وثائقي الدريهمي يعرّي أُكذوبةَ المساعدات: الوجه الأسود للأمم المتحدة
|| صحافة ||
كشفت أحداث العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن طيلة سبع سنوات مضت عن قبح الأمم المتحدة وتعاطيها مع الوضع الإنساني في اليمن، فهي لا تنظر إلى المواطنين اليمنيين بعين الإنسانية، بل تتماهى مع تحالف العدوان وتنفذ الكثير من أجنداته.
وكشفت المشاهد التي عرضها الفيلم الوثائقي الأخير (الدريهمي.. حصار وانتصار) عن قسوة التعامل الأممي مع المدنيين المحاصرين هناك، وتعمدها إدخَال مساعدات فاسدة، مليئة بالسوس، والدقيق الذي تنتشر فيه الديدان من كُـلّ جانب، في خطوة تهدف إلى مضاعفة معاناة المحاصرين في الدريهمي، والاستهزاء والسخرية من معاناتهم التي وصلت إلى حَــدّ لا يطاق.
يقول أحد المواطنين المحاصَرين وهو ينظر إلى كمية الدقيق الفاسد والأسى يملأ كُـلّ جوارحه: “هذه هي مساعدات الأمم المتحدة.. مليئة بالسوس والديدان، لكن لا مجال أمامنا سوى أن نأكلها”، ويؤكّـد آخر أن سكان الدريهمي لم يعولوا يوماً ما على الأمم المتحدة ولا على مساعداتها في إنقاذهم من الوضع الكارثي الذي يعيشون فيه.
وخلال سنوات الحصار عانى سكان مدينة الدريهمي الأمرين، حَيثُ لم يخرج إلى الإعلام سوى النزر اليسير عن تلك المحنة، فقد لجأ العدوان إلى قطع الطرقات، واستهدف خزانات المياه وخطوط الكهرباء، ومنع دخول الدواء والغذاء، كُـلّ ذلك كان يتزامن مع تكثيف الغارات الجوية، وإطلاق النار بمختلف أنواعه على مساكن المواطنين بالدريهمي.
ولعل واحدة من أسوأ المشاهد التي بثها الإعلام الحربي، هي معاناة القطاع الصحي، وتعرضه للقصف المتواصل من قبل غارات العدوان، حتى وصل الحال بالمواطنين المحاصرين إلى موت بعضهم دون الحصول على الدواء والرعاية الصحية، ثم تظهر بعض المشاهد السكان وهم يأكلون من أوراق الشجر، لتكشف عن قسوة المعاناة وجحيمها المتقد، إضافة إلى تعمد طيران العدوان قصف مياه الآبار، وخزانات المياه فوق منازل المواطنين؛ بهَدفِ إبادتهم والقضاء عليهم، مستغلين حالة التجاهل العالمي حول ما يحدث في هذه المدينة المحاصرة.
وبعد سنوات من المعاناة تتدخل الأمم المتحدة، لترسل قافلة غذائية إلى السكان المحاصرين، حَيثُ امتلأت بالديدان التي كانت في أكياس يقال عنها دقيق قمح أمريكي، وبعض من الدبات التالفة ومستلزمات لا تغني عن الموت جوعاً وعطشاً ومرضاً شيئاً.
ويقول المحامي والناشط الحقوقي القاضي عبدالوهَّـاب الخيل، معلقاً على نوعية المساعدات التي قدمتها الأمم المتحدة لمحاصري الدريهمي، وكذلك تعاملها مع ذلك الحصار: “الأمم المتحدة هي المسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين، وتحقيقاً لهذه الغاية فهي مُلزمة باتِّخاذ التدابير المشتركة والفعّالة لمنع الأسباب التي تهدّد السلم ولإزالتها، وَقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، وما هو ثابت في (مقاصد الهيئة ومبادئها) المذكورة في المادة (1) بالفصل الأول من ميثاقها الأَسَاسي.
ويضيف الخيل: “ومقارنة هذا المبدأ مع دور الأمم المتحدة تجاه ما يتعرض له أبناء اليمن منذ “8” أعوام من عدوان وحصار وجرائم حرب ضد الإنسانية وانتهاكات جسيمة للقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية والإنسانية، يتأكّـد لنا وبما لا يدع مجالاً للشك بأن الأمم المتحدة متنصلة تماماً عن مبادئها ومقاصدها الأَسَاسية التي كانت السبب لإنشائها، بل إنها متواطئة ومتماهية تماماً مع قوى تحالف العدوان في كُـلّ الجرائم التي ارتكبوها بحق اليمنيين، وعلى سبيل المثال لا الحصر فَـإنَّ جريمة حصار مديرية الدريهمي التي استمرت لأكثر من عامين، والتي يصفها القانون الدولي الإنساني الحديث بأحد أساليب الحرب، فتجويع المدنيين –أي حرمانهم من الطعام عمدًا– تحظرها (القاعدة 53) المستمدة من مبدأ التمييز المنصوص عليه في القانون الدولي الإنساني، للمرة الأولى في البروتوكولين الإضافيين لعام 1977 (المادة 54 (1) من البروتوكول الإضافي الأول، المادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني)، وتعتبر اليوم قانونًا عرفيًّا في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
ويؤكّـد الخيل أن سلسلة وثائقي “الدريهمي حصار وانتصار” كشفت بالأدلة الموثقة والمرئية عن أبشع جريمة حرب ضد الإنسانية تعرض لها أبرياء تلك المديرية، وبينهم أطفال ونساء وكبار سن ومرضى، والتي لم تتوقف عند حَــدّ الحصار والتجويع المتعمد للمدنيين الذي تسبب بموت أطفال وكبار سن من الجوع ونقص الأدوية، بل واستهداف المنازل والمنشآت الصحية والخدمية بشكل هستيري نتج عنه استشهاد الكثير منهم.
وأمام بشاعة هذا الجرم وقفت الأمم المتحدة متنصلة عن مسؤولياتها، مؤكّـدة تماهيها مع قوى تحالف العدوان في حصار الدريهمي، حتى أن القافلتين التي أدخلتهما إلى المدينة وخرجت تتباهى بها في وسائل الإعلام، لم تكن إلا أغذية فاسدة غير قابلة للاستهلاك الآدمي في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان واحتقار لكرامته والكلام للخيل.
فسادٌ إداري وأخلاقي
ويصف مستشار المجلس السياسي الأعلى وعضو رابطة علماء اليمن وأمين عام حزب الأُمَّــة، العلامة محمد أحمد مفتاح، ما سمته الأمم المتحدة ومنظماتها العاملة في اليمن بالمساعدات الإنسانية المقدمة للمواطنين المحاصرين في مدينة الدريهمي، عبارة عن أكياس من الديدان والحشرات، بل كانت كمية الديدان أكثر من كمية الدقيق بالإضافة إلى العلب التالفة، وأشياء أُخرى ليست من أَسَاسيات الحياة في مشهد مؤسف ومقرف إنسانياً وسياسيًّا وأخلاقياً.
ويقول مفتاح: “للأسف بأن تصل المنظمات التابعة للأمم المتحدة إلى هذا المستوى من الفساد الأخلاقي والفساد الإداري، بحيث لا تخجل منظمة دولية كبرى من أن توصل شحنة قليلة، وفاسدة وتالفة إلى ناس مضطهدين مظلومين محاصرين لا ذنب لهم ولا قوة عليهم إلَّا أنهم بقَوا في منازلهم”.
وعن استمرار حكومة صنعاء بالتعاطي من منظمات من هذا القبيل يقول مفتاح: “تستمر صنعاء في تعاطيها من المنظمات الأممية في محاولة للتخفيف من معاناة الناس عندما كانوا يعانون من قصف الطيران والحصار والجوع وعدم توفر الأدوية والمياه التي دمّـرت خزاناتها بقصف الطيران المعادي، فكانت الضرورة بأن تتعاطى حكومة الإنقاذ مع هذه المنظمات لمحاولة التخفيف، ولم تكشف الحقائق عن أداء هذه المنظمات إلا عندما لامست الواقع وظهرت بوجهها القبيح والأكثر توحشاً، عندما تم استلام هذه المواد وظهر أنها فاسدة وتالفة كفساد الأمم المتحدة ومنظماتها لتتضح بأنها من أسوأ ما قد رآه الناس من أنواع الفساد”.
صحيفة المسيرة