ما بين ارتفاع أسعاره و “انعدامه” ومنظومة آليات “مختلة”.. المواطن يكتوي بنار الغاز المحروم منه

|| صحافة ||

في ظِلِّ استمرار الحصَار على الشعب اليمني ونهب ثرواته وقطع مرتباته، ولدت العديد من الأزمات التي فاقمت من معاناة اليمنيين، لكن تبقى أزمةُ الغاز المنزلي أحدَ أبرز الأتعاب التي يعاني منها المواطنون؛ نظراً للحاجة الماسة إليها؛ كونها المادة الحيوية التي لا غنى عنها في أي منزل مواطن، في حين تتصارع تلك الحاجة الملحة مع عدة عواملَ جعلت أمر الحصول على مادة الغاز صعباً للغاية، سواء من الناحية المادية، جراء ما يعاني غالبية الشعب من حرمان للمرتبات وفرص الدخل منذ نقل البنك من صنعاء، أَو من ناحية تواجد الغاز جراء المرحلة الطويلة والمتعددة التي تمر بها أسطوانة الغاز حتى وصولها إلى المواطن، فمنها ما يدخل عبر مئات النقاط في المحافظات المحتلّة أَو الحرة، وتتطلب مدةً زمنية طويلة، ومنها ما يتم احتجازه عرض البحر ويمنع دخوله وإيصاله للمواطن، وفي كلتا الحالتين تزداد الكلفة ويزداد الطلب، ومع تزداد حدة الأزمة.

وبدورها، تتابعُ صحيفةُ “المسيرة”، بشكل خاص، مآلات هذه الأزمة وتداعياتها وخلفياتها، وأسباب “ازدهارها”، وكلما كانت المراقبة عن قُرب تتضحُ العوائق والعراقيل بشكل أكبر، وقد لا يدركها من يمر من أمام هذه الأزمة مرورَ الكرام، حَيثُ ما يزالُ تحالُفُ العدوان وأدواتُهُ يسيطرون على منابع الغاز والنفط، التي تمد اليمنيين بحاجتهم منها، فيما يمنعون تلك المواد من الدخول بعد شراء سفن محملة من الخارج وشحنها وإجرائها كُـلّ المعاملات المطلوبة من اللجان الأممية ولجان العدوان المفروضة وحصولها على كُـلّ التراخيص اللازمة للعبور، لكن ذلك لا يعفي وجود تقصير من الجهات المعنية بتوريد الغاز، كالشركة اليمنية للغاز، وهو ما دفع “المسيرة” لاستقصاء أسباب التقصير أَيْـضاً، واستقصاء باقي الأسباب، والتي تجمعت كلها كتلةً واحدةً على ظهر المواطن.

 

ارتفاعُ نسبة الحاجة وقلة الكميات الواردة للمحافظات الحرة.. المرتزِقة يساومون وصنعاء بلا حيلة:

صحيفة “المسيرة” حصلت على معلومات من مصادر خَاصَّة “مطلعة” تفيد بوجود علاقة حسَّاسة للغاية بين شركة النفط اليمنية بصنعاء، وبين الشركة في مأرب، تصل حساسيةُ تلك العلاقة إلى حَــدِّ القبول بما تفرضُه مأرب بشأن بيع وتعبئة الغاز لسكان المحافظات الحرة، في حين حصلت الصحيفة على وثائقَ تُظهِرُ نقصَ كميات الغاز المباعة لصنعاء والمناطق الحرة بشكل كبير في النصف الأول من العام 2021م، في وقت تزداد الكثافة السكانية بشكل مُستمرٍّ ومهول، لا سيما في ظل البيئة الطاردة للحياة في المحافظات المحتلّة، والتي دفعت الآلافَ من الأسر إلى النزوح والإقامة في المحافظات الحرة، ومع النقص في كمية الغاز القادمة والارتفاع في الاحتياج والكثافة السكانية، اتضح للصحيفة أول أسباب معاناة الشعب إلى جانب أسباب أُخرى.

وتفيد الوثيقة التي حصلت عليها الصحيفة من مصادر خَاصَّة أن الكميات التي نقصت على أمانة العاصمة خلال النصف الأول من العام الجاري بلغت نحو 300 مقطورة، مقارنة بالعام 2020، وهو ما أثّر بشكل كبير على المستهلكين، وخلّف نسبةَ طلب كبيرةً، زادَ الأزمة حدةً.

وتفيد الوثيقة أن عدداً من المحافظات الحرة كتعز وإب والبيضاء ومحافظة صنعاء وعمران، أَيْـضاً تعاني من نقص الكميات القادمة من مأرب، خلال هذا العام، وهي شهدت اضطراباً في التوزيع ونقصاً في توفير الكميات اللازمة للمستهلكين.

وبما أن قيادة الشركة في مأرب ترفض الإفصاح عن أسباب إنقاص الكميات المباعة لصنعاء والمحافظات الحرة، يرى مراقبون أن مرتزِقة العدوان يستخدمون مادة الغاز الحيوية ملفاً للضغط على الشعب في المحافظات الواقعة تحت سيطرة المجلس السياسي الأعلى، على غرار سفن النفط، وهو ما يؤكّـده التناغم الحاصل بين المرتزِقة وتحالف العدوان في هذا المسار، حَيثُ يعمل الأخير على احتجاز السفن المحملة بالغاز في عرض البحر ويمنعها من الدخول إلى ميناء الحديدة، رغم حصولها على التراخيص اللازمة والتزاماها بكل اشتراطات الأمم المتحدة وتحالف العدوان.

كما يرى مراقبون أن سلطات المرتزِقة في مأرب ينتهجون سياسةً معينةً في بيع مادة الغاز، بحيث يرمون عدة عصافير بحجر واحد، يبيعون الغاز للمحافظات الحرة بكميات محدودة يحصلون من وراءها –في آن واحد– على الأموال التي يحتاجونها، مع الحفاظ على مسار خلق أزمة ومعاناة في صفوف الشعب، وذلك كورقة ضغط على الشعب وتوليد سخط شعبي موجه ضد سلطات حكومة الإنقاذ، وهو ما بدا واضحًا من خلال عدم قدرة المرتزِقة على منع بيع مادة الغاز لصنعاء بشكل كامل؛ بسَببِ أن المحافظات الحرة صارت سوقاً استهلاكية كبيرة تدر لهم بالعائدات التي ينهبونها لصالحهم، في حين يضيِّقون نسبة الكميات المباعة للمحافظات الحرة، بما يولد أزمة وسخطاً شعبياً.

 

ارتفاعُ أسعار الغاز.. كتلةٌ موحدةٌ من الاختلالات:

وفي سياق متصل، هناك عدة عوامل أَدَّت إلى ارتفاع قيمة الغاز وبُعد المسافات الزمنية الدورية في الحصول عليه، سواء المحلي أَو المستورد، حَيثُ تفيد معلومات خَاصَّة لصحيفة المسيرة، أن الظروف التي تمر بها المقطورات بين عشرات النقاط التابعة للمرتزِقة، بالإضافة إلى تقطع الطريق جراء المعارك الدائرة في الخطوط التي تعبر منها مقطورات الغاز كمأرب والبيضاء، علاوة على اختلال آلية توزيع الغاز ومنظومة المراحل التي تمر بها، اتحدت جميعها إلى جانب قيام حكومة المرتزِقة برفع أسعاره، وشكلت كتلة معاناة رفعت من الأسعار وباعدت بين المسافات الزمنية الدورية التي يحصل فيها المواطن على أسطوانته المخصصة، ناهيك عن ازدهار الأسواق السوداء والتي أجبرت المواطن على شراء الغاز بأي مبلغ يقل عن أسعارها الباهظة.

وفي المقابل، حصلت صحيفة المسيرة على معلومات خَاصَّة بشان الغاز المستورد، حَيثُ يتعرض للاحتجاز وفرض الغرامات الكبيرة التي تزدادُ بمرور الساعة، وقد أفادت المعلومات بأن هناك سفينتين محتجزتين من الغاز في عرض البحر مضى على إحداهما نحو ثلاثة أشهر، بواقع غرامات تصل في اليوم الواحد إلى 20 ألف دولار عن كُـلّ سفينة، أي بإجمالي 1.800.000 دولار كغرامات ثلاثة أشهر لإحدى السفن، وهي غرامات يتم إضافتها مباشرة على الكمية، وبالتالي ترتفع أسعارها بمرور أَيَّـام احتجازها،

 

أزمة غلاء الغاز وتواجده.. المتهم بين مأرب وصنعاء:

إلى ذلك، أجرت قناة “المسيرة” تحقيقاً بشأن آليات نقل سلعة الغاز وكُلف ذلك وانعكاسها على الأسعار.

وتقول المعلومات التي حصلت عليها قناة المسيرة: إن تعبئة مقطورات الغاز وتموين محطاته يتم عبر منشآت الشركة أَو عبر القطاع التجاري بشكل مباشر، مشيرةً إلى أن تحويل تعبئة مقطورات الغاز وتموين محطاته عبر منشآت الشركة ليس الحل الأمثل لخفض قيمة أسطوانة الغاز وتخفيف الأعباء عن المواطنين.

وتلفت قناة “المسيرة” إلى أن تحويل تعبئة مقطورات الغاز وتموين محطاته لا يعالج ظاهرة ارتفاع الأسعار، حَيثُ ما يزال محدوداً؛ بفعل عوائق مختلفة.

ومقابل ذلك يتهم مالكو المحطات إدارتَي الشركة في صنعاء ومأرب بإعاقة آلية تعبئة مقطورات الغاز عبر منشآت الشركة، في ظل رفض الإدارتَين في مأرب وصنعاء الرد، غير أن شركة الغاز بصنعاء تصر على رمي أسباب ارتفاع أسعار الغاز إلى قرارات حكومة المرتزِقة في هذا الشأن، حَيثُ يؤكّـد ذلك محمد العبيدي -مدير الدائرة التجارية بالشركة اليمنية للغاز- في تصريحاته لقناة “المسيرة”، فيما يقول العبيدي: إن “تبرير رفع سعر الغاز بارتفاع كُلَفِ الإنتاج غير منطقي؛ لأَنَّ الأصل هو توفير هذه المادة الحيوية بأدنى كلفة وبما يخفف معاناة المواطنين”.

ومع تساؤلات المواطنين عن أسباب انعدام الغاز، تتوالى الاتّهامات الموجَّهة نحو إدارة شركة الغاز بمأرب وصنعاء، غير أن مسؤولين بالشركة في صنعاء تحدثوا عن محدودية الشراء من مأرب وعجز في الحصول على الغاز المستورد؛ بسَببِ القرصنة.

وبالعودة إلى محدودية الكميات القادمة من مأرب، كانت صحيفة “المسيرة” قد حصلت على معلومات تفيد بقيام مرتزِقة العدوان بتهريب ونهب كميات كبيرة من الغاز وبيعها في الخارج، وتبرّر عمليات النهب والبيع في الخارج بالنقص الحاصل في أعداد المقطورات المباعة للمحافظات الحرة، وكذلك بعض المحافظات الجنوبية المحتلّة التي أَيْـضاً هي الأُخرى تناقصت كميات الغاز المخصصة لها مقارنة بما كان يصلها في العام 2020م.

ومع تشابك أسباب أزمة الغاز وتواليها في سلسلة مترابطة، يبقى المواطِنُ بين موجةِ معاناةٍ كبيرةٍ في الحصول على الغاز إلى جانب المعاناة الأُخرى، في ظل وجود عدوٍّ جائرٍ ومرتزِقة تابعين أدخلوا معاناةَ الشعب واحتياجاته خَطَّ المواجهة واعتبروها ورقةَ ضغط وابتزاز، في حين يملأ التقصيرُ إدارةَ شركة الغاز بصنعاء لأسبابٍ ظاهرةٍ وأُخرى خفية فرضتها طبيعةُ المرحلة.

 

صحيفة المسيرة

 

قد يعجبك ايضا