رسميًّا.. الحصار على اليمن بسياج أممي.. لا مجال للهرب من “ضربات كسر الحصار”
||صحافة||
بعدَ سنواتٍ من التغطية على جرائم العدوان والحصار الأمريكي السعوديّ الإماراتي، دخلت الأمم المتحدة مساراً جديدًا في مساندة آلات القتل والتجويع الأمريكية، معلنةً بذلك انخراطها الرسمي في صفوف تحالف العدوان، لتصل الأمور إلى منعرج خطير قد يقضي على ما تبقى من جهود للسلام.
وبعد تبنيها أدواراً متعددة في مسح آثار العدوان والحصار والتغطية عليها بشتى الوسائل، خرج الوسيط الأممي، أمس، بموقفٍ كارثي ستكون مآلاته الحتمية هي انفجار الوضع على نحوٍ واسع، حَيثُ باشرت الفرق الأممية المكلفة بالتفتيش في جيبوتي بعرقلة وصول إحدى السفن إلى ميناء الحديدة، والتي كانت تحمل سلعاً مختلفة، في تطورٍ جديد لمسار الحصار على الشعب اليمني وتجويعه ومصادرة أدنى حقوقه.
وبما أن الأمم المتحدة قد تحولت من مغطٍّ على جرائم العدوان والحصار، إلى شريكٍ في تلك الجرائم، فَـإنَّ الأمور تبدو معقدة وتفتح الباب على مصراعيه أمام سيناريوهات هندست لها واشنطن التي ترغب بالعودة للتصعيد حرصاً منها على تمرير أجنداتها.
انخراطٌ مباشرٌ غير جديد!
ولم تكن عمليةُ الانخراط الأممية في الحصار المباشر عبر منع السفينة من التحَرّك صوب الحديدة هي الأولى من نوعها في مساندة التجويع الذي تقوده واشنطن وأدواتها، بل سبق لها أن أعلنت في العام 2020م وقوفَها مع سياسة الحصار والتجويع التي تمارسها قوى العدوان، حَيثُ سبق للمبعوث الأممي أن أعطى الضوءَ الأخضرَ لاعتراض سفن الوقود الواصلة إلى ميناء الحديدة؛ بهَدفِ حِرمانِ سلطات المجلس السياسي الأعلى من مبالغ جمركية كانت تغطي الرواتب بالحد الأدنى، حيثُ إن إعلانَ الرئيس المشاط في العام 2020م مرحلة التعافي الاقتصادي والتي أطلق معها جملةً من المبادرات منها صرف نصف راتب كُـلّ شهرين وكذلك إعفاءات ضريبية لصغار المكلفين وأُخرى جمركية لمدخلات الطاقة المتجددة ومدخلات الإنتاج المحلي والمواد الخام المستخدمة في الإنتاج وغيرها، أثارت حفيظةَ دول العدوان وأرادت العودة إلى مربع الصفر، لتقوم الأمم المتحدة بالإعلان رسميًّا عن الوقوف وراء قرصنة سفن المشتقات النفطية وإغلاق ميناء الحديدة وتضييق القيود عليه، وهو ما ترتب على تلك الخطوة توقف صرف نصف الراتب، في تأكيدٍ جديد على مدى التآمر الكبير على مرتبات اليمنيين وأبسط حقوقهم.
كما ترتب على ذلك الموقف الأممي نشوب أزمات إنسانية واقتصادية كبيرة، كانت واشنطن ولندن هما من هندس لها ودبر لها، فيما كان دور الوسيط الأممي هو المنفذ إلى جانب دول العدوان، غير أن تماسك صنعاء وأخذها بأسباب السلام منح الأمم المتحدة فرصة أُخرى لإثبات ولو جانب بسيط من مسؤوليتها، فكانت النتيجة هي تمادٍ أممي يهدف إلى خلط الأوراق.
الحصار نيابةً عن العدوان.. لعبة مكشوفة عواقبها وخيمة
وفي هذا الصدد علّقت صنعاء رسميًّا على الموقف الأممي الخطير، مؤكّـدةً أن عواقب الانخراط مع تحالف الحصار والتجويع ستكون وخيمة على جميع الأطراف الدولية التي تحاول إركاع الشعب اليمني والمساومة عليه بالملفات الإنسانية والاحتياجات اللازمة والمحقة.
وعلى لسان نائب وزير الخارجية بحكومة الإنقاذ الوطني حسين العزي، اتهمت صنعاء الأمم المتحدة بالشراكة المباشرة والوحشية مع تحالف العدوان والحصار.
وقال العزي في تصريحاتٍ له: إن “الأمين العام ومبعوثه الخاص متهمان رسميًّا بحصار الشعب اليمني”.
وأوضح العزي، أمس، أن الأمم المتحدة عبر ما يسمى آلية الأونفيم امتنعت عن الترخيص لإحدى السفن المقرّر لها الوصول إلى ميناء الحديدة دون أي تبرير، في تحدٍ واضح وصارخ لكل الاتّفاقات الموقعة في هذا الملف، فضلاً عن أن هذه الخطوة تؤكّـد الانخراط المباشر للوسيط الأممي إلى جانب منظومة العدوان والحصار والتجويع الساعية إلى قتل الشعب اليمني.
وتطرق العزي إلى السقوط المدوي للموقف الأممي بقوله إن هذه الخطوة –الامتناع عن الترخيص للسفينة– “هي محاولة رخيصة ومبتذلة للظهور بملكية أكثر من الملك لدرجة أن السعوديّة نفسها باتت أكثر تعاوناً”.
وحذر العزي من خطورة وكارثية الموقف الأممي وتداعياته على المشهد اليمني، مؤكّـداً أن “هذا التعسف لا شك سيكلف الأمم المتحدة الكثير”، في إشارةٍ إلى أن خيارات صنعاء الرادعة ستعم كُـلّ الأطراف المتسببة في حرمان الشعب اليمني من أبسط حقوقه.
ونوّه العزي إلى أن إصرار الوسيط الأممي على ممارسة الحصار والتجويع نيابة عن دول العدوان أمر مرفوض وغير مقبول بالمطلق.
ووجه نائب وزير الخارجية إنذاراً شديد اللهجة بقوله: “إن على الأمم المتحدة وقف إعاقاتها فورًا أَو إلغاء دور الأونفيم وترك التحالف يعترض سفن الشعب اليمني وسيكون لكل حادث حديث”، في إشارةٍ إلى أن القيام بالدور التعسفي نيابةً عن دول العدوان لن يجنبها الضربات اليمنية؛ كون دول العدوان هي من تشتري المواقف الأممية والدولية، وما هذه الخطوة والقيام بشراء هذا الموقف الأممي إلا من باب المحاولة الفاشلة للهروب من الردع اليمني الذي سبق وأن فتح حساب ردع خاص بكسر الحصار عن ميناء الحديدة.
انسجامٌ مع تصعيد التجويع وفرض الجرعة الجمركية
وفي السياق تشيرُ المعطياتُ إلى أن توقيتَ هذا الانخراط الأممي العلني بجانب الحصار وتقييد السفن الواصلة عبر الحديدة، يتزامنُ مع دعوة صنعاء للتجار نحو الاستيراد عبر الحديدة، وهو الأمر الذي يؤكّـد أن هذا الموقفَ يكشفُ حقيقة سعي المنظمة الأممية لخنق الشعب وإجبار التجار على الاستيراد عبر الموانئ المحتلّة التي باتت تفرض أسعاراً جمركية تفوق بضعفين عما هو في ميناء الحديدة، ما قد يضيف أسعاراً باهظةً في أسعار السلع في مقابل فقد اليمنيون المحاصرون نسباً كبيرة من قدراتهم الشرائية في ظل الحصار وسرقة المرتبات والثروات.
كما أن هذا القرار يكشف مدى التناغم والتنسيق، حَيثُ إنه بعد إصدار المرتزِقة قرار رفع سعر الدولار الجمركي إلى 750 ريالاً باشر التجار والمستوردون بالعزوف عن الاستيراد عبر الموانئ المحتلّة، وقرّر معظمهم الاتّجاه صوب الاستيراد عبر الحديدة، بعد دعوات صنعاء الأخيرة وتقديمها المزيد من التسهيلات المتمثلة في إعفاءات جمركية معينة وكذلك قبولها تأجيل 50 % من الجمارك، على أن تُدفع الـ 50 % الأُخرى مناصفة بين النقد والشيكات الآجلة، وهذه فتحت الأبواب للتجار وهيأت الظروف لاستقطاب سفن الاستيراد عبر ميناء الحديدة، وهنا تأتي الخطوة الأممية لتؤكّـد أنها تستجيب لتحالف العدوان والحصار ومرتزِقتهم في إبعاد التجار وإجبارهم على الاستيراد عبر الموانئ المحتلّة ودفع جمارك عالية الثمن، وهو ما يؤكّـد أن رغبة بريطانيا في تمرير الجرعة الجمركية ورغبة واشنطن في تصعيد الأوضاع ورغبة الرياض وأبو ظبي في تصعيد التجويع والحصار ومفاقمة معاناة الشعب اليمني، قد تحولت جميعها إلى موقف موحد تبنته الأمم المتحدة، لتضع المسمار الأخير في نعش السلام ما لم تتراجع عن خطوتها المخزية.
وعلاوةً على ذلك أثبتت الأمم المتحدة أنها الذائد عن دول العدوان، حيثُ إنه بعد عزوف التجار عن الموانئ المحتلّة وقدومهم صوب الحديدة، لم تجرؤ الرياض وأبو ظبي على اتِّخاذ إجراءات الحصار بصورةٍ مباشرة بحق السفن الغذائية المتوجّـهة للحديدة؛ كون هذا الإجراء يعرضهما لخطر الردع اليمني الذي أثبت نجاعة عالية وقدرة عابرة للحدود، فباشرت السعوديّة والإمارات ومن خلفهما أمريكا وبريطانيا على تقديم الأمم المتحدة كدرع لهم وجعلها تتبنى هذا الإجراء دون أي مبرّر، سوى التأكيد على الاستماتة الأممية في الدفاع عن العدوان والحصار.