الدوراتُ الصيفية للأجيال الصاعدة.. السلاحُ الأمثلُ في مواجهة الحرب الناعمة
||صحافة||
تشهدُ المراكزُ الصيفية لهذا العام 1444هــ إقبالاً واسعاً يفوقُ بكثيرٍ الأعوام الماضية، رغم المساعي الحثيثة التي سعت لها أبواق العدوان ومرتزِقته لتشويه الدورات الصيفية وتحريض المجتمع؛ لمنع الأجيال من الالتحاق بالدورات والتزود بالعلوم الدينية النافعة.
وتعود أهميّة المراكز الصيفية إلى تحصين الأجيال من الثقافات المغلوطة، وتزويدهم بالثقافة القرآنية الصحيحة؛ ونظراً لحساسية المرحلة التي يمر بها الشعب اليمني، في ظل مخطّطات دول العدوان وسعيها لطمس الهُــوِيَّة اليمنية واستهدافها للتراث الإنساني اليمني، لتبقى المراكز والدورات الصيفية، زاداً تربوياً وعلمياً ترتوي منه الأجيال الثمار الطيبة وتقطفها المجتمعات، وفي الوقت ذاته متنفساً للطلاب والطالبات لإبراز الابتكارات والإبداعات وتعزيز المهارات وتنمية القدرات.
وتهدف الأنشطةُ والدورات الصيفية إلى رعاية وتدريب الطلاب والطالبات، وإكسابهم معارف وعلوم ثقافية مرتبطة بالقرآن الكريم وعلومه، وحمايتهم من مخاطر الحرب الناعمة؛ استجابة لتوجيهات قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي.
ويؤكّـد نائب وزير الإرشاد وشؤون الحج والعمرة، فؤاد ناجي أن “للدورات الصيفية أهميّة بالغة في توعية الجيل الناشئ وسد الفراغ بالمفيد والنافع، وأن الدورات الصيفية تجعل الأجيال في منأًى عن وسائل الانحراف والإفساد كالتلفونات وقرناء السوء وكذا القنوات الخليعة”.
ويوضح أن “الفراغ يدفع الشباب للانجرار وراء الحرب الناعمة والوقوع في حبال الشيطان وأساليبه الماكرة وأن الوسيلة الوحيدة للتحصين من الوقوع في شراك الحرب الناعمة هو التزود بهدى الله وتعلم الأمور الدينية من خلال الدورات الصيفية التي تكسب الأجيال وعي ومعرقة وثقافة قرآنية تشكل حصناً منيعاً لكل من تعلمها”.
ويشير إلى أن “الدورات الصيفية تسهم في تنمية الوعي لدى الأجيال، وتجعلهم يدركون الواقع الحقيقي المعاش مدركين مخاطر الأعداء الذين يستهدفون الأطفال، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وبعض قنوات الأطفال التي تروج للمفاسد والرذائل، وتجعل الأطفال يعيشون في أوهام وعالم خيالي”.
من جهته يرى الباحث في الشؤون الإسلامية الدكتور حمود الأهنومي أن “الدورات الصيفية تسهمُ بشكل فعال في توعية الشباب وتحصينهم من مخاطر الشيطان وأساليبه الإغوائية”.
ويشير في حديثه لـ”المسيرة” إلى أن “الدورات الصيفية الوسيلةُ الْمُثلى في مواجهة الحرب الناعمة والتغلب عليها؛ إذ إنها تكسب الفرد وعيا عاليا وإيمَـانا راسخا يجعله يدرك المخاطر الشيطانية التي تستهدفه ويتغلب عليها”.
ويضيف القول: “مناط الحرب الناعمة قائم على الاستغفال والجهل ولبس الحق بالباطل، وهذا ما تتكفل الدورات الصيفية بتفنيده أولاً وإزهاقه من النفوس، بمجيء الحق، والتعريف به، ثم بما تملأ به الذهنية من بناء معرفي محصن، وكشف للبس الأباطيل؛ بما يقدمه القرآن الكريم من وعيٍ عالٍ، وبصيرةٍ نافذة، وما تقدمه اللغة العربية من ترقية لأدوات الفهم السليم، وما تقدمه المقرّرات من حصانة مهمة من الاختراق والتلبيس ورفع الجهل، وبهذا تكون كُـلّ الميادين التي قد تنجح فيها الحرب الناعمة مغلقة أمامها”.
مسؤولية عظيمة:
بدوره يقول العلامة الدكتور خالد القروطي: “إن تربية الأبناء والبنات ليست بالأمر السهل خَاصَّة في هذا العصر الذي أصبحت فيه وسائل الفساد والإفساد تحيط بناء من كُـلّ جانب بل واقتحمت بيوتنا؛ وهذا ما يضاعف الهم والمسؤولية الملقاة على عواتقنا كآباء وأُمهات في ضرورة الملاحظة والتقويم لتربية الأجيال”.
ويضيف “التربية بمفهوم عام تشمل القيام بتعليمهم العلوم النافعة لهم في بناء واقعهم وحياتهم وتربيتهم على الآداب والأخلاق والقيم والعادات الحسنة ومتابعة سلوكهم وتصرفاتهم وتقويم وتصحيح ما قد يقع منهم من أخطاء في سلوكياتهم”.
ويؤكّـد القروطي أنه “بالرغم من أن المسؤولية العظيمة الملقاة على عاتق الآباء والأُمهات في تربية الأولاد والبنات إلَّا أن الكثير من الآباء والأُمهات فرّطوا بتلك المسؤولية، واستهانوا بها ولم يراعوها حق رعايتها؛ الأمر الذي أَدَّى إلى ضياع الأجيال”.
ويذكر أن “لأهميّة تربية الأجيال حرص أنبياء الله -عليهم الصلاة والسلام- وهم قدوات الأمم في تربية وتعليم أبنائهم بل وحرصوا على أن تكون الأجيال من بعدهم أجيال صالحه مستدلاً بنبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل -عليهما السلام- اللذَين دعان بأن يجعل من ذريتهما أُمَّـة مسلمة تسير على منهجهما المتمثل في الهدي الإلهي لعباده أجمعين، وأن إبراهيم -عليه السلام- كان يحرص في دعائه لله أن يجنب ذريته الانحراف والظلال وعبادة الأصنام وأن يجعلهم صالحين مستقيمين قائمين بما افترض الله عليهم”.
ويضيف القول: “كما نجد أن الله تعالى في كتابه الكريم أكّـد أن حال المؤمنين هو الحرص الدائم على صلاح ذرياتهم قال تعالى: (وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)”.
ولفت إلى أن اللهَ تعالى دعا المؤمنين إلى أن يسعوا جادين فيما يجنب أسرهم وذرياتهم سخط الله وعذابه من خلال تربيتهم وتأديبهم وتهذيبهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)، موضحًا أن القرآن الكريم ذكر أن أكبر خسارة قد يتعرض لها الناس هي خسارة الأبناء والأسرة التي لطالما سعى الإنسان في تحمل المشاق؛ مِن أجلِهم (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ).
ويشير إلى أن “أهميّة إقامة الدورات الصيفية تكمن في أنها تعلمهم الرجولة الحقيقية، حَيثُ يسمون كلام الله ويقرأون كتاب الله ويهتدون بهديه”.
وتطرق إلى أن “الدورات الصيفية تسهم بشكل فعال في التربية الإيمانية للأجيال وربطهم بالله برسله وأنبيائه بأركان الإيمان وشرائع الإسلام وبسيرة آل البيت الأطهار وأن تغرس فيهم مكارم الأخلاق”.
ويختتم العلامة القروطي حديثه بالقول: “الدورات الصيفية تعني أن تكونَ حريصاً على أن يتعلم أبناؤك معرفة الله ومعرفة رسله ومعرفة الأحكام وأمور الدين وبر الوالدين والرجولة والعزة والكرامة؛ ما لم فهناك الكثير ممن ينتظرون إهمالك ونسيانك وتضييعك لابنك فيتلقونهم بأفلام إباحية وقنوات إعلامية إغوائية ومجالس سوء ورفقاء الباطل”.
ويضيف “الإناء الفارغ لا بُـدَّ أن يُملأ فإما أن تملأه بما تريد؛ ما لم فسيملؤونه لك بما يريدون فاختر أي الأبوين أنت؟”.
الدوراتُ الصيفيةُ تبني قادة:
فيما يقول الناشط الثقافي عبد الجبار الغراب: “كثيرٌ من المؤثرين كانوا ذات يوم طلاباً في هذه الدورات الصيفية، ونهلوا من العلوم والمعارف ما أقام أودهم، وشق طريقهم، وحدّد مساراتهم”.
ويضيف القول: “شخصيًّا أُدينُ بالفضل لهذه الدورات وللقائمين عليها، وأبرزُهم شيخنا العلامة والفقيه والخطيب والنحوي والشهيد الدكتور المرتضى بن زيد المحطوري وسيدي العلامة الفقيه المربي الزاهد علي بن أحمد الشامي -رحمهما الله- وآخرون سأذكرهم يوماً، شكراً لله ثم لهم على تعليمهم إيانا”.
ويتابع “والشكر قبل ذلك لوالدي -حفظه الله- الذي لم يكن همه إلا أن نتعلم ولو خسر ما خسر، وكنت أكبر أبنائه وساعده الأيمن في الزراعة والتجارة، إلا أنه تخلى عني؛ لكي أطلب العلم والمعرفة”.
ويختتم الغراب حديثه بالتساؤل: “أنتم أيها الآباء إذَا أردتم صلاحَ أولادكم، وأن يشعروا بأهميّة وجودهم ومهمتهم في الحياة، وأن يبروا بكم، وأن يهتموا بدراستهم ويكون لهم هدفٌ سام ونبيل من ورائها؛ فادفعوا بهم إلى المراكز الصيفية وتعلم العلوم الشرعية المؤقتة والدائمة هذا خير لكم ولهم”.
صحيفة المسيرة