مملكة ابن سلمان.. تناقضاتُ الراعي والرعية

‏موقع أنصار الله || مقالات || علي الدرواني

مؤخّراً طالعتنا الصحافةُ الأمريكية مُشَنِّعَةً على السفارة السعوديّة في واشنطن قيامَها بتسهيلات لتهريبِ متهمين سعوديّين بمجموعة متنوعة من القضايا، تشمل جرائم قتل عمد من الدرجة الأولى، وصدم بالسيارة والفرار، والاغتصاب، وحيازة مواد إباحية متعلقة بالأطفال.

الصحيفة التي كشفت أسماءَ وهُــوِيَّات المتهمين، أشَارَت أن مسؤولاً متوسطاً في سفارة الرياض بواشنطن أشرف على عمليات التهريب، وإدارة شبكة من محامين أمريكيين متخصصين في الدفاع الجنائي، قدمت خدماتٍ قنصليةً تقليدية، مثل ترتيب الكفالة والمترجمين الفوريين والتمثيل القانوني للأشخاص المتهمين بارتكاب تلك الجرائم.

الصحافة الأمريكية تشنع على السفارة السعوديّة التسهيل لمجرمين طريقاً للإفلات من العقاب الذي قد يراه البعضُ جزءاً من مسؤوليات السفارة تجاه أبنائها، بغض النظر عن شرعية القيام بمثل هذه الأمور المخلة بالقانون، فهي على أي حال إنما هي تلميذ لدى النظام الأمريكي أكبر مجرم يفلت من العقاب في العالم، والجرائم الأمريكية بحق البشرية أكثر من أن تُحصى، وأشهرُ من أن تخفى، والنظام السعوديّ إنما يطبقُ ما تمليه الثقافةُ الأمريكية، وقد قامت واشنطن بتقديم المساعدة للرياض للإفلاتِ من العقاب في الكثير من جرائمها، لا سِـيَّـما بحق الشعب اليمني، وهي جرائمُ أَدَّت لوضع المملكة على لائحة الأمم المتحدة السوداء أكثرَ من مرة.

نعودُ لحديثِنا عن الرياض وسياستها المتناقضة إزاءَ رعيتها، ففي حين تُنشِئُ شبكاتِ تهريب للمجرمين من الولايات المتحدة، نراها تزُجُّ الشبابَ والمعارضين ودعاةَ الحرية من أبنائها في السجون، بل وصل بها الحالُ للقتل وقطع الرقاب، والتقطيع بالمناشير، وإعدام الأطفال والقاصرين في جريمة يندى لها الجبين، وما جريمة إعدام الشهيد مصطفى آل درويش، بتهم ملفقة، وحتى دون أن يحصلَ أهاليهم على حق دفن ولا استقبال العزاء، حتى منع آل درويش المفجوعين بابنهم من فتح مجموعة تواصل اجتماعي لتلقِّي التعازي.

لا تتوقفُ المفارقاتُ هنا، فالصلفُ السعوديّ ليس له حدود، فإذا كان المعارضون يتعرضون للسجن والقتل، فهذا جزءٌ من ثقافة الفراعنة والحكام الظلمة، لكن ما يثير التساؤل والاستغراب هو حالُ جنود آل سعود في المنطقة الجنوبية، لا سيما الأسرى لدى الجيش اليمني، ولا زلنا نتذكّر الأسير شوعي وحالته الصحية المتردية عندما أطلقت لجنة الأسرى اليمنية مبادرةً لإطلاقه، مقابل إطلاق أسرى مَرضَى في سجون السعوديّة، ولم يقبل آلُ سعود، لينتهيَ المطاف بإطلاق شوعي دون تبادل؛ نظراً لحالته الصحية وضرورة تلقيه العلاجَ في مستشفيات خارج اليمن المنهك صحيًّا واقتصاديًّا و… و…!

من يترك أسراه بالعشرات، وعلى رأسهم طيارون، وضباط وجنود، دون الاهتمام بإطلاقهم وتحريرهم رغم المبادرات اليمينة المتكرّرة لإطلاقهم، هذا لا يمكن أن يكونَ قد نظر إلى المتَّهمين في الولايات المتحدة من واقع انتمائهم الوطني، مع ما نراه من قتل وسجن وتشريد وانتهاكات بحق المواطنين في الداخل، وإهمال لجنودهم الأسرى دون حراك جاد لإنقاذهم، وإن حصل فلا يخلو من مفاضَلة بين أسير وأسير على أُسُسٍ مناطقية، كما كشف عن ذلك رئيس لجنة الأسرى اليمنية مؤخّراً.

التفسيرُ الوحيدُ والمنطقي الذي يمكنُ استنتاجُه بناءً على هذه المعطيات، هو أن المتهمين المهرَّبين من أمريكا، ليسوا مُجَـرَّدَ مبتعثين، وإنما هم عناصر مهمةٌ للنظام السعوديّ أَو جهازه الأمني والاستخباري، أَو على الأقل ينتمون لعائلاتٍ مواليةٍ للنظام أَو مقرَّبين من مسؤولين في النظام.

وهذا يكشفُ حقيقةَ النظام السعوديّ وعلاقتَه برعيته، وهي علاقةٌ لا مكانَ فيها للمعارضة ولا حتى بالكلمة، بل أحياناً غيرُ مسموح بالسكوت، والمطلوبُ من أبناء المملكة هو أن يكونوا تابعين، وفقاً لما تتضمنُه التسميةُ والهُــوِيَّةُ التي يفرضُها آلُ سعود (سعوديّين)، وليست لهم أيةُ هُــوِيَّة غيرها، ولا يَحِقُّ لهم أن يفكّروا إلَّا من خلال ما يرسُمُه أمراءُ آلُ سعود، كُـلُّ هذا بدعم ومساندة أمريكية، تقضي على شعاراتِ الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان.

 

قد يعجبك ايضا