موقع أنصار الله . تحليل | أحمد داود |
تبذل أمريكا أقصى أنواع الضغط على لبنان، بهدف دفعه إلى التخلي عن المقاومة وطي صفحة حزب الله إلى الأبد، مقابل حلول بديلة تتمثل في القبول بـ"إسرائيل" والجماعات التكفيرية في سوريا كجار صالح.
وكثر الحديث مؤخراً حول "ضرورة نزع سلاح حزب الله" كخطوة تمهيدية لقص أجنحة الحزب قبل القضاء عليه؛ ومع أن الأمريكيين وحلفاءهم في الداخل اللبناني يعرفون جيداً حساسية طرح مثل هذا الموضوع، إلا أنه أصبح الورقة الأهم التي تتم المناورة من خلالها لابتزاز لبنان ومقايضته.
ويتولى المهمة مؤخراً الموفد الأمريكي إلى المنطقة توماس براك، فهو يحمل العصا بيديه، ولا يتوقف عن التدخل في الشأن اللبناني، ملوحاً تارة بكيان العدو الإسرائيلي وبعودة غاراته العدوانية، وتارة أخرى -وهو المستجد- بتهديد لبنان بالجماعات التكفيرية في سوريا، قائلاً إن "لبنان إذا لم يتحرك فسيعود إلى بلاد الشام"، بمعنى أن الدولة اللبنانية إذا لم توافق على الأجندة الأمريكية وتتحرك في إطارها، فإن واشنطن قد توعز للإرهابي الجولاني بالتحرك تحت مبرر أن لبنان جزء من سوريا.
واللافت أن التحرك الأمريكي والتدخل السافر في الشأن اللبناني يقابلان بصمت مطبق من قبل الحكومة والرئاسة اللبنانيتين، بل وبتواطؤ مع الأمريكيين، وعدم الاستعداد للرفض أو حتى الامتعاض.
وأمام هذا الواقع الخطير، يُكتبُ لحزب الله فصل جديد من المواجهة؛ فالمخطط الأمريكي الصهيوني لا يقبل بوجود مقاومة مسلحة بالقرب من كيان العدو الغاصب لفلسطين المحتلة، ولن يقبل كذلك بمشاركة الحزب في إدارة الحكومة أو أن يكون جزءاً من الدولة، لا سيما أن الدول العربية تتحرك في الركب الأمريكي، وخاصة المملكة العربية السعودية (الإجرامية)، التي تتبنى بشكل فج ووقح مسألة نزع سلاح حزب الله اللبناني، وتثيرها إعلامياً وسياسياً، وقد أرسلت مؤخراً موفدها "يزيد بن فرحان" إلى لبنان للضغط على القوى السياسية للمضي نحو هذا الخيار، وإجبار حزب الله على تسليم السلاح.
ما يحدث هو جزء من المخطط الأمريكي الصهيوني المرسوم للمنطقة تحت يافطة "الشرق الأوسط الجديد"، فالطموح الصهيوني لم يعد مقتصراً على التطبيع مع الدول العربية، إذ تجاوز كيان العدو ذلك، ويسعى إلى تنفيذ مخططه بالسيطرة الكاملة على منطقتنا، وتفعيل استراتيجية "الاستباحة" متى شاء وأينما يشاء.
وبالعودة إلى موضوع حزب الله، فإنه يواجه تحدياً وجودياً خطيراً، ويتعين عليه في المرحلة المقبلة المواجهة على ثلاث جبهات، أبرزها جبهة العدو الإسرائيلي الذي لم يلتزم حتى الآن باتفاق وقف إطلاق النار، ويسعى إلى التوسع في الجنوب اللبناني، وانتهاك السيادة اللبنانية، وتنفيذ الغارات العدوانية المتواصلة على لبنان.
أما الجبهة الثانية التي يسعى الأعداء لتحريكها ضد حزب الله، فتتمثل بورقة الجولاني، والدفع بالجماعات التكفيرية للانتقال إلى لبنان للقتال فيه، تحت مبررات عديدة، من أبرزها أن لبنان جزء من سوريا، وقد بدأ العمل على هذا يتصاعد مؤخراً بوتيرة عالية.
ومبرر آخر هو أن حزب الله كان شريكاً لنظام الرئيس بشار الأسد في قتال الجولاني وجماعته. ولهذا، فإن الجبهة السورية تحولت إلى تهديد لحزب الله، بعد أن كانت خلفيته المحصنة وجبهة مهمة لإمداده بالسلاح منذ عام 2006م.
أما الجبهة الأخطر، فهي الجبهة الداخلية، إذ يحرص العدو على تحريك أدواته داخل لبنان ضد حزب الله، وهنا يجري العمل على مسألة نزع سلاحه، وإيكال مهمة الدفاع عن لبنان إلى الجيش. وكما هو معروف، فإن الحكومة اللبنانية والرئاسة تم اختيارهما بعناية من قبل الأمريكيين، وسيكون عليهم تنفيذ المهام الموكلة إليهم بإتقان، والعين المفتوحة تبقى على حزب الله.
هذه السيناريوهات المتوقعة قد تتحرك دفعة واحدة ضد حزب الله، وهنا مكمن الخطورة، ووفقاً للحسابات السياسية والدنيوية، فإن حزب الله لن يتمكن من النجاة من هذه الكماشة، لكن وفق التدبير الإلهي والثقة بالله، والتحرك لمواجهة المخاطر من منطلق ديني وإيماني، فإن حزب الله سيكون قادراً على إفشال كل المخططات وتجاوز التهديدات التي تطال وجوده، وهنا يؤكد حزب الله، على لسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، بأن مسألة نزع السلاح هي خط أحمر، ولا يمكن التفاوض أو المساومة فيها، لافتاً إلى أن حزب الله قد استكمل عملية الترميم والبناء، وهو الآن في مرحلة التعافي، وجاهز للمواجهة على كافة المستويات.
يدرك حزب الله حجم المخاطر التي تتهدده، كما تدرك حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين المحتلة، وكما يدرك الحشد الشعبي في العراق، واليمن، ومن خلفهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فتنفيذ مخطط "الشرق الأوسط الجديد" أو ما يسمى "إسرائيل الكبرى" لن يتحقق إلا بإلحاق الهزيمة بالمحور، وهذا لم يحدث ولن يحدث، والفشل هو سيد الموقف لجيش الاحتلال في قطاع غزة، وسيكون كذلك في المواجهة مع حزب الله، أما اليمن فهو الكابوس الموجع لكيان العدو حتى اللحظة.
نحن الآن أمام مخطط تتضح ملامحه، لكن التنفيذ هو الأخطر على أمريكا وحلفائها في المنطقة. وإذا فكرت أمريكا في الانتقال إلى الخيار العسكري ضد حزب الله وتحريك أدواتها في المنطقة (كيان العدو الإسرائيلي) و(الجماعات التكفيرية في سوريا)، فإن اليمن لن يقف متفرجاً، وسيكون له دور كبير في مساندة لبنان وحزب الله، وسيكون النصر حليف المحور، وعلى الباغي تدور الدوائر.