معتقلاتُ مليشيا حزب “الإصلاح” بمأرب.. طغيانٌ وتوحُّشٌ لا حدودَ له
||صحافة||
لا يستطيعُ الحاج أحمد المهدي كتمانَ ما بداخله من أحزانٍ وآهات؛ فهو لا يطعم النوم ولا يهنأ بالراحة؛ فقلبه متعلق بنجله المهندس عباس الذي تم اختطافه منذ 4 سنوات وتم الزج به في معتقلات مليشيا حزب “الإصلاح” بمأرب.
كان عباس يعمل كمهندس للخزانات لدى التاجر الأكوع، لكنه تعرض للاختطاف في مأرب؛ ليعيش مع الآلام والأحزان والتعذيب من قبل جلَّادي السجن الممتلئة قلوبُهم حقداً وغلاً، ويطالبون مقابل الإفراج عنه إخراجَ مجرمين وقَتَلَةٍ معتقلين في صنعاء.
ويسرد والد عباس قصة اعتقاله بالقول: “كان عباس يعمل مهندساً لخزانات الوقود لدى بنك اليمن الدولي في صنعاء، ثم جاء التاجر الأكوع في يوم ما وطلب منه الذهاب معه إلى مدينة مأرب لفتح خزانة نقود خَاصَّة به، متعهداً بإيصاله وعودته سالماً إلى بتيه وأسرته بالعاصمة، لكن الأقدار كانت عكس ذلك تماماً، حَيثُ دخل عباس في ظلمات السجون؛ بسَببِ عبثية مليشيا “الإصلاح” بمأرب”.
اختطف المسلحون عباساً، وطلبوا منه فدية مالية ضخمة، أَو إطلاق سجناء متهمين بقضايا قتل وإرهاب في محافظة ذمار.
لم يحمل عباس في حياته سلاحاً أَو حتى خنجراً، بل كان يحمل معدات عمله، فهو يكد ويتعب ويسهر الليل لإعالة أسرته المكونة من أب وأم وزوجة و3 أطفال، وهو المعيل الوحيد لهذه الأسرة التي عانت الأَمَرَّينِ من غيابه؛ فالشوق لعباس يقطع القلوب، فغيابه أدخل الأسرة في الحرمان والمعاناة الكبيرة، وفي ضيق من المعيشة.
ويضيف والد عباس بالقول: “تأتينا الويلات منذ اختطاف عباس، وتم طردنا من المنزل لعدم قدرتنا على دفع الإيجار”، مؤكّـداً أن مليشيا “الإصلاح” رفضت السماح لهم بزيارة نجلهم المختطف، أَو حتى الاطمئنان عليه رغم تقديم وساطات قبلية عدة، غير أن كُـلّ تلك المحاولات باءت بالفشل.
وتمتلأ معتقلات “الإصلاح” بمأرب بالمئات من المعتقلين الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل، متحملين أبشع أساليب التعذيب والمعاملة غير الإنسانية.
كانت سميرة مارش التي تم تحريرها في صفقة تبادل الأسرى في رمضان الماضي مقابل 4 من قيادات “الإصلاح” المجرمين واحدة من بين النساء اللواتي قادتهن الظروف إلى هذه السجون الموحشة، وتداولت وسائل الإعلام روايات لمارش وهي تحكي مآسيَها أمام الجلادين الذين لم يرحموا عمرَها ولا أُنوثتَها.
كانت مارش تسكن في محافظة الجوف شمال شرقي صنعاء، وفي يومٍ من الأيّام وبينما هي نائمة في منزلها إذَا قدمت قوة من مليشيا “الإصلاح”، واقتحمت المنزل بالقرب من الفجر، وصادروا تلفونها، واقتادوها بالقوة إلى مكانٍ مجهول دون الالتفات إلى توسلات أطفالها وأسرتها.
لم تكن مارش سوى عاملة نظافة تعمل في أحد المستشفيات بالجوف، لكن المرتزِقة أخذوها مع أحمد شقيقها ليكون مصيرهم التعذيب الوحشي الذي لا حدود له.
وتقول مارش: “تم حبسنا في مديرية الحزم لمدة شهر، وبعدها تم نقلي إلى أحد السجون بمحافظة مأرب، ومن ثم إلى سجن الأمن السياسي، وهناك تمت ممارسة أقسى وأبشع أساليب التعذيب اللفظي والجسدي والنفسي”؛ لإجبارها على الاعتراف بتهم وافتراءات لا تمت إلى الواقع بصلة.
وتواصل بأسى: “أساليب التعذيب التي تم استخدامها معي ومع المعتقلات تنوعت ما بين التلفظ والضرب والربط والتعليق والكهرباء والخنق والركل وغطس الوجه في الماء”، منوّهة إلى أن هناك العديد من النساء المعتقلات في مأرب يتم ممارسة جميع أنواع التعذيب بحقهن، وأن السجينة رجاء الصنعاني تم تعذيبها حتى بدأت تنزف من الأنف والفم والأذن وظلت تناشدهم لمدة ثلاثة أَيَّـام لإسعافها دون جدوى حتى فارقت الحياة.
اختطافاتٌ غيرُ مشروعة:
ليست قصة عباس وسميرة هي الاستثنائية في هذا الشأن، بل هناك مئات القصص لمعتقلين ومعتقلات عانوا ولا يزالون يعانون الويلات في معتقلات مليشيا حزب “الإصلاح” في مأرب، وتم اعتقالهم أَو اختطافهم من الطرقات والشوارع ومقرات عملهم، دون أي مسوغ قانوني، وتم إخفاؤهم لسنوات طويلة، وتعرضوا خلالها لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي.
ومنذ بدء العدوان على اليمن وعلى مدى ثمانية أعوام ومرتزِقة العدوان يمارسون في المناطق الخاضعة لسيطرتهم أبشع الجرائم بحق المدنيين، فحالات الحرابة والخطف للمدنيين تتكرّر باستمرار في انتهاك واضح للحرمات والقيم والمبادئ اليمنية المتوارثة عبر الأجيال.
ووثقت منظمة “إنسان” للحقوق والحريات مؤخّراً عدداً من جرائم الاختطاف والإخفاء القسري والتصفية بحق المدنيين، موضحة أن عدد المختطفين المدنيين خلال الفترة 2021- 2023م بلغ قرابة ألف و200 مختطف بينهم نساء وأطفال، تم الإفراج عن ٢٥٦ بينهم ١٩٨ مختطفاً مدنياً عبر صفقات تبادل أسرى.
وبحسب ما كشفته المنظمة فَــإنَّ نسبة الاعتقالات التي طالت المدنيين في محافظة مأرب بلغت 645حالة تم زجهم في السجون التي يقبع فيها المختطفون أبرزها معهد الصالح وهو أحد السجون السرية، وكذا سجون بن غريب، والأمن السياسي، والاستخبارات العسكرية، والأمن المركزي، والمنطقة العسكرية، والمحكمة، والبحث الجنائي.
ورصدت منظمة إنسان (١٨) جريمة قتل في سجون مأرب أبرزها سجن معهد الصالح المخفي وسجن الأمن السياسي.
ولم تقتصر الاختطافات على الرجال فحسب، بل طالت النساء أَيْـضاً، حَيثُ رصدت منظمة إنسان (١٠) حالات اختطاف نساء بالإضافة إلى أن هناك نساءً تمت تصفيتُهن، من ضمنهن صفاء خالد الأمير، ورجاء الصنعاني، مشيرة إلى أن عدد المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم من سجون ومعتقلات المخاء والمحافظات الجنوبية بلغ ٩٣ معتقلاً عبر صفقات تبادل الأسرى.
وأكّـد التقرير وجود أكثر من ٢٥٠ معتقلاً ما بين مسافرين وعمال ونساء وأطفال تم الزج بهم في عدد من المعتقلات منها سجن ميناء المخاء، ومعتقلات جبل حديد، ومعسكر الرئاسة، وميناء الضبة، والقصر الجمهوري، والبريقة، ومعسكر الإنشاءات، وغيل بن يمين إضافة إلى معتقلات محافظة المهرة ومعتقل سقطرى، وهو سجن تابع للإمارات.
مغرِّدون يكشفون مآسيَ:
وللتضامن مع المختطفين في سجون المرتزِقة، نظم العديد من الناشطين الإعلاميين والسياسيين قبل أَيَّـام حملة عبر منصة التواصل الاجتماعي “تويتر” بعنوان “عبيد أمريكا يختطفون المدنيين”، ساردين عدداً من القصص المأساوية للمعتقلين الأبرياء في سجون مليشيا “الإصلاح” بمأرب.
وكتب الإعلامي ملاطف الموجاني تغريدة قال فيها: “ذهبت لتقطع جوازاً للسفر، فأصبحت تبحَثُ عن جوازٍ للإفراج عنها”.
وَأَضَـافَ “الصحفية نزيهة الجنيد أم لخمسة أطفال كانت بحاجة السفر للعلاج في الخارج فذهبت لتقطع جواز سفر من محافظة مأرب فتم اختطافها واعتقالها من قبل المرتزِقة في يناير 2021م”.
من جانبه غرد الناشط عبدالرحمن الأهنومي قائلاً: “حصل على فيزة عامل، وفي الطريق سلبوه فيزته وحريته”.
وَأَضَـافَ أن “المختطف عبدالله الكبسي سافر للعمل في السعوديّة بعد حصوله على فيزة عامل تحصيل وتفريغ، فاختطفه مرتزِقة العدوان في منفذ الوديعة في 26 أُكتوبر 2022م واقتادوه إلى أحد سجونهم؛ بسَببِ لقبه”.
أما رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى عبد القادر المرتضى، فقال: “اقتحموا منزله واختطفوه في ظلمة الليل، وتوفى في سجنهم قبل أن يرى نورَ الشمس”.
وأضاف: “المختطف حامد العامري موظف بمصلحة الضرائب من أبناء محافظة إب اختطفه المرتزِقة من منزله بمدينة مأرب في مارس 2021م ولم يعد إلا جثمانه”.
وكتب الناشط نصر الدين عامر قائلاً: “ضحى شقيقه بنفسه خدمة للمرتزِقة لتكون نهايته في سجونهم”.
وَأَضَـافَ “الضحية عبدالله علي قران الذي تم اعتقاله في مدينة مأرب تعرض لشتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي حتى توفَى، ولم تشفع له تضحية شقيقه، بل أصبحت إدانة له هكذا يكرِّم المرتزِقة جنودَهم”.
وتستمر الويلات والعذابات التي يتعرض لها المختطَفون في سجون مرتزِقة العدوان الأمريكي السعوديّ في سجون سرية ومعروفة يتجرعون الألم يوميًّا دون أن تلتفت المنظمات الحقوقية إليهم؛ وهو ما يثبت عجز تلك المنظمات أَو تواطؤها مع الجناة.
صحيفة المسيرة – محمد ناصر حتروش