيتك، وجعلت هدفك خالصاً لله، ووصلت إلى مرحلة عشقه سبحانه وتعالى، وزهدت بالدنيا، وتمنيت الشهادة، وارتبطت بمدرسة كربلاء، فأنت لست مجرد إنسان أهل للشهادة، بل أنت شهيد فعلاً! شهيد حي، وهذا ما تؤكده الروايات. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه”.
وفي رواية أخرى عنه: “من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه”.
إذاً فلتكن مع الشهداء وفي خطهم واحمل بين جنبيك روحيتهم، فستكون شهيداً.
قد يعجبك ايضا