أمريكا من الطموح الاستعماري إلى الخروج المذل والانهزامي.. 11 فبراير كمحطات فارقة

|| صحافة ||

تعود ذكرى 11 فبراير إلى الواجهة من جديد، حاملةً معها العديدَ من المحطات المِفصلية في التاريخ اليمني، وما بين 11 فبراير 2011 إلى 11 فبراير 2015 أحداث مليئة بالغطرسة الأمريكية، التي خرجت من اليمن في هذا التاريخ حاملة معها أذيال الهزيمة، بعد أن أعادت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر القرار اليمني من داخل السفارة الأمريكية وغرف عملياتها المنتشرة في مختلف المؤسّسات الحكومية السيادية، إلى يد اليمنيين قيادةً وشعباً، بعيدًا كُـلَّ البُعدِ عن إملاءات الخارج وأوامره التي ظلت جاثمة على صدور اليمنيين لعقود عديدة.

 

11 فبراير 2011م.. هيجان شعبي وتربُّصٌ خارجي يركب الموجة

في الجانب الأول من ذكرى 11 فبراير “الأولى” يتذكَّرُ اليمنيون ثورتَهم التي خرجت ضدَّ الظلم والاستبداد والوَصاية والهيمنة، مندفعين فيها بكل ثوران؛ بحثاً عن المجدِ المفقود، ومطالبين خلالها بمطالبَ محقة وليست مستحيلة أَو غير مشروعة للشعب في الحصول عليها، وفي المقابل كانت السلطة – آنذاك – غير جديرة بمواجهة مطالب الشعب بكل مسؤولية، فلجأت إلى العديد من الأساليب الدموية، تمثلت في اعتداءات متواصلة.

ومع استمرار الثورة وزخمها كان الخارج المتغطرس على موعد مع مؤامرة جديدة، فحرك أذياله في الداخل لركب موجة الثورة وحرف مسارها وتجيير مطالبها، وهو ما أفرغها من مضمونها، فغادرت القواعد الشعبيّة للقوى السياسية التي خرجت للساحات بداية الثورة، المشهد، كأحزاب “الإصلاح”، وعدد من أحزاب “اللقاء المشترك”، بعد أن اكتفوا بالوعود التي قدمتها أحزابُهم، والتي بدورها وصلت إلى الحد الذي رسمه الخارجُ عبر ما أسموه “المبادرة الخليجية” التي زادت من انغماس اليمن في أحضان الوَصاية والتبعية، لتبقى بعدها القاعدة الشعبيّة المحسوبة على مكون أنصار الله هي الوحيدة التي تمسكت بساحات الاعتصامات وظلت لسنوات داخل المخيمات، بعيدةً كُـلّ البعد عن الانخراط في السيناريوهات التي رسمها الخارج في “المبادرة الخليجية”، وأصرت تلك الحشود الثورية على التشبث بمطالبها المبدئية التي لا تقبل المساومة، ولا تخضع للقسمة على “اثنين”.

 

مبادرةٌ مفصَّلَة على المخطّطات الاستعمارية الأمريكية – الخليجية

وعلى إثر التغيرات “الدراماتيكية” على أعقاب الحادي عشر من فبراير 2011، زادت القاعدة الشعبيّة المحسوبة على مكون أنصار الله من رفع وتيرة الثورة، للوقوف بوجه المخطّطات “الاستعمارية” التي أفرزتها “المبادرة الخليجية” المتمثلة في تعزيز التدخل الخارجي وتثبيت جذور الوَصاية والهيمنة الأمريكية السعوديّة الإماراتية، وفرض مشاريع التقسيم والتشطير للبلد ونسيجه الاجتماعي وموروثه الديني والثقافي، لتسهيل عملية احتلاله ونهب ثرواته، حَيثُ تعمّد النظامان الإماراتي والسعوديّ رسم “المبادرة” حسب المخطّطات التي وضعتها واشنطن وأدواتها لتضمن مصالحها غير المشروعة في اليمن، وهو ما فتح شهيتها في تثبيت جذور الوَصاية، ووسّعت من آفاق الهيمنة عبر التوغل الكامل في مؤسّسات الدولة السيادية، منها الجيش والأمن، مُرورًا بالمؤسّسات الحكومية كالوزارات، وعلى رأسها مجلس الوزراء، حَيثُ نصبت واشنطن لمخابراتها غرفة عمليات داخل مقر المجلس للاطلاع على كُـلّ المجريات السياسية والإدارية وإصدار التوجيهات والقرارات، ووُصُـولاً إلى المجتمع بعد أن كان السفير الأمريكي حينها حاضراً في كُـلّ اللقاءات القبلية والمجتمعية، بالتوازي مع تحَرّك ناعم داخل الجامعات والمدارس تحت عدة عناوين استقطابية مخادعة، وغيرها من مظاهر الهيمنة الأمريكية شبه المطلقة التي تضاف إلى كتلة سابقة من السيطرة على القواعد العسكرية اليمنية واحتلال المياه اليمنية الإقليمية واستباحة الأجواء من قبل المقاتلات الأمريكية وغيرها.

 

الشعب في مهمة إنقاذ الثورة ووقف “ركّاب” موجة فبراير

ومع استمرار واشنطن والرياض وأبوظبي في تكريس حالة الهيمنة، منذ “التوقيع على المبادرة الخليجية” وفرض رئيس ومسؤولين بعيدًا عن إرادَة الثوار، وذلك بما يلبي مخطّطات “المبادرة” الاستعمارية التي توسعت أجنحتها لعدة سنوات، كان لزاماً على أحرار الشعب المرابطين في ساحة الاعتصامات الثورية، إنقاذ ثورتهم وإعادتها إلى المسار الصحيح، وسلب ما اكتسبه “المبادرون” المخادعون، ليفجّروا بذلك ثورةً شعبيّةً خالصةً انطلقت من رحم الشعب، وقادها الشعب، وحماها الشعب ومولها الشعب، وأغاثها الشعب من أوساط بيوت الأحرار الثوار، وليس من داخل السفارات.

وهنا مرحلة جديدة كانت فيها ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر الفتية نموذجاً للثورات الشعبيّة الخالصة التي لم تلطخها أيادي الخارج أَو تتمكّن من حرف مسارها، حَيثُ عززت تمسك الشعب والثوار الأحرار بالمطالب المشروعة والمحقة، لتحقيق مصالح الشعب على حساب المصالح غير المشروعة للخارج، وليس العكس – الذي حصل إبان حرف مسار 11 فبراير 2011 – وبهذا نسفت الثورة السبتمبرية الفتية الخالدة كُـلّ المخطّطات الاستعمارية الهدّامة وقطعت أذرع الهيمنة والوَصاية وفتحت باباً جديدًا من التعامل السياسي القائم على الاحترام المتبادل واحترام السيادة واستقلال القرار اليمني.

ومع إصرار ثورة 21 سبتمبر وقيادتها وثوارها على التمسك بالمطالب المشروعة والمحقة والطبيعية التي لا جور فيها على أي طرف – سواء في الداخل أَو الخارج – استكثرت دولُ الهيمنة والاستكبار حصولَ الشعب على حريته وقراره، رغم أن الثورة فتحت صفحةً جديدة من التعامل الدبلوماسي الودي الندّي، وليس المعادي، وحرص الثوار على حماية أبواب السفارات في صنعاء من أي مخطّط استهداف هدفه خلط الأوراق، وفتحت أبواب الشراكة مع الداخل بعيدًا عن الانتقام أَو الاقصاء أَو التهميش، فكل الذي أحدثته هو إعادة القرار اليمني.

وعلى أعقاب الثورة السبتمبرية الفتية، لم يحترم الخارج المستكبر مبادئ الثورة التسامُحية والتصالحية التي لم تعتد على أية سفارة أَو تضايق أي سفير، ولم تهاجم أي “تكتل” أجنبي متواجد داخل اليمن، ورأت تلك الدول الطامعة أن تواجدها في اليمن لم يعد مُجدياً بعد إخراج القرار اليمني من سفاراتها إلى متناول الشعب.

 

11 فبراير 2015.. أمريكا وأدواتها تفقد “مكتسباتها الحرام” وتعود بانتقام

ومع حلول الحادي عشر من فبراير العام 2015م، قرّرت واشنطن الانسحابَ المُذِلَّ من اليمن وأخرجت قوات المارينز، متلفتةً وثائقها وأسلحتها، حتى الثقيل منها، بعد أن فشلت محاولاتها في اختلاق مبرّرات لإرباك المشهد الثوري، وأجبرت معها الدولَ الخليجية الطامعة ومختلفَ الدول الأُورُوبية التابعة للقرار الأمريكي، على الانسحاب من صنعاء، ليكون 11 فبراير 2015م معاكساً لطموح دول الاستكبار التي ركبت موجة 11 فبراير 2011م، رغم حرص الثورة السبتمبرية الفتية وقيادتها على بقاء العلاقات الأخوية مع دول الجوار وإعلان نية بناء العلاقات الدبلوماسية الندّية مع مختلف دول العالم، بعيدًا عن التدخل في شؤون الآخرين، وهي مبادئ محقة ومشروعة لأي بلد ولأي شعب.

وبعد أَيَّـام من الانسحاب الأمريكي المذل، بدأت ملامح مرحلة جديدة تلوح في الأفق، حَيثُ بدأت واشنطن وأدواتها في تصعيد الضغط الدولي على اليمن، بعد انسحاب السفارات الذي كان ممهِّداً لشن العدوان في السادس والعشرين من مارس 2015، لتخوض قوى الاستكبار معركة انتقامية ضد الشعب اليمني، بعد سنوات من التحضير والتمهيد المتمثل في تعطيل الجيش عدةً وعتاداً وعقيدةً، وتفكيك القدرات العسكرية الصاروخية والجوية، وغيرها من الشواهد التي تثبت تربص واشنطن وأدواتها باليمن منذ زمن طويل.

وبالعودة إلى الطموح الأمريكية الخليجية غير المشروعة، بينت السنوات السبع الأخيرة، أن الولايات المتحدة الأمريكية وأدواتها في المنطقة شنت العدوان الوحشي على اليمن؛ بغرض إعادة مكتسباتها “الحرام” التي جنتها من ركوبها لموجة 11 فبراير 2011م وما قبلها، وتتمثل في الهيمنة والوَصاية والاحتلال واستباحة الثروات والمقدرات، محاولة تعويض كُـلّ ما خسرته في 11 فبراير 2015م في انسحابها المذل، الذي نتج عن إرادَة الشعب الصلبة والقوية بامتلاك قراره الحر المستقل وحصوله على كامل حقوقه ومقدراته ومكتسباته “الحلال”.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا