اقتيادُ بحرية اليمن السفينة الإماراتية المعادية.. خياراتُ الدفاع والهجوم
|| صحافة ||
كان العام 2021 حَشْداً من كبار أحداث الصراع انعكست عليه وجوهُ الانتصارات التي حقّقها بواسلُ الجيش واللجان، وَقد مضى تاركًا في تربة خلفه رواسبَ بذوره، وها هو اليمنُ بدأ الحصادَ من اليوم الثالث من العامِ الجديد وفي مسرحٍ بحري مطوَّقٍ بالقِطَعِ البحرية المُعادية، من خلال عمليةِ اقتياد بحرية اليمن سفينة إماراتية عسكرية الشحنة والطاقم، اخترقت المياه اليمنية في البحر الأحمر، ونتائج ذلك لا تقف عند الاستيلاء على السفينة وشحنتها المتنوعة من العتاد العسكري كغنيمة حرب، فهذا هو الضررُ المحدودُ الذي تكبَّدته القوى المعاديةُ، لكن أفدحَ وأخطرَ من ذلك هي أبعادُ ودلالاتُ العملية الخاطفة التي تظهرُ للجميع مع مقاربة العملية، من خلال إثارةِ تساؤلات من مثل ما التكتيك والوسائل المُتَّبَعَةُ لتنفيذ العملية؟ وهل أثارت ردودَ فعل في ظل انتشار الوسائط البحرية المعادية وعلى رأسها الأمريكية؟ ومن أين أبحرت السفينةُ الإماراتيةُ المعادية؟ وأية وُجْهَةٍ كانت تقصد؟ وهل كانت مُرفَقَةً بحماية غير تلك التي كانت جزءًا منها؟ وما رسائلُ العملية في الزمان والمكان.
إشارة مباشرة في طريقة التصدي للخروق البحرية المُعادية
إعلانُ القوات المسلحة عن ضبط سفينة معادية تقل شحنة أسلحة ثقيلة ومتوسطة متنوعة إشارة مباشرة إلى طريقة التصدي للخرق البحري المُعادي، بمعنى أن عملية الاقتياد أَو الضبط -سَمِّها ما شئت- قد تكون اقتصرت على زوارقَ محدودة مُدجَّجة بمغاويرَ امتلكوا الإرادَة والثقة بالله أكثرَ بكثير من الأسلحة التي يحوزونها، هذا من جهة، ومن جهة أُخرى الاقتياد قد لا يعني إجبارَ طاقم السفينة المعادية على التوجُّـهِ نحو وجهة جديدة فقط، بل يحتمل أن يكونَ مغاويرُ البحرية تكفلوا بشكل مباشر بقيادة السفينة وَالإبحارِ بها من نقطة الاعتراض وحتى ميناء الصليف.
احتمالاتٌ تجيبُ على تساؤلات حول ضبط السفينة
ثلاثةُ احتمالات تجيبُ على تساؤلات: أين كانت القواتُ المعادية من ذلك؟ وما مظلة الحماية التي توفرت للسفينة في ضوء شُحنتها؟
الاحتمال الأول: أن السفينة المُعادية أبحرت محمية بما تُقله من شُحنات مُختلفة وَمتنوعة من الأسلحة والعتاد العسكري وَأَيْـضاً بالعناصر التي تقلُّهم ومن جنسياتٍ مُختلفة، وَبالتالي اخترقت المياه الإقليمية اليمنية بناءً على ذلك ودون اكتراث للنتائج التي قد تواجهها نتيجةَ اختراق المياه اليمنية، وبالتالي فَـإنَّ السفينةَ المُسلحة كانت بين خيارين -مع ظهور مغاوير البحرية اليمنية من بين أمواج المياه الإقليمية- خيار المواجهة والاشتباك للإفلات من اعتراض بحرية اليمن وهو، فيما يبدو، لم يحصل، بحسب ما تشير إلى ذلك الرواية الأولية للعملية من اليمن ومن الجبهة المعادية، أي أنها قد عجزت تماماً وانتهت تحتَ القبضة اليمنية.
والخيار الثاني هو أن السفينةَ المعادية في ظل تعرضها للمباغتة اليمنية لم تكن تملِكُ شيئاً لفعله سوى التوقف عن الإبحار نهائيًّا ولكن مع إفراغ مواقع قيادة السفينة والانتقال للغرف الآمنة على اعتقاد أن ذلك سيعيقُ إعادةَ توجيه السفينة يمنياً وسيضع القواتِ المٌعترضةَ أمام مأزق الإبحار بالسفينة المسلحة صوبَ الموانئ اليمنية من جهة، ومن أُخرى انتظار عملية إسناد وإنقاذ من وسائط القوات البحرية المعادية وهي كثيرة، وهذا الخيارُ فشل أَيْـضاً، بل وتعرضت قواتُ السفينة لصدمة ثانية مع استئنافها الإبحار من قبل القوات اليمنية، وهذا يعني أن العملية نُفِّذت وفق ترتيبات شاملة وضعت في حساباتها السيناريوهات المختلفة التي قد تكونُ أمامَها في خضم تنفيذِها عمليةَ الاعتراض، وهذا الوجهُ الأولُ للإنجاز عرض البحر الأحمر.
الاحتمال الثاني: أبحرت السفينة تحت غطاءِ مدَنيتها، بما يوفر ذلك من العبور الآمن، ولكن في ظل الركون على ثقل السيطرة في المسار البحري والانتشار الواسع للوسائط البحرية الأمريكية والصهيونية وغيرها، وَإذَا كان الوضع تحت السيطرة والبحر بحر الأمريكان والصهاينة فلا قلق وإن كان الإبحارُ يتم وسط سخونة المواجهة مع اليمن وفي ظل استهداف خشن لأبنائه من البحر وَالبر والجو، وهذه مغامرةٌ غير محسوبة العواقب وعربدة لم تكن بأي حال تمر دون أي تحَرّك لبحرية اليمن، وقد شهدنا مصاديق ذلك من خلال عملية الاقتياد، والنتيجةُ ضمن هذا الاحتمال هي أن القوى المُعادية قد عجزت عن شن عملية معاكسة وسريعة تحول دون الاستيلاء على السفينة والاشتباك مع بحرية اليمن، وأياً كانت أسباب هذا العجز والإخفاق للمعسكر المعادي، هو بالنسبة للجبهة الوطنية الوجه الثاني للإنجاز.
الاحتمال الثالث: السفينة المعادية أبحرت في ظل الركون على جميع ما سبق كحُزمة متكاملة من التغطية والحماية وتنفيذ الاختراق وتوجيه الإهانة بشكل مباشر وغير مباشر للقوات اليمنية، لكنها تعرضت لإذلالٍ يمني أعزلَ من أبسط الإمْكَانات التي تحوزُها جبهةُ العدوان على اليمن، وهذا بحد ذاته رسالةُ قوة إلى العدوّ مفادُها أن القرارَ بيد اليمن في التصدي لأي خرق وبالطريقة المُناسبة في الشكل والمضمون، وهكذا نخلص إلى أن اقتيادَ بحرية اليمن السفينةَ الإماراتية المُنتهكة للمياه اليمنية في ظل موازين قوى مختل تماماً لحساب القوى المُعادية بما تملكُه من إمْكَانات متقدمة وما تفرضُه من سيطرة مطلقة هو إنجازٌ نوعي وعمليةٌ بالغةُ الأهميّة تجاوزت معها البحريةُ اليمنية النظرياتِ العسكريةَ وكسرت القواعدَ المعمولَ بها في الميدان العسكري، من مثل التكافؤ، وثبتت البحرية اليمنية استراتيجية يمنية مفادُها أن قلبَ الموازين العسكرية يتأتى من خلال الجُهُوزية والاستعداد واليقظة وَالمبادرة وَسُرعة توظيف المعلومات والإمْكَانات المُتاحة ومع بذل كافة الأسباب وبالبناء على عون الله وتأييده، وبالمثل تماماً وجّهت العمليةُ ضربةً جديدةً لعقيدة سعوديّة إماراتية تبني مجملَ سياساتها على حماية القوة الأمريكية، وها قد ثبت من جديد وفي البحر ـ-سبق وثبت ذلك في الجو والبر- أن أمريكا ليست على كُـلّ شيء قدير، كما ينظر إليها النظامان الإماراتي والسعوديّ.
العمليةُ في المكان والزمان
معروفٌ أن العمليةَ جرت في مياه البحر الأحمر ولكن غير معروف من أين أبحرت السفينة المعادية وأين كانت وجهتها؟ لكن مسرح العملية يفيد أن السفينةَ بين أن تكون قادمةً من أيٍّ من الموانئ المحتلّة في خليج عدن أَو البحر العربي أَو المحيط الهندي، وبالتالي فالوجهةُ للسفينة المعادية كانت موانئَ جيزان أَو أنها قدمت من هذه الأخيرة والوجهة الموانئ المحتلّة، وبالنظر إلى أن قوى العدوان سعت جاهدةً إلى رسم توجُّـهٍ عند المتابعين والمحللين يستبعد الخيارَ الأول من خلال الحديث المتوالي عن كون السفينة المسلحة تقل معداتٍ لمستشفى سقطرى، وإلى أن التسجيلات التي وزعتها القواتُ المسلحة من توثيق الإعلام الحربي أظهرت أن شحنةَ السفينة المعادية قد جمعت بين آليات وأسلحة إماراتية وأُخرى سعوديّة، فَـإنَّ الأمرَين معاً على تناقضهما يرجِّحان أن السفينة قد قدمت من موانئ اليمن المحتلّة في محافظات الجنوب، أما ما يفسّر تعمّد قوى العدوان إخفاء وُجهة السفينة ونقطة إبحارها فهو أن المصارحةَ بسحب هذه الشحنة الضخمة من الأسلحة ستوجّـهُ ضربةً جديدة لركون المرتزِقة والخَوَنة بفصائلهم المختلفة، إلى النظامِ الإماراتي والسعوديّ المنافقَين، وتداعيات ذلك معنوياً ونفسياً تزداد ضراوةً وسط سخونة المواجهة على غير جبهة وبعيد الانسحاب والهروب من الساحل الغربي..
في التوقيت يكتسبُ اقتيادُ البحرية اليمنية سفينة معادية، زخمًا لناحية تنفيذِ العملية بعد أكثرَ من شهر من إجراء مناورة للمعسكر المعادي في البحر الأحمر شاركت فيها كُـلٌّ من أمريكا والكيان الصهيوني والإمارات والبحرين، العمليةُ في الزمان رد عملاني متقدمٌ على المناورة المشار إليها من جهة، والأنشطة العدائية المستهدِفة لليمن من المسرح البحري، إذَا كان المعسكر المعادي قد أراد بعثَ رسائل تثبيت قواعد الاشتباك في البحر فَـإنَّ العملية قد أثبتت أن خططَ اليمن الهجومية جاهزة وأنها ستضرِبُ وقتما تشاءُ وترى ذلك، وهكذا تكونُ العمليةُ قد كشفت ضعفَ التقديرات المُعادية حيالَ الاستراتيجية العسكرية اليمنية وخيارات الدفاع وَالهجوم ضمن المواجهة المفتوحة منذ سبع سنوات.
صحيفة المسيرة