صراعُ المرتزِقة في شبوة.. تفكُّكُ معسكر العدوّ والنهايةُ الحتمية لمسار الخيانة
||صحافة||
تصدَّرت جولةُ الصراع الحاليةُ بين فصائل مرتزِقة العدوان الأمريكي السعوديّ واجهةَ المشهدِ كفضيحةٍ لتلك الفصائل ومشغِّليها على حَــدٍّ سواء، إذ أبرزت هذه الجولةُ بشكل واضح حجمَ تفكُّك معسكر العدوّ وعمق الانقسامات بين أطرافه، كما برهنت على سوءِ النهاية الحتمية المخزية التي تنتظرُ كافةَ المرتزِقة في طريق الارتهان والعمالة للغزاة.
الجولةُ الجديدة التي دارت رحاها في محافظة شبوة المحتلّة، جاءت بعد محاولات من قبل دول العدوان للملمة صفوف المرتزِقة وتوحيد فصائلهم تحت “قيادة” واحدة ممثلة بما يسمى “المجلس الرئاسي” الذي شكّلته السعوديّة مطلع أبريل الماضي، والذي كان من أبرز مهامِّه المعلنة “إعادة هيكلة” قوات المرتزِقة لغرض إنهاء الانقسام فيما بينها وتوحيدها ضد صنعاء والقوى الوطنية.
هذا الفشل لم يكن مفاجئاً، فعمليةُ تشكيل ما يسمى “المجلس الرئاسي” للمرتزِقة كانت في حَــدِّ ذاتها خطوة مهيِّئة لانفجار الأوضاع بينهم مجدّدًا؛ لأَنَّ “المجلس” كان مفخخاً بـ”قواعدَ منظمة” تحافظ على استمرار الانقسام والصراع بين مرتزِقة حزب “الإصلاح” والمليشيات الموالية للإمارات، وهو ما حدث بالفعل في شبوة التي كان مرتزِقة “الإصلاح” يعتبرونها المعقلَ الرئيسيَّ البديلَ لهم بعد مأرب، قبل أن يتم تسليمُها بتوجيهات من دول العدوان لمليشيات الإمارات، الأمر الذي فتح جولة جديدة من الصراع المُستمرّ بين طرفي المرتزِقة اللذين لم يسهم تشكيل “المجلس” في تخفيف حدة النزاع بينهما.
والحقيقةُ أن مهمةَ توحيد فصائل المرتزِقة كانت دائماً مهمةً مستحيلة على قوى العدوان، نظرا للتكوين الفوضوي لتلك الفصائل وتعدد ولاءاتها وغياب المشتركات الحقيقية فيما بينها، وفوق ذلك، تعدد أجندة دول العدوان نفسها التي تدعم تلك الفصائل وتحَرّكها.
وإلى جانب إثبات استحالة توحد مرتزِقة العدوان، سلطت الجولة الأخيرة من الصراع بين المرتزِقة الضوءَ على عدة أمور فاضحة أُخرى تخص العلاقة المخزية بينهم وبين دول العدوان، حَيثُ تعرض مرتزِقة حزب “الإصلاح” لمعاملة مهينة للغاية حوّلته إلى مادة للسخرية والتندر، فدول العدوان لم تكتف باستبدال سلطته في شبوة فجأة، بل حولته إلى “متمرد” وهي نفس الصفة التي لطالما كان “الإصلاح” يطلقها على المليشيات التابعة للإمارات والتي بات تحالف العدوان يقدمها اليوم كسلطة رسمية في شبوة، لكنها قد تصل إلى المصير نفسه في أية لحظة.
هذه الإهانةُ تضمنت عمليات قصف جوي استهدفت عناصر حزب “الإصلاح” وأوقعت منهم عدداً كَبيراً من القتلى والجرحى؛ بذريعةِ “إخماد الفتنة”، وهو الأمر الذي وضع “الحزب” في المأزق المخزي والمحرج الذي تعرض له عدة مرات من قبل والمتمثل بعجزه عن الاعتراض على قصف قواته وطردها، لكن درجة الإهانة كانت أكبر هذه المرة؛ لأَنَّ ما يسمى “المجلس الرئاسي” نفسه وقف بشكل رسمي ضد بقاء “الإصلاح” في شبوة، علماً بأن هذا يدفع الأخير نحو “الانقراض” بحسب وصف محللين؛ لأَنَّه لم يعد يمتلك أية مناطق نفوذ أُخرى سوى مدينتي مأرب وتعز.
وبحسب مراقبين فَـإنَّ الأحداث تتجه نحو إزاحة “الإصلاح” من مدينة مأرب على غرار شبوة، ما يعني أنه بات يواجهُ نهايةً قريبة.
هكذا، وجد مرتزِقةُ “الإصلاح” أنفسَهم بين توجُّهٍ واضح من قبل تحالف العدوان لتصفيتهم، وسخرية جماهيرية واسعة تتناول وضعهم كشاهدٍ تأريخي جديد على النهاية المخزية الحتمية التي تنتظر كُـلّ من يقف في صف أعداء بلده.
والحقيقة أن سلوك مرتزِقة “الإصلاح” في هذا المأزق برهن بشكل أوضح على سقوطهم المخزي كأدوات مدفوعة الأجر لا تملك أي قرار، إذ لم يتجرأ الحزب حتى على انتقاد ما تعرضت له قواته من هجمات بواسطة طيران العدوان، فضلاً عن أن يتخذ موقفاً أكثرَ شجاعةً كانتقاد تحالف العدوان نفسه، وبدلاً عن ذلك، لجأ إلى محاولة مغالطة جماهيره ببيان فاضح “شكر” فيه دول العدوان وتعاطى مع المسألة وكأنها خلاف طبيعي، فيما لجأ إلى تسريب تهديدات غير رسمية بـ”الانسحاب” من سلطة المرتزِقة، لامتصاص سخرية وغضب أنصاره.
هذا السلوك لم يغيّر شيئاً في مشهد الخزي الواضح الذي يعيشه “الإصلاح”، لكنه أسهم في إبراز الصورة الكاملة لوضع تحالف العدوان ومرتزِقته بشكل عام، إذ حاول مرتزِقة “الإصلاح” تعويض عجزهم عن الاعتراض الرسمي، بشن حملة غير رسمية ضد دول العدوان وما يسمى “المجلس الرئاسي” الذي باتوا يصفونه بـ”الارتزاق”، في مفارقة تبرهن أن معسكر العدوّ كله قائم على علاقات ارتهان ومصالح بعيدة كُـلّ البعد عن الدعايات والمبرّرات السياسية التي تم الترويج لها منذ ثماني سنوات لتبرير العدوان والحصار.
ولم تقتصر المفارقاتُ الفاضحة على سلوك مرتزِقة حزب “الإصلاح” فقط في هذه الجولة من الصراع، فمليشيات ما يسمى “الانتقالي” التابعة للإمارات انقلبت على خطابها السابق ورفعت شعارَ “الشرعية” الذي هاجمته كَثيراً، في مشهد مثير للسخرية يوضح بدوره ضيقَ أُفُقِ هذه المليشيات وعجزَها عن رؤية حقيقة أنها لا تفعل شيئاً أكثر من تكرار تجربة مرتزِقة حزب “الإصلاح” بحذافيرها.
على وقع فضائح الجولة الحالية من الصراع بين المرتزِقة، وما انطوت عليه من أحداث بينت بوضوحٍ حجمَ المعاملة المهينة التي يتعرضون لها من قبل تحالف العدوان، تعالت أصواتُ نشطاءَ وشخصياتٍ سياسية وطنية تدعو مرتزِقة حزب “الإصلاح” إلى تدارك موقفهم ومغادرة معسكر العدوّ الذي بات يتجه بوضوح نحو القضاء عليهم.
لكن أمل استجابة “الإصلاح” لهذه الدعوات يكاد يكون معدوماً، بحسب ما تظهر كُـلّ المؤشرات، وآخرها بيان الحزب المخزي بشأن أحداث شبوة، وهو ما يعتبره العديد من المراقبين أمراً طبيعياً، بوصفه النهايةَ الحتمية لطريق الارتهان والعمالة الذي سلكه “الإصلاح” منذ البداية.
وفيما تتصرف المليشياتُ الموالية للإمارات وكأنها “انتصرت” فَـإنَّ الوقائع كلها تشير إلى أن الصراعَ الداخلي بين أدوات العدوان لن يتوقف حتى إن وصل الأمر إلى طرد حزب “الإصلاح” من بقية معاقله؛ لأَنَّ بيئةَ النفوذ في كُـلّ المناطق المحتلّة غير مستقرة بطبيعتها، وتعدد ولاءات الفصائل والتشكيلات العسكرية للمرتزِقة يجعل الوضع دائماً مهيأً للانفجار، حتى داخل الفصيل الواحد نفسه، وقد وجدت مليشياتُ “الانتقالي” نفسَها في وقت سابق في مواجهة دامية مع فصائل انشقت عنها في محافظة عدن المحتلّة، وَإذَا لم يحدث ذلك؛ بسَببِ الخصومات الداخلية بين المرتزِقة أنفسهم فسيحدث دائماً؛ بسَببِ التباين بين توجّـهات دول العدوان.
وفي هذا السياق، يتوقع مراقبون أن تنشَطَ الاغتيالاتُ مجدّدًا بين المرتزِقة، وهو ما تؤيِّدُه مؤشراتُ الخطاب الإعلامي لمرتزِقة “الإصلاح” بشكل كبير.
بالتالي، فَـإنَّ الجولةَ الحاليةَ من الصراع بين مرتزِقة العدوان، لم تنطوِ -كسابقاتها- على أي “مكسب” حقيقي لأي طرف منهم، بما في ذلك تحالف العدوان نفسه؛ لأَنَّ ما كُـلّ يحدث لا زال يصُبُّ بشكل رئيسي في مسار تفكك وضعف معسكر العدوّ وتساقط رهاناته وأوراقه، بل إن وصولَ هذا الصراع إلى هذه المرحلة من الفوضى يمثل مؤشرًا على تخبُّطٍ كبيرٍ يؤكّـدُ أن كُـلَّ أطراف هذا المعسكر تواجهُ نهايةً قريبة، وليس حزب “الإصلاح” فحسب.
صحيفة المسيرة