الرئيس المشاط: في ذكرى ثورة 14 أكتوبر نستذكر تضحيات الذين رفضوا الوصاية وقاوموا الاستعمار
موقع أنصار الله – صنعاء – 7 ربيع الأول 1443 هجرية
وجه فخامة الأخ المشير الركن مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى مساء اليوم، خطابا إلى الشعب اليمني بمناسبة العيد الـ 58 لثورة الـ 14 من أكتوبر المجيدة.
وبارك الرئيس المشاط لشعبنا اليمني العزيز احتفالاته بمناسبة الذكرى الثامنة والخمسين لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، وتقدم بخالص التهاني للسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، ولأبطال الجيش واللجان الشعبية وكل رفاق السلاح والجهاد، وشركاء الموقف الوطني من الأحزاب ونخب وعلماء ومشائخ وأعيان وأفراد وكل الشرفاء والأحرار في كل مسارات العمل الرسمي والشعبي، وفي جميع ميادين المواجهة والدفاع عن سيادة واستقلال اليمن الحبيب.
مشيراً إلى أنه هذه الذكرى الخالدة نستذكر بكل فخر واعتزاز نضالات شعبنا، وتضحيات أولئك الآباء الكرام الذين رفضوا وصاية الخارج، وقاوموا الاستعمار البريطاني البغيض، وانتصروا في نهاية المطاف لكرامة أرضهم وشعبهم، وسيادة واستقلال بلدهم وقرارهم، تماما كما هو حال شعبنا اليوم بما يجترحه أبناؤه الأحرار من نضالات وتضحيات عزيزة في سبيل المبادئ ذاتها من الحرية والاستقلال والسيادة، ومناهضة الغازي والدخيل، والمرتزق العميل، في مشهد يلغي بحق كل المسافات، ويختزل كل الزمان والمكان، ويجمع بين الأجداد الأحفاد في ذات الخندق الواحد والموحد.
ومن هنا ندرك عظمة موقفنا اليوم، ونعرف معنى أن يكرر التاريخ نفسه، ومعنى أن يتصل العهد بالعهد، والثورة بالثورة، والتاريخ بالتاريخ، والوفاء بالوفاء والانتصار بالانتصار في كل امتدادات ومسارات المواقف المحقة في الأمس واليوم وغدا وبعد غد وإلى الأبد، مثلما ندرك كيف تعيد البشاعات والأطماع والمواقف الباطلة إنتاج نفسها فيرتبط الاحتلال بالاحتلال، والخيانة بالخيانة، والارتزاق بالارتزاق، والخزي بالخزي والعار بالعار في جميع مسارات وامتدادات الباطل من أول نقطة في الماضي البعيد إلى آخر نقطة في التاريخ.
وأضاف: نستطيع القول بأن ثورة الرابع عشر من أكتوبر تنتصب اليوم كأحد المعايير المهمة والدقيقة في مسألة رفع اللبس، وكشف الحقائق وتعرية الخصوم، وانضاج الوعي الوطني العام، وأيضا هي مقياس مهم في مسألة الفرز الصارم بين ورثة التاريخ المشرف، وبين ورثة المواقف المخزية في التاريخ، ولهذا تلاحظون أن المرتزقة يتحاشون الاحتفاء بثورة الرابع عشر من أكتوبر، أو على الأقل يتجنبون الإكثار من الحديث حولها، ويمرون من عليها مرور اللصوص والأدعياء كما هو ملاحظ أنهم يفعلون ذلك لأنهم يدركون بأنهم يقفون على النقيض من جوهرها ومبادئها وكل سماتها السلوكية ومقتضياتها العملية، ويعرفون أنهم كلما تحدثوا عن هذه الثورة بالذات كلما فضحوا أنفسهم أكثر، وأظهروا ظلاميتهم – على نحو أبرز – كامتداد صارخ لسلفهم من أولئك الخونة والمرتزقة الغابرين الذين عملوا في بلاط المستعمر القديم، وفي المقابل فان من دواعي اعتزازنا اليوم أنه يمكن لأي من أبناء شعبنا المناهض للعدوان أن يحتفل مرفوع الرأس بهذه الثورة، وأن يشاهد مبادئ وبنادق الرابع عشر من أكتوبر في أيادي أبطال الجيش واللجان الشعبية وثورة الحادي والعشرين من سبتمبر بوصفهم اليوم الوارث الشرعي والامتداد الطبيعي لكل ما هو مضيء ومشرف من مواقف ونضالات شعبنا العزيز عبر كل تاريخه القديم والحديث.
منوهاً بأن هذه الذكرى تعيد إلى الأذهان مآلات كل الأنماط والمواقف سواءً تلك المتصلة بالمحتل الأجنبي ومرتزقته أو تلك المتصلة بالشرفاء من أبناء الأرض اليمنية، فثورة أكتوبر – وكل ثورات التاريخ ضد العدوان الأجنبي – تؤكد وبما لا يدع مجالا للشك بأن المجد كل المجد دائما وأبدا لمن يقف مع بلده وشعبه، والخزي كل الخزي لمن ينطوي كتابع ذليل للخارج المعتدي، ولذلك أدعوا أنفسنا وخصومنا على حد سواء، إلى التعامل مع ثورة الرابع عشر من أكتوبر كدرس بليغ، من شأنه أن يضع كل فريق في صورة مصيره واستحقاقه الخاص به، فمثلما تورط الغازي القديم في دخول اليمن وهو الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ثم غادرها في الأخير وهو جزيرة صغيرة، سيرحل حتما الغازي الجديد بوضعية مشابهة مالم يتدارك نفسه.
مذكراً بأن أذكى المتورطين في غزو اليمن هو الذي يبادر إلى مغادرتها وهو لا يزال في وضع جيد، وأما بالنسبة للمرتزقة فمثلما استقبلت مزابل التاريخ مرتزقة الأمس ستستقبل حتما مرتزقة اليوم مالم ينقذوا أنفسهم أيضا ويعودوا إلى جادة الصواب، وأما الشعب وأبناؤه الأوفياء فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون وسيكون النصر حليفهم، والمجد والمستقبل الواعد بعض استحقاقهم الخالد إن شاء الله، ومثلما نحتفل اليوم بأوفياء الأمس ستحتفل الأجيال القادمة بأوفياء اليوم، وهكذا هو التاريخ وهكذا هي السنن، فالحق دامغ بطبعه والباطل لاشك زاهق بطبعه، وهي نتائج محسومة سلفا في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولن تجد لسنة الله تبديلا .
لافتاً إلى أن هذه الذكرى تتزامن مع ذكرى أخرى أكبر منها وأعز، ألا وهي ذكرى مولد اشرف الأنبياء والمرسلين، والمبعوث رحمة للعالمين .. أكرم الخلق، ومولى الحق بالحق، وأعز الناس على الناس، سيدنا وحبيب قلوبنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم – صلوات الله عليه وعلى اله، وهي مناسبة تذكرنا – كأفراد وكشعوب ومجتمعات وأيضا كأمة مسلمة – بكل ما نفتقر اليه ونحتاجه من طيب القيم ومعالي الأمور، وتعيد إلى الإذهان أرقى وأنقى الصور والسير التي تجمعنا ببعضنا وتذكرنا بنبينا الواحد، وكتابنا الواحد، وديننا الواحد، وقبلتنا الواحدة، وبأن ما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا، لذلك هي فرصة للتذكير بحاجتنا الماسة إلى العودة لإسلامنا المحمدي الأصيل، بما اشتمل عليه من قيم المحبة والسلام والتسامح والتعايش والعدل والخير ومكارم الأخلاق، وما أحوجنا وأمتنا إلى العودة لكل هذه القيم والمعاني خاصة وأن أمتنا تعيش زمن الحروب والكراهية والإرهاب والتطرف، وما أشد حاجتنا أيضا إلى إعادة تقديم هذا الدين وهذه الأمة من خلال رسول الله صلوات الله عليه وآله، في زمن – مع الأسف – يتعمد أعداء الأمة التعريف بالإسلام وأمة الإسلام من خلال سكاكين القاعدة ومفخخات داعش، وظلامية بعض النماذج الإخوانية.
وبارك للشعب اليمني هذا الشرف الكبير وهذا التفرد والتفوق في طريقة احتفاله بمولد رسول الله، وتعاطيه المتميز مع هذه الذكرى العطرة، وأحث نفسي وكل يمني ويمنية على المسارعة إلى هذا الشرف الرفيع، ومشاركة شعبنا وبلادنا هذا الحضور المهيب، تعزيزا لدور ومكانة اليمن الحبيب، وتجديدا لموقعه المتقدم في نشر الرسالة المحمدية الأصيلة، واعتزازا بخصوصية العلاقة الحميمية التي ربطته برسول الله، وتذكيرا أيضا للصديق والعدو بحب رسول الله لليمن واليمنيين، وكيف كان يتعامل معهم بإجلال كبير، ووصيته للمسلمين نحوهم، وهذه رسائل مهمة يمكن لكل يمني المشاركة في إيصالها بقوة من خلال الحضور والمشاركة، وهي تندرج ضمن واجب الإنسان اليمني تجاه رسول الله وتجاه بلده اليمن، خاصة مع ما يتعرض له الرسول من إساءة على يد أعداء الله، وما يتعرض له اليمن كذلك من إساءة وظلم على يد البعض ممن يفترض أنهم إخوة وأشقاء لليمن وأهل اليمن، ولا يفوتني أن أبارك لأمتنا المسلمة قاطبة بهذه المناسبة الشريفة.
مؤكداً زيف وكذب الخطاب التضليلي الذي يحاول شيطنة صنعاء، وتقديمها كطرف معيق للسلام، أو كتهديد للملاحة في البحر الأحمر، وأنوه إلى أن صنعاء كانت وستبقى الأكثر حرصا على السلام، وأحد أهم عوامل السلم والأمن في المنطقة والعالم، واليها يعود الفضل في استقرار أمن الملاحة في البحر الأحمر، وأذكر بأن صنعاء تقف اليوم في الخطوط الأمامية المتقدمة في التصدي لإرهاب القاعدة وداعش، دفاعا عن أمنها وشعبها، وعن أمن ومصالح الإنسانية جمعاء.
مشيراً إلى أهمية الانفتاح على صنعاء، وضرورة التعرف بشكل مباشر على مواقفها ورؤاها، وما تتسم به من جاهزية عالية للتعاون والتكامل مع كل الأدوار والجهود الداعمة للسلم والأمن، سواء على مستوى اليمن أو على مستوى المنطقة، وفي هذا السياق أحيي كل الدول الشقيقة والصديقة التي قررت مؤخرا الانفتاح على صنعاء، وعدم التأثر بالخطابات المضللة والعدائية لأمريكا وبريطانيا وفرنسا، مؤكدا أن صنعاء هي الممثل الشرعي والواقعي للدولة اليمنية أرضا وإنسانا وتاريخا، وأن كل شبر محتل في يمننا العزيز والغالي سيتطهر من رجس الاحتلال مهما كلف الثمن حتى تتحقق لبلدنا السيادة الكاملة غير المنتقصة على كامل التراب الوطني الغالي وإن طال السرى.
داعياً الخصوم في بعض مكونات التحالف ألا يثقوا بالوعود غير الصادقة والأوهام الكاذبة والزائفة والباطلة من أمريكا وبريطانيا الممثلة للمكون الآخر لهذا التحالف العدواني الغاشم والبغيض، كما أدعوهم أيضاً إلى الوقوف على طبيعة المتغيرات المتسارعة، والمراجعة الجادة وصولا إلى تصحيح نظرتهم تجاه اليمن واليمنيين، كما أدعوهم إلى محاولة التأسي برسول الله صلوات الله عليه وعلى اله، والتعامل مع اليمن باحترام وإجلال كبيرين، وبما ينسجم مع المكانة الرفيعة التي رسمها رسول الله لليمن وأهل اليمن، والمبادرة الصادقة والعملية لإنهاء العدوان والحصار، والاحتلال، ومعالجة آثار وتداعيات هذه الحرب الظالمة، واحترام سيادة واستقلال بلدنا وامنه واستقراره، والكف عن التدخل في شؤونه الداخلية، مؤكدين في المقابل استعدادنا التام للسلام الشامل والدائم، والدخول في ضمانات والتزامات متبادلة لمعالجة المخاوف، وتعزيز المصالح المشروعة للجانبين، والمضي معا في كل ما يبني ولا يهدم، ويجمع ولا يفرق، ويوسع ولا يضيق، وأحذر وبشدة من خطورة الاستمرار في العدوان والحصار على اليمن، ومن مغبة تجاهل هذه الدعوات الصادقة، وكارثية مواصلة القفز على الواقع، وإهدار فرص السلام.