انهيارُ مؤشرات إنعاش التهدئة: العدوُّ ورعاتُه يختارون التعنُّتَ كموقف نهائي
||صحافة||
تزايدت مؤشراتُ انسداد أُفُــقِ التهدئة، مع تجدُّدِ اندفاعِ النظام السعوديّ نحوَ التصعيد بإيعازٍ من الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ التي تُصِرُّ على استمرار الحصار واستخدام الحقوق الإنسانية والقانونية للشعب اليمني كأوراق ضغط وابتزاز، وبتواطؤ مخز من جانب الأمم المتحدة التي تخضع هي الأُخرى لإملاءات الإدارة الدولية للعدوان وتتمسك بعراقيل تطيل أمد معاناة اليمنيين، الأمر الذي ينذر بانفجار قريب تواصل صنعاء التأكيد على أن تداعياته ستكون واسعة وغير مسبوقة.
عاد الحديثُ عن فشل مسار مفاوضات تجديد التهدئة إلى واجهة المشهد، بعد أن دفع النظام السعوديّ بمرتزِقته لإعلان الاستعداد للتصعيد العسكري واستئناف الحرب، الأمر الذي اعتبره مراقبون مؤشراً جديدًا على وصول المشاورات إلى طريق مسدود، وهو ما يعني أن تحالفَ العدوان ورعاته قد اتخذوا قرارًا نهائيًّا برفض مطالب صنعاء المتمثلة بصرف مرتبات موظفي الدولة من إيرادات النفط والغاز، ورفع الحصار عن المطارات والموانئ.
هذا المؤشر يأتي بعد أَيَّـام من إعلان الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا عن رفضهما الصريح للمطالب التي تتمسك بها صنعاء، وتمسكهما باستمرار الحصار الإجرامي المفروض على البلد، وسعيهما لخلق ضغوطات على صنعاء لدفعها نحو التخلي عن موقفها التفاوضي والقبول بتمديد الهُـدنة بصيغتها السابقة، أَو على الأقل بشروط واشنطن التي تتضمن مقايضة القليل من الحقوق الإنسانية بمكاسب عسكرية وسياسية عجز تحالف العدوان عن تحقيقها خلال السنوات الماضية.
ويرى مراقبون أن توجيه النظام السعوديّ للمرتزِقة بإعلان الاستعداد للتصعيد، يترجم استجابة المملكة لرعاتها الدوليين الذين أصبح واضحًا أنهم من يمتلكون القرار الأخير في هذا الشأن.
وفي هذا السياق قال وزير الإعلام بحكومة الإنقاذ الوطني ضيف الله الشامي إن: “أمريكا تدفع بالنظامين السعوديّ والإماراتي نحو التصعيد واستمرار العدوان على اليمن وقيادات المرتزِقة بالتصريحات والعنتريات الإعلامية يعملون على تهيئة المعركة”.
وَأَضَـافَ أن: “الشعب اليمني وجيشه المجاهد في جهوزية عالية لأية معركة جديدة وما بعد الهُـدنة ونصائح القيادة المتكرّرة لن تكون كما قبلها“.
وكان قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي قد أكّـد مؤخّراً أن الإصرار على استمرار العدوان والحصار والاحتلال، ستكون له تداعيات ومخاطر إقليمية ودولية، وهو ما أكّـده أَيْـضاً رئيس الجمهورية مهدي المشاط.
وكتب الباحث عبد الله بن عامر، نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي بوزارة الدفاع، أن “التصعيد السعوديّ الأخير ليس إلا استجابة للأمريكي الذي يرفض رفع الحصار للاستمرار في خنق اليمنيين والإضرار بهم” مُضيفاً أن “شعبنا يدرك أنه أمام معركة شريفة الهدف وطنية المبدأ حتمية المصير يخوضها الآن الأحرار في ميادين السياسة وقد تنتقل في أية لحظة إلى أحرار الأحرار في ميادين العز والشرف“.
ولفت العميد عامر إلى أن “السعوديّة تهرول إلى الوقوع وللمرة الألف في الفخاخ البريطانية والمصائد الأمريكية” في إشارة إلى أن استجابتها لإملاءات الغرب سترتد عليها بشكل عكسي إذَا عاد التصعيد بالفعل.
وكان عضو الوفد الوطني المفاوض عبد الملك العجري قد كتب قبل أَيَّـام معلقاً على جلسة مجلس الأمن الأخيرة بشأن اليمن، أنه “ليس من المستبعَد أن شهادة الزور التي أدلى بها مندوبا أمريكا وبريطانيا في جلسة مجلس الأمن تهدف إلى توريط دول العدوان للإصرار على عدوانها الاقتصادي ومن ثم ابتزازها لضخ حاجة الغرب من النفط مقابل الدعم والسلاح“.
وأضاف: “نحذِّرُكم من أن تجاهل مطالب الشعب وتحذيرات الجيش اليمني ستكون عواقبه وخيمة وشتاءً قارساً”.
ويمكن القولُ إن رفضَ تحالف العدوان ورعاته لمطالب صنعاء المشروعة أصبح موقفًا نهائيًّا ثابتًا في هذه المرحلة، وهو ما يعني أن الهدوءَ النسبيَّ الراهنَ لا يحملُ في طياته الكثيرَ من الفرص الحقيقية لإنعاش التهدئة بالشكل المطلوب، بل هو أقربُ إلى ترقُّبٍ حذرٍ يحاولُ تحالفُ العدوان أن يجرِّبَ فيه ما تبقى لديه من أوراق ضغط لفرض رؤيته الخَاصَّة كحل وحيد، قبل أن يدركَ استحالةَ هذا الأمر وتنفجر الأوضاع مجدّدًا.
هذا ما يُقرَأ بوضوح من خلال عودة السفير الأمريكي لدى المرتزِقة إلى إثارة دعاية “حصار تعز” المضللة من جديد، وحديث السفير السعوديّ عن “فوائد مقترح المبعوث الأممي” الذي رفضته صنعاء، إذ يبدو أن تحالفَ العدوان ورعاته يركزون فقط على حشد ضجيج دولي وأممي حول موقفهم لفرضه على طاولة التفاوض، وإرهاب صنعاء بتهمة “التعنت”، وهو مسلكٌ سبق للإدارة الأمريكية أن سلكته عندما حاولت فرضَ “مبادرتها” لمقايضة تخفيف بعض قيود الحصار بوقف المعارك في مأرب ووقف الضربات على العمق السعوديّ، لكنها لم تنجح.
وعلى أية حال، سواءٌ أكانت الإدارة الدولية للعدوان تبتز النظام السعوديّ، أَو أنه يندفع بنفسه نحو التصعيد، فالنتيجة ستكون واحدة بحسب ما تؤكّـد كُـلّ التصريحات، وهي الانتقال إلى جولة أُخرى من التصعيد لكن بمعادلات ومعطيات ردع جديدة وغير مسبوقة عملت صنعاء على هندستها طيلة الفترة الماضية استعدادا لمثل هذا الموقف.
أما تعويل قوى العدوان على إضاعة الوقت اعتماداً على تجاوب صنعاء مع جهود الوساطة فلن يكون مجديًا؛ لأَنَّ رفض تمديد الهُـدنة قد مثّل رسالة واضحة بأن المماطلة لم تعد خيارًا متاحًا.
وبالنظر إلى مجمل رسائل الإنذار والوعيد التي وجّهتها صنعاء لدول العدوان خلال الفترة الماضية بشأن عواقبِ التعنُّت، أصبح واضحًا أن المعركةَ البحريةَ ستكونُ جزءًا هامًّا من الجولة القادمة، حَيثُ حرصت صنعاء بشكل ملفت خلال العروض العسكرية الأخيرة وما رافقها من تصريحات، على تأكيد جهوزيتها العالية لتنفيذ عمليات مهمة وواسعة في هذه الجبهة لكسر الحصار البحري وَأَيْـضاً حماية الثروات الوطنية من النهب، وقد وجهت إنذارات مباشرة فيما يتعلق بمنع الشركات الأجنبية من نهب النفط والغاز.
ولا حاجةَ للتأكيد على أن التهديدَ الأكبرَ بالنسبة للعدو ورعاته والمتمثل باستهداف المنشآت الحساسة في العمقين السعوديّ والإماراتي سيتضاعف إلى حَــدٍّ خطير سوى بفعل الطبيعة التصاعدية لمسار الردع العسكري العابر للحدود، أَو بفعل المتغيرات التي يشهدُها العالم، والتي من شأنها أن تضاعفَ تأثيرَ الضربات اليمنية وتداعياتها إلى حدود غير مسبوقة، أَو بفعل الأمرين معاً.
ولن تكونَ هذه المرة الأولى التي تضحّي فيها الولاياتُ المتحدة الأمريكية ودولُ الغرب بمصالحِ النظامين السعوديّ والإماراتي وأمنهما، وتسيءُ تقديرَ موقفِ صنعاء من السلام عن عمد؛ مِن أجلِ إطالة أَمَدِ العدوان والحصار ومواصلة استغلال مخاوفِ الرياض وأبو ظبي، لكن إنذاراتِ صنعاء تؤكّـدُ أن الوقتَ لن يطولَ قبل أن يمس الخطرُ مصالحَ واشنطن ودول الغرب بشكل مباشر.
صحيفة المسيرة