المبعوث الأممي إلى اليمن يعلن فشلَ مهمته قبل أن تبدأ
موقع أنصار الله || مقالات || بندر الهتار
لم تكن الأممُ المتحدة مضطرةً إلى اختيار بديل من المبعوث السابق إلى اليمن مارتن غريفيث، ما دام المبعوث الجديد هانز غراندبرغ سيكون نسخةً مطابقةً عنه، مع تغييرات شكلية فرضتها التحولات في الميدان اليمني. ما يؤكّـد أنَّ هانز غراندبرغ لن يختلف كَثيراً عن غريفيث هو إحاطته الأولى في مجلس الأمن، والتي طرح فيها ما يمكن اعتباره خارطةَ طريق لمهمته التي سيدشّـنها خلال أَيَّـام. كانت العناوين ذاتها، وكذلك الأولويات، وهو ما قد يُحبِطُ دورَه خلال المرحلة المقبلة؛ لأَنَّ فشل سلفه لم يكن لاعتبار شخصه أَو عدم كفاءته، بل لانسجام حركته مع أجندة القوى الأجنبية، ومنها الأمريكية والبريطانية!
جوهر الانحراف في دور الأمم المتحدة في اليمن أنَّها تحاول تصوير الحرب على أنَّها نزاع أهلي بحت، مع إغفال متعمّد لدور تحالف العدوان الخارجي، وعلى رأسه السعوديّة والإمارات، وهي محاولة لا تجد المنظمة الأممية ما يبرّرها. السرّ يتلخَّص في تصريح الأمين العام السابق بان كي مون عقب رفع اسم السعوديّة من قائمة منتهكي حقوق الأطفال، قائلاً إنها هدّدت بقطع التمويل عن برامج الأمم المتحدة، علاوةً على الدور الأمريكي والبريطاني والفرنسي.
لذلك، كانت إحاطة غراندبرغ تتجاهل أية دعوة صريحة تتوجّـه إلى السعوديّة والإمارات، أَو تحميلهما المسؤولية عن الجرائم والتدمير والأزمة الإنسانية وتداعياتها ككلّ. وَإذَا ما تحدث عن ضرورة فتح مطار صنعاء الدولي أَو تخفيف القيود عن ميناء الحديدة، رغم أنَّ المفترض رفع القيود بالكامل، فَـإنَّها دعوات ضمن سياق حديثه عن صراع طرفين محليين، وليس عن وجود طرف خارجي هو الفاعل الحصري في الحصار.
هل السفن العسكرية المنتشرة على طول سواحل اليمن تابعة لحكومة هادي؟ أليست سفناً سعوديّة وإماراتية وأمريكية وبريطانية وفرنسية وحتى مصرية؟ أليس نظام الرياض هو الذي يحظر الطيران في الأجواء اليمنية بدعم أمريكي معلن؟ ألم يتفاخر الناطق السابق باسم التحالف أحمد عسيري بأنهم سيطروا على أجواء اليمن في الربع الساعة الأولى من الحرب؟!
أليس الحصار هو الفاعل الأول في صناعة الأزمة الإنسانية الأكبر في العالم، بحسب توصيف الأمم المتحدة نفسها؟ هل يمكن معالجة هذه الأزمة عبر حكومة هادي التي لا تملك قرار مكان إقامتها؟ ألم تُطرد هذه الحكومة من عدن؟ ألم تعجز عن إدارة أبسط الملفات في مناطق سيطرتها؟ وقد تحدث وزراء سابقون من أعضائها عن انعدام القرار الداخلي وإخضاعه بالكامل للرياض! من يسيطر على مطار وميناء عدن، وعلى المطارات والموانئ في السواحل الجنوبية، ومنشأة بلحاف الغازية وجزيرتي سقطرى وميون وباقي الجزر الاستراتيجية؟ أليست السعوديّة والإمارات عبر تواجد عسكري مباشر؟
أسئلة كثيرة تحاول المنظمة الأممية القفز عنها، مع يقينها أنَّ الإجَابَة عنها ستمثّل المدخل الفعلي لحلٍّ سياسيٍّ وشامل في اليمن، وتتّصل بها أسئلة أُخرى تتعلق باستمرار الحرب وبالأطراف الفاعلة فيه. يكفي أن نعود إلى آذار/مارس 2015م لتذكّر أن سفير السعوديّة أعلن من واشنطن “عاصفة الحزم” لتحالف مكوّن من 10 دول، قبل أن يعلن البيت الأبيض المشاركة في الدعم اللوجستي والاستخباري، ليخرج لاحقاً عبد ربه منصور هادي في مقابلة مع قناة أبو ظبي، ويؤكّـد عدم علمه بالحرب إلا عبر وسائل الإعلام وهو في طريقه من عدن إلى سلطنة عمان، ومنها إلى السعوديّة، هارباً!
وكان المبعوث الأممي الأسبق جمال بن عمر أعلن سابقًا في إحاطته أمام مجلس الأمن قبل مغادرة منصبه أنَّ اليمنيين كانوا على وشك التوصل إلى حَـلّ سياسي للأزمة الداخلية، قبل أن يتفاجأ بالغارات على صنعاء عندما كان يسكن في أحد فنادقها!
لذلك، إن جوهر الحرب والأزمة تحول إلى مشكلة ثانوية في نظر المبعوث الجديد، كما في نظر سلفه، مع التركيز على مهاجمة صنعاء وتصويرها طرفاً لا يدعم السلام. يتضح ذلك من خلال حديث غراندبرغ عن ضرورة وقف العمليات العسكرية باتّجاه مأرب، بينما لم يقدم دعوة مشابهة لنظام الرياض لوقف مئات الغارات أسبوعياً، بل عبّر عن قلقه “بشكل خاص بشأن استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية داخل المملكة العربية السعوديّة”! إضافة إلى ذلك، أشاد بـ”المبادرات التي اتخذها جيران اليمن”، وقال إنها حظيت بدعم كبير ويجب أن تستمر. هذه المبادرات مرتبطة بالأموال التي تنفقها دول العدوان على برامج الأمم المتحدة، ويستفيد موظفوها بقرابة 80 % منها!
بالعودة إلى مأرب، فَـإنَّ صنعاء لا ترفض السلام، ولا تصرّ على استمرار المعارك هناك. وقد ترجمت هذا الموقف بمبادرة سياسية شاملة رفضها الطرف الآخر، لكنَّ المشكلة الحقيقية تكمن في الدعوات الأممية والدولية لوقف إطلاق النار بكونها غير جادة ما دامت تتجاهل معاناة اليمنيين من خلال الدعم أَو الصمت على استمرار الحصار.
وتضيف صنعاء أنَّ معالجة الأزمة الإنسانية تكون عبر رفع الحصار كخطوة أولى لإثبات نيات التحالف الخارجي، كما تؤكّـد أنها لن تسمح بالمساومة في الملف الإنساني مع الملفين العسكري والسياسي، بينما يربط تحالف العدوان مسألة رفع الحصار أَو جزء منه بنقاشات عسكرية وسياسية، كما أن موقف صنعاء، في نظر المبعوث الجديد، لا يدفع باتّجاه السلام، وهو ما بدا واضحًا من خلال دعوته إلى الحوار من دون شروط مسبقة!
وما يمكن تأكيده أنَّ الأسابيع الأولى لمهمة المبعوث الجديد يجب أن تشهد تعديلاً جوهرياً في بعض مضامين إحاطته، أَو سيقود الإصرار عليها إلى تعطيل دور الأمم المتحدة من جديد. ومن المتوقع أن نشهد موقفاً أكثرَ حزماً من صنعاء تجاه سياسة المماطلة التي تنتهجها المنظمة الدولية لأكثر من 6 أعوام.