الأمـم المـتـحدة وخطاياها المميتة
موقع أنصار الله ||مقالات || صحيفة الثورة..المحرر السياسي
على رغم تقاريرها المتكررة، تؤكد الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها أن العدوان والحصار على اليمن أدّيا إلى حدوث أفظع المجاعات الإنسانية في العصر الحالي، لكن موقف الأمم المتحدة تجاه المأساة لا يتجاوز الحديث عن الأرقام، أما لناحية وقف هذه الكارثة فتعمل الأمم المتحدة ضدا على ذلك، بل وأصبحت أداة من أدوات الجريمة التي تجوع وتميت الشعب اليمني، وفي هذا السياق أكّد نائب وزير الخارجية الأستاذ حسين العزي أنّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ومبعوثه الخاص هانس غروندبرغ، متّهمان رسميًا بحصار الشعب اليمني، وقال إنّ «آلية الأونفيم الأممية امتنعت قبل قليل عن ترخيص إحدى السفن من دون أي مبرر في محاولة رخيصة ومبتذلة للظهور بملكية أكثر من الملك، لدرجة أن السعودية نفسها باتت أكثر تعاونًا».
وشدّد العزي على أنّ «تعسّف آلية التحقق والتفتيش الأممية للسفن بلا شكّ سيكلّف الأمم المتحدة الكثير»، محذّرًا الأخيرة بالقول: «هذا إنذار أخير»، وطالب الأمم المتحدة بوقف إعاقاتها فورًا أو إلغاء دور الأونفيم وترك التحالف يعترض سفن الشعب اليمني وسيكون لكل حادث حديث.
وعلى خلاف المفترض بالأمم المتحدة في معالجة الكارثة الإنسانية، يتسم دورها في اليمن، منذ بداية العدوان بالتواطؤ بل وبالمشاركة في الجريمة، فهي لم تتخذ مواقف حاسمة تنهي معاناة اليمنيين، بل ساهمت المنظمة الدولية، من خلال مواقفها المتواطئة مع تحالف العدوان السعودي – الإماراتي الأمريكي في مضاعفة الأزمة إنسانية التي تصفها الأمم المتحدة نفسها بأنها الأسوأ في العالم.
ومع بدء العدوان حذّرت من حدوث كارثة إنسانية في اليمن، مقرّة بأن هناك ستة ملايين يمني يحتاجون إلى مساعدات عاجلة. وهي تؤكد اليوم في آخر بياناتها أن اليمن يشهد أسوأ أزمة إنسانية، وأن أكثر من عشرين مليون في هذا البلد المحاصر يعانون من الجوع، الأرقام نفسها تعكس طبيعية دور الأمم المتحدة التي فشلت ومنظماتها الإنسانية العاملة في اليمن، في اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة هذه الكارثة، والحقيقة أنها تشارك دول العدوان في مضاعفة الأزمة وفي ارتكاب الجريمة، إذ أن الأزمة الإنسانية تقتضي رفع كل القيود والمعوقات والإجراءات الاعتباطية والتأخير والغرامات عن سفن الشحن المتجهة إلى ميناء الحديدة، وعدم اعتراض الشحنات التجارية والوقود القادمة إلى ميناء الحديدة، لكن بدلا عن ذلك تعمل الأمم المتحدة على تشديد ما تسميه إجراءات التفتيش عبر آلية الأونفيم، التي تضاعف مأساة اليمنيين وتفاقهم معاناتهم.
لا ينتظر اليمنيون من الأمم المتحدة أن تأتيهم بالغذاء والوقود والدواء، فهي أعجز من ذلك، ولا ينتظرون منها أن تحشد لهم مساعدات إنسانية فهي تعقد مؤتمرات لحشد الأموال ثم تنفقها على موظفيها ومسؤوليها وما تبقى تهدره في نشاطات عبثية لا تشبع جائعا ولا تمنح مريضا حبة الدواء، بل في مشاريع يعف اللسان عن ذكرها لانحطاطها، هذه المتاجرة بمآساة اليمنيين يجب أن تتوقف بعد ثمانية أعوام.
وبالتوازي مع دورها السلبي بل والإجرامي في محاصرة الشعب اليمني وتجويعه، تختط الأمم المتحدة في الجانب الحقوقي مسارا مشبوها بما تفعله من تبييض لجرائم العدوان فقد قامت بسحبه من اللائحة السوداء لمنتهكي الأطفال، ثم عملت على وقف عمل لجنة التحقيق في الجرائم في مجلس حقوق الإنسان، ومارست أشد أشكال الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني.
أما سياسياً فيتعاقب المبعوثون الأمميون إلى اليمن على تعويم الحرب وتشتيت القضايا وتجزئتها، ولم يقدّموا طيلة عملهم إلا مقترحات سطحية وساذجة باتت تضيف تعقيدات أكثر مما تضع حلولا، ومنه مقترح وضع إدارة الموانئ والمطارات تحت الوصاية الدولية، ومنح العديد من المهامّ السيادية لموظفي الأمم المتحدة ومَن تختاره لتنفيذ الأمر.
جولات غروندبرغ حتى اليوم ما زالت تراوح في الفضاء المفتوح ذهابا وإيابا، لا لسبب إلا لانعدام الرؤية وفقدان النزاهة والحياد، . ولغاية الآن لم يحقّق غروندبرغ أيّ إنجاز عملي، بل يظهر كأنه يغرد بعيدا عن الواقع وعن المهام المفترض أن يقوم بها، وقد رعت الأمم المتحدة أربع جولات مشاورات سياسية لكنها أخفقت وفشلت لأسباب تتعلق بإدائها ومواقفها، فضلا عن أنها باتت اليوم جزءاً من المشكلة، وعاملا من عوامل استمرار الحصار والمعاناة على الشعب اليمني.
المعاناة التي تتضاعف تقتضي رفع الحصار عن اليمن فورا، وإلغاء آلية الاونفيم، لكن الأمم المتحدة تعمل على نقيض ذلك، وتعمل بنظرية الاستجرار والمتاجرة في المأساة من جانب، ومن جانب آخر على إبقائها ومضاعفتها، لإضافة الآلاف إلى قائمة الضحايا المدنيين في اليمن.
هذه جردة حساب سريعة بحاجة إلى وقفة جادة من قبل الأمم المتحدة وأمينها العام، ففوق الطاولة وتحت الأروقة ملفات كبيرة جدا، وفي هذه الحرب الإجرامية والحصار البغيض على اليمن انكشفت الأمم المتحدة وتكشفت وتعرت القيم والمواثيق وسقطت أرضا، على الأمم المتحدة – قبل أن تصبح هيكلا خارج التاريخ والأحداث والإنسانية – أن تغير سلوكها ونهجها تجاه اليمن.