صنعاء: الرياض ليست وسيطاً ورفعُ الحصار أولويةٌ لا تنازُلَ عنها

|| صحافة ||

مع إعلان القوات المسلحة عن تدشين مسارٍ عسكري لكسر الحصار الإجرامي المفروض على البلد والذي يُعتبَرُ آخرَ ورقة ابتزاز يستخدمُها تحالف العدوان والولايات المتحدة ضد الشعب اليمني، وجدت الرياض نفسها مجدّدًا في مأزِقٍ صعب، غير أنها أخطأت التعامُلَ معه كالعادة، فبدلًا عن التحَرُّكِ لرفع الحصار؛ مِن أجلِ “سلامة” منشآتها النفطية، لجأت إلى مناورةٍ سياسية مفضوحة، من خلال دعوة صنعاء للمشاركة في “حوار يمني يمني” داخل المملكة، في محاولة واضحة للتلاعب بالمشهد وبالروايةِ الفعلية للأحداث، وبالتالي الالتفاف على متطلبات السلام الفعلي، الأمر الذي ردَّت عليه صنعاءُ بتأكيد انفتاحها -فقط- على ذلك السلامِ الذي ينطلقُ من واقعِ “الندية” ويضمنُ إنهاءَ المعاناة اليمنية، وهو السلامُ الذي لا تريدُه دولُ العدوان.

 

صنعاءُ ترُدُّ على الدعوة السعوديّة

الدعوة التي أعلن عنها مجلس التعاون الخليجي، الأسبوع الماضي، تخص اجتماعًا من المقرّر إقامته في الرياض نهاية الشهر الجاري، تشارك فيه ما أسماه المجلس بـ”الأطراف اليمنية”؛ بغرض “مناقشة ملفات الحرب” وهي محاولة ليست جديدة لتقديم السعوديّة، وتحالف العدوان بشكل عام كـ”وسطاء” أمام العالم؛ باعتبَار أن ما يحدث في اليمن مشكلة داخلية.

رد صنعاء على الدعوة أوضح ثغراتها الفاضحة وفي نفس الوقت أعاد ضبط المشهد على معطيات الواقع ومتطلبات السلام الفعلي، حَيثُ قال مصدر مسؤول لوكالة سبأ الرسمية: إن صنعاء “ترحِّبُ بأي حوار مع دول التحالف في أية دولة محايدة وغير مشاركة في العدوان سواء من مجلس التعاون أَو غيرها على أن تكون الأولوية للملف الإنساني ورفع القيود التعسفية على ميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي”.

وَأَضَـافَ المصدر أنه “من غير المنطقي ولا العادل ولا الجائز أن يكونَ الداعي والمضيفُ للحوار الدولةَ الراعيةَ للحرب والحصار، ولا يستقيمُ أن تكون هناك دعوةٌ للحوار من جِهةٍ وإرسال الإرهابيين والمفخخات لتفجير الناس في الأسواق والمدن من جهة أُخرى”.

هذا الرَّدُّ أزال الهالةَ الدعائيةَ غيرَ الواقعية التي أراد تحالف العدوان صناعتها حول “دعوة الحوار” وبدلًا عنها أعاد تثبيت الحقائق التي لا يمكن تجاوزها أَو الالتفاف عليها، وأولها أن السعوديّة ليست وسيطا بأي اعتبار، وبالتالي فَـإنَّ أي حوار يجب أن يكون مع دول العدوان مباشرة.

في هذا السياق، يؤكّـد عضو الوفد الوطني عبد الملك العجري أن “المشكلة اليوم هي أن الطرف الرئيس في الحرب (السعوديّة والإمارات) مُستمرّ في التواري خلف شرعية هو أول كافر بها، ولا يريد الإفصاح صراحة عن مطالبه الحقيقية حتى نستطيع مناقشتها، وليكون الشعب شريكًا فيها، وسنوافق على ما يرتضيه الشعب”.

ويفسر عضو المكتب السياسي لأنصار الله، علي القحوم، تواري تحالف العدوان خلف مرتزِقته بأن السعوديّة نفسها “ليست صاحبةَ القرار وإنما هي مع الإمارات أدواتٌ قذرةٌ للأمريكي والصهيوني لتنفيذ مشاريع الاحتلال والتدمير والخراب، فالأمريكي صاحب القرار والعدوان أمريكي سعوديّ إماراتي”.

الحقيقة الثانية التي يثبّتها رد صنعاء على الدعوة السعوديّة هي أن أيَّ حوار فعَّال (مع دول العدوان مباشرة وفي أرض محايدة) يجب أن ينطلقَ من أولوية معالجة المِلف الإنساني بشكل منعزل عن الملفات السياسية والعسكرية؛ لكي يمكن التقدمُ نحو حَـلٍّ حقيقي يضمن إنهاء المعاناة ووقف الحرب بشكل فعلي، وهذا ما يرفُضُ السعوديّون والأمريكيون الاقترابَ منه أصلاً؛ لأَنَّهم يستخدمون الحصار كورقة تفاوض وابتزاز، وهذا ما تبنته إدارة بايدن بشكل معلن.

وبناءً على ذلك فَـإنَّ الدعوةَ السعوديّة ليست أكثرَ من مُجَـرّد “محاولة لذر الرماد في العيون” حسب تعبير رئيس حكومة الإنقاذ، عبد العزيز بن حبتور، الذي أكّـد بدوره أن: “رفعَ الحصار وفتحَ الموانئ والمطار هي شروطُ أي حوار مع دول العدوان”، وأن “الوسيطَ يجبُ أن يكونَ مؤتمنًا ومتوازنًا بين جميع الأطراف والسعوديّة طرف وليست وسيطًا”.

ويسلِّطُ جوابُ صنعاء على الدعوة الخليجية الضوءً على حقيقة ثالثة ترتبط بسابقتها وهي أن “نوايا” التوجّـه نحو السلام غير موجودة أصلًا لدى تحالف العدوان، فحتى إن صرفنا النظر عن أن السعوديّة ليست وسيطًا، وأنها مُصرةٌ على استخدام المِلف الإنساني كورقة مساومة، ما زال هناك واقعٌ تشهد بقية تفاصيله تصعيدًا إجراميًّا مُستمرًّا على كافة المستويات ضد الشعب اليمني، وآخر تلك التفاصيل محاولة الاستخبارات السعوديّة إرسالُ سيارات مفخَّخة لاستهداف الأماكن المزدحمة في صنعاء والمحافظات الحرة، تزامنًا مع محاولةِ تأليب الرأي العام ضد السلطة الوطنية مع الاستمرار بمضاعفة أزمة الوقود من الداخل ومن الخارج.

والحقيقةُ أن السعوديّةَ قد قدمت تلك “الدعوةَ” بصورة أتفه وأوقح بكثير من أن يطلق عليها دعوة حوار أَو سلام، فمضمونُها لم يقل عمليًّا سوى: تعالوا إلى الرياض.

 

تصعيدٌ جديدٌ تحتَ غطاء “السلام”

مما سبق، فَـإنَّ الأهدافَ الحقيقيةَ للدعوة السعوديّة ليست غامضةً، فبصورة عامة: إذَا لم يكن الغرض ليس السلام فهو بالضرورة التصعيد وإطالة أمد العدوان والحصار.

وبشكل أكثر تحديدًا، كشف وزيرُ الإعلام بحكومة الإنقاذ، ضيف الله الشامي، أمس الجمعة، أن: “المعطيات الميدانية تشير إلى تصعيد كبير للعدوان تحت غطاء الدعوة إلى السلام”، وأضاف: “أن الدعوةَ تهدفُ إلى توحيدِ جبهة العدوّ لتحقيق أي نصر”.

هذا ما تؤكِّـدُه كُـلُّ السياقات التي جاءت الدعوة في إطارها، فعلى المستوى الميداني، شهدت الأشهر الأخيرة اندفاعا كَبيراً للعدو نحو التصعيد على أكثر من جهة، أبرزها كان تشديد أزمة الوقود إلى حدود غير مسبوقة، وهو أمرٌ لم يقف عند حدود إنهاك اليمنيين ورفع معاناتهم فحسب، إذ حاول العدوُّ أَيْـضاً توظيفَ هذه الأزمة أمنيًّا واستخباراتيًّا لإثارة فوضى داخل صنعاء والمناطق الحرة توازيًا مع محاولة تفجير سيارات مفخخة.

إن تحالُفَ العدوان يسعى بوضوح وبجهد كبير لجني أي مكسبٍ مع دخول العام الثامن، وهو يعمل على عدة مسارات في سبيل ذلك، أبرزُها الآن هو مسارُ اختراق الجبهة الداخلية الوطنية، و”دعوة الحوار” لا تأتي فقط كغطاء بل أَيْـضاً كمحاولة لحشدِ تأييدٍ ودعم دولي ومحلي من خلال اللعب على وتر “السلام” والوساطة.

ويرى محللون أن السعوديّة كانت تعلمُ أن دعوتَها لن تلقَ الاستجابةَ المطلوبةَ، لكنها تسعى لاستثمار ذلك وتقديمه للعالم كدليل على “تعنت صنعاء” وهذا لا يتعلق فحسب بتبرير ودعم التصعيد، بل أَيْـضاً بمحاولة تقييد خيارات صنعاء للرد، فالدعوة جاءت بعد أَيَّـام من تنفيذ عملية “كسر الحصار الأولى” ضد منشآت تابعة لشركة أرامكو في المملكة، وهي بداية لمسار عسكري جديد يشكل تهديدًا بالغَ الخطورة على مصالح الرياض ورعاتها الدوليين في هذا التوقيت بالذات.

لطالما كان رفعُ دعاية “السلام” هو الحيلةَ الأبرزَ لدى الإدارة الدولية للعدوان؛ مِن أجلِ دعم التصعيد ضد اليمن ومحاولة إرهاب صنعاء وابتزازها، وبالرغم من أن إدارة بايدن قد فشلت في الحصول على أية نتائج من تلك الحيلة طيلة الفترة الماضية، يبدو أن المحاولة لا زالت مُستمرّة، خُصُوصاً وأن الرياضَ بدأت مؤخّراً بلعبِ ورقة “إنتاج النفط” للضغط على الغربِ لمساعدتها في اليمن الذي أصبح قادراً على تهديد ذلك النفط.

وعلى كُـلٍّ، هذه المناورةُ تواجهُ معضلةً كبيرةً تتمثل في أن الغرب قد حاول فعلاً مساعدة الرياض وممارسةَ ضغوط كبيرة على صنعاءَ وفشل، وهناك أمرٌ آخر، هو أن قائدَ الثورة أكّـد مؤخّراً على أن صنعاء “لن تقفَ مكتوفة اليدين في مواجهة الحصار”، وبالتالي، فَـإنَّ السعوديّةَ ورُعاتَها يسلكون الطريقَ الخطأ، مهما كانت حساباتهم.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا