تفاصيلُ جديدةٌ لمعركة “جيزان”: تأكيدُ رسائل “القوة” بعد إحباط مساعي “الابتزاز”
|| صحافة ||
كشفت القواتُ المسلحة، أمس الاثنين، تفاصيلَ الجزء الثاني من العملية العسكرية الكبرى التي نفذتها قواتُ الجيش واللجان الشعبيّة في محور جيزان، والتي تم خلالها تحريرُ أكثرَ من 150 كيلو متراً مربعاً، حَيثُ بث الإعلام الحربي مشاهدَ إضافيةً للمواجهات التي دارت مع المرتزِقة الذين جلبهم النظام السعوديّ للقتال نيابةً عن جيشه، وبينهم سودانيون، وقد أكملت المشاهد صورة المعركة التي انكشفت فيها هشاشة العدوّ وعجزه، وعدم جدوى قدراته وإمْكَاناته، أمام بسالة قوات الجيش واللجان التي باتت تمتلك خبرة قتالية كبيرة، تضاعف مخاوف العدوّ الذي يعرف اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، أن صنعاء تمتلك خيارات مؤثرة للتصعيد في حال استمرار العدوان والحصار، كما يعرف أن مساعي “الابتزاز” بالمِلف الإنساني لم تعد تنفع حتى ولو لكسب الوقت.
الجزء الذي كشفت القوات المسلحة عن تفاصيله، أمس، كان يتعلق بعمليات تحرير أكثر من 30 موقعاً عسكريًّا قبالة جبال الدود والرميح وجحفان، والتي كانت تتمركز فيها قوات من المرتزِقة السودانيين والمحليين، قبل أن تقتحمَها قواتُ الجيش واللجان من ثلاثة مسارات رئيسية اشتعلت فيها المواجهات بشكل متزامن، بعد رصد دقيق لتحَرّكات المرتزِقة وتجمعاتهم وخطوط إمدَادهم.
ووثقت المشاهد التي بثها الإعلام الحربي انطلاق أبطال الجيش واللجان لتحرير تلك المواقع بعد إعداد الخطة والدراسة الدقيقة لمسارات الهجوم، حَيثُ تقدم المجاهدون للاشتباك المباشر مع المرتزِقة الذين كانوا متحصنين في تلك المواقع ذات التضاريس الوعرة، وقد أظهرت القوات المهاجمة بسالة كبيرة تغلبت على التحدي الجغرافي، وأجبرت من تبقى من المرتزِقة على الفرار الجماعي بعد سقوط العشرات من رفاقهم قتلى وجرحى.
وقد تضمن الاشتباك ضربات مسددة وجهتها قوات الجيش واللجان بالصواريخ الموجهة والقذائف على تجمعات وآليات المرتزِقة في تلك المواقع، وحقّقت إصابات دقيقة.
وبالتوازي، كانت وحدات من الجيش واللجان قد أعدت كمائن نوعية على امتداد مسرح العمليات، حَيثُ جرى في تلك الكمائن تدمير وإعطاب العشرات من آليات ومدرعات المرتزِقة، وقطع خطوط إمدَادهم.
وبحسب الإعلام الحربي فقد شمل المسار الأول للهجمات (قبالة جبل الدود) عشرات المواقع أبرزها: تبة الدفاع (الردحة) والمواقع المحيطة به من عدة اتّجاهات، وموقع الصياد والمواقع المحيطة به شرقي جبل الدود، وتبة الصافية، وموقع التحلية، وموقع الشبكة والمواقع المحيطة به، وتبة القمامة والمرتفعات المجاورة لها، والمناطق المحيطة بمنطقة الملاحيط، وتبة أمين1.
وشمل المسار الثاني (قبالة جبل الرميح) تبة شعفان والمواقع المجاورة، وتبة الخزان والعلم، وجبل ظهر الحمار، والمنزالة، فيما شمل المسار الثالث (قبالة جبل جحفان) التبة الحمراء، وجبل الصرخة والمواقع المحيطة به، وجبل الشبكة، والتبة السوداء، وجبل عامر، ومواقع تباب العمودين، وتباب المسيار، وموقع السلام، وموقع الظفيرة.
وفيما كانت تلك المواقع تتساقط تباعاً، كان طيرانُ الأباتشي التابع للعدو يحلِّقُ في سماء المنطقة محاولا إعاقة تقدم قوات الجيش واللجان بعشرات الغارات، إلا أن ذلك لم يفلح، وواصلت وحدات المجاهدين اقتحام أوكار المرتزِقة ومطاردتهم، وقد تناثرت جثث العديد منهم على الأرض، فيما حاول بعضهم الاختباء بين الأشجار لينتهي بهم الأمر أسرى.
ووثّقت عدساتُ الإعلام الحربي اعترافاتِ بعض الأسرى السودانيين بوقوعهم ضحية للتضليل السعوديّ، حَيثُ قال أحدهم إنه تم إخبارهم بأنهم “يحرسون الكعبة” في جيزان!، وهي واحدة من الدعايات التي يطلقها النظام السعوديّ لتحشيد مرتزِقته للقتال بالنيابة عن جيشه العاجز.
وعرضت المشاهدُ أَيْـضاً اغتنامَ قوات الجيش واللجان الشعبيّة لكمياتٍ كبيرة من العتاد العسكري المتنوع والحديث (قناصات وقاذفات ومدفعيات ومعدلات ونواظير متطورة وكاميرات حرارية وبنادق وذخائر) والذي كان بلا فائدة في أيدي المرتزِقة لكنه سرعان ما تحول إلى دعم نوعي للمجاهدين.
وأوضح الإعلام الحربي أن خسائر العدوّ خلال هذا الجزء من العملية تضمنت مقتل وإصابة أكثر من 70 مرتزِقاً، بينهم عشرات السودانيين، وتدمير وإحراق أكثر من 32 آلية ومدرعة (من أصل أكثر من 200 قتيل وجرح وأكثر من 60 آلية خلال العملية كلها).
وكانت القوات المسلحة كشفت قبل يومين عن تفاصيل الجزء الأول من هذه العملية الكبرى، الذي مثل صفعة مدوية لجيش العدوّ السعوديّ، حَيثُ بث الإعلام الحربي مشاهد فاضحة للجنود والضباط السعوديّين وهم يلقون بأنفسهم من المنحدرات الجبلية أثناء الفرار، وتتم ملاحقتهم من قبل قوات المجاهدين.
وكان النظام السعوديّ قد حاول التهرب من تلك الفضيحة بإنكار صحة تلك المشاهد ووصفها بالفبركات، لكن المشاهد الإضافية التي بثها الإعلام الحربي، أمس، ضاعفت تلك الفضيحة وكشفت هشاشة المرتزِقة الذين جلبتهم الرياض بالمال ليحلوا محل الجيش السعوديّ العاجز والضعيف.
وجددت التفاصيل الإضافية للمعركة ومشاهدها التأكيدَ على الرسائل الموجهة للعدو السعوديّ، والتي أفصحت صنعاء عن بعضها، وأبرزها رسالة الإنذار بالتصعيد في العمق السعوديّ إذَا لم تخرج قوات العدوّ من كامل الأراضي اليمنية، بحسب تصريح عضو المكتب السياسي لأنصار الله، فضل أبو طالب، ورسالة التأكيد على تنوع خيارات صنعاء العسكرية للرد على استمرار العدوان والحصار بحسب مأ أكّـد علي القحوم، عضو المكتب السياسي أَيْـضاً.
ما بعد إفشال محاولات “الابتزاز” بالملف الإنساني
يأتي الكشفُ عن تفاصيل هذه العملية متزامناً مع فشل محاولات العدوّ السعوديّ ورُعاته لابتزاز صنعاء من خلال ربط المِلف الإنساني بالمِلفات السياسية والعسكرية، وهو الأمر الذي أوضحه بشكل صريح قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، أمس الأول، خلال لقائه بالمبعوث الأممي مارتن غريفيث، حَيثُ أكّـد السيد أنه لا يمكن القبول بتلك المقايضة على الإطلاق، كما انتقد التواطؤ الأممي مع الابتزاز بالاستحقاق الإنساني للشعب اليمني.
وتقطع تصريحات قائد الثورة الطريقَ أمام الرياض وواشنطن والأمم المتحدة، نحو الاستمرار بمحاولات الابتزاز، أَو تضييع الوقت في نقاشات ولقاءات تدور حول مقايضة الملف الإنساني بالملفات السياسية والعسكرية.
كما يأتي ذلك في الوقت الذي حذّرت فيه صنعاء العدوَّ السعوديّ، على لسان عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي، من الدخول في مرحلة “الوجع الكبير” التي أكّـد أنها “ستصيبُ السعوديّة بالشلل التام”، وذلك توازياً مع استئناف الضربات الجوية للطيران المسيَّر على العمق السعوديّ.
وبالتالي، فَـإنَّ الكشفَ عن تفاصيل هذه العملية في هذا التوقيت يمثل إنذارًا واضحًا للنظام السعوديّ بتصاعد وتيرة الردع، على أكثر من مستوى، وهو الأمر الذي يضاعفُ مَأزِقَ الرياض ورعاتها الغربيين، الذين حاولوا خلال الفترة الماضية خلق ضغوط على صنعاء لوقف التقدم في مأرب.
ووفقاً لذلك فَـإنَّ صنعاء تجعل “وقف العدوان ورفع الحصار” حاجة ضرورية وملحة للنظام السعوديّ، اليوم وأكثر من أي وقت مضى؛ مِن أجلِ الخروج من مأزقه؛ لأَنَّ عواقب استمرار العدوان والحصار ستصبح أثقل إذَا تضمنت اشتعال معركة الحدود إلى جانب تصاعد الضربات الجوية والصاروخية التي أثبتت صنعاء أنها قادرة على توسيعها ورفع وتيرتها إلى حدود لا تتحملها الرياض.
وإذ تقدم صنعاءُ معركةَ “جيزان” كشاهدٍ عمليٍّ على تنوُّعِ خيارات التصعيد، فَـإنَّها تثبت وبما لا يدَعُ مجالاً للشك، تمكُّنَها من التحكم بمجريات المعركة وفقاً لخططها الاستراتيجية، في الوقت الذي يبدو فيه العدوّ فاقداً للخيارات العسكرية وعاجزاً بشكل كامل عن تعويض ذلك الإفلاس عبر المسار السياسي، وهو ما يعني أن فرصةَ صنعاء تبقى -وبصرف النظر عن التفاصيل- أكبر بكثير من فرص تحالف العدوان ورعاته في فرض الواقع وتعزيزه.
صحيفة المسيرة