استهدافُ المقاومة الفلسطينية لخط إيلات عسقلان.. وجعٌ إماراتي صهيوني مشترك!

|| صحافة ||

حقّقت فصائل المقاومة الفلسطينية على مدى 11 يوماً في مواجهة العدوان الصهيوني الكثيرَ من الأهداف الاستراتيجية عسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا.

وخلال هذه الفترة استهدفت المقاومةُ الفلسطينية العديدَ من خزانان الوقود التي تديرها العديد من الشركات النفطية في مدينة عسقلان التي تبعُدُ حوالي 20 كيلو متراً شمال قطاع غزة، وتعطل بذلك خط إيلات عسقلان الأنبوب الحيوي لنقل النفط.

وقد كشفت وسائلُ الإعلام الصهيونية، الثلاثاء الماضي، أن هجمات صاروخية انطلقت من غزة تسببت في اندلاع حريق في منشأة نفطية في عسقلان، وهي مرتبطة بخط أنابيب يربط بين مدينة إيلات على البحر الأحمر وعسقلان، وينقل هذا الخط يوميًّا 600 ألف برميل.

ويشكل هذا التطور خطراً كَبيراً بالنسبة للاحتلال الصهيوني، وذلك لأَنَّ خط “إيلات عسقلان” يعد أحد أهم المشاريع الاستراتيجية التي يراهن عليها في تطوير مكانته الإقليمية وتحسين أوضاعه الاقتصادية، وهذا التطور يضرب الاتّفاق الصهيوني الإماراتي الذي يقضي بنقل النفط الإماراتي إلى أُورُوبا عبر هذا الخط.

وبسبب ضربات المقاومة أَيْـضاً، اضطرّت شركة شيفرون (Chevron) الأمريكية لإغلاق حقل تمار لاستخراج الغاز الطبيعي قبالة شواطئ غزة، وذلك بعدما أعلنت كتائبُ القسام التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) أنها استهدفت المنشأة بطائرة مسيرة.

وذكر اتّحاد المصنعين الإسرائيليين أن الضرر -الذي لحق بالاقتصاد خلال 3 أَيَّـام من إطلاق الصواريخ من غزة- فاق 160 مليون دولار.

لقد كان المقرّر أن يكون هذا الخط النفطي بديلاً لقناة السويس لنقل النفط إلى أُورُوبا الذي أُنفِقَ عليه قرابة 800 مليون دولار في أُكتوبر 2020، وقد احترق هذا الخط بصواريخ المقاومة ليرسلوا لهم رسالةً ولكل من يحاول من المطبعين إنعاش الاقتصاد الإسرائيلي على حساب مصلحة الشعب المصري، مفادُها أنَّ ضربات المقاومة ليست عشوائيةً أَو طائشة نحن نستهدف بنيتكم التحتية وننسف اقتصادكم نسفاً.

ومع تصاعد الأحداث في بلادنا “اليمن” واقتراب هزيمة العدوان الأمريكي السعودي، نشطت إسرائيلُ في التطبيع مع دول الخليج وعلى رأسها النظام الإماراتي، فكانت اتّفاقية خط الأنابيب عسقلان إيلات على رأس جدول الأعمال بينهما العام الماضي، والهدف هو نقل النفط الإماراتي والخليجي المتجه شمالًا إلى أُورُوبا والولايات المتحدة، لكن دون المرور عبر قناة السويس، إضافةً لنقل النفط القادم من حوض البحر الأسود والمتوسط باتّجاه آسيا وأسواقها.

وبحسب وسائل إعلامية فَـإنَّ قيمةَ هذه الصفقة تصل إلى 800 مليون دولار على مدى سنوات، وأن الخطَّ ليس قيد التشغيل، بل إنه يعمل بشكل طبيعي وبدأ باستقبال النفط الإماراتي على وجه الخصوص، وهو أكبر خط نفطي في “إسرائيل” تستفيد منه بشكل مباشر وكبير، ولأجل ذلك تحيط كُـلّ الاعمال المتعلقة به بسرية تامة.

ويصل خط أنابيب إيلات – عسقلان، طولُه إلى 158 ميلاً، ويربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، لتكون كلفة ضخ النفط أرخص للخليج، فيكون الاستغناء عن الناقلات التي تعبر السويس برسوم تعود على الخزينة المصرية، وهكذا تتحول المكاسب لمصلحة “إسرائيل”، وتشكل ضربة موجعة للاقتصاد المصري.

 

التهديد قادم من غزة

ومع ارتفاع وتيرة التطبيع الصهيوني الخليجي لم يكن في وارد الكيان الصهيوني أن يتم إعاقةُ هذا المشروع على الإطلاق، لكن العدوانَ الصهيوني على غزة أحدث لها مفاجأةً لم تكن في الحسبان ولم تَكن “إسرائيل” تتوقع أن تقدم المقاومة الفلسطينية على استهداف هذا المشروع العملاق وأن يأتي التهديد من عمق فلسطين، وأن هذا الخط الذي تبني عليه آمالاً سيكون تحت مرمى صواريخ الفصائل، وهذا ما جعلها ترزحُ تحت وطأة النُّكران أولاً ثم تحت خيبة الاعتراف ثانية، فاستهدافُ الخط ليس فقط يسبب خسائرَ مادية هائلة، ويقطّع أوصال ما كانت تعمل جاهدة على بنائه طيلة سنوات، بل يرفع مستوى التهديد في جبهاتها الداخلية مع قدرة الصواريخ على الوصول إلى هذه الأهداف الحيوية.

وتجدر الإشارة أ إلى أن جيشَ الاحتلال والمسؤولين الإسرائيليين يعتبرون المعلومات المتعلقة بما يتم نقله عبر خط أنابيب إيلات-عسقلان على أنها سرية للغاية، وهذا يعني أن المقاومة الفلسطينية حقّقت نجاحاً جديدًا يتمثل في البعد الاستخباراتي والحصول على معلومات كاملة عن هذا المشروع، ما يجعلها في استعداد دائم لاستهدافه في أية مواجهة مرتقبة.

 

مشروعٌ قديمٌ جديد

وبدأت إسرائيلُ تنفيذ هذا المشروع سنة 1956م بعد العدوان الثلاثي الغاشم على مصر؛ بسَببِ فرض الرئيس الراحل “جمال عبدالناصر” قيوداً على الشحن عبر قناة السويس، واستخدامها كورقة ضغط في الصراع العربي الصهيوني، وقرار الاتّحاد السوفييتي حينها وقفَ تزويد إسرائيل بالنفط، ما دفع الأخيرة للبحث عن مصادرَ نفطية جديدة، بالتوازي مع رغبة إيران تجنّب المُرور عبر قناة السويس، خشيةَ إقدام “عبدالناصر” على إغلاقها في وجه ناقِلات النّفط الإيرانيّة.

وفي العام 1968، سجّل الكيانُ الإسرائيلي وإيران الشاة شركةَ خط أنابيب “إيلات – عسقلان” كمشروع مشترك لإدارة تصدير النفط الخام الإيراني عبر الأراضي الفلسطينية المحتلّة وما بعدها عن طريق الناقلات إلى أُورُوبا، لكن هذا المشروع أجهض مع قيام الثورة الإسلامية الإيرانية.

وبعد الإعلان الرسمي عن تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل في 13 أغسطُس 2020، والتوقيع الرسمي على ذلك الاتّفاق المشؤم في 15 سبتمبر 2020، تسارعت وتير التشبيكات، وتجاوزت الإمارات في ذلك كُـلّ الخطوط الحمراء، وداست على كُـلِّ المحرمات، ورمت بكل المقدسات عرض الحائط، ومعها بدأت تطفو على السطح كُـلّ مشاريع المخطّطات الاستعمارية الصهيونية القديمة، لتفرض نفسها على المشرق العربي بتمويل أعراب الإمارات والسعودية من وراء حجاب، ومن أخطرها مخطّط ربط منظومات تصدير النفط الخليجي إلى أُورُوبا عبر إسرائيل، تحت ذريعة تعزيز أمن الطاقة.

ويسعى الكيان الصهيوني من وراء هذا المشروع إلى الاستحواذ على ما بين 12 و17 % من تجارة النفط التي تستخدم الآن قناة السويس بحسب مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، ويسرد الإعلام الصهيوني قائمة طويلة لمزايا هذا الخط، منها:

1 – تقليلُ مدة نقل النفط والغاز الطبيعي ونواتج التقطير من السعودية ودول الخليج إلى الغرب.

2 – توفيرُ بديلٍ أرخصَ من قناة السويس المصرية، وخيار للاتصال بشبكات أنابيبَ عربية تنقل النفط والغاز ليس فقط إلى المنطقة، ولكن إلى الموانئ البحرية التي تزود العالم.

3 – قدرة المحطات في عسقلان وإيلات على استيعاب الناقلات العملاقة التي تهيمن على شحن النفط اليومي، وعمل الخط في اتّجاهين، عكس قناة السويس التي تعمل في اتّجاه واحد ولا يستوعب عمقها تلك الناقلات العملاقة مثل “VLCCs”.

وتبقى الخطوةُ الثانيةُ بعد التطبيع الصهيوني الإماراتي، هي في إقناعِ النظام السعودي للانخراط في المشروع؛ لأَنَّه بدونها لن يكونَ له أي معنى، ولا يُستبعد أن تكونَ الزيارةُ السرية لرئيس وزراء الكيان الصهيوني للسعودية في 22 نوفمبر 2020؛ مِن أجلِ مناقشة المشروع، لتقارُبِ الأهداف والغايات من هكذا توجّـه، وتقارب المخاوف والهواجس من مخاطر الفزّاعة الإيرانية واليمنية، بعد أن تحولت هذه الفزاعةُ إلى خطر وجودي بالنسبة لأعراب الخليج، وليس إسرائيل العدوِّ التاريخي للعرب والمسلمين.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا