نص كلمة قائد الثورة في الذكرى الثامنة لثورة 21 سبتمبر
موقع أنصار الله – صنعاء – 25 صفر 1444 هجرية
ألقى قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي كلمة بمناسبة الذكرى الثامنة لثورة 21 سبتمبر 1444 هـ -2022 م فيما يلي نصها:
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
بمناسبة ذكرى الانتصار التاريخي والإنجاز العظيم لشعبنا العزيز، في الحادي والعشرين من سبتمبر، في إطار ثورته المباركة، التي أنقذت مستقبله من الضياع، وأنقذته من التردي في الهاوية السحيقة، بهذه المناسبة المباركة نتوجه إلى أبناء شعبنا العزيز بالتهاني والتبريكات، فهي مناسبةٌ مهمةٌ بأهمية إنجازها الكبير، وبأهمية دورها المهم، في حاضر ومستقبل شعبنا اليمني المسلم العزيز.
وثورة الحادي والعشرين من سبتمبر كانت ولا زالت ضرورةً بكل ما تعنيه الكلمة، بالاعتبار الديني، والأخلاقي، والإنساني، والوطني، وبلحاظ المصلحة الحقيقية لشعبنا العزيز، وهي من واقع معاناةٍ كبيرة، ومظلوميةٍ عظيمة، ومخاطر حقيقية استهدفت شعبنا العزيز في أهم الأشياء: في استقلاله، وحريته، وكرامته، وفي ظل واقعٍ سادت فيه سياساتٌ عدائية تتجه ببلدنا نحو الانهيار الشامل، وذلك كله بفعل السياسات العدائية الأمريكية، في ظل الوصاية الأمريكية آنذاك على بلدنا العزيز، وأيضاً بفعل السياسات الارتهانية لقوى السلطة آنذاك، وتفريطها الكبير في شعبها وبلدها؛ نتيجةً لانشغالها بأولوياتها الحزبية، والفئوية، والشخصية.
ومن المهم جداً في هذه المناسبة الاستحضار، والتذكر، والدراسة، والتقييم، لمرحلة ما قبل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر؛ لمعرفة أهمية تحرك شعبنا العزيز في إطار ثورته الشعبية، ولإدراك ما كان سيؤول إليه وضع البلد لولا توفيق الله “سبحانه وتعالى” لشعبنا بتحركه الثوري، وما أمده الله به من المعونة والنصر والتأييد.
كلنا عندما نستذكر تلك المراحل نعرف ما حدث بعد ثورة 2011م، والتحرك الشعبي في 2011م، عندما كان هناك تدخل خارجي كبير لاحتواء ما هو حادث وما يحصل في بلدنا، والسيطرة عليه، واستغلاله وتوظيفه فيما يعزز السيطرة الخارجية على بلدنا، وفيما يخدم السياسات العدائية للخارج، بالدرجة الأولى للأمريكيين وحلفائهم في بلدنا، فتحرك الأمريكيون آنذاك وفقاً لسياساتهم المعروفة، التي تعتمد الإمساك بخيوط اللعبة، والاستثمار في الأزمات، والتوظيف للصراعات، والاستغلال للخلافات، بما يخدم مصالحهم وأهدافهم، وبما يحقق أجنداتهم المعروفة، قاموا آنذاك بإنجاز صيغة سياسية لاحتواء الوضع في البلد، وأسموها بالمبادرة الخليجية، وهي في حقيقة الأمر إنتاج أمريكي، قُدِّم بعنوان خليجي، وكانت بإشرافٍ مباشرٍ من السفير الأمريكي في البلد آنذاك، وركَّزوا من خلال ذلك على ربط الوضع في البلد والشأن الداخلي اليمني بهم، وحدثت الكارثة الكبرى في إدخال اليمن تحت البند السابع، والوصاية الأمريكية بشكلٍ رسميٍ ومعلن، كان هذا أمراً واضحاً.
قُدِّمت مسألة الوصاية على بلدنا تحت عنوان (وصاية الدول العشر)، وعلى رأسها الأمريكي، ومن المعروف أنه الأساس في تلك الوصاية على البلد، وأن البقية من حلفائه بالدرجة الأولى هم أعوانٌ له، وهم جنودٌ له، وبناءً على ذلك أصبح السفير الأمريكي في صنعاء هو المعني الأول- بحكم تلك الوصاية- المعني الأول بشؤون اليمن، وهو رئيس الرئيس، وصاحب القرار، وأصبح يعقد اجتماعاته مع أعوانه من سفراء الدول العشر، لمناقشة أمور البلد، وقضايا الشعب وشؤونه، وأصبح يلتقي هو بالمسؤولين في مختلف مستوياتهم، على مستوى الرئيس، على مستوى الوزراء، على مستوى أي مسؤولين آخرين بمختلف المستويات، وهذا شيءٌ معروف، وموثق إعلامياً، ومعروفٌ في البلد، يلتقي بهم، يوجههم، يقدِّم إليهم الأوامر، يفرض سياسات وتوجهات، ويحدد مواقف، وهكذا، ومعنى ذلك: مصادرة الاستقلال، والكرامة، والحريّة على بلدنا وشعبنا، ومعنى ذلك: السيطرة والاحتلال بدون معركة، بدون حرب، السيطرة بشكل مباشر وتلقائي، وبطريقة هادئة، وبدون حتى معاناة ولا كلفة، وتم التحرك بناءً على ذلك وفق سياسات تدميرية، يعني: لم يكن أولئك الذين قدموا أنفسهم كأوصياء على بلدنا وشعبنا لم يكونوا ناصحين، ولا كانوا يريدون الخير لشعبنا، ولا عملوا على قاعدة ما هي مصلحة شعبنا، كانت تهمهم مصالحهم هم، مصالح بلدانهم، وبما يجحف باستقلال بلدنا، وبما يذهب بكل الأولويات التي هي لمصلحة شعبنا بشكلٍ صحيح وبشكلٍ مؤكد، فكانوا يعملون وفق سياسات تدميرية تصل ببلدنا إلى حالة الانهيار، وبشكلٍ تلقائي، وفي كل المجالات، وكان ذلك واضحاً في الواقع بشكلٍ لا لبس فيه، وبشكلٍ واضح في كل المجالات:
فعلى المستوى العام:
كانت الخطة الأمريكية تعمل على تفكيك بلدنا من الداخل، برفع مستوى التباين والانقسام السياسي والمناطقي، وبطريقة تصاعدية، يعني: يوماً بعد يوم كان الانقسام يزداد، التباين يتسع، الاختلافات تكثر، البعثرة لأبناء البلد يتسع نطاقها في تجزئة الناس بتقسيمات كثيرة، وعناوين كثيرة، وخلافات كثيرة، وبشكلٍ تصاعدي، وكذلك تغذية الانقسامات تحت العناوين المختلفة: سياسياً، ومناطقياً، ومذهبياً، واجتماعياً، وعرقياً، تحت كل العناوين، وبأساليب متعددة، والسعي من وراء ذلك أن يصلوا بأبناء شعبنا إلى أن يفقدوا الشعور بالهوية الجامعة والروابط الأساسية، عملية تفكيك هي خطيرة جداً، هي من أكبر ما يمهد للسيطرة الأمريكية والخارجية، وما يُسَهِّل عملية الاحتلال بشكلٍ كامل، والسيطرة بشكلٍ كامل.
وعلى المستوى الأمني:
وصل الحال إلى انعدام الأمن في البلد بشكلٍ تام، سواءً بالنسبة للمواطنين، أو بالنسبة للرسميين، للموظفين، حتى لمنتسبي الأجهزة الأمنية بنفسها، كم قُتِل منهم بالاغتيالات، والتفجيرات، والعمليات المختلفة، وتصاعدت وتيرة الاغتيالات في البلد، والتفجيرات، والانتشار للتكفيريين في معظم المحافظات بشكلٍ منظم، وبشكلٍ يلقى التسهيلات الكاملة، وصولاً إلى أمانة العاصمة التي أصبحوا حاضرين فيها، وأصبح لهم معسكرات على مشارفها، وانتشار قطاع الطرق، وعملية قطع الطرقات، ونهب المسافرين ومضايقتهم، والفوضى بشكلٍ عام في البلد، وكان ذلك أيضاً بشكلٍ متصاعد، يتجه نحو الأسوأ بشكلٍ مستمر، وإلى مستوى كارثي، ما حصل في صنعاء معروف من اغتيالات، وتفجيرات، واختلال أمني رهيب جداً، وكل ذلك ما كان ليقف عند حد وعند مستوى معين، لولا أن الشعب تحرك معتمداً على الله، ولنا أن نتصور لو لم يتحرك الشعب ذلك التحرك إلى أي مستوى كانت ستصل الأمور وفق خطط الأمريكيين وحلفائهم.
وعلى المستوى الاقتصادي:
كان الوضع يتجه نحو الانهيار، والمجاعة، والبؤس الشديد، في ظل سلطة خاضعة بالكامل للوصاية الأمريكية، وفي ظل واقعٍ لا مبرر فيه لتلك الأزمات، السطلة آنذاك كانت تحظى بما هو بصورة مساندة من كل تلك الدول الخارجية، وتحظى بالهبات المالية، والتبرعات، والتعاون، والقروض، وليس هناك حصار لمنع وصول البضائع إلى البلد، والثروة النفطية كانت تستفيد من عائداتها، والإيرادات المالية من كل منافذ البلد: (البرية، والبحرية، والجوية)، كانت كلها مفتوحة، ويحصل من خلالها إيرادات.
وفي ظل ذلك الوضع الذي ليس في ظل وضع حرب، ولا حصار على البلد، وكل المنافذ مفتوحة، وكل الإيرادات المالية من الثروات النفطية في كل أنحاء البلد، والإيرادات المالية الجمركية والضريبية من كل منافذ البلد ومن كل المحافظات، تصل إلى تلك السلطة، مع ذلك تتوالى القرارات بالجرع، ويتدهور آنذاك الوضع الاقتصادي باستمرار، كسياسات وقرارات، وليس بفعل ظروف، لا بفعل حصار، ولا بفعل حرب، ولا بفعل عدم التحصيل المالي، أو الإيرادات المالية، من نفط، أو غاز، أو من المحافظات بشكلٍ عام، أو من المنافذ، كل ذلك كان يحصل، ومعه كانت تستمر الأزمات وتشتد.
وعلى مستوى الجانب العسكري:
كان العمل تحت عنوان إعادة الهيكلة من جانب الأمريكيين، وتحت عنوان التدريب، وسيلةً للسيطرة على الجيش، وتجريده من كل القدرات العسكرية، وإفساد عقيدته القتالية ومبادئه، ومحاولةً أيضاً لتجريد الجيش من القدرات العسكرية، التي يمكن الاستفادة منها في التصدي لأي عدوانٍ خارجي، بما في ذلك السعي لإنهاء قدراته في الدفاع الجوي، وفي القوات الجوية التي وصلت إلى مستوى متردٍ وفظيع، كانت الطائرات تتساقط، الطائرات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع تتساقط في وسط العاصمة بشكل تلقائي تتحطم، وهو بفعل تدبيرهم، وسياساتهم، وأساليبهم، وإجراءاتهم، ومخططاتهم، وكذلك القوات الصاروخية، والقوات البحرية، وكل القوات التي يمكن أن يستفيد منها البلد في التصدي لعدوان خارجي.
وفي ظل ذلك كان الأمريكي يعزز من سيطرته على الوضع يوماً بعد يوم بشكلٍ أكبر، ويفرض له قواعد عسكرية في البلد، حتى في وسط العاصمة صنعاء، وحوَّل سفارته إلى مقر ووكر لإدارة كل أعماله التخريبية في البلد، وأصبح الأمريكي وحلفاؤه مرتاحون لذلك الوضع، هو الوضع الذي يعجبهم، هم يريدون واقعاً كمثل ذلك الواقع، لا يلقون فيه أي إعاقة في تنفيذ مخططاتهم ومؤامراتهم، التي هي تدميرية لهذا البلد، وتحقق أهدافهم بالسيطرة التامة على بلدنا وشعبنا.
في ظل ذلك الوضع وما قبله، وعلى مدى أعوام، اعترفت الأحزاب في البلد والمكونات السياسية بأن الدور الذي يقوم به السفير الأمريكي يمثل انتهاكاً واضحاً لسيادة البلد واستقلاله، وكان الحديث عن ذلك في الصحف، حتى في الصحف المحسوبة على بعض الجهات التي هي في السلطة، وهذا أمرٌ موثق وواضح، ويمكن العودة إليه والإظهار له، وأيضاً جرى الحديث عن ذلك في مجلس النواب آنذاك في مراحل معينة، أن السفير الأمريكي ينتهك سيادة واستقلال اليمن، ويتدخل في كل الأمور، وأنه يتعامل كمندوب سامٍ، وكحاكم على اليمن.
في ظل تلك السياسات العدائية، وتلك الأوضاع، وما كان ينتج عنها، كان معنى ذلك- إذا استمر من دون وضع حدٍ له- الوصول بالبلد تلقائياً إلى الانهيار الكامل والشامل، وإلى الفوضى، وإلى التفكك، وبأسوأ بكثير مما حصل في بعض البلدان كالصومال، بأسوأ بكثير من ذلك، وكان يلقى ذلك تفاعلاً من البعض، استجابةً من البعض، كثير من المكونات والأحزاب، مع استثنائنا للأحرار والشرفاء من كلها، لكن البعض منهم كانوا يتفاعلون ويستجيبون لتلك التوجهات، والمواقف، والسياسات، التي يمليها الأمريكي وأعوانه في الوصاية، كانوا يستجيبون لها، ويتحركون على أساسها، ويعملون لها بكل إخلاص، بكل جد، بل ويتفانون في سبيل تنفيذها.
ولـــــــذلك كان التحرك الشعبي في ظل ذلك الواقع ضرورياً، وكانت الثورة الشعبية بمستواها الكبير، والواسع، والحكيم، والفاعل، بالشكل الذي أدهش الأمريكيين وحلفائهم، وأذهلهم، وأربكهم، بكل ما امتاز به تحرك شعبنا في تلك الظروف، من:
– قوة.
– وعنفوان.
– وحكمة.
– وأخلاق أيضاً.
في الوقت الذي كانوا قد اطمأنوا إلى أن الوضع أصبح تحت السيطرة، ويسير وفق مؤامراتهم ومخططاتهم، السفير الأمريكي أصبح يتعامل بغطرسة وغرور عجيب، عجيب يعني، وصل إلى حد الاطمئنان الكبير إلى أن الأمور ستمشي له إلى النهاية، دون أي إعاقة، فكان التحرك وبشكلٍ مفاجئ، وواسع، ونشط، وفاعل، وقوي، وبزخم شعبي هائل جداً، بكل تلك المميزات التي تميز بها التحرك الشعبي الثوري، الذي:
أولاً: كان من مميزاته في المقام الأول: أنه عبَّر عن كل أبناء الشعب، بمختلف مكوناتهم:
لأن الحال السائد في تلك المرحلة على كثيرٍ من الأحزاب والمكونات أنها أصبحت منشغلةً ومنغلقة على مطالب وأهداف تخصها، أهداف تخص ذلك الحزب، مصالح تخص ذلك الحزب، أو ذلك المكون، بعيداً عن هموم الشعب، عمَّا يتعلق بالبلد بشكلٍ عام، والأمريكي لعب لعبته في أن يزيد من حالة التنافس والحساسيات والصراعات ما بين الأحزاب والجهات السياسية؛ ليشغلها بهذا التوجه، الذي يخص كل حزب على حساب الحزب الآخر، كُلٌّ يريد أن يكون هو الأقوى، أن يكون هو الأكثر حصةً في السلطة، أن يكون هو المسيطر، أن يحقق له أعلى نسبة في التوظيف والمال، أن…إلخ. ولعب الأمريكي لعبته في ذلك.
لكن التحرك الشعبي الثوري كان تحركاً جامعاً:
في عناوينه.
في مطالبه.
في أهدافه.
وفي زخمه الشعبي.
من يراجع بتأمل وإنصاف، وينظر إلى مستوى التحرك، يدرك أن ذلك التحرك لا يخص مكوناً لوحده، أو جهةً لوحدها، بل هو تحرك لكل أحرار الشعب، من كل المكونات، ومن كل المحافظات، ومن كل أبناء هذا الشعب، بمختلف مكوناتهم السياسية، والاجتماعية، والمذهبية، وغيرها، حتى المناطق.
وكان تحركاً بزخمٍ شعبيٍ واسع وهائل، الحضور الشعبي كان كبيراً جداً في إطار ذلك التحرك الشعبي الواسع، فهو يعبِّر عن جماهير هذا الشعب، التي ملأت الساحات، ورابطت في المخيمات، وحضرت لتعبر عن إرادة هذا الشعب، عن موقف هذا الشعب بكل أصالة، ليس بإملاءات من أطراف خارجية، وليس في إطار لُعب سياسية، ولا تأثراً بدعايات إعلامية، بل من واقع وعي عالٍ، وشعور بالمعاناة، وإحساس بالواقع بشكلٍ كبير.
عبَّر ذلك التحرك أيضاً عن وعي وقيم هذا الشعب:
والتحرك الذي يعبِّر عن الشعب أيضاً في هذا الجانب المهم: الخطاب الثوري، والشعارات الثورية، والمطالب الثورية، كانت نقية، كانت صادقة، كانت عادلة، كانت تنطق بالحق، لم تتضمن أي خطاب فئوي، أو عرقي، أو يسيء إلى أي مكون اجتماعي، أو يتعادى بأي منطقة أو محافظة من أبناء البلد، بل كان تعبيراً نقياً، صافياً من كل الشوائب تلك، التي يستخدمها البعض في خطابهم، في إعلامهم، في سياساتهم، في توجهاتهم، ممن لا هم لهم ولا شغل لهم إلا العمل على إثارة الفرقة بين أبناء هذا الشعب، تحت عناوين عرقية، وعناوين مذهبية، وعناوين مناطقية، وعناوين سياسية، تجد الفارق الكبير ما بين السماء والأرض بين الخطاب الثوري في ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، الذي هو خطابٌ جامع، يعبِّر عن كل أبناء هذا البلد، وبين خطاب الآخرين، الذين هم أيادي للخارج، وجعلوا من أنفسهم جنوداً لتنفيذ الأجندة الأمريكية، وأجندة أمريكا وحلفاء أمريكا في الاستهداف لهذا البلد، كيف خطابهم، وإعلامهم، ومضمون ما يقدمونه، كله ملئ بالأحقاد، والكراهية، والبغضاء، والإساءات، والأكاذيب، والشتائم، وكله يتجه نحو هدف واحد: إثارة الفرقة بين أبناء هذا البلد.
فخطاب الثورة كان خطاباً راقياً، مسؤولاً، واعياً، صادقاً، سليماً من كل تلك الشوائب السيئة، التي هي مشحونةٌ في خطاب الآخرين، وحاضرةٌ بملئه وفي كله، وأيضاً تعبِّر عن عزة هذا الشعب الإيمانية، الذي يأبى الخنوع للأمريكيين وحلفائهم، هذا الشعب الذي أصرَّ على أن يحقق لنفسه الحرية في مفهومها الصحيح، والاستقلال الحقيقي، وتحرك بعزة، وبثقةٍ بالله “سبحانه وتعالى”.
عبَّر أيضاً ذلك التحرك في كل ما فيه، في خطابه، وفي حركته الميدانية في الساحات والمخيمات، وفي الحضور الكبير، وفي أسلوب الأداء، عبَّر عن حكمة هذا الشعب:
وقدَّم أيضاً مصداقاً من أهم المصاديق، لو تستقرأ تاريخ هذا البلد، ستجد من أهم مصاديق ((والحكمة يمانية)): الطريقة التي اعتمد عليه في حركة الحادي والعشرين من سبتمبر، وثورة الحادي والعشرين من سبتمبر.
فكان ذلك التحرك أيضاً حكيماً، يلتزم الحكمة في أدائه، وحقق نجاحاً عظيماً بتوفيق الله “سبحانه وتعالى” في ذلك الأداء المميز، الذي سيبقى صفحةً ناصعةً بيضاء في تاريخ هذا الشعب.
ففي عملية الحادي والعشرين بنفسها كان الأداء موفقاً، وبتنسيق وتعاون كبير بين أحرار هذا البلد، من ثوار الشعب، ومن الجيش والأمن، وتم تأمين العاصمة صنعاء بطريقة راقية، وتأمين كل المنشآت المهمة والحيوية، تأمين كل ما له علاقة بالشعب، المتاجر، الأسواق، الأحياء… إلى غير ذلك، وأيضاً لم يكن هناك أي تصفية حسابات، لا مع جهات سياسية، ولا مع أطراف هنا أو هناك، كان الأداء في تأمين العاصمة صنعاء أداءً راقياً، ولا مثيل له في تاريخ هذا الشعب، فيما قد عرفناه واطلعنا عليه.
أيضاً كان مما يميز هذا التحرك الشعبي الواسع هو: الإسهام الثوري لكل أطياف هذا الشعب:
سواءً بحضورهم الهائل من مختلف أبناء هذا البلد، كباراً وصغاراً حضروا، حتى الطاعنين في السن، ومن مختلف شرائح هذا الشعب، من العلماء، والوجهاء، والأطباء، والمثقفين، والسياسيين، وكل أبناء هذا البلد الحضور الهائل.
وأيضاً الإسهام الكبير بالقوافل الغذائية والتموينية، التي كانت هي الأساس في تموين النشاط الثوري، لم يكن هناك أي تمويل خارجي من أي طرف خارجي للتحرك الثوري، كانت القوافل تأتي إلى الساحات بمختلف المواد الغذائية والاحتياجات التموينية بشكلٍ واضح من هذه القبيلة، ومن هذه القبيلة، من هذا الحي، من هذه المدينة، من هذه المنطقة، من هذه الأسرة، من هذا التاجر، من مختلف أبناء الشعب الذين أسهموا إسهاماً واسعاً بكل سخاء، بروحٍ معطاءةٍ خيِّرة.
وأيضاً بالصبر، وبالتضحية، وبالثبات، التضحية حتى في الحالة التي بدأ الآخرون بغطاء خارجي، بغطاء أمريكي بالدرجة الأولى بالعمل على قمع التحرك الثوري، والاستهداف له بالقتل والاعتداءات، كان هناك صبر، وكان هناك تضحية، وكان هناك ثبات، وبالرغم أيضاً من الحملات الإعلامية الهائلة والكبيرة والمضادة، والإرجاف الكبير، هم توجهوا ضد ذلك التوجه بحملات إعلامية كبيرة، واستخدموا كل العناوين السيئة:
عناوين التفرقة.
عناوين البغضاء.
عناوين الكراهية.
عناوين التحريض على الفتنة، على القتل، على الكراهية… إلى غير ذلك.
فكان هناك ثبات بوعي واستمرارية، حتى الوصول إلى نتيجة كبيرة.
برز أيضاً في التحرك الثوري الدور المميز، والعظيم، والكبير، والقوي، والفاعل، والحاسم، للقبائل اليمنية، قبائل اليمن، قبائل البلد الأحرار والشرفاء، الذين هبوا وتحركوا بثقلهم، وإمكاناتهم، وبعطائهم، وبصبرهم، وبمثابرتهم، فكان دورهم كبيراً ومشرفاً، وأيضاً حضارياً، قدَّم الصورة الحقيقية عن القيم الأصيلة للقبيلة اليمنية، وكان دورهم راقياً وفاعلاً، وأسهموا بشكلٍ كبيرٍ جداً في إعادة الأمور إلى الاتجاه الصحيح، وفي رد الاعتبار لهذا الشعب، الذي سعى الآخرون من أعدائه إلى امتهانه، إلى إذلاله، إلى إهانته، إلى السيطرة عليه، إلى مصادرة حريته واستقلاله وكرامته.
بعد الانتصار في الحادي والعشري من سبتمبر أيضاً قدَّمت الثورة أرقى نموذج للتسامح والتفاهم
لم تتجه- كما قلنا سابقاً- لتصفية الحسابات مع أي مكون، أو حزب، أتاحت الفرصة لكل الأحزاب والمكونات على المستوى السياسي للشراكة، ولم تلتفت إلى كل تعقيدات ومشاكل الماضي وسيئات الماضي، أتاحت المجال على أساس إعطاء الفرصة لصفحة جديدة يتجه فيها الكل بمصداقية، ويكون الاهتمام بالدرجة الأولى من منظورٍ عام لكل ما فيه المصلحة الحقيقية لكل هذا البلد، وليس الغرق في إطار المصالح الفئوية والحزبية.
وكان العنوان أيضاً للاتفاق السياسي الذي أنجزته ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر هو اتفاق (السلم والشراكة)، في إطار هذين العنوانين (السلم، والشراكة)، وكان مضمونه لتحقيق ذلك، ولو بالحد الأدنى من ذلك، لكن تلك الأطراف التي هي مرتبطة بالخارج في توجهاته، ومواقفه، وسياساته، وأصبحت لا تتوجه لأي قرارٍ مستقل بعيداً عن إملاءات السفير الأمريكي وحلفاء أمريكا، انقلبت على اتفاق (السلم والشراكة) بشكلٍ واضح، واتجهت من جديد في خطوات جديدة لإثارة الفوضى والعبث، فكانت الثورة لها بالمرصاد، ومنعت ذلك.
وحين يأس الأمريكي وحلفاؤه من فتح المجال من جديد للعبث، والفوضى، واللعب في داخل هذا البلد، اتجهوا إلى العدوان، للسعي لعودة سيطرتهم بشكلٍ كامل على البلد، وبأسوأ من الماضي كما كانوا يؤملون، فاتجهوا إلى خطوة العدوان؛ لأنهم يئسوا من إمكانية الوصول إلى أهدافهم بالطريقة السابقة ما قبل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، أصبح هناك حضور ثوري فاعل يمنع العودة إلى تلك السياسات العدائية الممنهجة، التي تهدف إلى الوصول بالبلد إلى الانهيار، وإخضاعه للسيطرة الأمريكية، واستمرار الوصاية الأمريكية على البلد، بعد ذلك اتجهوا إلى العدوان، العدوان الشامل الذي أعلن من واشنطن- كما نكرر- وباللغة الإنجليزية، قبل أن يعلن حتى من الرياض، أو أبو ظبي، لتتضح الحقيقة عمَّن وراء هذا العدوان، ومن يشرف على هذا العدوان.
العدوان على البلد منذ بدايته كشف حقيقة أولئك الذين كانوا يريدون أن يستمروا في وصايتهم على هذا البلد
كان ما جرى ويجري في هذا العدوان منذ بدايته على بلدنا، كان أيضاً مصداقاً وشاهداً كبيراً على حقيقة سياساتهم العدائية ضد هذا البلد وبشكلٍ عام، وليس فقط أن مشكلتهم في هذا البلد هي مع مكون معين، بل في سياساتهم العدائية هي تضر بأبناء هذا البلد بكلهم.
العدوان منذ بدايته بدأ واستمر بوحشية كبيرة، وبارتكاب لأبشع الجرائم بحق أبناء هذا البلد، فهو وحشيٌ، عدوانيٌ، إجراميٌ، وتلك الممارسة في القتل الجماعي للناس، في الأسواق، والمساجد، والمدارس، وفي البيوت والمنازل، والأحياء السكنية، وفي كل مكان، هي تبين حقيقة توجهات وسياسات ومواقف الأمريكيين وحلفائهم تجاه شعبنا، يعني: أنهم يتعاملون مع شعبنا كأعداء، وتلك الوحشية وذلك الإجرام الفظيع، واستشهاد الآلاف من نساء وأبناء هذا البلد، من أبناء هذا البلد في المدن، في الأسواق، في القرى، في المساجد، في المدارس، في المناسبات الاجتماعية، بالقنابل الأمريكية، ومن خلال الطائرات الأمريكية، وبالإشراف الأمريكي، وإن كان المنفذ المباشر سعودي، وأولئك يشرفون عليه، بقنابلهم استشهد الآلاف من أبناء شعبنا، من أطفال شعبنا، بالقنابل الأمريكية نفسها استشهد الآلاف من الأطفال في مختلف المحافظات، استهدف المدنيون في المدن، في التجمعات المدنية، في المناسبات والأفراح الاجتماعية، وبإشراف أمريكي، فتلك الوحشية وذلك القتل الذريع للناس يبين أنهم يتعاملون كأعداء لهذا البلد ولهذا الشعب بمختلف مكوناته وأطيافه.
الاستهداف في إطار العدوان لمنشآت الدولة والمرافق الخدمية بكلها، ما يتبع الأمن، ما يتبع الجيش، ما يتبع الخدمات العامة للناس، الجهاز الإداري في الدولة (مجمعات، إدارات)، استهدفت بشكلٍ عام، يبين أيضاً ما هي سياسات أولئك، ما هي توجهاتهم، ما الذي يريدونه في هذا البلد، أنهم يسعون إلى تدمير كل شيء في هذا البلد، وأن يصلوا بنا في هذا البلد كشعب يمني إلى مستوى الانهيار الشامل في كل شيء، وأن يدمروا كل بنية خدمية، أو تحتية لهذا البلد، دمروا حتى المحاكم، واستهدفوا حتى السجون، واستهدفوا حتى الآثار والمعالم التاريخية، واستهدفوا حتى المقابر، واستهدفوا المصالح العامة من طرقات وجسور، وأيضاً استهدفوا مختلف المدارس والمنشآت التربوية والتعليمية وغيرها.
كذلك الاستهداف الشامل مع الحصار الشديد، والمؤامرات على الوضع الاقتصادي للناس، ضايقوا الناس في وصول المشتقات النفطية إليهم، فلا تصل إلَّا قليلاً، وبعناء وكلفة كبيرة وارتفاع كبير في الأسعار، ضايقوا الشعب اليمني في وصول البضائع ومختلف الاحتياجات إليه، وضايقوه في كل شيء: تآمروا على العملة الوطنية، وحاولوا أن يصلوا بها إلى مستوى الانهيار؛ لترتفع الأسعار بشكلٍ كبير على أبناء هذا الشعب بكلهم.
كل عملهم كان عدوانياً بكل وضوح، وشاملاً، يعني: يسعون إلى أن يلحقوا الضرر بكل أبناء هذا البلد، أن تعم المعاناة كل أبناء هذا الشعب، بكل أشكالها: في الواقع المعيشي، في الواقع الاقتصادي، على المستوى الأمني، في الاستهداف بالقتل والتدمير… وغير ذلك، وهذا شيء معروف، وأصبحت شواهده كثيرة جداً، هذا يفضحهم.
أيضاً في المناطق التي سيطروا عليها، كل ممارساتهم هي احتلال، احتلال وسيطرة مباشرة، والآن يعملون لهم قواعد في حضرموت، وفي المهرة، وفي عدن، وفي مناطق أخرى، يسيطرون على القرار في تلك المناطق سيطرة كاملة، هم من يسيطر على القرار الرسمي في إدارة شؤون الناس إلى مستوى غريب، يعني: إلى مستوى مثلاً في التشكيل الجديد الذي شكَّلوا فيه الخونة من أبناء هذا الوطن، الذين تجندوا معهم، وقاتلوا في سبيل أن يمكنوهم من السيطرة على البلد، كيف فعلوا؟ أعلى مستوى لديهم ما يسمونه بالمجلس الرئاسي، أو المجلس القيادي، مجلسهم ذلك الرئاسي القيادي- بحسب مسمياتهم- ذلك المجلس كيف تم تشكيله؟ من الذي عيَّن رئيسه؟ من الذي عيَّن أعضاءه؟ هو الأمريكي والسعودي، يستدعون فلاناً، وفلاناً، وفلاناً، [أنت رئيس، أنت عضو في المجلس، أنت بصفة كذا]، ويمتد هذا التدخل مثلاً في التشكيل الذي يسمونه تشكيلاً حكومياً في من يعينونهم باسم وزراء، [أنت وزير كذا، أنت وزير كذا، هذه الحقيبة الوزارية لجهة كذا، هذه الحقيبة لجهة كذا]، يعني: يسيطرون بشكل كامل على القرار، وهذا ما يريدونه.
الأمريكي وحلفاء الأمريكي الإقليميين وغيرهم هم يريدون أن تكون سيطرتهم على البلد بهذا المستوى: يعينون الرئيس، ويتحكمون في قراراته وتوجهاته فيما بعد، يعينون الوزراء هم، يوزعون الحقائب الوزارية، هم يرسمون السياسات، هم يعطون الصلاحيات، هم يقررون ما يشاءون ويريدون، ويستثنون ما يشاءون ويريدون، هم يسيطرون على الموانئ، على المطارات، على المنشآت النفطية، المنشآت الحيوية، هم يتحكمون بالقرار في الشأن الاقتصادي، في الشأن الإداري، في كل الأمور، ثم تعقد معهم العقود التي تساهم في سيطرتهم على كل شيء مهم في البلد: على ثروته الوطنية، على منشآته الحيوية، على كل شيء، وهذه مسألة واضحة جداً، وكثيراً ما يعترف بها الخونة من أبناء الوطن عند بعض المحطات التي يحصل فيها احتكاكات فيما بينهم، أو نزاعات، أو خلافات، أو إذا أقصي هذا الشخص، حينئذٍ يصيح بلهجة وطنية، ليقول: [هذا احتلال، وهذا سيطرة، هذا انحراف عن الأهداف للتحالف، عن…]، وهكذا، ويعترفون ويتحدثون عن كثيرٍ من التفاصيل، وهذا شيء واضح.
فما يعملونه هناك هو في هذا السياق، يعني: في سياق سيطرة، احتلال، سيطرة على الثروة الوطنية، وهذا هو امتداد لنفس سياساتهم ما قبل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، ومعنى ذلك: أنهم لو سيطروا على بقية البلد، وعلى هذا الثقل البشري، والثقل الجغرافي المتبقي في البلد، لفعلوا أسوأ مما يفعلونه اليوم في المناطق المحتلة، لفعلوا أسوأ من ذلك، ولكانوا أكثر جرأة في التحكم بالأمور، الآن لا يزال أمامهم مشكلة هي أحرار هذا البلد الذين لا يزالون في العمق الجغرافي للوطن، ويتصدون لسياساتهم وأطماعهم، لو قد تخلصوا من هذه المشكلة، لكشفوا عن وجههم القبيح، الذي قد كشفوا عنه كثيراً، لكن لتجلى سوؤهم، وظهر قبحهم، وانكشفت مخططاتهم بشكل كبير، لو وصلوا إلى درجة الاطمئنان، وأنه لم يبق أمامهم أي مشكلة، أو إعاقة، لتنفيذ مخططاتهم، والوصول إلى أهدافهم الشيطانية.
أيضاً خلال هذا العدوان فشلوا في الوصول إلى تحقيق كل أهدافهم، في السيطرة الكاملة على البلد، والسيطرة التامة على الشعب، بالرغم من حجم العدوان الهائل جداً، على رأس هذا العدوان أمريكا وبريطانيا بكل ما يمتلكانه من قدرة، وإمكانات، وقدرات عسكرية وتكتيكية، وينفذ لهم هذا العدوان بشكل مباشر السعودي والإماراتي بكل إمكاناتهم المادية، والبقية هم في هذا السياق ممن يقاتلون معهم، فوفق الله “سبحانه وتعالى” شعبنا بالصمود، والثبات، والتماسك، وهذه نعمة كبيرة جداً، فحقق شعبنا- بفضل الله- الكثير من الانتصارات التي منَّ الله بها عليه.
والحالة القائمة الآن ونحن في العام الثامن من العدوان هي حالة هدنة مؤقتة، في إطار حربٍ مستمرة، واحتلال لأجزاء واسعة من البلد، وحصار شامل، وسنتحدث عن هذا الموضوع في آخر الكلمة.
في إطار هذه الثورة الشعبية، التي أتت كضرورة، وتستمر كضرورة، وحققت إنجازات مهمة، نتحدث عن بعضٍ من إنجازاتها المهمة التي يتجاهلها البعض
أول الإنجازات ذات الأهمية الكبيرة، هي: الدفاع عن هوية هذا الشعب الإيمانية:
شعبنا مستهدف ليس فقط في وطنه، وأرضه، وثرواته، وقراره السياسي، بل هو مستهدف حتى في هويته، هم يريدون أن يجردوا هذا الشعب، أن يبقى شعباً بلا هوية، بلا انتماء، بلا مبادئ، بلا قيم؛ حتى يتمكنوا من السيطرة التامة عليه بدون أي عوائق، أو مشاكل، في المستقبل، ومن أهم ما تقدمه هذه الثورة المباركة أنها حفظت لهذا الشعب هويته، وترسخ هذه الهوية بشكلٍ مستمر، في إعلامها، في أنشطتها التوعوية والتعليمية، واهتمامها الواسع.
وفي حريته واستقلاله:
وهذه من أكبر النعم، ومن أكبر الإنجازات، أن شعبنا اليوم هو حرٌّ، بالذات أحراره، وفي هذه المناطق التي لم يتمكن تحالف العدوان من السيطرة عليها، في صنعاء، الحكومة، المجلس السياسي الأعلى، أبناء هذا الشعب، المكونات السياسية والاجتماعية هي تعيش هذه الحرية بكل ما تعنيه الكلمة، لسنا في حالة خنوع وخضوع، لا للأمريكي، ولا لحلفائه، ولا لغيرهم، نتخذ قراراتنا، نحدد مواقفنا، على أساسٍ من هويتنا وانتمائنا الإيماني الأصيل، وبشكلٍ صحيح، ووفق مقتضيات الحكمة والمصلحة الحقيقية لشعبنا العزيز، فنحن نعيش هذه النعمة الكبيرة في الحرية والاستقلال.
وكذلك من أهم إنجازات هذه الثورة التي هي حاضرة وتستمر: العمل المستمر على تعزيز الروابط بين أبناء هذا البلد:
في مقابل العمل الشيطاني الكثيف لتفكيك الروابط بين أبناء هذا البلد، تحت كل العناوين، من جانب أعدائهم.
من الإنجازات المهمة للثورة الشعبية، هي: الحفاظ على مؤسسات الدولة، وعلى تماسكها:
مما يعمل الآخرون عليه: أن يفككوا مؤسسات الدولة، أن يصلوا بها إلى الانهيار، ألَّا يبقى هناك جيشٌ قويٌ لخدمة شعبه، والدفاع عن وطنه، ألَّا يبقى هناك أجهزة أمنية تخدم هذا الشعب، تحافظ على أمنه واستقراره، ألَّا يبقى هناك مؤسسات إدارية، ولا أي مؤسسات تقدم خدمةً لهذا الوطن، أرادوا أن يصلوا بها بكلها إلى مستوى الانهيار، حتى التعليم تآمروا عليه، وبذلوا كل جهدهم للوصول به إلى الانهيار، كانوا يريدون أن ينهار كل شيء في هذا البلد، وكانت سياساتهم، ومؤامراتهم، وجرائمهم، وأفعالهم، وأقوالهم، تشهد على ذلك.
من أهم إنجازات هذه الثورة الشعبية: تحقيق الأمن والاستقرار إلى مستوى جيد، ويتحسن أكثر فأكثر:
وهذا شيء ملموس، ولا يمكن المقارنة بين مستوى الأمن والاستقرار في محافظاتنا الحرة، وبين مستوى الأمن والاستقرار في المحافظات المحتلة، التي ينعدم الأمن والاستقرار فيها، وتسودها الفوضى، وهذا شيء واضح على المستوى العام إلى حد كبير، هناك فعلاً بعض الاختلالات، أو بعض القصور والنقص، لكن هناك نتائج جيدة، هناك مستوى جيد قد تحقق، ويتحسن يوماً بعد يوم، وهناك برنامج لتطوير العمل الأمني، والأجهزة الأمنية، وتصحيح وضعها، وإصلاح واقعها، والسعي لتطوير أدائها وتحسين أدائها وبشكل مستمر.
من أهم منجزات الثورة الشعبية، هو: العمل المستمر في الحفاظ على السلم الأهلي، والاستقرار الاجتماعي:
على العكس من سياسات الآخرين، الذين يتجهون دائماً إلى إثارة النزاع بين أبناء المجتمع، بين هذه القبيلة وهذه القبيلة، وتلك الأسرة وتلك الأسرة.
في الواقع هنا في إطار الثورة الشعبية وإنجازاتها، هناك عمل مستمر على حل المشاكل بين أبناء المجتمع، على العمل على صلاح ذات البين، على منع الاقتتال والفتن الداخلية.
كان النظام سابقاً يسعى إلى تغذية الفتن حتى بين أبناء القبيلة تلك والقبيلة تلك، ما بين هذه المنطقة وتلك المنطقة، أحياناً يساعد هذا الطرف وهذا الطرف بالسلاح؛ لكي يستمروا في الاقتتال، اليوم هناك عمل جيد، ويتحسن أيضاً يوماً بعد يوم، في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي بين أبناء المجتمع.
من أهم الإنجازات للثورة الشعبية هو: العمل على إعادة بناء الجيش والأمن على أسس صحيحة:
هناك عمل دؤوب في بناء الجيش على أسس صحيحة، وعقيدة قتالية سليمة، في خدمة شعبه، والدفاع عن وطنه، وعدم الارتهان للخارج، وعلى أساسٍ من هويته الإيمانية، وانتمائه الإيماني، وهذا شيءٌ عظيم.
كذلك في الجانب الأمني، هناك عمل في هذا الاتجاه، وعمل مستمر، على العكس من سياسة أولئك الذين يتجهون إلى السيطرة على الأجهزة الأمنية والعسكرية، واستغلالها لضرب هذا الشعب والاعتداء عليه.
من أهم منجزات الثورة الشعبية، هو: الإنجاز الكبير في التصنيع العسكري:
هذا إنجاز يفتخر به الوطن، يفتخر به شعبنا اليمني، يفتخر به أبناء هذا البلد، الإنجاز في التصنيع العسكري ليس إنجازاً عادياً، هو إنجاز كبير، إنجاز عظيم، يعني: من المسدس، إلى الكلاشنكوف، إلى المدفع، إلى قاذف الآر بي جي، إلى مستوى أكبر، إلى مستوى الطائرات المسيَّرة، والصواريخ في مدياتها المتفاوتة والمختلفة، إلى مستويات قريبة، إلى مستويات متوسطة، إلى مستويات بعيدة المدى، وإلى حد كبير، وجرى كل ذلك في إطار الوضع الراهن بكل ما فيه من صعوبات، في ظل العدوان الشامل على بلدنا، والحصار الخانق على بلدنا، والاستهداف المكثف لكل شيء، وبدأ العمل من نقطة الصفر، وكتب الله “سبحانه وتعالى” بفضله وكرمه التوفيق العجيب للإخوة الذين يعملون في مجال التصنيع، فأمدهم الله بتوفيقه وهدايته، واستفادوا من كل ما يفيدهم في تطوير هذه القدرات، واليوم بلدنا يصنع مختلف أنواع الأسلحة، من أسلحة المشاة، إلى الأسلحة المتوسطة، إلى الأسلحة المتطورة، الصاروخية التي هي بعيدة المدى.
والمستقبل بالنسبة للتصنيع على المستوى العسكري وعلى المستوى المدني- إن شاء الله- واعدٌ جداً، يعني: أن بلدنا الذي كان في السابق لا ينتج أي شيء، ويستورد كل المنتجات من خارج البلد، ولا يُصَنِّع حتى أبسط الأشياء، هو اليوم يُصَنِّع ما تعجز الكثير من الدول، حتى الكثير من الدول العربية، عن تصنيعه، هذا إنجاز كبير، والآن من المتاح أمامنا أن نحقق نهضة في الصناعة المدنية، الصناعة في المجال العسكري هي أصعب، والقيود عليها أكبر، والمعوقات فيها أشد، ومع ذلك تحقق الإنجاز الكبير بفعل الإرادة الصادقة، والاستعانة بالله “سبحانه وتعالى”، والعمل الدؤوب، والصبر، والاستمرارية، فوفق الله “سبحانه وتعالى” في ذلك التوفيق الكبير، وهذا شيء واضح، أصبح هناك قدرات في السلاح البري، والجوي، والدفاع الجوي أيضاً، والبحري، وأصبح المجال في هذا الجانب مفتوحاً للتطوير إلى مستويات متقدمة، وهو واعدٌ في المستقبل بإذن الله “سبحانه وتعالى”.
من منجزات الثورة الشعبية: العمل على إعادة روح التضامن، والتعاون، والمواساة بين أبناء البلد، وتفعيل دور الزكاة والأوقاف في الاتجاه الصحيح، وفق تعليمات الإسلام، وفي إطار العمل الخيري والإنساني:
هذا الجانب المهم، الذي هو من أهم التجليات للانتماء الإيماني، من أهم تجسيد تعاليم الإسلام، بحمل الروح الخيِّرة، والمعطاءة، والمحسنة إلى الناس، والذي كان قد تقلص إلى حد كبير، وحلَّ بديلاً عنه الأطماع، والأهواء، وروح الانتهازية؛ بفعل التربية الخاطئة، التي هي مستمدة من أساليب أعداء هذا البلد، الذين أرادوا أن يفسدوا في هذا البلد كل شيء، حتى القيم والأخلاق، فهذا الجانب يعتبر من أهم منجزات الثورة الشعبية، أعادت روح التضامن، التعاون، وهذا يتجلى في القوافل، في العطاء، في الاهتمام بالمحتاجين والفقراء، في كل ما يُجَسِّد الإحسان في الواقع العملي.
كذلك تفعيل دور الزكاة، الذي كان قد غُيِّب تماماً في إطار مصارفها الشرعية، والأوقاف كذلك، وهذا شيء مهم جداً.
من الإنجازات المهمة للثورة الشعبية: الحفاظ على توجه الشعب ومواقفه المبدئية تجاه قضايا الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية:
لأن الذي يسعى له الأمريكي، ويسعى له البريطاني، ومن معهم، هو: إحداث تغيير كبير في المنطقة، بالاتجاه بمختلف البلدان العربية نحو الولاء لإسرائيل بشكلٍ واضح، وإعادة الارتباط بإسرائيل بشكلٍ علنيٍ ومكشوف، تحت عنوان التطبيع، وتصفية القضية الفلسطينية بالكامل، ومعاداة بقية أحرار الأمة، الذين يصمدون ويقفون ضد إسرائيل، وضد المؤامرات الأمريكية، والبلد كان مستهدفاً في موقفه فيما يخص هذه المسألة، هم يريدون أن يسيطروا عليه بأدواتهم، التي تتجه إلى التطبيع بدون أي تحرج، وتتخذ المواقف التي يتبناها أولئك بشكلٍ تام، ومن دون أي تردد، ولــــذلك من منجزات الثورة الشعبية أنها حافظت على هذا الموقف الأصيل لشعبنا العزيز ضد التطبيع، ضد إسرائيل كعدوٍ للإسلام والمسلمين، للأمة بكلها، في الاستمرار في التضامن والتعاون مع شعبنا الفلسطيني المظلوم، في الاستمرار كذلك في توجه بالروح الأخوية مع أحرار هذه الأمة، مع أبناء هذه الأمة، في الوقوف معهم في إطار الموقف الجامع والشامل ضد أعداء الأمة، وتجاه ما يستهدف هذه الأمة.
هذه بعضٌ من إنجازات هذه الثورة، وهي إنجازات مهمة، إلى جانب ما تقدمه في الداخل على مستوى الممكن، على مستوى الممكن في بقية المجالات.
وفي المقابل هناك أيضاً استحقاقات لا زالت قائمة على أبناء هذه الثورة في الواقع الشعبي والرسمي، وعلى أحرار هذه الثورة، والذين نهضوا بها، وهي استحقاقات للحاضر وللمستقبل
في مقدمة هذه الاستحقاقات: مواصلة الدفاع عن استقلال هذا البلد، وحرية الشعب، والسعي لدحر الاحتلال، والحفاظ على هوية الشعب وانتمائه:
هذا شيء يجب أن نستمر فيه، هو مسؤولية كبيرة، وهو استحقاق كبير، وهو من الأهداف الرئيسية، وفي مقدمة الأهداف الرئيسية لهذه الثورة الشعبية، وهو الأولوية الكبرى التي يجري العمل عليها، ويتم من أجلها أحياناً تأخير بعض الأولويات، أو نقص في بعض الأولويات لصالح هذه الأولوية الرئيسية.
من الاستحقاقات المهمة في الحاضر والمستقبل على هذه الثورة الشعبية وعلى أبنائها: العمل المستمر على تصحيح وضع مؤسسات الدولة، وتطهيرها من الخونة، والعملاء، والفاسدين، والعابثين، والمستهترين، والانتهازيين المستغلين، والاستفادة أيضاً بشكلٍ مستمر من عهد الإمام عليٍّ “عليه السلام” لمالكٍ الأشتر “رضوان الله عليه”، في صياغة المدونة السلوكية، والضوابط، والقيم، والأخلاق، وأيضاً في السعي بالوصول بمؤسسات الدولة إلى المستوى المطلوب في أداء مهامها ومسؤولياتها في خدمة الشعب، في كل المجالات، وبحسب المسؤوليات.
هذا الاستحقاق هو من الاستحقاقات الكبيرة، التي لابدَّ من العمل المستمر فيها، والوضع يتطلب فيما يتعلق بهذا الجانب اهتماماً كبيراً، وسعياً حثيثاً.
من الاستحقاقات المهمة على هذه الثورة في الحاضر والمستقبل: التوجه المستمر، والسعي الحثيث لتحقيق نهضةٍ اقتصادية في هذا البلد، في مجال الزراعة، والإنتاج المحلي والسعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي، هذه من أكبر المسؤوليات والمهام.
من الاستحقاقات المهمة: مواصلة العمل في ترسيخ الاستقرار الاجتماعي:
لأن هناك سعي كبير من جانب الأعداء في إثارة الفتن بشكل دائم بين أبناء هذا البلد، ولاستغلال أي مشاكل اجتماعية؛ لتحويلها إلى فتن، إلى صراعات، إلى نزاعات، إلى اقتتال، فيجب العمل من ضمن الأولويات الكبرى والمهمة، والمهام الرئيسية والأساسية لترسيخ الاستقرار الاجتماعي، والسلم الأهلي، وتعزيز الروابط الأخوية، والتعاون بين أبناء هذا البلد، والتصدي لكل مخططات الفتنة والفرقة؛ لأن هناك سعي دائم لتغذية الكراهية، والنزاعات، والخلافات، والصراعات، والتذمر، والعداوات، شغل حثيث من الشيطان وأعوان الشيطان.
هناك أيضاً بعضٌ من التحديات والمعوقات، التي تمثل من جانب عائقاً على مستوى الإنجاز، أو على مستوى استكمال بعض الأولويات، أو العمل النشيط فيها
وهي تحديات كذلك لا بدَّ من العمل المستمر للتصدي لها، ولمواجهتها.
أول هذه التحديات: حجم هذا العدوان على هذا البلد:
حجم العدوان كان ولا يزال كبيراً، يعني: اجتمعت أكبر الدول في إمكاناتها الاقتصادية، وقدراتها العسكرية، الأمريكي، البريطاني، والقوى الإقليمية التي دخلت معهم لتنفيذ تلك المهمة الإجرامية الوحشية في العدوان على بلدنا، حجم هذا العدوان في مؤامراته، وفي ممارساته الإجرامية، في سعيه لاحتلال هذا البلد، في عدوانه العسكري، عدوانه الاقتصادي، عدوانه وهجمته السياسية والإعلامية… في كل مستويات عدوانه، ومجالات عدوانه، هو حجم كبير وضاغط، وهذا يستدعي واستدعى في كل المراحل الماضية التوجه بشكل أساسي وكبير للتصدي لهذا العدوان كأولوية قبل كل الأولويات؛ لأن هذه الأولوية لو فرطنا فيها، لضاع كل شيءٍ معها، يعني: لا يبقى دولة، لا يبقى إمكانية لمعالجة بقية الملفات، للاهتمام ببقية الاستحقاقات، لو تمكَّن الأعداء من السيطرة الشاملة والكاملة على هذا البلد، وعلى هذا الشعب؛ لانتهت بقية الأولويات، ولذهبت كلها، وانتهت كلها، ولتلاشت معها كل الآمال، وكل الأهداف، فكانت هذه الأولوية تحظى دائماً بأكبر الاهتمام على مستوى التفكير، والجهد العملي، والمتابعة، والمواكبة، وعلى مستوى الإمكانات، ولا تزال تحتل هذه الأهمية حتى الآن؛ لأنه لا يزال العدوان مستمراً، لم تنته الحرب بعد، لم يوقفوا عدوانهم، ويرفعوا حصارهم، وينهوا احتلالهم لهذا البلد، هناك فقط هدنة مؤقتة، ففي ظل هذا الوضع تحظى هذه الأولوية بأكبر الاهتمام على المستوى العملي، الذهني، على مستوى الإمكانات، على مستوى المتابعة… على كل المستويات، حتى لمراعاة بعض الأمور التي تخدم هذه الأولوية قبل بقية الأولويات.
الاحتلال لمساحة كبيرة من هذا الوطن:
هذا من التحديات التي لا بدَّ من مواجهاتها، لا يمكن تجاهلها، لا يمكن إغفالها، لا بدَّ من الاهتمام بها، احتلال لمساحات شاسعة من هذا الوطن، احتلال لمنشآت حيوية، احتلال للثروة النفطية والغازية، احتلال لمعظم المنافذ البرية والبحرية، احتلال للجزر، احتلال واسع، هذا يعتبر قضية أساسية يجب أن تبقى محط اهتمام الجميع، وقضية للجميع.
ومستوى الحصار- كذلك- هو من التحديات القائمة:
حصار شامل، والكل يعاني من هذا الحصار، كل أسرة في هذا البلد تعاني نتيجةً لهذا الحصار، ولتلك المؤامرات على الوضع الاقتصادي والمعيشي لأبناء هذا البلد، وهو مما يبين مدى مظلومية هذا الشعب، ومدى عدوانية وظلم وإجرام تحالف العدوان، وحقيقة أهدافه، وطبيعة معركته في الاستهداف لبلدنا، هذا أيضاً له تأثيره على بعض الأولويات، من حيث محدودية الإمكانات.
مثلاً: في جانب الخدمات، نحن نتمنى أن يكون هناك إمكانيات لتوفير كل الخدمات لهذا الشعب، لأبناء هذا البلد، نحن ندرك مستوى الآلام والمعاناة، ونعيشها مع أبناء شعبنا، نتمنى لو تفتح إلى كل قرية أن يفتح إليها طريق، أن تبنى وحدة صحية في كل عزلة، أن تتوفر كل الخدمات بأنواعها في كل قرية، وفي كل عزلة، وفي كل مدينة، وفي كل حي، ونتمنى لو كان ذلك بوسعنا، وفي حدود إمكانياتنا وقدراتنا، ولكن أين هي الثروة النفطية؟ أين هي عائداتها؟ من الذي يسيطر عليها؟ من الذي ينهبها؟ من الذي يسرق أموال هذا الشعب؟
هو تحالف العدوان، والخونة من أبناء هذا الوطن، ينهبون التريليونات من العملة الوطنية من عائدات تلك الثروة، وملايين الدولارات، بل مئات الملايين من الدولارات التي ينهبونها ويسرقونها، ويتركون أبناء هذا الشعب يتضورون جوعاً، ويعانون، ويحتاجون في أمسِّ الحاجة إلى بعضٍ من الخدمات والاحتياجات الإنسانية.
فمستوى الحصار هو يؤثر على مسألة توفير الإمكانات، توفير الرعاية اللازمة لأبناء الشعب، بناء مؤسسات الدولة كما ينبغي، توفير بعض المتطلبات، له تأثيره بلا شك، البعض يقول: [هذا تبرير، أنتم دائماً تبررون]، هذه حقيقة، ليس مجرد تبرير، هذه حقيقة قائمة، حقيقة واقعة، ولا نقصد بذلك التنصل عن تقديم كل ما هو ممكن، ولا التنصل عن ابتكار ما يساعد على معالجة الوضع بما هو متاح ومتوفر، ولا التبرير لما قد يختلط مع كل هذه الأمور من تقصير مقصرين، من خيانة خائنين، من إهمال مهملين، هذا شيء يمكن أن يحصل، لكن التأثير الأكبر، التأثير الحقيقي، التأثير الكبير هو للحصار، وسيطرة الأعداء على موارد هذا البلد، على ثروات هذا الوطن، على خيراته، على معظم إيراداته المالية.
من التحديات ومن المعوقات أيضاً هو: إرث مشاكل وتعقيدات الماضي:
سواءً على مستوى الوضع في مؤسسات الدولة، مؤسسات فيها الكثير من المشاكل، المشاكل القانونية، المشاكل فيما يتعلق بالبنية البشرية في تربيتها، في توجيهها، في بنائها، في اهتماماتها، في أهدافها، كثير من الأمور والمشاكل والتعقيدات التي هي حاصلة، هي حالة قائمة في واقع مؤسسات الدولة، وتصحيح الوضع فيها لا يمكن أن يحدث بين غمضة عينٍ وفتحها، في لحظة واحدة، في طرفة عين، لا يمكن أن يحدث، يحتاج إلى جهد، يحتاج إلى بعضٍ من الوقت، هناك تباطؤ، هناك تقصير، هناك خلل، هذا صحيح، هناك عمل أيضاً، ويلقى هذا العمل بعضاً من المعوقات الكبيرة، وهذا شيء قائم، ليس هناك إهمال تام، ولا هناك اهتمام بالشكل المطلوب، هذا هو التوصيف المنصف والعادل لهذه المسألة، فهناك مشاكل:
القانون فيه مشاكل كثيرة.
الهيكل الرسمي لمؤسسات الدولة فيه مشاكل واختلالات كبيرة.
الوضع الوظيفي للكادر البشري لديه مشاكله الكثيرة.
واقع فيه كثير من التعقيدات التي تحتاج إلى جهد وعمل.
وعلى المستوى الشعبي، هناك الكثير أيضاً من المشاكل، من التعقيدات:
انعدام أيضاً للخدمات بشكل كبير.
تخطيط فاشل على مستوى المدن، وعلى مستوى الأحياء، وعلى…
سياسات في الماضي تركت تأثيرها على الحاضر.
انعدام الاهتمام بالتصنيع المحلي، بالإنتاج المحلي، بالجانب الزراعي، بالنظرة إلى الوظيفة في الحكومة وكأنها فقط لمجرد الدخل المعيشي والكسب…
وهكذا تأثيرات كثيرة، مشاكل كثيرة تحتاج إلى جهد، وعناء، واهتمام كبير، وهي تؤثر على مستوى الإنجاز.
أيضاً من التعقيدات والمعوقات: بروز الطموحات والرغبات الشخصية للبعض على حساب الأهداف الكبرى:
البعض من الأشخاص ممن قد يكون في موقع مسؤولية، أو في وظيفة معينة، يؤثر على أدائه في العمل، على إنجازه لمهامه، طموحاته الشخصية، رغباته الشخصية، أهدافه الشخصية، تؤثر على حساب الأهداف الكبرى، وهذا يحتاج إلى إحداث تغييرات تستند إلى تقييم دقيق، إلى توصيف حقيقي؛ حتى لا يكون هناك تصفية حسابات وألاعيب في هذه المسألة.
هذا يؤثر أيضاً على مسألة أخرى، وهي: أنَّ البعض حتى ممن لهم إسهام في إطار الثورة الشعبية، ودور إيجابي وفاعل في إطار الثورة الشعبية، ينسون في مراحل معينة الأهداف الكبرى، المهام الأساسية، والأهداف المقدَّسة لهذه الثورة، فيأتون ولديهم اهتماماتهم الشخصية، مطالبهم الشخصية، هذا يريد أن يكون وزيراً؛ لأنه قدَّم قافلة تجارية، أو ساهم مساهمة معينة، أو فعل شيئاً، قافلة غذائية أو شيئاً من هذا، فعل شيئاً وأسهم بشيءٍ معين، أو أسهم في موقف من المواقف، فيريد أن يكون وزيراً، أو يريد أن يكون محافظاً، يريد أن تعطيه تلك المحافظة مكافأة على ما قدَّمه، يغفل عن المسؤوليات، الأهداف الكبيرة لهذه الثورة، التي عليه أن يخلص لها، أن يبقى صادقاً معها، وألَّا يتجه إلى حساب المصالح الشخصية، المكاسب الشخصية، مقابل ما قدَّمه لأهداف كبيرة وعظيمة.
في طلبات التوظيف، طلبات التوظيف من أكبر المشاكل، يأتي البعض يريد لأصحابه، لأقربائه، لقبيلته، لمحيطه، يقدِّم لهم طلبات توظيف هائلة جداً، بغض النظر عن المؤهلات والكفاءة، وإنما بحساب استحقاق يستند فيه إلى ما قدَّم، أو إلى موقفه… أو إلى غير ذلك، وأحياناً إلى غير شيء.
وهذه من الإشكالات، يعني: من المشاكل التي يواجهها الناس، وأيضاً تتطلب وعياً عالياً في الواقع، إخلاصاً للأهداف الكبرى، تفهماً للأولويات، ومصداقيةً مع العناوين والأهداف.
من المشاكل والتعقيدات التي تحصل في الواقع، وتؤثر على بعضٍ من الأولويات، وبالذات في تصحيح وضع الدولة ومؤسساتها: التباين الكبير للمقترحات والأفكار، والإصرار عليها:
يعني مثلاً: هذا يأتي بمقترح، وهذا يأتي بفكرة، وهذا لديه أيضاً من هناك مشروع معين، وفكرة معينة، كلٌّ يتصور أنَّ فكرته هي أحسن فكرة، وذاك يتصور أنَّ مقترحه أحسن ما يمكن أن يصلح به الوضع، وذاك يعتقد أنَّ تقييمه، وتقديراته، وتصوراته، وأفكاره، هي التي ينبغي أن تكون هي المعتمد الوحيد لتصحيح وضع الدولة، وإصلاح الواقع، هذا يصرُّ على مقترحه، ويتعصَّب معه، ويغضب على الناس لماذا لا يعتمدون عليه وعلى تقييمه، والآخر يتعصَّب لفكرته، ويتعقَّد ويتذمر، ويستاء، ويصدر الأحكام العامة على الناس، وعلى كل شيء، على كل شيء، على الواقع بكله، ويتبنى موقفاً سلبياً من الواقع بكله؛ لأنه يعتبر أنَّ على الجميع أن يتقبلوا فكرته هو بالتحديد، وفكرة هذا تتباين مع فكرة الآخر، وكلٌّ منهم… وهكذا كثير من هذا يأتي.
التقييمات كذلك حتى على مستوى الأشخاص، قد يكون شخص معين مثلاً هو وزير، في نظر البعض: [ليس مناسباً أبداً، ولا يصلح أن يبقى ولا لثانية واحدة في عمله ذلك، وفي موقعه مسؤوليته تلك]، وفي نظر آخرين كثر: [أنسب شخص لذلك الموقع]، ودائماً يؤيِّدون استمراريته، وأنه الأنفع والأصلح، والأكفأ… إلى غير ذلك، هذه تأتي، مشاكل لدى الناس وأحكام تبنى عليها، ومواقف تنتج عنها… إلى غير ذلك، هذا يستدعي أيضاً التثبت، التبين، الاستقراء الصحيح، الاعتماد على الأسس الصحيحة، وأيضاً يؤثر في بعض الأحيان، يؤثر على بعض القرارات، على بعض التوجهات لدى المعنيين.
فهذه من المشاكل التي هي حاصلة في الواقع، ولكن كل المشاكل وكل التحديات يجب التصدي لها، والتغلب عليها، وتحويل الواقع بكله، بما فيه من تحديات إلى فرص لبناء صحيح، لبناء سليم، لبناء… ولتلافي الأخطاء، لتلافي الأخطاء التي تحصل عادةً، ليس الذين يعملون في الواقع الرسمي، ولا الواقع من خلفهم، ولا كل المعنيين، لا بمعصومين عن الأخطاء، ولا بمقدَّسين عن حصول تجاوزات، أو أخطاء، هذا وارد بشكل كبير، والأخطاء تحصل، ولكن يجب أن يكون هناك سعي لتلافي الأخطاء، لتصحيح الوضع، لمعالجة الأمور بالرشد، بالحكمة، بالشكل الصحيح.
ولــــــذلك نحن نقول في ملاحظاتنا عن الوضع الراهن فيما يتعلق بمؤسسات الدولة: ليس هو المستوى النموذجي، هذا شيء معروف، الخطوات التي قد أنجزت لحد الآن في تصحيح الوضع في مؤسسات الدولة، هي خطوات محدودة وقليلة؛ لأننا- كما قلنا- كانت أولويتنا الكبرى- ولا تزال- في التصدي للعدوان، تسخير كل الإمكانات، توظيف كل القدرات، وأيضاً التركيز عملياً وذهنياً على هذه الأولوية، ومع ذلك كنا نسعى إلى استدراك البعض من الأمور في الجانب الرسمي والعمل الرسمي، وإصلاح وتصحيح وضع مؤسسات الدولة، ولكن هناك توجه قائم على تصحيح وضع مؤسسات الدولة، فالذي ينظر مثلاً إلى هذا الوضع الراهن فيقول: [هل هذا هو نتاج الثورة؟ هل هذا هو كل ما تسعون إليه؟ هل وصلتم الآن إلى المستوى الذي يمثل نموذج الثورة الشعبية؟ هل يحقق هذا النموذج آمال وطموحات هذا الشعب؟]، بالتأكيد لا، الخطوات محدودة إلى حد الآن، لا يزال هناك برنامج كبير من أجل الوصول إلى هذا الهدف، يحتاج إلى جهد، إلى مساندة، إلى تعاون، إلى تفهم.
ومع ذلك هذا الوضع القائم في مناطقنا، في محافظاتنا الحرة، هو أفضل بكثير جداً وبلا مقارنة بالنسبة للوضع لدى الخونة، هؤلاء المسؤولين في المناطق الحرة والمحافظات الحرة، في صنعاء، هم نتاج إرادة وطنية، يعني: ليسوا نتاج إملاءات خارجية، ليس الموظِّف لهم هو الأمريكي، والسعودي، والإماراتي، والبريطاني، هؤلاء يأتون إلى مواقع المسؤوليات بقرار مستقل وطني، المجلس السياسي الأعلى نتاج وطني، والقرارات تأتي أيضاً في هذا الاتجاه الوطني، في إطارٍ مستقل، فهم يعبِّرون عن بلدهم، يعني: الموظف في صنعاء يستطيع أن يؤدي مهامه- وفي أي محافظة من المحافظات الحرة- بدون تدخل، أو وصاية، أو إملاءات، لا من أمريكي، ولا من بريطاني، ولا من سعودي، ولا من إماراتي.
أمَّا أي موظف في المحافظات المحتلة، فهو عندما يؤدي وظيفته وهو يعرف أنَّ الذي وظَّفه، وأنه وصل إلى موقع وظيفته بقرار أمريكي، بريطاني، سعودي، إماراتي، فهو يجعل مصالح أولئك بالدرجة الأولى، في الاعتبار الأول، في المقام الأول، ميله اتجاهه، اهتماماته، هي في ذلك السياق: أن يخدم أولئك.
أمَّا في المحافظات الحرة، في إطار صنعاء، والمجلس السياسي الأعلى، يمكن للموظف يحتاج إلى القليل من الإخلاص ويؤدي وظيفته ومهامه وهو يخشى الله “سبحانه وتعالى” إذا اتقى الله ولخدمة شعبه ووطنه، ميزة الاستقلال والحرية ميزة كبيرة.
التماسك أيضاً، تحقق التماسك في مؤسسات الدولة في ظل وضع كان كفيلاً بانهيارها:
مستوى الضغط العسكري، والتدمير للبنية التحتية للدولة بشكلٍ شامل.
انعدام الإيرادات في كثيرٍ من المجالات، وشحتها في مجالات محدودة فقط.
توقف الراتب نتيجةً لسيطرة الأعداء على الثورة الوطنية.
مشاكل كبيرة جداً كانت كفيلة بانهيار مؤسسات الدولة، وألَّا يبقى هناك أي عمل أصلاً في مؤسسات الدولة.
عمل بدون راتب.
عمل بميزانيات بسيطة ومتواضعة جداً.
نفقات محدودة للغاية جداً.
لست معنياً يعني بتقديم التفاصيل عن هذا الجانب، هذا مسؤولية الجانب الرسمي، لكن نتحدث عن الإيجابيات، بقدر ما ننقد السلبيات، بقدر ما نسعى لمعالجة الإشكالات، أيضاً نلحظ السلبيات، ونلحظ الإيجابيات.
أيضاً هناك مستوى من الخدمة للناس، هذا شيء ملحوظ، ليست صفراً، الخدمات بالرغم من شح الإمكانات، بالرغم من حجم العدوان، بالرغم من مستوى الحصار، هناك خدمات قائمة في البلد، وهي حالة موجودة بمستوى معين، وإن كان هناك نقص، لكن هناك شيء يحدث أيضاً، وشيء واضح ومعروف.
وصبر على ظروف صعبة جداً، وهذا شيء يعيشه الكل في الجانب الرسمي والجانب الشعبي، الكثير من الموظفين يعانون معاناة كبيرة جداً، بظروف صعبة، وهم في نفس الوقت يستمرون في أن يخدموا بلدهم، ويحافظوا على تماسك مؤسسات الدولة.
هناك أيضاً من الأشياء المهمة والإيجابية: الإيمان بضرورة التصحيح والبناء ومعالجة الخلل، يعني: الكل في إطار الثورة الشعبية والتوافق السياسي، في إطار الموقف العدوان، الكل يتفهم ويقر بمسألة ضرورة تصحيح هذا الوضع، ضرورة البناء نحو الأفضل، ضرورة العمل على معالجة الاختلالات والمشاكل، وهذا شيء جيد، وإن كان هناك على المستوى التنفيذي، وعلى مستوى العمل إشكالات تحصل، أو تعقيدات تحصل، أو حساسيات، أو حسابات من هنا أو هناك، لكن وجود هذا التوجه كتوجه، أمر إيجابي ويبعث على الأمل.
أيضاً النموذج السلبي في العمل الرسمي لا يعبِّر عن كل شيء، لا يعبِّر عن الثورة بشكل عام، لا يعبِّر عن الجميع، يعني: في الجانب الرسمي تلقى مسؤولين على مستوى راقٍ من الاهتمام بأمر الناس، من النصح للشعب، من الحرص على خدمة الشعب، وقد تلقى البعض من المسؤولين السيئين، الذين يجب تغييرهم، وقد تلقى أيضاً حالات هنا إيجابية، حالات هنا سلبية، حالة نجاح هنا، حالة فشل هناك، هذا شيء حاصل، فالنموذج السلبي لا يعبر عن التوجه العام، عن الثورة، عن الشعب، عن الاتجاه القائم في البلد، لا يعبِّر عن ذلك.
ولـــذلك عندما يأتي النقد، يجب أن يكون نقداً بنَّاءً، عندما تأتي أيضاً الملاحظات، أن تكون ملاحظات بنصح ومصداقية، بعيداً عن التحريض على الوضع بكله، التحريض على الفوضى، نشر حالة التذمر من كل شيء، هذا لا يخدم البلد، ولا يخدم الشعب، ومن يفعل ذلك هو:
إمَّا معقَّد، يعني: ينطلق من عقدته النفسية، تنعكس نفسياته المعقدة وسخطه الشديد على كل شيء، لا يبقى منصفاً، ولا متوازناً، ولا يميز الإيجابيات من السلبيات، ولا الأولويات بحجمها ومستواها.
وإمَّا عميل يخدم الأعداء، يعمل لخدمتهم.
أمَّا من ينقد النقد البنَّاء الناصح، الصادق، فهو يؤدي واجبه في التواصي بالحق، والتواصي بالصبر، وقول كلمة الحق.
كذلك من يهيِّج على الفتن، من يحرِّض على الفوضى، هو ليس بناصح، لا ناصح لهذا الشعب الذي يعاني من العدوان بكل حجم العدوان وجرائمه، وحجم المعاناة الهائلة نتيجةً لذلك، وأثقال الماضي على هذا الشعب، ومعاناته المتراكمة، من يهيِّج على الفتن، من يحرِّض على الفوضى، من يحرِّض على السعي للفرقة والشتات، والتوجه بالناس نحو الاختلالات الأمنية، هذا ليس بناصحٍ ولا صادق، يجب أن يعي الناس أنه يعمل: إمَّا لمصلحة العدو بشكل مباشر، أو بشكل غير مباشر، يدفعه عقده وأحقاده.
الشيء الصحيح أيضاً هو: العمل سوياً، من كل الأحرار، والناصحين، والصادقين، وهم كثر، وهم الذين ينهضون بالدور الكبير جداً في التصدي للعدوان، ونهضوا بدورٍ كبير في إطار الثورة الشعبية، أن يتعاون الجميع بدعمٍ شعبي، وتوجهٍ شامل لإنجاز الاستحقاقات الكبرى، نسعى معاً، نتعاون معاً، بصدق، بنصح، بإخلاص، بوعي، برشد، بحكمة، للتصدي للعدوان، لدحر الاحتلال، لتحقيق الاستقلال الكامل لبلدنا، لإنهاء الحصار على بلدنا، هذه مسؤولياتنا جميعاً، وهي الأولوية الكبرى.
تليها أولوية إصلاح وضع مؤسسات الدولة، بتفهم من الجميع، وتعاون من الجميع، وتجاوز للرغبات الشخصية، والمصالح الشخصية، والمطالب الشخصية، والمكاسب الشخصية، الترفع عن كل ذلك للصالح العام، وهذا هو في مصلحة الجميع، عندما يكون الهم هو الصالح العام، والاهتمامات الكبرى، والمسؤوليات الكبرى، هذا له ايجابياته على الجميع، صدقاً مع الله، ووفاءً للشعب، ووفاءً للتضحيات الكبرى، مع الثقة بالله “سبحانه وتعالى”، والأمل مع العمل، والصبر، والجهد المستمر والدؤوب، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال: من الآية46]، والثمرة التي نصل إليها بالصبر، والتعاون، والوعي، والرشد، والحكمة، هي الثمرة الطيِّبة، هي الثمرة الصحيحة، هي الثمرة العظيمة التي وعد الله بها الصابرين، {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[البقرة: من الآية155]، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة: من الآية249]، تحتاج إلى جهد، إلى عمل، إلى تحرك مستمر، وإلى وعي، وإلى حكمة.
ولــذلك نحــن فـي الختــام نؤكِّــد علـى هــذه النقـــاط
أولاً: مواصلة العمل ضمن الأهداف الأساسية لهذه الثورة، والأولويات الكبرى التي تحدثنا عنها:
نواصل العمل ضمن الأهداف الأساسية بالاستشعار العالي للمسؤولية، وبالحكمة، والرشد، والصبر، والاستعانة بالله تعالى، مع الوعي العالي بمخططات الأعداء؛ لأن للأعداء مخططاتهم، ومن أكبر مخططاتهم: مخططات التفرقة، الفتنة، تفكيك الوضع الداخلي، ضرب الجبهة الداخلية، هذا من أهم ما يركزون عليه، وما يستغلونه لضرب الاستقرار الداخلي، ويأتي هنا أهمية الثبت تجاه الشائعات والدعايات؛ لأن البعض سريع التقبل، سريع التقبل للدعايات، للشائعات، وسريع التفاعل معها، قبل أن يتثبت، قبل أن يتبين، الله أمرنا في القرآن بالتثبت والتبين: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}[الحجرات: من الآية6]، ما أكثر الفاسقين الذين ينشرون الشائعات والدعايات، ويتقبل البعض منهم، وقاصري الوعي.
ثانياً: مواصلة العمل في التصدي للعدوان ومؤامراته التدميرية والكارثية الهادفة إلى السيطرة على شعبنا، واحتلال بلدنا:
هذه مسألة تستحق أن تبقى حاضرةً كأبرز عنوان، وأكبر أولوية، وأن تبقى في إطار الاهتمامات في المستوى الأول، هذه مسألة مهمة، ترى البعض مثلاً ممن ليس له أي إسهام ثوري، ولا أي موقف تجاه العدوان، وهو شديد في إثارة الفتن في الوضع الداخلي، شديد جداً، هذا يدل على أنه ليس بناصح، ولا بصادق، وأنَّ له مآرب أخرى.
ثالثاً: نكرر الدعوة لتحالف العدوان إلى وقف العدوان، وإنهاء الحصار والاحتلال، ومعالجة ملفات الحرب، وأخذ العبرة من ثمان سنوات، فالاستمرار في العدوان هو أكبر تهديد للأمن والسلم الإقليمي والدولي، وليس الضرر على بلدنا فحسب، بل الضرر يشمل ما يهدد الوضع الإقليمي والدولي، فالخطر هو في استمرار العدوان على المستوى الإقليمي والدولي، وليس على بلدنا فحسب، وعلى الجميع أن يعي ذلك.
كما أنه لا مبرر للإصرار في الاستمرار في العدوان، لا مبرر لهم في مواصلة عدوانهم، بل مواصلته ستجر على تحالف العدوان كوارث، ومشاكل كبيرة، وخسائر كبيرة، والمزيد من الإخفاقات والفشل.
رابعاً: نؤكِّد على موقفنا المبدئي الثابت تجاه القضية الفلسطينية، وقضايا أمتنا الإسلامية.
خامساً: نحذر تحالف العدوان من مواصلة نهب الثروة الوطنية في البلد، ونحذر أي شركات أجنبية تتواطأ معهم على ذلك، في ظل حصار وتجويع شعبنا العزيز، وسرقة العائدات المالية للنفط والغاز، بدلاً من صرفها للمرتبات، والاستحقاقات الإنسانية والخدمية.
وختاماً: نسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛