أمريكا وتوظيف العناوين والمصطلحات
أيضاً توظيف عناوين ومصطلحات تشتغل من خلالها أمريكا، وتحرص على أن تكون غير مستفِزَّة، فأتى مثلاً: عنوان التحرير في عملية الاحتلال للعراق، مثل ما هو اليوم عنوان في الهجوم على بلدنا في اليمن: عنوان التحرير، عنوان مثلاً: الديموقراطية، عناوين حقوق الإنسان، عنوان مكافحة الإرهاب، عنوان الحرية… مجموعة من العناوين والمصطلحات تحركت أمريكا تحتها، أبرزها عنوان مكافحة الإرهاب، وركَّزوا على توظيف هذه العناوين والتحرك من خلالها، وهذه طريقة أرادوا من خلالها ألَّا يستفزوا الأمة، لو أتى توجههم نحو المنطقة واحتلالهم لهذه البلدان تحت عنوان صريح وواضح، أنه [يا أيها الأمة الإسلامية، يا أيتها المنطقة العربية: نحن آتون لاحتلال أرضكم، والسيطرة عليكم، ومصادرة ثرواتكم ومقدراتكم، والاستهداف لكم في دينكم، وفي عرضكم، وفي أرضكم، ومصادرة حريتكم واستقلالكم]، هذه عناوين مستفزة، يمكن أن تسهم هي- بحد ذاتها- في استنفار الأمة للتحرك المضاد والمواجهة لهذه الهجمة. ولكن |لا|، هم عرفوا هذه الأمة والسذاجة الكبيرة لكثيرٍ من أبنائها البسطاء الذين لم يحظوا في المراحل الماضية بأي عملية توعية تجاه العدو، تجاه أساليبه، بل كانت المراحل الماضية في كثيرٍ من بلدان هذه المنطقة حالة من التدجين، التدجين للحكومات الجائرة والمتسلطة، وأسهمت فيما بعد بالتدجين للعدو الخارجي والأجنبي القادم للسيطرة على هذه المنطقة وهذه الأمة.
فهذه العناوين أسهمت إلى حد كبير في أن تستغل البساطة السائدة في أوساط الكثير من أبناء الأمة؛ فصدَّقوا، البعض صدَّق أنه ما من هدف أمريكي لهذه الهجمة، ولا إسرائيلي حتى، إلا لمجرد مكافحة الإرهاب، هناك فئة بسيطة كانت تُعَدّ- أحياناً- بالعشرات، وأحياناً بالأقل، أحياناً يقولون: البلد الفلاني، أو الدولة الفلانية فيها خمسة من تنظيم القاعدة، والبلد الآخر فيه ثلاثة من تنظيم القاعدة، والبلد الآخر فيه عشرة من تنظيم القاعدة، والبلد الآخر احتمال أن يذهب إليه أحد عناصر تنظيم القاعدة، وبكل بساطة يصدَّق هذا الكلام عند البعض، وتتقبله الحكومات والأنظمة، وتدخل في التزامات واتفاقات في أن تكون تحت القيادة الأمريكية، واتجهت بالتالي هذه الأنظمة في معظم هذه المنطقة لتكون جنوداً مجندةً خاضعةً لالتزامات للتحالف مع أمريكا تحت قيادتها، وفي فتح المنطقة أمام أي تحرك أمريكي تحت هذا العنوان.
وهذا العنوان الأضحوكة والمهزلة الذي رأينا كيف أصبح لعبة واضحة ومكشوفة، فإذا بالحالة تتنامى، يعني: بلد معين فيه خمسة من القاعدة، والمطلوب أن تتحرك أمريكا للسيطرة عليه والتدخل فيه عسكرياً، أمنياً، سياسياً، اقتصادياً، إعلامياً، وبكل الوسائل والأساليب، وأن تجعل لها قواعد عسكرية، وأن تنفِّذ وتتحكم في السياسات، والمواقف، والمناهج التعليمية، والسياسات الإعلامية… إلى غير ذلك. تحت هذا العنوان، وهل يجدي ذلك؟!
فتحوا لها المجال، تحركوا معها بكل جدية وبكل اهتمام، وفعلوا لها كل شيء؛ فإذا بالمسألة لم تصل إلى نتيجة، والمشكلة لم تُحل، تفاقمت المشكلة وتعاظمت، المسألة لم تنته عند مجرد وجود خمسة عناصر من تنظيم القاعدة، أو سبعة، أو عشرة، أو نحو ذلك، أو في حالات الاحتمال أن يأتي أحد، أو يدخل أحد من تنظيم القاعدة، بل وصلت المسألة أنهم يأتون وينشئون ويصنعون الآلاف من تنظيم القاعدة، ويطوِّرون الحالة هذه من حالة أمنية إلى حالة عسكرية؛ فإذا بالمسألة أنهم يصنعون ويهيئون الظروف لأن تتوفر، أو تتواجد الآلاف المؤلفة من تنظيم القاعدة، وأن تُمَكَّن من احتلال مساحات شاسعة، ثم إذا بالمسألة تتطور إلى إنشاء دول، فنسمع بما يسمى بتنظيم الدولة وتنظيم داعش الذي أرادوا له وهيأوا له الظروف لأن يتمدد، وأن تتسع رقعة سيطرته في هذه الساحة العربية، والساحة الإسلامية، فبالتالي يكبُر هذا المبرر، وتكبر هذه الذريعة؛ لأنهم أرادوا لها أن تكبر، أرادوا لها أن تتعاظم، أرادوا لها أن تصبح حالة مستمرة في ساحة الأمة، وحالة كبيرة في واقع الأمة؛ ليكبر معها تدخلهم، وتعظم معها سيطرتهم، ولتتعاظم معها- أيضاً- أساليبهم وتدخلاتهم بشتى الوسائل والأساليب في هذه الساحة، وهذا الذي يحصل.
ولذلك ينزعجون جدًّا إذا ما توفر، أو إذا ما حدث أن أحداً من أبناء هذه الأمة يتجه بجدية لضرب هذه الذريعة وإزاحة هذه المبررات، ينزعجون جدًّا، فيظهرون في تحالف مباشر، وفي تدخل مباشر لمساعدة القاعدة، لمساعدة داعش، لمساعدة تلك التشكيلات التي أطلقوا لمكافحتها: عنوان مكافحة الإرهاب.
العناوين والمصطلحات التي تحركوا بها في داخل الأمة كثيرة ومتعددة ومتنوعة، أبرزها هو: عنوان مكافحة الإرهاب، إضافةً إلى أسلوب استغلال المشاكل بين أبناء الأمة، أي مشاكل سياسية، أي نزاعات، أي خلافات، أي صراعات تحت أي عنوان، توجهوا لاستغلالها بشكل كبير، إضافةً إلى تفعيل أدوات تعمل لهم من داخل الأمة.
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
من خطاب ذكرى استشهاد الشهيد القائد 1439 هـ