ثورة 21 سبتمبر قراءة استشرافية في الأهداف (3)

موقع أنصار الله || مقالات || د. حمود عبدالله الأهنومي

في هذه الحلقة سيتم تناول كيفية التحام الحركة الثورية الجهادية بالشعب، وظروف ذلك، وتلاقي الإرادَة الحركية بالإرادَة الشعبيّة للقيام بثورة أصيلة وعظيمة، مع استكناه أهداف الثورة من سياقها التاريخي، وعلى النحو التالي:

وثوق الشعب بأنصار الله كحامل ثوري وسياسي وفكري وعسكري لهذه الثورة كيف ولماذا؟

يتميز الشعب اليمني بالذكاء الفطري، فارتدادات حروب صعدة، وفشل السلطة في القضاء على الحركة الثورية الفكرية المسلحة هناك، بل وتحقيق تلك الحركة الانتصارات، ثم التعامل الأخلاقي الراقي من قبل المجاهدين لخصومهم الآخرين، والصمود الأُسطوري في الجبهات والسجون، كُـلّ تلك العوامل خلقت مزاجا في معظم أبناء القبائل بالتعرف على هذه الحركة، وزيارة معاقلها الأَسَاسية، والدخول في دوراتها الثقافية، وكان المنخرطون الأوائل في مسيرة الجهاد من أبناء هذه القبائل هم السفراء الأولين إلى قبائلهم الذين دحضوا كُـلّ ما بثَّته مطابخ التوجيه المعنوي، وبثَّه الدعاةُ الوهَّـابيون في المجتمع من أكاذيب ومبالغات وأضغان فكرية وعقائدية، وأدَّى هذا إلى نتيجة عكسية، فلم يقتنع المجتمع بفكر هذه الحركة الفتية فقط، بل واتخذ أَيْـضاً موقفا عدائيا من هذه الأدوات والآلات والشخصيات والمكونات.

ثم لما يئس الثوار والمجتمع من أي عملية تغيير بعد المبادرة الخليجية، وقد بدأت الأفكار الثورية والقرآنية تنتشر في أوساط المجتمع بشكل واسع، بالإضافة إلى الخروج الثوري المُستمرّ لشباب الصمود (أنصار الله)، كُـلّ ذلك أَدَّى إلى الحفاظ على جذوة الروحية الثورية، وجعل المجتمع في مرحلة الجاهزية النفسية والروحية والفكرية لأي عمل ثوري قادم.

ثم كانت استعادة جثمان الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي بمثابة استعادة الفكر والثقافة التي جاء بها على نحو جماهيري، وكان التشييع لجثمانه الطاهر يوم 5 يونيو 2013م بذلك الحضور الجماهيري الكبير مفاجئا للسلطة، وأمدّت الحادثة أنصار الله بما يشبه الاستفتاءَ على مشروعهم الذي ينادون به لاستعادة سيادة اليمن وكرامة الأُمَّــة بالتصدي للهيمنة الصهيوأمريكية، على حَــدِّ عبارة الكاتب علي المحطوري في كتابه (21 سبتمبر ثورة أسقطت وصاية، ص32، هامش).

وذات النتيجة أمكن فهمها من الحضور الجماهيري الكبير والمتزايد عاماً بعد عام في مناسبات المولد النبوي ويوم الولاية وغيرهما، على أنه من المفيد القول بأن السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي بما آتاه الله من حكمة وحنكة، حرص منذ تسلُّمِه زمام قيادة المسيرة القرآنية، أن يكون نشاط أنصار الله متجها إلى الناس مباشرة، وقريباً منهم ومن تجمعاتهم الحضرية، ولهذا حرص أن لا يكون أنصار الله بعيدين عن الناس وعن المجتمع حتى في أَيَّـام الاستضعاف منذ لجوئه إلى (نقعة) وَ(مطرة) بعد الحرب الثانية، فآثر السيد أن ينزل منطقة (مطرة) القريبة من المجتمع على (نقعة) البعيدة منه، على أن أدبيات المسيرة تتحدث كَثيراً عن أن ميدان التحَرّك والنشاط هو الناس وقلوبهم.

بعد هذا كله بات المجتمع اليمني بما أثر فيه من عوامل ومتغيرات من جهة، وأنصار الله كمشروع قرآني له رؤية كاملة وشاملة للحياة من جهة أُخرى على موعد للالتقاء في أي عمل مستقبلي يقتضي أن يتوحد الناس إزاءه.

 

تلاقي إرادَة الحركة والشعب على الثورة وأهدافها

لا نستطيع الفصل بين أدبيات الثورة وأهدافها وأدبيات المسيرة القرآنية التي أطلقها الشهيد القائد في محاضراته والتي يشرحها ويقدمها دائماً السيد القائد بأشكال مختلفة، فأهداف ثورة 21 سبتمبر تعتبر جزءًا من أهداف المسيرة القرآنية وإن ركّزت بشكل أخص على الشأن المحلي، ولا سيما في الأهداف المعلنة غداة الثورة.

لقد وجد المجتمع نفسه مهيّأً لحمل مشروع التغيير الذي تمضي فيه المسيرة القرآنية، وعندما توفرت الأسباب الموضوعية للالتقاء تلاقت إرادَة الحركة الجهادية الثورية مع إرادَة الشعب الثائر تحت سقف أهداف ثورة 21 سبتمبر، ومن ثم عمل الجميع في التحَرّك تحت هذه الأهداف الوطنية وتحت تلك الإرادَة الثورية الوثابة.

ومنذ ذلك الالتقاء تحوّلت الحركة الجهادية الثورية إلى ثورة شعبيّة جهادية وازنت بين الحاجة الوطنية الملحة والضرورية وبين واجب الانتماء الديني والإسلامي والعربي، فهي التي تسعى في تحقيق الدولة اليمنية القوية ببعدها الوطني وحاجاتها المحلية مع التزامها بواجباتها على البعد العربي والإسلامي وقضايا الأُمَّــة في فلسطين وغيرها، وبهذا اكتسبت الحركة البعد الشعبي والجماهيري الثوري الذي يتحَرّك كسيل ليجرف كُـلّ ما يقف أمامه من عقبات وكوابح، فصارت عند ذلك ثورة بكل المقاييس، صَعُبَ على سلطة العمالة في صنعاء أن تفكر بمواجهتها بأي نوع من أنواع المواجهة.

 

أهدافُ الثورة من سياق أحداثها التاريخية

تقدّم القول بأن أهداف ثورة 21 سبتمبر لا تختلف في مجملها عن أهداف المسيرة القرآنية، وإن تم فيها التركيز على القضايا الملحة التي كان الشعب اليمني بحاجة إليها؛ إذ يتضح من خلال الأدبيات التي أطلقتْ عشية الثورة وأثناء أحداثها أنَّ من أهدافها تحقيق الحرية لهذا الشعب، ومنع البلد من الوصول إلى حالة الانهيار الشاملة التي يريد الأمريكان وأولياؤهم التهيئة بها للاحتلال المباشر، واستعادة قراره السيادي والسياسي والثقافي والفكري والاقتصادي والاجتماعي والعسكري من الأيدي الأجنبية العابثة، والاستقلال التام والكامل، وتحقيق الكرامة والعزة لهذا الشعب، ورفع مستوى حالته المعيشية والاقتصادية، واستنهاضه في مختلف المجالات والتحَرّك به إلى الوصول إلى ما دأب على تسميته السيد القائد بـ”الحالة الحضارية”.

إن الأهداف الثلاثة المعلنة أثناء الثورة وهي: (إلغاء الجرعة – وإسقاط الحكومة – وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني) لم تكن سوى القشرة الرقيقة العليا المعبرة عن هذه الأهداف العظيمة والغايات الكبيرة، وقد أرادت الثورة بتلك المطالب الثلاثة أن تضعها كمؤشرات على مطالبها المحقة والعادلة، وكانت بمثابة اختبار حقيقي لمدى جدية واستعداد تلك الحكومة التي تزعم أنها جاءت من بوابة ثورة فبراير في إحداث عملية التغيير المطلوبة، وكانت الثورة جادة في استصلاح الحكومة أَو بعض أعضائها ولهذا لم تأت بمطالب تعجيزية، فأتت بأهداف ومطالب مقبولة وسهلة التنفيذ، لكنها تعلم أن استماع الحكومة لمطالب الشعب هذه ولو كانت محقة وعادلة وسهلة التنفيذ يعني أن مرحلةً جديدةً بدأت للتوِّ على يد الشعب الذي بدأ يفرِضُ على حكومته مطالِبَه، وأنها منذ تلك اللحظة يجب أن تعلم وأن يعلم معها أولياؤها الأمريكان والسعوديّون أن الشعب والإرادَة الثورية هي صاحبة القرار والسلطة العليا، وهو ما يعني كف يد الوصاية والهيمنة الأجنبية على البلد ومصيره.

على أن مطلبَ تنفيذ مخرجات الحوار الوطني كان مطلباً شاملاً وعادلاً، ويمكن أن يندرج تحته عدد كبير من الأهداف والغايات العظيمة الثقافية والفكرية والسياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية، ولم يكن طرح هذا المطلب للمزايدة على الحكومة؛ بل لأَنَّ حكومة المبادرة بما حملته من أعباء الانحناء للأمريكي ودول العشر كانت قد حاولت الالتفاف على كثير من هذه المخرجات، وأرادت تنفيذ المخرجات التي ترى فيها مصلحة للقوى السياسية المحلية وللدول الأجنبية المهيمنة على القرار اليمني في حينه، وقد أشار إلى ذلك السيد القائد في خطابه بمناسبة الذكرى الأولى لثورة 21 سبتمبر، وَأَضَـافَ في ذلك الخطاب – بما يشير إلى أن وضع هذا الهدف والمطلب كان واقعيا – قائلاً: “إن أهم عملية سياسية تمت في هذا البلد كانت هي عملية الحوار الوطني، والتي خرجت بجملة من المخرجات المتفق عليها تلك المخرجات المتفق عليها، كان هناك سعي دؤوب عقب ذلك لتلك القوى ذاتها في الخارج والداخل للانقلاب عليها، وتضييع كلما هو مهم داخل تلك المخرجات، كلما يتناسب أَو يلبي مطالب هذا الشعب أَو يحقّق شيئاً من أهدافه”.

لقد نصّت مخرجات الحوار الوطني على معالجات وإجراءات مهمة لعدد من القضايا الملحة، ومنها: القضية الجنوبية، وقضية صعدة، والمصالحة الوطنية، والعدالة الانتقالية، وبناء الدولة، والحكم الرشيد، وأسس بناء الجيش والأمن ودورهما، واستقلالية الهيئات ذات الخصوصية، والحقوق والحريات، والتنمية الشاملة والمتكاملة والمستدامة، وتلك القضايا هي عين ما تطلبه ثورة 21 سبتمبر وثوارها.

وللحديث بقية في الحلقات القادمة..

قد يعجبك ايضا