القروض الربوية تخفي وراءها أهدافاً استعمارية (1)
|| تقارير || أحمد يحيى الديلمي
تكمن المعضلة الحقيقية التي تعاني منها الأمة الإسلامية في الهيمنة الاقتصادية والسياسية التامة للقوى المستكبرة والتي على رأسها أمريكا، التي لا تقبل بأقل من الهيمنة التامة على مقدرات الأمة، والعبودية والاستسلام الكامل لها، وهذا ما يؤكده الواقع المؤسف لهذه الأمة التي تعاني من ظاهرة مستشرية تتعلق بكونها تحوّلت من أمة منتجة إلى أمة مستهلِكة تستورد كافة الاحتياجات الأساسية من أعدائها.
وتم الترويج لفكرة التنمية الشاملة والمستدامة والقائمة على الدعم الدولي الخارجي من قروض ربوية ومساعدات خارجية، وكان من أكبر مروجي تلك الفكرة (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي)، إلا أن فكرة التنمية لم تكن أكثر من تلبية لاحتياجات النظام الرأسمالي في تهيئة أسواق تستوعب منتجاته، والحصول على الأيادي العاملة الرخيصة في الدول النامية من جهة، ومن جهة أخرى لا تعدو التنمية في النهاية إلا زيادة في ايجاد حالة من التبعية الاقتصادية والسياسية للمركز الرأسمالي الذي يتقدم بسرعة مذهلة.
طبيعة القروض الربوية:
يتساءل الشهيد القائد حول طبيعة تلك القروض الربوية، ويؤكد أن من أهم شروط منح القروض الربوية عدم استخدامها في مشاريع تنمية اقتصادية حقيقية، حيث يقول في درس (في ظلال دعاء مكارم الأخلاق الدرس الثاني):”تلك القروض الكثيرة التي نتحملها نحن لماذا لا توجه أو يوجه القسط الأكبر منها إلى الاهتمام بالزراعة؟ هل نتحمل القروض ثم لا نجد قوتنا مؤمَّناً أمامنا؟ هل هذه تنمية؟، نتحمل الملايين بعد الملايين من الدولارات، ونتحمل أيضا فوائدها الربوية في ما بعد ولا نجد مقابل ذلك أمناً فيما يتعلق بالغذاء؟!
أذهاننا منصرفة في مختلف مناطق اليمن عن المطالبة بهذا الجانب في كل انتخابات، في كل ما نسمع بقروض! أحزاب المعارضة نفسها لماذا لا تتحدث عن هذا الجانب بشكل مُلِح؟. المزارعون أنفسهم لماذا لا يتحدثون عن هذا الجانب بشكل ملح؟. أين هو الدعم للمزارعين؟. أين هو الدعم للزراعة؟. أين هو الدعم للجمعيات الزراعية؟. أين هي مراكز التسويق لاستقبال منتجات المزارعين؟. أين هو التخفيض للديزل نفسه الذي هو ضروري فيما يتعلق بالزراعة، والمواد الكيماوية الضرورية للمنتجات الزراعية؟.
من واجب العلماء أنفسهم الذين لا يمتلكون مزارع، ومن تأتيهم أقواتهم إلى بيوتهم عليهم هم أن يلحوا في هذا المجال؛ لأنه اتضح جليا أن الأمة لا تستطيع أن تدافع عن دينها، ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها وهي ما تزال فاقدة لقوتها الضروري الذي الزراعة أساسه، وليس الاستيراد. أصبح شرطا، أصبح أساسا، أصبح ضروريا الاهتمام بجانب الزراعة في مجال نصر الإسلام أشد من حاجة المصلي إلى الماء ليتوضأ به… هل تصح الصلاة بدون طهارة؟ إذا لم يجد الماء يمكن أن يتيمم فيصلي.
إذا كانت الصلاة لا بد لها من طهور بالماء أو بالتراب، فلا بد للإسلام، ولهذه الأمة التي تهدد كل يوم الآن تهدد، وتهدد من قبل من؟ تهدد من قبل من قوتها من تحت أقدامهم، من فتات موائدهم. لا بد لها من الاهتمام بجانب الزراعة، لا بد أن تحصل على الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بحاجياتها الضرورية”.
عدم إحداث تنمية اقتصادية للدول العربية والإسلامية:
لقد حالت دول الغرب الرأسمالية بقيادة أمريكا دون إحداث تنمية اقتصادية للدول النامية، ومنها الدول العربية والإسلامية لكي تبقى مجرد مجتمعات استهلاكيه وأسواقاً لمنُتجاتها، واتجهت عبر المنظمات المالية الدولية (البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي) إلى إغراق كاهل الدول العربية والإسلامية بالقروض الربوية وفوائدها تحت مبررات مشاريع التنمية، لاسّيما وأن تلك المنظمات تقوم بإعداد برامج مفصلة، وعلى الحكومة المعنية أن تتبناها كشرط للحصول على قروض من تلك المنظمات، حيث يتجه استخدام تلك القروض الربوية بالدرجة الأولى نحو تنفيذ مشاريع سطحية قد تكون أهميتها بالنسبة للدولة المقترضة في الدرجة الثالثة، أو الرابعة، حيث توجه القروض نحو تنفيذ مشاريع كمالية لا قيمة لها في حياة شعوب تعيش على الدين لتوفير قوتها الضروري، وليس نحو مشاريع منتجة في مجال الصناعة والزراعة، فلا تستخدم تلك القروض الربوية في مشاريع استصلاح الأراضي الزراعة، بالرغم من أن الدول النامية في حاجة إلى استصلاح أراضي وزراعتها، أضف إلى ذلك أن منح القروض الربوية قد لا يكون -في بعض الأحيان- في صورة أموال نقدية، بل في صورة عتاد، أو مشروعات تحددها المنظمات المقُرضة.
تحمّل تكاليف كبيرة تمثل أعباء القروض الربوية:
وفقاً لإملاءات المنظمات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي)، تستعمل الدول المقترضة تلك القروض أما لتمويل مستورداتها من السلع الاستهلاكية، سواءً من الدولة المقرضة، أو غيرها، أو تستخدمها في مشاريع كماليه وترفيهية، أو ما يُسمى بمشاريع البُنى التحتية غير الإنتاجية، وعندما يحين موعد السداد، تلجأ الدولة إلى البحث عن مزيد من القروض الربوية، أو إلى جدولة القروض الحالية، فتزداد الأقساط، والفوائد، أي ما يُسمى بخدمة الدّين، لأنهم في النظام الرأسمالي يعتبرون الفوائد من الخدمات، حتى تجد الدولة نفسها عاجزة حتى عن سداد الفوائد منفردة، وهذا ما يتضح ذلك بجلاءٍ في عدم قدرة معظم الدول النامية على سداد شيء من قروضها، ولا حتى فوائد القروض.
آثار كارثية للقروض
تبّرر المنظمات المالية الدولية سياسة منح المساعدات الاقتصادية الخارجية والقروض الربوية بأنها لمزيد من التنمية الاقتصادية، ولكن عند التطبيق يزداد الفقراء فقراً، ويزداد الأغنياء غنى، أما التنمية المنشودة فهي سراب، لاسّيما وأن تلك القروض الربوية التي تهدف في الظاهر إلى مساعدة الدول العربية والإسلامية إنما تخفي وراءها أهدافاً استعمارية، وبالتالي فإن القروض الربوية لا تعمل على إيجاد تنمية شاملة للدول المقترِضة بل هي باختصار الجزرة المرادفة للعصا الرأسمالية.
وفي هذا الصدد، يقول السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي في كلمته التي القاها في الذكرى السنوية للشهيد القائد، 1442هـ: “سعى الأمريكي للسيطرة على الاقتصاد، وكان هذا واضحاً في السياسات الاقتصادية التي دفع النظام أكثر وأكثر إليها، مع أنَّ النظام لم يكن ناجحاً على المستوى الاقتصادي، ولم تكن له أهداف مهمة على المستوى الاقتصادي، لكن الأمر زاد سواءً مع التدخل الأمريكي وسعي الأمريكي للسيطرة الكاملة، اعتمد النظام الرأسمالي بشكلٍ كلي، اعتمد على القروض الربوية الخارجية المرهقة للبلد، والتي توظَّف في مجالات ليس فيها دعم للاقتصاد الوطني، واعتمد سياسات البنك الدولي التدميرية، التي يتضرر منها الشعب بشكل كبير جدًّا، وتوسع مساحة الفقر، وتحمل المواطنين الأعباء فوق الأعباء”.
تقديم القروض الربوية وفق قاعدة القول المأثور “من جاد ساد”:
تسير شروط تقديم القروض الربوية وفق قاعدة القول المأثور “من جاد ساد”، أي من يجود بالمال يكون سيداً على من يجود عليه، وينفذ أجندته وإملاءاته بكل حذافيرها، وهذا بدون أدنى شك يلغي مبدأ العطاء البريء والمساعدات المنطلقة من النوايا الحسنة، الذي لطالما ظلت المنظمات الأجنبية تنادي بها في أنظمتها، ولم تجد لها أي موقع في الواقع العملي.
عدم استخدام القروض الربوية في مشاريع إنتاجية وصناعية:
تشهد الدول النامية التبعية الاقتصادية الكاملة، حيث يعتمد اقتصادياتها على القروض الربوية، التي تمنحها المنظمات الاقتصادية الدولية والتي تمنع أي فرصة للنمو الاقتصادي، بل تحول مجتمعات تلك الدول إلى مجتمعات استهلاكية محضة، وأسواق لترويج بضائع ومنتجات الشركات العملاقة، لاسيّما وأن تلك القروض الربوية لا يتم استخدامها في مشاريع إنتاجية وصناعية ،حيث أن الدول الرأسمالية بقيادة أمريكا قد حالت دون إحداث تنمية اقتصادية وصناعية للدول النامية ومنها الدول العربية والاسلامية لكي تبقى مجرد مجتمعات استهلاكيه غير منتجه واسواقاً لمنتجاتها، واتجهت عبر صندوق النقد والبنك الدوليين إلى اغراق كاهلها بالقروض الربوية وفوائدها تحت مبررات مشاريع التنمية، حيث أن تلك المنظمات هي التي تحدد مجالات إنفاق تلك القروض الربوية، وتقوم بإعداد برامج مفصّلة، ويجب على الحكومة المعنية أن تتبناها كشرط للحصول على القروض، وتفرض على حكومات الدول النامية الخطط الاقتصادية العقيمة، في مسعىً لصرف توجه الناس عن المشاريع المُنتجة كالزراعة والصناعة إلى مشاريع استهلاكيه غير انتاجية.
التدخل والتحكم في السياسات الاقتصادية للبلاد:
يشير الباحث “أحمد عزت محمود المتولي” في تقرير أعده حمل عنوان: (المديونية الخارجية وأثرها على النمو الاقتصادي) إلى أن من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانون الدولي العام مبدأ السيادة، وذلك المبدأ الذي يعطي لكل دولة تصريف شؤونها الداخلية والخارجية وفقاً لمصلحتها، وبما لا يتعارض مع أحكام القانون الدولي، ولقد تأكد هذا المبدأ في العديد من المواثيق الدولية ولكن تفاقم الديون على الدول النامية أخل بهذا المبدأ، إلا إن من أهم الآثار السلبية للديون الخارجية في الدول النامية أنها تزيد من حدة التدخل الأجنبي في تلك الدول وتؤثر سلبًا على حرية صناعة القرار السياسي وتعرضه لمزيد من الضغوطات، كما أن خطورة تفاقم الديون الخارجية لا تقف عند الحدود الاقتصادية والاجتماعية بل إنها تتجاوز إلى تعريض حرية صانع القرار السياسي إلى مزيد من الضغوطات والتدخل الأجنبي.
عدم نجاح التنمية بالاعتماد على القروض الربوية:
بعد الترويج لفكرة التنمية الشاملة القائمة على منح القروض الربوية من قبل (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي)، جاءت عدة تجارب عالمية تدّحض إمكانية نجاح تنمية شاملة تعتمد على القروض الربوية والدعم والمساعدات الخارجية، لاسيّما وأن القروض الربوية عادةً ما تمُنح لآجال طويلة حتى تتراكم وتُصبح مبالغ ضخمة تعجز الدولة عن تسديدها، وفي حالة عجز الدولة المقترضة عن سدادها يبدأ تدخل الدولة المُقرِضة، إما مباشرة، أو عن طريق المنظمات المالية الدولية المستخدَمة في الإقراض، ومنها صندوق النقد الدولي الذي يقوم بإعادة جدولة القروض الربوية مقابل شروط يضعها، بحيث يجري فرض برنامج للتصحيح الاقتصادي تحت ما يسمى بسياسات التثبيت واعادة الهيكلة ضمن وصفات جاهزة تتضمن شروطاً منُهكة تجعل اقتصاد الدولة والسياسة المالية فيها تحت قبضة الدول المقُرِضة من خلال بعض السياسات والإجراءات، حيث يقوم صندوق النقد الدولي بالضغط على حكومات الدول النامية بانتهاج سياسة الإصلاح الاقتصادي (التثبيت والتكيف الهيكلي) في اقتصادها بما يتجاوب مع مصالح اقتصاديات دول المراكز الرأسمالية المُتقدمة مما يجعلها خاضعة كلية لقرارات تلك المنظمات والدول الرأسمالية، ويلغى عملياً القرار الوطني.