5 سنوات على مذبحة القاعة الكبرى.. صفحةُ الأحزان لم تطوَ بعدُ
|| صحافة ||
يحتفظُ اليمنيون بذكرياتٍ مليئةٍ بالمآسي والأحزان، لأحداث دَوَّنَها التاريخُ بلونِ الدمِ عن جرائم بشعة ارتكبها العدوان الأمريكي السعوديّ في اليمن منذ بدء عاصفته الهوجاء في 26 مارس آذار سنة 2015.
ومن بين مئات الجرائم، تظل جريمة استهداف عرس “سنبان” في 7 أُكتوبر 2015 واحدةً من الجرائم التي لا يمكن محوها من ذاكرة اليمنيين، وإلى جانبها جريمة استهداف “القاعة الكبرى” التي وقعت في صنعاء في 8 أُكتوبر سنة 2016م.
لقد تفحمت جثثُ بعض المدنيين، وانتشلت جثث أُخرى من بين الأنقاض، وفقد البعضُ قدمَيه، والبعض الآخر فقد بصره، والبعض مات بفعل الدخان الكثيف.. الفاجعةُ ملأت المكانين، وعلى صفحات التاريخ دون اسم العدوان الأمريكي السعوديّ؛ باعتبَاره “المجرم” الحقيقي في هذا التوحش الدموي.
وَفي كُـلّ عام يتذكر اليمنيون هاتين الفاجعتين، بقلوب مكلومة، فجراحُهم لم تندمل بعدُ، وقلوبهم لا يمكن أن تهدأَ إلا بالانتقام والثأر من المجرمين القتلة، فهاتان المجزرتان (سنبان والقاعة الكبرى) كانتا سبباً في تخليدهما في وعي وذاكرة المجتمع اليمني وذلك لسقوط العدد الكبير من الضحايا المدنيين بين شهيد ومصاب وما ألحقهما من مآسٍ إنسانية توزعت على مناطق واسعة على امتداد الجغرافيا اليمنية، فاستهدافُ العدوان لتجمع عرس في قرية سنبان بمنطقة عنس بمحافظة ذمار اليمنية تسبب في استشهاد أكثر من 50 مدنياً، معظمُهم من الأطفال والنساء، وإصابة أكثر من 35 آخرين ومن بين الشهداء القتلى العرسان وعروستاهما، كما أن مجزرة استهداف القاعة الكبرى نتج عنها استشهاد وإصابة أكثر من 700 شخص مدني كانوا متواجدين في قاعة عزاء بالعاصمة صنعاء لتعزية آل الرويشان في وفاة المرحوم علي بن علي الرويشان؛ ولهذا فَـإنَّ الشهداء كانوا من مختلف المناطق اليمنية.
ولا تزالُ فاجعة قصف القاعة الكبرى بصنعاء قبل خمس سنوات إلى اليوم تعتصرُ قلوبَ اليمنيين، حَيثُ يستذكرون مآسيها كُـلّ ما مروا من أمامها، وهي الجريمة أَو الحادثة التي هزت أركان العالم وجعلت تحالف العدوان يقر بإجرامه بعد أن نفى في البداية ضلوعه بها، محملاً حكومة الفارّ هادي المسؤولية الكاملة إزاء ما حدث وذلك بمبرّر نقل معلومات مغلوطة حول الهدف.
ويؤكّـد رئيسُ الوزراء الدكتور عبد العزيز بن حبتور أن هذه كارثةٌ نحييها في كُـلّ عام؛ لأَنَّ ضحاياها أكثر من ألف ما بين شهيد وجريح، مُشيراً بكلمة له في فعالية أقيمت، أمس، بهذه المناسبة في موقع الجريمة إلى “أنه لم نكن نتوقع أن يكون أعداؤنا في هذا المستوى من الخبث والإجرام ويستهدفون اجتماعاً لعزاء آل الرويشان وتضرب القاعة الممتلئة بالمعزين”، مؤكّـداً أن كُـلّ قطرة دم سيدفع ثمنها تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ، وأن قوى العدوان لم تعرف بعد صمود وجبروت هذا الشعب.
أُمُّ الجرائم
لقد جاء استهدافُ القاعة الكبرى بصنعاء ليؤكّـد بما لا يدع مجالاً للشك أن العدوان الأمريكي السعوديّ قد تجاوز كُـلّ خطوطه الحمراء، ولم يضع لعدوانه أي اعتبار إنساني أَو أخلاقي أَو ديني، ولهذا لم يهتم بالعدد الكبير داخل القاعة الكبرى، بل أراد أن يرعب اليمنيين ويدفعهم للهزيمة والاستسلام، وهو في ذلك الوقت كان يعيش في ذروة عدوانه وتوحشه.
ويؤكّـد المسؤولون في صنعاء أن جريمةَ استهداف القاعة الكبرى تعد وصمة عار في جبين المجتمع الدولي الذي يواصل حتى اللحظة تقديم الدعم لدول العدوان وإمدَادها بالسلاح، ضارباً بالإنسانية عرضَ الحائط، ومخالفاً للقوانين والمواثيق الدولية التي يتنطعُ بها عندما يريد أن يُخضِعَ أية دولة أَو قيادة لرغباته وأطماعه، مشيرين إلى أن الشعب اليمني سيظل يتذكر هذه الجريمة البشعة باستمرار ولن يتسامحَ عنها.
ويقول وكيل أمانة العاصمة حمود النقيب إن هذه الجريمة الشنعاء تعتبر أم الجرائم التي ارتكبها تحالف العدوان بحق الشعب اليمني، حَيثُ كان في القاعة كُـلّ فئات المجتمع من مختلف انتماءاتهم وتخصصاتهم، حَيثُ كانوا في يوم عزاء.
ويضيف النقيب أن إقامة المناسبة هي لتذكير العالم الحر بما حَـلّ لليمنيين في مثل هذا اليوم، ليقولوا بأنه يجب أن يقدَّم المجرمون إلى محكمة العدل الدولية؛ باعتبَارهم مجرمي حرب، كما أنها رسالة للعالم بأن اليمنيين لا يمكن نسيان هذه الجريمة ولن تسقط بالتقادم وأنه لن يستسلم وقد اكتشفَ أهدافَ السعوديّة من عدوانها على اليمن.
من جهته، يؤكّـد الخبير والمحلل العسكري العميد عبد الغني الزبيدي أن هذه الجريمة ستظل من أكبر الجرائم التي ارتكبها العدوان السعوديّ في اليمن، وهي تتزامن مع رفع الغطاء الأممي عن التمديد للخبراء الدوليين في هذا المجال، مُشيراً إلى أن الجريمة لن تسقط بالتقادم وهي حاضرة في أذهان الشعب اليمني، وهي واحدة من أكبر الجرائم في العصر الحديث.
ويؤكّـد الكاتب والمحلل السياسي صقر أبو حسن أن اليمنيين وعلى مدى 6 سنوات مضت يتعرضون للمذابح في أعراسهم، ومآتمهم ومناسباتهم الاجتماعية، حَيثُ سمعنا العالم يغضب لكن سرعان ما يطبق الصمت عن تلك الجرائم.
ويزيد أبو حسن بالقول: “العالم شاهد حي على جريمة استهداف الصالة الكبرى في صنعاء، ورغم ذلك لم يصنع شيئاً باستثناء تصريحات لخلق تعاطُفٍ وكسب المزيد من الأموال ثمناً للصمت”.
جريمةُ حرب
وتحت عنوان “الغارة السعوديّة على مراسم العزاء قد ترقى إلى جريمة حرب”، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش: “يجب إجراء تحقيق دولي عاجل ذي مصداقية”، مؤكّـدة أن الغارة التي شنها تحالف العدوان على اليمن بقيادة السعوديّة على مراسم عزاء في العاصمة اليمنية صنعاء، في 8 أُكتوبر/تشرين الأول 2016، يبدو أنها جريمة حرب، وأن الغارة تؤكّـد الحاجة الملحة إلى تحقيقات دولية موثوقة في انتهاكات قوانين الحرب المزعومة في اليمن، داعية الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وباقي الحكومات إلى إيقاف مبيعات الأسلحة إلى السعوديّة كما دعت التحالف للسماح فورًا بالرحلات التجارية إلى صنعاء المتوقفة منذ أغسطُس/آب، للسماح لكل مريض أَو جريح بتلقي العلاج في الخارج.
وتعد جريمة القاعة الكبرى التي ارتكبها تحالف العدوان والحصار من وجهة القانون الدولي الإنساني جريمة ضد الإنسانية حسب ما يؤكّـده أُستاذ القانون الدولي الدكتور حبيب الرميمة.
ويبيّن أُستاذ القانون الدولي الدكتور حبيب الرميمة أن هذ الجريمة تتوافر فيها جميع الأركان التي تضمنتها الفقرة (١/أ) من المادة (7) من النظام الأَسَاسي للمحكمة الجنائية الدولية، منوِّهًا إلى أن أركان الجريمة تتمثل في التالي: “أن يقتل مرتكب الجريمة شخصاً أَو أكثر، بما في ذلك إجبار الضحايا على العيش في ظروف ستؤدي حتماً إلى هلاك جزء من مجموعة من السكان، ثانياً أن يشكل السلوك عملية قتل جماعي لأفراد مجموعة من السكان المدنيين، أَو يكون جزءا من تلك العملية”.
ويتابع: “ثالثاً أن يرتكب السلوك كجزء من هجوم واسع النطاق أَو منهجي موجه ضد سكان مدنيين وكذا أن يعلم مرتكب الجريمة بأن السلوك جزء من هجوم واسع النطاق أَو منهجي موجه ضد سكان مدنيين أَو أن ينوي أن يكون هذا السلوك جزءا من ذلك الهجوم”.
ويرى الرميمة أن كُـلّ هذه الأركان تتوافر في الجريمة ضد الإنسانية التي ارتكبها تحالف العدوان والحصار الأمريكي السعوديّ على بلادنا، وَأن الهجوم كان متعمداً لقتل أكبر قدر من المدنيين، وباستخدام أحدث التقنيات الإلكترونية المجهز بها الطيران الذي استخدم في تنفيذ الهجوم، وعلمه المسبق أن الهدف هو أحد الأعيان المدنية والمتمثلة بمنشأة خَاصَّة تجارية للأفراح وتقبل التعازي والمناسبات الاجتماعية الأُخرى.
ويقول الرميمة: “لكن للأسف الشديد رغم اعتراف قيادة تحالف العدوان والحصار بهذه الجريمة، والإدانات واسعة النطاق من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية نجد أنه الآن وبمرور خمس سنوات على تلك الجريمة التي راح ضحيتها ما يقارب ثمانمِئة ضحية بين شهيد وجريح، أضف إلى ذلك أن بعض المنظمات الدولية غير الحكومية التي تدعي ممارستها نشاط حماية حقوق الإنسان حول العالم كمنظمة هيومن رايتش ووتش أصدرت تقريراً مفصلاً حول الجريمة ذكرت فيه نوع السلاح المستخدم بالهجوم والشركة المصنعة له”.
ويضيف: (إنّ الذخائر المستخدمة في القصف كانت قنابل GBU-12 Paveway II 500-pound صنع شركة رايثون الأمريكيّة والتي توجّـه بأشعة الليزر. وتعتبر شركة رايثيون الأمريكيّة واحدة من أهم شركات تصنيع الأسلحة الأمريكيّة، ولها مقر في المملكة العربيّة السعوديّة في العاصمة الرياض)، مؤكّـداً أن معظم المنظمات الدولية تصدر تقارير ذات المعايير المزدوجة التي تكيل بمكيالين، والتي تخلص إلى توصيات لا ترقى إلى مستوى الاحترام اللازم لقواعد القانون الدولي بشكل عام وقواعد القانون الدولي الإنساني بشكل خاص.
ويلفت إلى أن هذه الجريمة المسكوت عنها قِبل المجتمع الدولي باستهداف تحالف العدوان والحصار لصالة عزاء، تذكرنا بجريمة أُخرى ارتكبتها الولايات المتحدة في 12/ ديسمبر/ 2013 م، باستهداف عرس جماعي في محافظة البيضاء بذريعة أنها تجمعات لتنظيم ما يسمى القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ليتضح الأمر آنذاك أن الغارة استهدفت عرساً لمدنيين من أبناء محافظة البيضاء في رداع.
ويشير الرميمة إلى أن الطيران الأمريكي السعوديّ يساند تلك التنظيمات الإرهابية عند تحرير الجيش واللجان الشعبيّة لمنطقتي يكلا وقيفة والزاهر والصومعة، بل ويوجد لدى تلك التنظيمات أسلحة تحمل علامة الوكالة الأمريكية للتنمية وأن ذلك يؤكّـد مدى استهتار تحالف العدوان والحصار ممثلا بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأدواتهما في المنطقة ٱل سعود وآل نهيان بالقوانين والمواثيق الدولية.
بدوره، يؤكّـد الدكتور عرفات الرميمة -عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة المعرفة- أن تمييع جريمة القاعة الكبرى بالرغم من اعتراف التحالف السعوديّ بارتكابها من قبل وسائل الإعلام العالمية على المستوى الدولي يجسد مدى الصدمة التي أصابت الدول الاستكبارية، الداعم الرئيس للعدوان وخُصُوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
ويوضح الرميمة أن الإدانات والتقارير الصادرة عن المنظمات الدولية والحقوقية وكذا وسائل الإعلام الدولية ليست بدافع الإنسانية مطلقاً وإنما “قرصة أُذن” وتأديب للتحالف الذي خرب لتلك الدول مخطّطاتها المستقبلية من خلال تلك الجريمة، مؤكّـداً أن جريمة القاعة الكبرى وغيرها من الجرائم المروعة التي يرتكبها تحالف العدوان على مدى ستة أعوام فضحت جليًّا ما تدعو إليه المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية من حقوق الإنسان وأن جرائم المدنيين في اليمن كشفت زيف ادِّعاء تلك المنظمات بحقوق الإنسان وانتهاكها لتلك الحقوق من خلال بيع الأسلحة التي يُستهدف فيها المدنيون وكذلك الدعم اللوجستي والاستخباراتي والسياسي لدول العدوان.
ويشير الرميمة إلى أن دول الاستكبار العالمي تمارسُ الحِيَلَ والخداع من خلال المنظمات التي تُستخدم لتمرير المشاريع الإجرامية ولخداع الشعوب التي بات بعض الشعوب يستوعب المخطّطات التي تنفذها تلك الدول، موضحًا أن دول الاستكبار العالمي تستخدم تللك المنظمات كورقة ضغط سياسية على السعوديّة تستخدمها متى شاءت وأنى شاءت؛ كي تحقّقَ بها أرباحاً في المستقبل على حساب دماء الأبرياء، وأن المنظمات الإنسانية والحقوقية هي الورقة التي ستستخدمها دول الاستكبار للابتزاز السياسي والاقتصادي ضد دول العدوان مستقبلًا.
صحيفة المسيرة