المستورُ في جزيرة “ميون”.. بركانٌ نائمٌ قابلٌ للاشتعال!
|| صحافة ||
هل يشعل الاحتلال الإماراتي البارود في باب المندب؟ ولماذا فجأةً فُتِحَ البابُ على مصراعَيه ليتداولَ الإعلامُ الأمريكي والغربي والصهيوني ما تقومُ به الإماراتُ في الخفاء من تَعَـــدٍّ على الجزر اليمنية وخَاصَّة في جزيرة ميون الاستراتيجية “بوابة مضيق باب المندب”؟!
مع كشف الوكالة الأمريكية أسوشيتد برس المستور حول قيام الإمارات ببناء قاعدة عسكرية في الجزيرة وإرفاقها شواهد وصور الأقمار الاصطناعية لشركة برانت لابز عن ما يتم من أعمال خفية بميون، ومع إزاحة هذا الغطاء عن أحد أشكال الاحتلال الإماراتي لجغرافية يمنية استراتيجية سرعان ما لجأ تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ لإكساب الحدث شيئاً من التمويه والضبابية وذلك بتأكيده وجود معدات وإمْكَانات قال إنها تخدم أهداف التحالف وَ”باسم التحالف” لكنه لم يذكر من يتولى إنشاء هذه القاعدة، ناهيك عن من يمولها، والتي تشير جُملةُ الشواهد والأحداث أنها مشيخةُ “أبو ظبي”.
لقد حاول الرد السعوديّ أن يخفي وجود شريكته الإمارات من الواجهة وإن كان قد ذكّر بوجود طيرانها في معركة مأرب فكلاهما يتبادلان الأدوار كالحاصل في سقطرى وفي محافظات الجنوب المحتلّة وجزء من الساحل الغربي.
وبالعودة إلى توالي إظهار خفايا ما يحدث في باب المندب لم يتوقف الأمر عند وكالة أسوشيتد برس، فمن حين إلى آخر تتلاحق التقارير والأخبار الغربية المصدر لتؤكّـد وتدعم حقيقة وجود قاعدة جوية على الجزيرة، في محاولة لاستمرار التذكير وإعطاء زخم لهذا الحدث الكبير، فالإعلام الإسرائيلي تحدث عن شروع الإمارات في إنجاز هذه القاعدة المتميزة، فأشَارَت أصابع جيروزاليم بوست الإسرائيلية إلى الإمارات التي تسعى للتحكم بباب المندب أَو هكذا يراد منها أن تقومَ بذلك كوكيلة لأسيادِها في هذا الجزء الحيوي من العالم.
ومع توالي التأكيدات على وجود الإمارات هناك، في محاولة لفرض أمر واقع على الجزيرة، كما فعلت في سقطرى من قبلُ، كانت دواجن الرياض وذباب الإمارات قد أُنهِكت بعد إخفاق محاولاتها تغطية ما بات مكشوفاً من أعمال دويلة المشيخات وخلفها الرياض حول المزيد من انتهاكات السيادة لجزر اليمن ومناطقها الاستراتيجية.
رواية صهيونية
ومع كُـلّ محاولة لتجميل وجه أبو ظبي القبيح، تارةً بقيام إعلام الإمارات بتصوير قطيعٍ من انتقالي الزُّبيدي على الجزيرة يتجولون ويرفعون أعلام الانفصال؛ لإضفاء وجود وسيادة انتقالي عدن عليها، وتارة بإرسال مجاميع خفر سواحلَ لطارق عفاش وصاعقة الانتقالي والتسريب للإعلام أن هؤلاء “حماية” للجزيرة والقول إن ميون بيد خفر السواحل “اليمنية”، كُـلّ ذلك لم ينفع، فعين الشمس لا يغطيها غربالُ أبو ظبي ولا الرياض، فكلما توارى حَدَثُ “ميون” اليمنية عن مشهد الأخبار عاد إلى الواجهة من جديد كشاهدٍ على عبثية أقزام أبو ظبي وتطاولهم على الجغرافية اليمنية.
نهاية آيار/ مايو الماضي وهنا مفارقة أظهرت خيبة التطبيع وخسران المطبِّع على النقيض مما كان يأمل، فقد خرج موقع ديبكا الاستخباراتي الإسرائيلي ليزيد من سخونة الحدث برواية “إسرائيلية” عن القاعدة الإماراتية، واصفاً اياها كمشروع عسكري ذي بُعدٍ إقليمي، سارداً تفاصيلَ وأهميّةَ هذه القاعدة لدولة المشيخات السبع، مفادُها أن هذه القاعدةَ الاستراتيجية الواقعة في قلب مضيق باب المندب، بين البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن، تنطوي على “مشروع عسكري” ذي بُعدٍ إقليمي، وأنها تضم قاعدةً مروحية هجومية ستتيح للإمارات السيطرة على خطوط شحن ناقلات النفط والسفن التجارية عبر باب المندب، وُصُـولاً إلى قناة السويس، وَستمنح الإمارات مِنصَّةً لقوات “الانتشار السريع” للوصول إلى اليمن.
ويزيد “ديبكا” الإسرائيلي التأكيدَ بأنّ الوجود الإماراتي في ميون ليس وليدَ اللحظة، كما لم يكن أول مرة، فقبل 5 أعوام عمدت أبو ظبي إلى بناء مدرج ضخم في الجزيرة، في محاولةٍ للسيطرة على ميناء عدن في جنوب اليمن.
ولأَنَّ العمل يجري على قدم وساق، فشواهدُ ذلك جليةٌ في السفن الإماراتية محمّلة بمعدات هندسية ثقيلة، مواد بناء، وجنود شوهدت ترسو في الجزيرة أوائل الشهر الماضي.
وإذا ما صدق “ديبكا” فالمقرّر الانتهاء من أعمال البناء بميون الشهر هذا أَو الشهر المقبل لقاعدة جوية -يصرح الموقع الإسرائيلي- أنها ستغير ميزان القوى بشكل جذري في منطقة الشحن الدولية الحساسة هذه.
تعليقٌ فرنسي
موقع ” air & cosmos” الناطق بالفرنسية وَالمتخصص في مجال الطيران والفضاء يقول: إن الإمارات تبني قاعدةً “مستقبليةً” للطائرات بدون طيار على جزيرة ميون اليمنية، ناشراً صوراً أُخرى غير تلك التي نشرتها الوكالة الأميركية عن القاعدة العسكرية التي يصفُها أنها موقعٌ استراتيجي للسيطرة على التدفقات التجارية عند مدخل البحر الأحمر وَلتنفيذ عمليات على طول السواحل اليمنية.
وكما شرح الموقعُ الفرنسي صورَ الأقمار الاصطناعية التي نشرها، فقد أظهر وجودَ حضيرتَي طائرات بدون طيار تتطابقُ أبعادُهما مع تلك التي تضم طائراتٍ بدون طيار الصينية المسلحة من طراز (Wing Loong 2) التي نشرها “الإماراتيون” في قاعدة عَصَب بأرتيريا أَو قاعدة الخادم في ليبيا.
وبالعودة لقوائم المبيعات الصينية لهذه الطائرة، يؤكّـد الموقع الفرنسي أن الصين لم تبِع منها لأية دولة خليجية غير الإمارات، وأن الصورَ تظهر بوضوح مدرجاً بطول 3200 متر قادر على استيعاب أي نوع من الطائرات العسكرية، بما في ذلك طائرات الشحن أنتونوف 124 لنقل الرجال والمعدات إلى الجزيرة.
والأكيدُ -بحسب الموقع الفرنسي- استمرارُ الإمارات في نقل الأدوات ومستلزمات الإعمار إلى الجزيرة اليمنية، وَأنه على الرغم من أن “منطقة المعيشة” المخصَّصة للجيش قد اكتُملت في الجنوب الغربي من “ميون” إلا أن القاعدة لم تعمل بعد؛ لأَنَّ مسارَ الوصول والبُنية التحتية واللوجستية لا يزالان قيدَ الإنشاء، وأنه على ضوء كمية الرُّكام الموجود؛ بسَببِ أعمال الحفر، فَـإنَّ القاعدة من الممكن أن تتوسع أكثر.
ويتساءل الموقع: هل ستحل جزيرة ميون اليمنية ستحل محل عصب الأريترية، في وقت تؤكّـد أبو ظبي عزمَها على التجذر حول مضيق باب المندب.
وعلى مقرُبة مما يلوحُ في الأفق من مساعي لإنهاء العدوان على اليمن، تخرج التقارير والدراسات لتكشف ما تقفُ عليه السعوديّة والإمارات اليوم بعد أن خارت قواهما وفشلت محاولاتُ سيطرتهما على اليمن، وتركيزهما نهاية المطاف على قضم -وَهكذا تصور التقارير الدولية- شيئاً من الجغرافية اليمنية بالغة الأهميّة.
بروس ريدل من معهد بروكينغز والمحلل السابق بالمخابرات الأمريكية “سي آي إيه” أشار إلى تعزيز أبو ظبي تواجدها في الجزر اليمنية الاستراتيجية كما هو حاصل الآن واحتلال الرياض للمهرة بعد استحداث عشرات المواقع العسكرية وشراء الولاءات وَربط مصيرها سياسيًّا واقتصاديًّا بالمملكة مع تأكيد ريدل على أن كلتا الدولتين لن تتخليا عن مكاسبهما، ما لم يكن هناك ضغط دولي كبير للتخلي عن تلك المكاسب بالغة الأهميّة.
لعل من البديهي الإدراك في ضوء معطيات اليوم وتغيرات موازين القوى لصالح محور المقاومة الذي ننتمي إليه ومساعي الأمريكان والغرب مرغمين لتفادي المواجهة مع هذا المحور، كُـلُّ هذا يترجم التوجّـه لكسر نَهَمِ أبو ظبي وربيبتها الرياض فيما يتعلق بأطماعهما في اليمن.
وإزاءَ كُـلِّ هذه التقارير الأمريكية والصهيونية والفرنسية فَـإنَّ ما تخفيه هذه الوسائلُ أن ما يحدث في جزيرة “ميون” هو احتلالٌ أمريكي صهيوني “مَخْــفٍ”، في حين يتم الدفعُ بالإمارات للظهور في الواجهة، وبدوره يعملُ الاحتلالُ الإماراتي للدفع بمرتزِقته من مليشيا الانتقالي وطارق عفاش للظهور في “الواجهة”، وتصوير الأمر وكأنه سيطرةٌ يمنية على جزيرة “ميون” بمساندة “إماراتية”، في حين أن الواقعَ يقول إن ما يحدُثُ من استحداثات وإنشاءات في جزيرة “ميون” هو خدمةٌ إماراتيةٌ للأجندة الأمريكية والصهيونية في أهم مضيق عالمي وهو “باب المندب”.
وبالنظر إلى المتابعة اليمنية ولا سيما في صنعاء لما يحدث في جزيرة “ميون” فَـإنَّ المسؤولين يؤكّـدون عدمَ السماح لأية جهة كانت باحتلال اليمن، وأنهم لن يسكتوا على ما يتم من استحداثات، وأن المعركةَ بالتأكيد ستنتقلُ إلى هناك وشراراتها ستُلهِبُ المنطقةَ إذَا ما فكَّــرَ الأعداء بالمكوث في الأراضي اليمنية.
صحيفة المسيرة