مأساة الحسين تتجدد
موقع أنصار الله ||مقالات ||أحمد يحيى الديلمي
يبدو أن لكل زمن كربلاء ، ولكل دهر معاوية ويزيد، مقابل حسين يرفع راية الحق ويصد الباطل ، هذا ما يؤكده الواقع اليوم من خلال ردود الأفعال التي قرأناها عبر وسائل التواصل الاجتماعي للمحتجين على إحياء يوم كربلاء ، وهو ما يؤكد أن النهج الأموي بكل ما اشتمل عليه من صلافة وغلو في الحقد والكراهية لآل البيت لا يزال يتناسل ، واستقر في نهاية المطاف داخل كهوف الوهابية بأفرعها المختلفة وحركة الإخوان المسلمين باتجاهاتها المتسمة بالضيق والانغلاق والغلو والتطرف، لذلك لا نستغرب عندما نسمع أحدهم يُردد ما كتبه المسمى بشيخ الإسلام ابن تيمية وهو يقول: سيدنا يزيد اجتهد فأخطأ وغفر الله لسيدنا الحُسين ، هذه المقاييس انتشرت واتسع نطاقها في الزمن الراهن بفعل نفس النفوس التي تتعاطى مع الدين بجهل ورغبات خفية ونوايا مُبيتة لتحاول توظيف مضامينه السامية لخدمة أعداء الإسلام سواءً علمت أو لم تعلم .
لم يكن الأمر بالبساطة التي يعتقدها البعض ، بل ها هي الأيام تؤكد عودة النهج نفسه إلى نجد والحجاز بفعل طيش وغلو المدعو ابن سلمان بكل ما هو عليه من عمالة وخيانة وانتماء فِعْلِيّ للماسونية الصهيونية ، فلقد حوَّل الأراضي المقدسة إلى حانات ومراقص ونواد للسهرات الليلية ، فأعاد الوضع ذاته الذي أشاعه يزيد في يوم ما ، فكان السبب الأكبر لخروج الحسين ، ومن يراجع كتاب المسعودي رحمه الله «مروج الذهب « والذهبي في كتابه «سير أعلام النبلاء» سيجد أن نفس المشهد يتكرر، وبالفعل مأساة الحسين تتجدد ، إن لم يكن في كربلاء فلقد تجددت في جرف سلمان وفي الصالة الكبرى وفي نقم وفي عطان وفي مواقع كثيرة في أرض اليمن ، كما تتجدد اليوم في فلسطين الجريحة بمباركة يزيد هذا العصر ، كيف لا وقد استهدفت الأطفال والنساء والشيوخ وحتى البهائم فكانت أكثر فداحة وأكثر عنفاً مما جرى في كربلاء ، إذاً الحسين براياته العظيمة ونهجه القويم لم يكن إلا عنواناً لما سيجري في الزمن المتعاقب ، وها نحن نشهد بأم أعيننا مآسٍي تكرر في كل بقعة من أراضي المسلمين بفعل إمعان البعض في الخيانة والرغبة الأمريكية البريطانية اللعينة التي تُريد أن توطد دعائم الصهيونية على حساب أي شيء بما في ذلك المبادئ والقيم الإنسانية التي يتباهون بها لمجرد المباهاة للتغطية على ما يمارسونه من أعمال إجرامية فادحة في الواقع الحياتي اليومي .
قال الإمام الحسن البصري رضي الله عنه ( لقد استحق معاوية اللعن كل صباح ومساء لو لم يكن إلا أنه أمّر على المسلمين ابنه يزيد وهو يعلم أنه فاسق قاتل للنفس المحرمة ).. أوردت هذا النص لأولئك الذين لا يزالون يتأففون من الحديث عن مساوئ معاوية ابن أبي سفيان لعنة الله عليه ، فهذا الإمام الحسن البصري معروف باتزانه ووسطيته ، وأن يقول هذا الكلام فيعني أنه وصل إلى الحقيقة الكاملة وأفصح عنها براءة للذمة.
وهكذا كان خروج الحسين عليه السلام لكي يحمي الإسلام من الانحرافات الكبيرة التي كان يزيد يحاول تأصيلها في الأمة ، وكما قال أحد الكُتاب المنصفين بعد ما أحدثه يزيد من انحرافات كانت الأمة بحاجة إلى صعقة كهربائية وكان الحسين هو الفداء وهو التضحية من أجل كل المسلمين ، وهكذا سار على نهجه العديد من أئمة آل البيت عليهم السلام ، لأنهم كانوا الأكثر التزاماً بمضامين النهج النبوي القويم ، وهم من ترجموه إلى قواعد حاكمة كما هو حال حليف القرآن الإمام زيد بن علي عليه السلام ، فلقد طور فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإقراره لمبدأ الخروج على الحاكم الظالم ، فكانت أبلغ صورة وترجمة لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنها تطال الأعلى دون الأدنى ثم تأتي إلى الأدنى ، وليس العكس كما يحدث اليوم فإنهم يقيمون الحد على الأدنى ويتركون الأعلى ، وهذا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في نظرهم اتقاءً للفتنة ولما هو أكبر ، كما أشار إلى ذلك المدعون للعلم ممن تصدروا الفتوى من أتباع الوهابية أو الإخوان المسلمين ، حيث استندوا إلى حديث لا أعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سينطق به ، وجاء في النص ( أطع ولي الأمر وإن سلخ جلدك أو كسر عظمك) إنا لله وإنا إليه راجعون ، أي شيء يرجى من هذا الولي ، وبالفعل لقد تآمر على الأمة ولاة قد صنعوا أكثر من هذا ، كما يحدث اليوم من أمراء النظام السعودي ومشايخ الإمارات كلهم يسيرون على نفس النهج المنحرف ويتلحفون بالإسلام لمجرد التغطية ، نكرر إنا لله وإنا إليه راجعون ، فهي العبارة التي رددها الإمام الحسين بن علي عليه السلام وهو في طريقه إلى كربلاء ، فلما سأله ابنه علي الأكبر (أراك تسترجع يا أبي هل حدث شيء؟!) أجاب عليه السلام (كيف لا أسترجع يا بُني وأنا أرى القوم يسيرون ومصارعهم تسير قبلهم).. إذاً ومن كل ما تقدم نتأكد أن مأساة الحسين تتكرر مع اختلاف الأشخاص فقط ، أما الجريمة فهي تحدث بصور متفاوتة.. ونسأل الله اللطف للأمة وحماية الدين القويم من مثل هذه الانحرافات ، والله من وراء القصد …