المبعوثُ الأمريكي يزعُمُ “موافقة” دول العدوان على دفع المرتبات وصنعاءُ تواصلُ التحذيرَ من عواقب التعنت
||صحافة||
على بُعدِ أقلَّ من نصف شهر من نهايةِ فترةِ التمديدِ الثانية للهُــدنة، والتي أعلنت صنعاءُ أنها قد تكونُ الأخيرةَ في حالة عدم التوصُّل لاتّفاقٍ يتضمَّنُ آليةً واضحةً لدفع المرتبات ويُفضِي إلى رفع الحصار، لا زال تقييم تنفيذ بنود الاتّفاق الحالي من جانب تحالف العدوان سلبياً، ولا زالت مؤشراتُ الواقع تؤكّـد إصرارَه على التمسك بالمراوغة والابتزاز، وبرغم التصريحات الأمريكية الجديدة التي ألمحت إلى موافقةِ تحالف العدوان على دفع المرتبات، لا يزال المِحَكُّ الحقيقي هو تنفيذَ ذلك على الواقع، وهو ما تحرصُ صنعاء على توضيحه من خلال توجيه رسائل الإنذار والوعيد المتلاحقة لتحالف العدوان بشأن عواقب الاستمرار بالتعنت.
موافقةٌ أمريكية على دفع المرتبات: مناورةٌ جديدة أم مؤشر إيجابي؟!
في بيانٍ جديدٍ حول زيارةِ المبعوث تيم ليندركينغ الأخيرة إلى المنطقة، أفادت وزارة الخارجية الأمريكية بأن المبعوث وجد “موافقةً على اتّفاقٍ موسَّعٍ يشملُ دفعَ رواتب موظفي الخدمة المدنية، وتحسين حرية التنقل من خلال فتح الطرق، ونقل الوقود بسلاسة عبر الموانئ، وتوسيع الرحلات الجوية التجارية من مطار صنعاء”.
إعلانٌ يمكن أن يمثل مؤشراً إيجابياً في حال توفرت لدى الولايات المتحدة الأمريكية ودول العدوان نوايا جادةٌ للتقدم ومعالجة الملف الإنساني (بدافع تجنب عودة عمليات الردع طبعاً)، غير أنه لا توجد مؤشرات حقيقية على وجود مثل هذه النوايا، فالتعنُّت في تنفيذ بنود الاتّفاق الحالي طيلةَ قرابة ستة أشهر، والتجارب السابقة مع التصريحات الأمريكية بشكل عام، تقلل من احتمالات جدية هذا الإعلان، أَو على الأقل تجعله مرهوناً بدلائلَ عملية.
هذا أَيْـضاً ما تؤكّـدُه الفقراتُ الأُخرى في بيان الخارجية الأمريكية، والتي تضمنت محاولاتٍ مكرّرةً لاتّهام صنعاء بعرقلة تنفيذ بنود الاتّفاق، وتقديم حكومة المرتزِقة كطرفٍ في الهُــدنة، إلى جانب ترويج الرواية المضللة حول وجود “آلية جديدة” لإدخَال سفن الوقود إلى ميناء الحديدة، واتّهام صنعاء بمخالفتها.
هذا الجزء من البيان (وهو الجزء الأكبر) على عكس الجزء السابق، يمتلك مؤشرات واقعية تؤكّـد تمسك الولايات المتحدة بمسار المراوغة واستخدام الملف الإنساني وبنود الاتّفاق الحالي كورقة ضغط وابتزاز، وخُصُوصاً ما يتعلق بسفن الوقود، حَيثُ لا زالت قوى العدوان تحتجز ثلاث سفن وقود وتمنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة، كما أن الحديث عن “آلية جديدة” تشرعن احتجاز السفن وفي هذا التوقيت، يعتبر محاولةً واضحةً ومكشوفةً لاستباق أي تقدم في هذا المِلف؛ مِن أجلِ إبقاء الحصار كورقة ضغط مُستمرّة.
بالتالي، فَـإنَّ الولاياتِ المتحدةَ لم تكتفِ بعرقلة تنفيذ بنود الاتّفاق الحالي (على محدوديتها)، بل تسعى لتفخيخِ أي تقدم مستقبلي، بما في ذلك “الاتّفاق الموسَّع” الذي تحدث عنها مبعوثها، فحتى إن كانت هناك فعلاً موافقةٌ رسميةٌ على هذا الأخير، فَـإنَّ مسارَ تنفيذه لا زال مبهماً بالكامل، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة ودول العدوان قد تتعامل معه كما تعاملت مع الاتّفاق الحالي.
الإصرارُ على الحديث بشكل متكرّر عن “الآلية الجديدة” المزعومة لدخول السفن خلال الفترة الأخيرة يمثل مؤشرًا واضحًا على نوايا قطع الطريق أمام أي تقدم بخصوص تدفق الوقود، كما أن تجارب الهُــدنة الحالية قد كشفت بشكل واضح أن العدوَّ يتعاملُ مع مسألة الرحلات الجوية وفتح الطرقات وفقاً لمصالحَ سياسية وعسكرية لا علاقة لها بما يتم التوافق عليه، ويشجِّعُه على ذلك تواطؤُ الأمم المتحدة التي سبق أن قدم مبعوثها تعهداتٍ تشبهُ ما أعلن عنه المبعوث الأمريكي لكنها تجاهلتها بسرعةٍ وعادت للتصرف وفق مصالح ورغبات دول العدوان.
أما فيما يخُصُّ الرواتب، تؤكّـد التصريحاتُ الأخيرةُ لوزير الخدمة المدنية في حكومة الإنقاذ بصنعاء، سليم المغلس (قبل أَيَّـام قليلة) أن هذا المِلف لم يتحَرّك بعدُ، وذلك يعني أنه حتى لو كانت الولايات المتحدة ودول العدوان قد “وافقت” على التوصل لاتّفاق لصرف المرتبات، فهي على الأرجح تريد استخدام هذه “الموافقة” كحيلة تفاوضية لكسب المزيد من الوقت بدون أن يكون هناك تقدُّمٌ عملي حقيقي وملموس.
اعترافٌ واضحٌ بهندسة الأزمة الإنسانية
برغم كُـلّ ذلك، فَـإنَّ بيانَ الخارجية الأمريكية وما تضمنه بخصوص الرواتب يمثل اعترافاً صريحاً بمسؤولية دول العدوان عن انقطاع مرتبات الموظفين منذ سنوات، واستخدامها كورقة ضغط وتفاوض، خُصُوصاً وأنها طيلة الفترات الماضية كانت تحاولُ إلقاءَ المسؤولية على عاتق صنعاء أمام الرأي العام.
وحديثُ المبعوث عن موافقة دول العدوان على توسيع الرحلات الجوية وتسهيل دخول الوقود، هو اعتراف إضافي أَيْـضاً بأن المعاناة التي يعيشها اليمنيون جراء إغلاق المطار والميناء، هي معاناة هندسها تحالف العدوان ليستخدمها كسلاح ثم كورقة تفاوضية.
هذه الاعترافاتُ تمثل بدورها اعترافاً آخرَ بنجاح صنعاء في فرض معادلتها الرئيسية للحرب والسلام على الطاولة وفي الميدان، وبالشكل الذي جعل العدوَّ لا يجد مخرجاً آخرَ من مأزقه إلا بالإقرار بمشروعية مطالب صنعاء الإنسانية، سواء فيما يخص الهُــدنة أَو فيما يخص إنهاء الحرب.
رسائلُ تحذير مُستمرّة لدول العدوان
حتى الآن لا يوجدُ أيُّ رَدٍّ رسمي من صنعاء على ما أعلنه بيانُ الخارجية الأمريكية، وهو ما يؤكّـد أن الأمر ما زال مرهوناً بخطوات عملية لإثبات الجدية، وبالتالي فَـإنَّ احتمالاتِ فشل الهُــدنة لا زالت قائمة.
هذا ما تؤكّـدُه أَيْـضاً الرسائلُ المتلاحقة التي توجّـهُها صنعاءُ عسكريًّا وسياسيًّا لدول تحالف العدوان، والتي تشدّد على إغلاق باب المراوغة والمماطلة “والتمديد لأجل التمديد”، وتنذرُ بعواقبَ قاسيةٍ وغير مسبوقة في حال عودة التصعيد.
وفي هذا السياق، أكّـد نائبُ وزير الخارجية بحكومة الإنقاذ، حسين العزي أن: “ضمانَ أمن وسلام المنطقة يتطلب احترامَ حقوق الشعب اليمني” مُشيراً إلى أن “امتناعَ صنعاء حتى اللحظة عن حقها في مجاراة المستوى نفسه من سلوك خصومها العدائي، موقفٌ يُحسَبُ لصالح صنعاء، وفرصةٌ لا ينبغي إهدارها”.
وأضاف: “إن مطالبَ صنعاء محقة وعادلة ومن الحكمة بمكان عدمُ التأخر أَو المماطلة في تلبيتها”.
وكان وزيرُ الدفاع اللواء الركن محمد ناصر العاطفي قد أكّـد قبل أَيَّـام أن القواتِ المسلحة جاهزةٌ لمرحلة جديدة من المواجهة تتضمَّنُ حمايةَ ثروات البلد ووقف نهبها من جانب قوى العدوان ومرتزِقتها ضمن معركة التحرير الشامل، إلى جانب حماية السيادة والاستحقاقات البحرية للبلد.
وقد وجّهت صنعاء رسائلَ مباشرةً وضمنيةً متعددةً خلال الفترة الماضية أكّـدت على أن مسارَ كسر الحصار سيعودُ بمعطيات أوسعَ إذَا لم يتم تنفيذُ متطلبات تمديد الهُــدنة، المتمثلة بدفعِ الرواتب من إيرادات النفط والغاز، ورفع قيود الحصار.
صحيفة المسيرة