حركة المقاطعة BDS : حركة تحاصر الكيان الصهيوني
في فترة زمنية قصيرة انتقلت حركة مقاطعة الكيان الصهيوني من مرحلة تحقيق إنجازات رمزية، إلى تكبيد دولة العدو وداعميها خسائر حقيقية. ففي عام 2014، انخفضت الاستثمارات الأجنبية في الكيان بنسبة 46% مقارنة مع عام 2013، وفق تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، وعلقت إحدى معدات التقرير أن هذا الانخفاض الحاد كان بسبب حركة المقاطعة والعدوان على غزة. وفي عام 2015، نجحت الحركة في دفع الشركة الفرنسية فيوليا إلى الانسحاب من السوق الصهيونية وبيع كل مشاريعها بعد حملة مقاطعة وسحب استثمارات ضدها كبدتها خسارة عقود بأكثر من 23 مليار دولار. وفي مطلع العام الحالي 2016، قطعت شركة الاتصالات الفرنسية أورانج شراكتها مع ‘بارتنر’ الصهيونية بفعل حملات المقاطعة في مصر وفرنسا وتونس. وسحبت كبرى صناديق التقاعد والاستثمار العالمية استثماراتها في بنوك وشركات صهيونية.
بالإضافة إلى قائمة طويلة من الفنانين/ات والأدباء والأكاديميين/ات الداعمين للمقاطعة، وتأييد العديد من النقابات العمالية والاتحادات الطلابية والجامعات والجمعيات، بما فيها تسع جمعيات أكاديمية كبرى في أمريكا الشمالية.
كل هذا وغيره من الإنجازات يوضح للعالم، أن حركة المقاطعة BDS، والتي تشكل استمرارا لتجارب المقاومة الشعبية المتجذرة في نضالنا الطويل ضد المشروع الصهيوني، تنجح في كسب الرأي العام لصالح القضية الفلسطينية، وفي إشراك قطاعات كبيرة من الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وشعوب العالم في النضال العادل ضد إسرائيل.
حرب صهيونية مضادة وبائسة
ويمكن معرفة مدى تأثير حركة المقاطعة (BDS) من خلال الحرب الصهيونية المضادة. ففي مارس عقدت صحيفة ‘يديعوت أحرونوت’ مؤتمرًا لمحاربة المقاطعة بمشاركة كبيرة رسمية من حكومة العدو والرئيس الصهيوني رؤوفين ريفيلن، وسفيري الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وتصريحات وزراء العدو تكشف مدى الضرر الذي تسببه حركة المقاطعة لنظامهم الاستعماري؛ حيث وصى وزير المخابرات يسرائيل كاتس بالقيام بعمليات ‘تصفية مدنية موجهة’ أي اغتيالات بحق نشطاء المقاطعة البارزين بالتعاون مع أجهزة المخابرات الصهيونية والدولية.
كما هدد وزير الداخلية الصهيوني آريه درعي بنفي عمر البرغوثي، أحد مؤسسي حركة مقاطعة الكيان والمقيم في مدينة عكا المحتلة. وبالفعل تم منعه من السفر، والذي رُفع مؤقتًا بقرار من محكمة صهيونية. كما تعمل إسرائيل كما أعترف بذلك غلعاد إردان، وزير الشؤون الإستراتيجية – المكلف بمحاربة المقاطعة، بسن قوانين وقرارات تمنع المقاطعة في الدول الحليفة لها. وهذا ما يجري في فرنسا والولايات المتحدة وكندا وبريطانيا، في ظل تزايد سيطرة اليمين في تلك الدول. بالإضافة لقيام الاحتلال بترحيل نشطاء المقاطعة الأجانب ومنعهم من دخول فلسطين المحتلة.
وفي جلسة للجنة المراقبة بالكنيست، اعترفت سيما فاكنين-جل، مديرة وزارة الشؤون الإستراتيجية أن إسرائيل في العالم “دولة منبوذة”. كما سبق وأقر رئيس دولة الاحتلال والأبارتهاي دريفيلين، أن المقاطعة الأكاديمية ضد إسرائيل “خطر من الدرجة الأولى”.
ونلحظ اهتمام أصدقاء الكيان الصهيوني في محاربة المقاطعة مثل المرشحة الديمقراطية لرئاسة الولايات المتحدة، هيلاري كلينتون. التي تعهدت بمحاربة المقاطعة من خلال مراسلاتها مع حاييم سابان، الملياردير الصهيوني. وكما أظهر تسريبات نُشرت مؤخرًا من رسائل مدير حملتها جون بوديستا. أي باتت محاربة حركة المقاطعة وسيلة لكسب ود الكيان، كون الحركة تؤثر فعليا على الكيان. ولكن المبشر أن هذه الحرب تزيد من الترويج لحركة المقاطعة والدعم لها ولنشطائها حتى من منظمات دولية مثل العفو الدولية والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان. كما صرح الاتحاد الأوروبي وحكومات هولندا وإيرلندا والسويد بدعمهم للحق في المقاطعة كحق في حرية التعبير بغض النظر عن موقفهم من مقاطعة الكيان الصهيوني.
بالرغم من كل هذه الحرب غير المسبوقة والبائسة، حققت الحركة مؤخرًا عدة إنجازات، منها؛ تأييد مجلس مدينة إيفري الفرنسية لمقاطعة الشركات الصهيونية والدولية العاملة في المستعمرات الصهيونية في الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية) والجولان ودعم الحق في المقاطعة ورفض قمع الحكومة الفرنسية له. وتأييد مجلس طلبة جامعة تشيلي البابوية لمقاطعة إسرائيل ومطالبة الجامعة بإنهاء تعاونها مع الجامعات الصهيونية، وموافقة مجلس طلبة جامعة بورتلاند الأميركية على قرار يطالب الجامعة بسحب استثماراتها من الشركات المتورطة في الكيان الصهيوني مثل HP وG4S، وتأييد حزب الخضر الكندي لمقاطعة الكيان، وانضمام أكثر من خمسين مدينة وقرية إسبانية إلى مبادرة ‘مناطق خالية من الأبارتهايد الإسرائيلي’.
التضامن والنضال الأمميان
إن النضال العربي الفلسطيني يتقاطع مع النضالات المختلفة حول العالم من أجل الحرية والعدالة. نجحت حركة المقاطعة في تعزيز الروابط بين هذه النضالات لتحقيق التضامن والنضال المشتركين. على سبيل المثال، الدعم والتضامن المتبادلين بين السود (ذوو البشرة السوداء) وحركة “حيوات السود مهمة” في الولايات المتحدة وبين حركة المقاطعة (BDS) ودعم حركة المقاطعة لنضال السكان الأصليين لأميركا الشمالية (جزيرة السلاحف) ضد مد خط نفط في أراضيهم في ولاية داكوتا الشمالية. والنضال الأممي من أجل الحرية والعدالة والمساواة هو الأسلوب الأنجع في مواجهة أنظمة الاستعمار والقمع والظلم حول العالم، والتي تتحالف مع بعضها وتنسق لنزع إنسانية الشعوب والمجموعات المضطهَدة.
التطبيع: خنجر في الخاصرة
بالتزامن مع هذه الإنجازات المبشرة، يتزايد انغماس المستويات الرسمية في فلسطين وبعض الدول العربية في التطبيع مع الكيان. ورعايتهم لمشاريع تطبيعية تستهدف اختراق المجتمعات العربية. هذه المحاولات التي تخالف الوعي العربي المؤمن بمقاومة الكيان ومقاطعته، رغم خطورتها ومساهمتها في فك عزلة الكيان المتنامية وتقويض نجاحات المقاطعة، إلا أنها لن تستطيع تغيير الموقف المدني المناهض للاستعمار الصهيوني.
ونرى على سبيل المثال في الضفة وغزة، تزايد المقاطعة المحلية وانخراط الطلبة والشباب في المقاطعة داخليًا وخارجيًا رغم كل التطبيع الرسمي المدان شعبيًا. مما سبب انخفاض الصادرات الصهيونية إلى الضفة وغزة بنسبة 15% عام 2014، وبنسبة 24% في الربع الأول من العام الماضي 2015. ونجاح الحركة في إلغاء اتفاقية استيراد الغاز ‘الإسرائيلي’ في عام 2014.
بالإضافة إلى الغضب الشعبي العارم على قيام وفود رسمية بالتعزية في مجرمي الحرب الصهاينة واللقاءات التطبيعية، وقيام جريدة ‘القدس’ بإجراء مقابلة مع مجرم الحرب ليبرمان في مخالفة واضحة للإجماع الوطني وأخلاقيات مهنة الصحافة.
إن حركة المقاطعة (BDS) إلى جانب الأشكال المشروعة من المقاومة، وكشكل فعال للتضامن مع فلسطين، تشكل الأمل في مواجهة تغول المشروع الصهيوني، ووقف كل محاولات التطبيع معه. وصولاً إلى عزل الكيان بالكامل، حتى ينال كل الشعب الفلسطيني حريته وحقوقه الوطنية كاملة.
وكالة القدس للأنباء