انتفاضة الحجارة.. الشرارة التي لم تنطفئ
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || موقع سرايا القدس
29 عاماً على انتفاضة الحجارة التي اندلعت عام 1987 والتي كانت بمثابة الرسالة التي أوصلها الفلسطينيون لكل العالم بأن هناك شعباً محتلاً يقبع تحت الاحتلال، وقضية تسمى قضية فلسطين ومهجرين يعيشون في الشتات خارج وطنهم، أتت تلك الانتفاضة لتعيد للقضية هيبتها وتجعلها حاضرة على جميع الأصعدة السياسية والإعلامية .
وتحل الذكرى الـ 29 لاندلاع شرارة الانتفاضة الأولى، مع مرور أكثر من عام على اندلاع انتفاضة القدس ، وفي ظل تصاعد جرائم الاحتلال بحق المقدسات واستمرار ابتلاع أراضي الضفة الغربية بمئات البؤر الاستيطانية، فضلاً عن جرائمه في إعدام الشباب الفلسطيني بدم بارد بدواع أمنية واهية.
واندلعت شرارة “انتفاضة الحجارة ” في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 1987 من مخيم جباليا للاجئين شمالي قطاع غزة، ثم انتقلت إلى كافة المدن والمخيمات الفلسطينية؛ بعد دهس سائق شاحنة “صهيوني” مجموعة من العمال الفلسطينيين على حاجز “بيت حانون”، شمالي قطاع غزة، ما أدى لاستشهاد أربعة منهم.
نقطة تحول
مسئول المكتب الإعلامي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين داود شهاب أكّد أن “انتفاضة 1987 شكلت نقطة تحول كبيرة في مسار القضية الفلسطينية، حيث جاءت ضمن رؤية لنقل الصراع مع الاحتلال من ساحات خارجية إلى داخل الأرض المحتلة حيث يتواجد الاحتلال ونقاط الاشتباك المفتوحة معه، لافتا إلى انه كان لا بد من إحداث اهتزازات قوية للجبهة الداخلية في الكيان الصهيوني، وما كان ذلك ممكناً بدون انفجار انتفاضة أو ثورة شعبية في وجه الاحتلال والمستوطنين”.
وأضاف شهاب “ولذلك بدأت حركة الجهاد الإسلامي ومنذ وقت مبكر بالعمل على ذلك من خلال تنشيط مجموعات عسكرية لمهاجمة قوات الاحتلال وملاحقة المستوطنين وتم تنفيذ سلسلة من العمليات الفدائية النوعية خلال فترة الثلاث سنوات التي سبقت الانتفاضة سواء تنفيذ هجمات بالقنابل والسلاح التي نفذها المجاهدون من أبناء الحركة وغالبيتهم ممن تم الإفراج عنهم في صفقات تبادل الأسرى، أو عمليات الطعن بالسكاكين مثل التي نفذها المجاهد الأسير المحرر خالد الجعيدي”.
ضرب الاستقرار
وأشار إلى أن “الهدف من تلك العمليات هو إحداث حالة من الاهتزاز وضرب الاستقرار الذي كان بادياً على الجبهة الداخلية الصهيونية في ذلك الوقت، وكان الهدف أيضاً التحضير لتفجير الثورة الشعبية في وجه الاحتلال”.
وأوضح أنه “وفي تلك الفترة وقعت أحداث مفصلية هامة، منها عملية هروب مجموعة من مجاهدي حركة الجهاد الإسلامي من سجن غزة المركزي في تاريخ 18-5-1987 ، وكذلك الهجوم على كتيبة للجيش الصهيوني في منطقة باب المغاربة بالقدس المحتلة”.
وبين أنه “ومع هذين الحدثين والأحداث الأخرى التي وقعت أخذت تتشكل حالة وعي غير مسبوقة بين طلاب الجامعات الفلسطينية، وبعض النخب الوطنية في تلك الفترة ، خاصة بعد أن أدرك الشارع الفلسطيني أن من يقف خلف هذه العمليات النوعية القوية هو تنظيم فلسطيني إسلامي ناشئ هو حركة الجهاد الإسلامي، مشددا على أن تلك العمليات جاءت في وقت بالغ الأهمية من حيث الظروف الداخلية الفلسطينية والظروف المحيطة في تلك الفترة .
وأردف: «عقب عملية الهروب من سجن غزة، تصاعدت عمليات المقاومة المسلحة، وتلقت قوات الاحتلال ضربات موجعة، وكان لافتاً أن مدينة غزة باتت محرمة على المستوطنين أن يدخلوها».
استشهاد مجاهدي الجهاد
وبين أنه في ليلة السادس من تشرين أكتوبر وصلت الأوضاع ذروتها مع انتشار خبر استشهاد أربعة من مجاهدي حركة الجهاد الإسلامي في اشتباك ومواجهة عسكرية مع قوات الاحتلال سبقهم أيضاً استشهاد القائد مصباح الصوري، لافتا الى انه في صبيحة ذلك اليوم بدأت شرارة الانفجار الأولى تشتعل، وعمت المسيرات الطلابية شوارع قطاع غزة، وما لبثت تلك المسيرات أن تحولت إلى مواجهات مع قوات الاحتلال في المفترقات والشوارع.
وذكر أنه “ومع تلك الأحداث والمواجهات اهتزت صورة الجندي الصهيوني، وتعززت معنويات الشعب الفلسطيني الذي بات يدرك أنه قادر على ملاحقة وهزيمة الجندي والمستوطن، هذا خلق دافع قوي وإرادة متجددة لدى الشباب خاصة طلاب المدارس والجامعات الذين اندفعوا للشوارع في معظم مناطق غزة، مبينا أن حالة الاحتقان والانفجار انتقلت ر تدريجياً إلى جامعات الضفة في بيرزيت والنجاح، اللتين شهدتا مواجهات عنيفة وقد استشهد في تلك المواجهات الشهيد صائب ذهب والشهيد جواد أبو سليمة من أبناء الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت”.
وأكمل: “استمرت المواجهات في معظم مناطق قطاع غزة وبعض مناطق الضفة الغربية وكانت معها حالة الوعي تتجذر لدى الشباب الفلسطيني، وقد لعبت منابر الجمعة خاصة في مساجد الشهيد عز الدين القسام في بيت لاهيا والكتيبة في غزة وحسن البنا (عنان) والعودة في جباليا، ومساجد: ابن عثمان، والقزمري، والسيدة رقية والرحمن في الشجاعية، كلها لعبت دوراً حاسماً في صقل وتعزيز حالة الوعي وبعث حالة من الصحوة الإسلامية والوطنية”.
وبحسب مسؤول المكتب الإعلامي للجهاد، وجدت تيارات عديدة نفسها مع تلك الحالة بعد أن غيبتها سطوة التفرد، وتراجع دورها بسبب التحولات الكبيرة في العالم التي شهدتها تلك الفترة، كما برزت قوة التيار الإسلامي بعد أن تفتحت أمامه آفاق مهمة للعب دور حيوي وأساسي في تحريك الجماهير المندفعة بقوة نحو المواجهة مع الاحتلال”.
دور أساسي
وأشار إلى أنه كان لحادث “المقطورة” الذي استهدف عدداً من العمال الفلسطينيين دور أساسي في اتساع حالة المواجهات، تحولت جنازة تشييع الشهداء في جباليا إلى مواجهات ليلية مفتوحة بين أعداد غفيرة من الشباب الذين لم يقبلوا ولم يسلموا باعتبار الجريمة حادث سير عادياً .
وأضاف « بعد أن فرغ الناس من مراسم دفن الشهداء في مقبرة جباليا ، اندفع الشباب نحو مركز الجيش الصهيوني القريب من المقبرة في المخيم يقذفونه بالحجارة والقضبان الحديدية، لتتحول ساحات وأزقة المخيم إلى مواجهات مفتوحة».
وشدد على أن الانتفاضة شكلت فشلاً كبيراً لقوات الاحتلال وللجندي الصهيوني الذي ثبت أنه جندي مهزوز ويمكن هزيمته، مؤكدا أن صور ومشاهد المواجهات اليومية كانت دافعاً وعامل تعزيز وقوة للروح الوطنية ، التي لم تتراجع أمام سياسات الإرهاب والقمع التي انتهجها “الكيان الصهيوني” في مواجهة الانتفاضة.
أفشلت المخططات
وبيّن أن “الانتفاضة لم تتأثر رغم لجوء “الكيان الصهيوني” إلى اعتقال وإبعاد رموز الانتفاضة وقادتها ومهندسيها، بل أخذت تتطور بشكل تصاعدي ومع تزايد واتساع عمليات القمع الصهيونية ضد قادة ونشطاء الانتفاضة، بدأت تتطور وسائل الرد الفلسطيني من خلال ثورة السكاكين ومن خلال عمليات عسكرية نوعية ، ومن خلال أشكال نضالية وكفاحية متعددة، جعلت “الكيا نالصهيوني” يشعر لأول مرة ربما بالمأزق الحقيقي وبأزمة وجودية أخذت تبحث معها عن حلول سياسية شرقاً وغرباً”.
وأكد شهاب أن مؤتمر مدريد كان بداية المؤامرة التي استهدفت الانتفاضة، وهي ربما الحقيقة التي أدركها الوفد الفلسطيني لاحقاً، لكن تلك المؤامرة اتسعت بعد هرولة قيادات فلسطينية بفتح خطوط تفاوض سرية مع “الكيان الصهيوني” انتهت باتفاق “أوسلو” المشؤوم الذي أحبط مسيرة كفاحية زاخرة بالتضحيات، مبيناً أن “خطورة ذلك الاتفاق كانت تتجلى فيما أحدثه من انقسام واضح في الصف الوطني ، وشكل التفافا على إنجاز الانتفاضة”.
وشدد على أن اتفاق “أوسلو” خلق واقعاً جديداً وملغوماً في كل تفاصيله، ووضع القضية الفلسطينية أمام استحقاقات خطيرة تستهدف جوهر القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني، سعى الاتفاق المشؤوم إلى تحويل الصراع إلى نزاع سياسي تفاوضي، ومشروع إقامة كيان يبحث عن الشرعية والاعتراف تحول خطير وكارثي لن يوقفه سوى العودة إلى الأصل”.
ودعا شهاب إلى ضرورة تجاوز عقبة مشروع سلطة “أوسلو” والعودة مجدداً إلى خيار الانتفاضة والثورة والمواجهة المفتوحة، البرنامج الوطني المجمع عليه فلسطينياً أما غير ذلك فهو انغماس في مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية.
محطة بارزة
من جانبه، قال الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حازم قاسم: “إن حالة الانبعاث التي تشكلت قبل اندلاع الانتفاضة كانت حصيلة توعية وتحريض لم ينقطعا في كثير من المساجد في مقدمتها مسجد الشهيد عز الدين القسام الذي كانت تخرج منه مسيرة كل يوم جمعة تتحول لاشتباك ومواجهات في شوارع جباليا، مشيرا الى ان جريمة دهس العمال الفلسطينيين بواسطة مقطورة يقودها مستوطن صهيوني، كانت بمثابة النقطة التي انتقل معها حدث الانتفاضة إلى كل بقعة من أرض فلسطين”.
وأضاف قاسم “إن انتفاضة الحجارة شكلت محطة بارزة في مسيرة نضال شعبنا الفلسطيني ضد المحتل، وكانت نقطة تحول مركزية في مسار القضية الفلسطينية المعاصرة، و نهضة حقيقية للقوة الكامنة في شعبنا الرافض للاحتلال والمصر على نيل حريته وكرامته، والمستعد لتقديم التضحيات في سبيل ذلك.
وتابع: “هذه الانتفاضة شكلت فشلا مدويا للاحتلال، لأنها أثبتت أن الشعب الفلسطيني لم ينس حقه، وأن حالة الهدوء التي سبقت الانتفاضة لم تكن إلا الهدوء الذي يسبق العاصفة، وان كل محاولات تذويب هوية شعبنا لم تنجح وأثبتت أن الشعب يتمسك بهويته الفلسطينية وبانتمائه العربي، وان كل محاولات الاحتلال لجعل العلاقة معه طبيعية باءت بالفشل الذريع”.
ولفت الى انه لم تستطع كل الآلة العسكرية الصهيونية برغم القتل والإصابة وهدم البيوت والاعتقالات أن توقف امتداد هذه الانتفاضة، وان سياسة تكسير العظام زادت من صلابة المقاوم الفلسطيني وأصبح أكثر إصراراً على إكمال طريق للحصول على حريته.
وأردف: «إن ما حققته الانتفاضة أنها أفشلت محاولات إنهاء القضية الفلسطينية و أعادت الفعل المقاوم إلى داخل الأرض الفلسطينية والى قلب الكيان الصهيوني وشكلت حالة مهمة من الوحدة الوطنية الميدانية ورفعت منسوب الأمل بعودة اللاجئين إلى أرضهم و أعادت الثقة إلى الشعب الفلسطيني بنفسه وانه قادر على تحقيق المعجزات».