جولات أمريكية لإنعاش الكيان الصهيوني المؤقت.. و”تل أبيب” تحفر قبرها بيديها
||صحافة||
كثفت الولايات المتحدة الأميركية من حركتها السياسية والعسكرية في “الشرق الأوسط” بما ينبئ بأن حدثا غير عادي، ستشهده المنطقة، خصوصا في ظل الازمة التي تعاني منها دول “حلف الناتو” في مواجهة روسيا، عبر المنصة الأوكرانية حاليا، وتداعياتها الاقتصادية، ولا سيما أوروبا وبريطانيا، وصولا إلى الولايات المتحدة نفسها، وكذلك تحت ظلال الازمة الكيانية للكيان الصهيوني المؤقت، والمتآكل باطراد داخليا، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، وهو الأمر الذي يتفق عليه مع كل القيادات الصهيونية سواء في المعارضة، أو الذين يؤيدونه، بأن الكيان في “أزمة عميقة وخطيرة”.
من الطبيعة الامبريالية والعنصرية، أنه كلما اشتدت أزمات الداخل، تبحث الأنظمة عن شن حروب على أعداء خارجيين، لا بل حتى إيجاد مثل هؤلاء الأعداء المناهضين لسياسة الاخضاع، بهدف إعادة لملمة مجتمعاتها، قبل الانهيار النهائي الحتمي.
على الهوامش تستعين القوى العدوانية مثل أميركا، وعصاها الغليظة في المنطقة أي “إسرائيل”، بما تيسر من القوى، والدول المرعوبة من الانتقام، كجزء من التغطية للعدوان سواء بالضغوط السياسية، او الاقتصادية، وصولا الى المس بأمنها واستقرارها، وباشكال مختلفة، ومن ضمنها الإرهاب المنظم المباشر منه، وغير المعلن ايضا.
بعد سلسلة لقاءات على المستوى السياسي تولاها وزير الخارجية الأميركية انتوني بلينكن، ومستشار الامن القومي جيك سوليفان، فضلا عن أجهزة المخابرات والسفراء، ولم يكن اجتماع “العقبة “الأخير والخطير الا في السياق، والذي تنصل نتنياهو وأركانه من نتائجه والتزاماته حيالها، وحسنا فعل لأنه أظهر لمجالسيه في الاجتماع أنه لا يقيم وزنا لهم، ولا لالتزامات موفديه، إضافة الى جولة وزير الحرب الأمريكي، لويد أوستن، في دول الشرق الأوسط، بهدف إظهار أن واشنطن لا تزال تولي اهتماما للمنطقة، والمسبوقة بالظهور المفاجئ لرئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية، مارك ميلي، في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا، الذي تسيطر عليه الفصائل الكردية ذات الرعاية، من البابوج الى الطربوش.. وكذلك رعاية الفصائل الإرهابية مثل “داعش” التي اعيد تفعيلها، وذلك بعد أن حط في تل أبيب.
لم تكن مستهجنة تصريحات الجانب الأمريكي بتركيزه المتزايد على الشرق الأوسط بأنه مرتبط بـ “مجموعة من التهديدات على علاقة بإيران”، وبالتالي فإن اميركا تعمل على حشد حلفائها لسيناريو الحرب على محور المقاومة، الذي تمكن على مدار السنوات الماضية من اجهاض خططها التدميرية في المنطقة، وعمّق أزمة الكيان الصهيوني على كل المستويات بما فيها الازمة الاجتماعية، ووضع الكيان القائم على العسكرة في حالة ترنح حقيقية، وهذا أيضا عبر عنه نتنياهو بقوله: “إن رفض الخدمة في الجيش الإسرائيليّ، من قِبل عناصره النظامية، أو الاحتياطية، يشكّل تهديدا لأساس وجودنا”.
بلا شك ان الوضع في المنطقة ككل لا يزال متوتراً ليس فقط على خلفية المفاوضات المعلقة حول مصير الاتفاق النووي، والمواجهة المستمرة بين إسرائيل وإيران، لا سيما بعد فشل الغربيين في لي ذراع ايران، عبر تلك المفاوضات، او محاولات العبث الفاشلة في الامن والاستقرار الإيرانيين.
وعلى الرغم من أن الجهود المحمومة للولايات المتحدة تنصبّ الآن على مواجهة روسيا والصين، فإن الادارة الاميركية وجراء نتائج سياساتها في العالم كله، بحاجة إلى الزيارات الحالية للوقوف على حقيقة الوضع العسكري والسياسي في المنطقة، بما في ذلك المشاعر السائدة لدى الحلفاء الإقليميين، لا سيما ان بعض الدول بدأت تسأم من التبعية العمياء، لا بل بدأت تعلن نفورها من الاستخدام الوقح لها، ولذلك تعمل الى إعادة وثقها بالابتزاز حينا وتخويفهم من ايران أحيانا كثيرة، عبر إشاعة ضرورة طمأنة هؤلاء إلى دعم واشنطن لهم في المواجهة مع إيران، حتى في ظل تركيز اهتمام الولايات المتحدة على منطقة أوروبا والمحيط الهادئ وبحر الصين، والأرجح انه خلال هذه الزيارات، يجري النظر في الخطوات المحتملة مستقبلا ومناقشتها إذا تطور الوضع وفقًا لسيناريو أو آخر.
أن الوضع الحالي المتوتر في “الشرق الأوسط” بات محفوفا باحتمال حدوث تصعيد حاد مفاجئ، وحينها يمكن أن تصل الأمور بسرعة إلى صدام عسكري مفتوح في ظل احتدام الازمة الداخلية في الكيان الصهيوني، وهو ما لم يعد خافيا، لا بل صار جهارا بين مكونات القيادات الصهيونية على اختلافها، ويزداد سعيره مع المواجهات اليومية، في الضفة الغربية حيث يتصاعد البأس الفلسطيني، رغم المذابح التي يرتكبها المحتلون من العسكريين والمستوطنين.
لم تكن اجتماعات واشنطن الأسبوع الماضي بحضور مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية رون ديرمير، ووفد إسرائيلي في البيت الأبيض الا من ضمن مناقشات الوضع المتأزم كثيرا داخل الكيان، والوضع في المنطقة معطوفة على التدريبات العسكرية الأخيرة بين الجيشين الأميركي والإسرائيلي، والعمل على تعميق “اندماج” “إسرائيل” في محيطها الأمني والسياسي في إطار اتفاقات “أبراهام” الخبيثة، و”منتدى النقب” السيئ الصيت، والمنصات الأخرى، وأعاد تأكيد موقف إدارة جو بايدن “الثابت” بأمن “إسرائيل”، والتأكيد الوارد فيما سمي “إعلان القدس” للشراكة الاستراتيجية الأميركية الإسرائيلية، الذي وقعه بايدن خلال زيارته إلى الكيان في تموز/ يوليو 2022.. الا في سياق ترميم التآكل غير القابل للترميم، وليست المعزوفة الأميركية المشروخة بأن “الولايات المتحدة ملتزمة بمنع إيران من تطوير سلاح نووي، وتعزيز التعاون المتبادل بشأن “التهديدات” التي تشكلها إيران، وهو الموقف الإسرائيلي بأمه وأبيه، الا في السياق عينه.
إن الوضع الحالي في الكيان المؤقت يتحدث عن نفسه، وهنا غيض من فيض العبارات المستخدمة على السنة ما يسمون بحكماء إسرائيل: “إسرائيل قد تصل إلى حرب أهلية في غضون أسابيع”، “بنيامين نتنياهو سيذهب بــ “إسرائيل” إلى الفوضى”، “نتنياهو خائن”، “إسرائيل” في “منتصف حرب أهلية”، “المسؤول عن الفوضى والصدع العميق في المجتمع الإسرائيليّ، والجيش الإسرائيلي، ليس سوى أكثر الحكومات تدميرا في تاريخ البلاد”. كل ذلك قد يدفع القيادة المأزومة إلى الهروب نحو الإمام، بمعنى الاقدام على شن عدوان، يؤذن بأن الكيان يحفر قبره بيديه، فيما الولايات المتحدة تعمل على انعاشها بحقن موضعية.
العهد الاخباري/يونس عودة