الهدنة تدخل حيز التنفيذ: كسر تعنت العدو وإسقاط كـل ذرائع الحصار
|| صحافة ||
دخلت الهُدنةُ الأمميةُ حيِّزَ التنفيذ، مساء السبت، وسطَ تفاؤل حَذِرٍ بتخفيفِ الأزمة الإنسانية، في حال التزم تحالف العدوان بالاتّفاق الذي شكّل في تفاصيله ومضمونه سقوطًا مدويا لكل ذرائع و”مبرّرات” الحصار الظالم المفروض على البلد، كما عكس بوضوح موقف القوة الذي باتت صنعاء تمتلكه في الميدان وعلى الطاولة بعد أكثر من سبع سنوات من الصمود.
سريع: ملتزمون طالما التزم العدو
وأعلنت المتحدث باسم القوات المسلحة، العميد يحيى سريع، “الالتزام بالوقف الشامل للعمليات العسكرية طالما التزم الطرف الآخر بذلك”.
وحظي إعلانُ الهُدنة بترحيب إقليمي ودولي، فيما توجّـهت الأنظار صوب موانئ الحديدة ومطار صنعاء، حَيثُ يفترض أن يتم البدء بدخول سفن المشتقات النفطية وتسيير الرحلات الجوية المحدودة التي تضمنتها الهُدنة لتخفيف معاناة اليمنيين.
وجاء التفاؤل بتخفيف إجراءات الحصار، مصحوبا بحذر كبير من عدم التزام تحالف العدوان بالاتّفاق؛ نظرًا إلى تجارب السنوات السابقة التي انقلب فيها النظام السعوديّ على الاتّفاقات والتفاهمات.
وأفَادت مصادر محلية بأن ثلاثة مواطنين استشهدوا بقصف صاروخي ومدفعي سعوديّ استهدف مديرية شدا الحدودية بمحافظة صعدة خلال الساعات القليلة التي سبقت دخول الهُدنة حيز التنفيذ، وهو ما اعتبره مراقبون مؤشرا سلبيا مبكرا من جانب تحالف العدوان.
وكان عضو المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي أكّـد، أمس الأول، أن: “مصداقية الهُدنة الأممية مرهونة بالتنفيذ” وأضاف: “على شعبنا اليمني توخي الحذر”.
وعلى الرغم من أن تحالف العدوان كان قد دفع بحكومة المرتزِقة للإعلان عن السماح لسفينتي وقود بالوصول إلى ميناء الحديدة، الجمعة، إلا أن شركة النفط اليمنية أكّـدت، أمس، أن جميع سفن الوقود ما زالت في منطقة الاحتجاز ولم تتحَرّك.
ويرى مراقبون أن لجوء النظام السعوديّ إلى حشد أبواق المرتزِقة في ما يسمى “مشاورات الرياض” قد يأتي في إطار محاولة لاستخدامهم في الانقلاب على الهُدنة.
انتصارٌ لصنعاء
في أبعادها السياسية، وعلى الرغم من أنها لم ترقَ إلى المطالب الرئيسية للسلام الفعلي، مثلت “الهُدنة” إنجازاً كَبيراً لصنعاء في كسر تعنت تحالف العدوان ورعاته الدوليين فيما يخص الحصار، بداية بإسقاط الذرائع والمبرّرات، وُصُـولاً إلى إجبارهم على التعاطي مع معادلة الحرب والسلام التي فرضتها صنعاء في الميدان وعلى الطاولة.
من ناحية، مثّلت بنودُ الهُدنة اعترافًا واضحًا بمسؤولية تحالف العدوان عن معاناة اليمنيين الناجمة عن الحصار، حَيثُ لم يعد هناك مجالٌ لصرف النظر عن أن احتجاز سفن الوقود ومنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة هو السبب الرئيسي لأزمات المشتقات النفطية وما يترتب عليها، كما بات جليًّا أن تحالف العدوان يستخدم إغلاق مطار صنعاء وحصار تعز كأوراق ضغط إجرامية.
وموافقةُ تحالف العدوان على تخفيف القيود المفروضة على موانئ الحديدة ومطار صنعاء في إطار الهُدنة، مثّل سقوطًا مدويًا لكل الذرائع “الأمنية والعسكرية” الزائفة التي ظل العدوّ ورعاته يسوقونها طيلة السنوات الماضية لتبرير الحصار كما ينسف كُـلّ محاولاتهم لإلقاء المسؤولية على صنعاء فتخفيف الأزمة الإنسانية من التزاماتهم هم فقط، وبالتالي فَـإنَّ محاولة الانقلاب على اتّفاق الهُدنة، سيجعل دول العدوان مكشوفةً تماماً أمام الشعب اليمني وأمام العالم.
ومن ناحية أُخرى، مثلت الهُدنة شهادةً واضحة على أن معادلات صنعاء ومواقفها هي الأكثر منطقية وواقعية وثباتًا، وأنه من الضروري معالجة الملف الإنساني بمعزل عن المفاوضات السياسية، وهو ما يعكس بدوره موقف القوة الذي باتت تمتلكه صنعاء الآن؛ لأَنَّ الإدارة الأمريكية كانت قد حاولت سابقًا أن تفرض (مقايضة الملف الإنساني بمكاسب سياسية وعسكرية) كصفقة “سلام” وحيدة ونهائية على الطاولة، لكنها تخلت عن ذلك الآن، وانخفض سقف مطالبها إلى ضمان سلامة منشآت النفط السعوديّة لمدة شهرين!
في هذا السياق، يؤكّـد السياسي اليمني ورئيس تحرير صحيفة “الوسط” جمال عامر، أن “الهُدنة الإنسانية ببنودها التي أعلنها المبعوث الأممي وتوافقت عليها الأطراف تمثل رضوخًا لمطالب صنعاء التي ظلت ثابتة عليها كشرط لوقف استهداف دولتي العدوان والذي ثبت نجاعته”.
ويضيف عامر أن “هذه المبادرة جاءت في ظل متغيرات دولية على كُـلّ المستويات القت بظلالها على دولتي العدوان وهو ما لا يسمح باختراقها بالطرق السابقة” في إشارة إلى أن محاولة الالتفاف على الهُدنة والانقلاب عليها ستكون مخاطرة حمقاء من جانب تحالف العدوان.
وبحسب عامر، فَـإنَّه إذَا لم تكن هناك من نتائج لهذه المبادرة إلا “انكشاف المتسبب بحصار الشعب اليمني ومن بيده الحل والعقد بالدليل القاطع لكان فيه الكفاية”.
المرتزِقةُ خارج الصورة
إعلانُ الهُدنة سلّط الضوءَ على أمر آخر وهو أن أدواتِ العدوان لا يملكون أي قرار في الحرب أَو السلام، ففي الوقت الذي تم الترويج فيه لـ”مشاورات الرياض” بين المرتزِقة بوصفها طريقًا للسلام و”إنهاء الأزمة”، كانت النقاشات الحقيقية تدور بين صنعاء وقيادة تحالف العدوان برعاية الأمم المتحدة.
وقد أكّـدت العديد من المصادر أن المرتزِقة المحتشدون في الرياض لم يكن لديهم أي علم بنقاشات الهُدنة التي رعتها الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي انعكس بوضوح في تعليقاتهم على الهُدنة، حَيثُ أبدى العديد منهم “استياءً” كَبيراً وفاضحاً.
هذا يؤكّـد أَيْـضاً أن إعلان وزير خارجية الفارّ هادي المرتزِق أحمد عوض بن مبارك، الجمعة، عن البدء بإطلاق سفن الوقود وفتح مطار صنعاء وفتح معابر تعز، جاء فقط كمحاولة من قبل السعوديّة والولايات المتحدة الأمريكية لإخفاء مسؤوليتهما عن التزامات الهُدنة، خُصُوصاً وأن تصريحات “بن مبارك” جاءت بعد ساعتين فقط من لقائه بالمبعوث الأمريكي.
ومع ذلك فقد كانت محاولة مكشوفة بوضوح فـ”الندية” بين صنعاء وتحالف العدوان كانت واضحة في نص الهُدنة، وكانت حكومة المرتزِقة غائبة تماماً.
المراوغةُ ستفاقِمُ مأزِقَ العدو
هكذا، مثلت الهُدنة ضربة متعددة الأوجه للعدو الذي يمكن القول إنه تخلّى عن الكثير من المغالطات التي كان يسعى لفرضها كحقائق ثابتة وملزمة، مقابل أن يتجنب الضربات الموجعة لفترة محدودة، وهو أمر ما زال مرهونًا بالتزامه بالهُدنة بحسب ما يشير إليه تصريح ناطق القوات المسلحة بوضوح.
بالتالي، إن كانت دول العدوان تنوي الاستمرار بالمماطلة وعدم الالتزام بالهُدنة ومحاولة استغلالها كفُرصة لكسب الوقت، فذلك سيعني عودة التصعيد، وَإذَا عاد التصعيد فَـإنَّ مأزق العدوّ سيكون أسوأ بكثير مما كان عليه حتى قبل الهُدنة؛ لأَنَّه قد أقر بمسؤوليته المباشرة عن معاناة اليمنيين، والرهان على المرتزِقة أَو حتى على حشد المواقف الدولية في سبيل التغطية على ذلك لن ينفع؛ لأَنَّه لم ينفع قبل الهُدنة أصلاً.
صحيفة المسيرة