رخصة دولية بقتل الصحفيين في غزة.. فاخلعوا خوذكم وشاراتكم!
موقع أنصار الله ||مقالات||عبدالرحمن الأهنومي
يتعمد العدو الصهيوني استهداف الصحفيين بالقصف، واستهداف عوائلهم في منازلهم، خلال شهر من العدوان على غزة، سجل طويل من القتل الممنهج الذي يستهدف به العدو الصهيوني الصحفيين وعائلاتهم في قطاع غزة وقصف مقار عملهم، في إطار يُوصف بأنه «نمط فتاك مستمر منذ عقود»، بينما مرّت كل هذه الجرائم بلا محاسبة.
منذ إطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بلغ عدد الصحفيين والإعلاميين الذين استشهدوا في غزة 48 شهيدا، علاوة على استشهاد العشرات من أسر وعائلات الصحفيين، وكنوع من الانتقام من الصحفيين والإعلاميين قام العدو الصهيوني بالقصف المتعمد لأسرهم وعائلاتهم كما حدث مع وائل الدحدوح مراسل الجزيرة، كذلك قام بقصف منازل عدد من الصحفيين مع عوائلهم وقد ارتقى العشرات شهداء مع العشرات من أسرهم وعوائلهم وأطفالهم.
الصحافية دعاء شرف مع طفلها استهدفها العدو الصهيوني في منزلها في إحدى ليالي الحرب، الصحفي محمد أبو حطب المراسل في تلفزيون فلسطين الذي قصفه العدو مع عائلته قبل أيام واستشهد مع 11 شخصاً من أفراد عائلته، وعشرات آخرين استشهدوا أو استشهدت عوائلهم وأسرهم، فبالإضافة إلى استهداف الصحافيين بالاغتيال المباشر، يلجأ العدو الصهيوني إلى الانتقام منهم باستهداف عائلاتهم أيضا.
كان مراسل قناة فلسطين الذي عمل زميلا لمحمد أبو حطب، على الهواء ينهار باكيا ليلة استشهاد زميله، وكانت المذيعة في المقابل تنهار باكية من الأستديو، وظل الهواء في قناة فلسطين لبرهة من الوقت يبث بكاء الزميلين، كان زميل أبو حطب من مدينة غزة يخلع سترته التي تحمل إشارة الصحافة، ويرمي خوذته باكيا يصرخ “هذه السترات والخوذ كذبة لم تحمي زميلنا ولا زملاءنا، ولن تحمينا، نحن جميعا في مرمى الاستهداف الصهيوني، لا حاجة لنا بهذه فقد كذبوا علينا بالقول إنها توفر الحماية للصحفيين والإعلاميين”، وبالفعل كان هذا الإعلامي يعبر عن الحقيقة الصارخة اليوم بوضوح، عن حقوق الإنسان والقوانين الدولية الإنسانية وحماية الصحفيين والأطفال والمستشفيات، كلها مجرد أكاذيب روجها الغرب لعقود، وأسقطها في الحرب على غزة دفعة واحدة، لأن الحرب حربه وإسرائيل ربيبته، وفلسطين مستثناة من كل القوانين والحقوق المدعاة والمروجة.
وكرر الإعلامي المكلوم قوله «إن هذه الخوذة وهذه السترة مجرد شعارات نرتديها فقط وهي لا تحمي أي صحفي على الاطلاق»، وهو يخلع خوذته وسترته الصحفية، وعادة ما يرتدي الصحافيون الخوذ والسترات الواقية التي يكتب عليها كلمة press» » أي «صحفي»، وارتداؤها تعتبره الأمم المتحدة من الإجراءات الضرورية للسلامة، وبمثابة إخبار للمتقاتلين بهوية من يرتدي هذه الخوذة والسترة وإشارة على حرمة استهدافه أثناء الحرب، غير أن الحرب في غزة استباحت كل شيء، ولا السترات ولا الخوذ الدولية ستحمي أحدا، فما دامت الحرب إسرائيلية على فلسطينيين، فقتل الصحفيين برخصة دولية من الغرب وأمريكا.
يعمل مئات الصحافيين الفلسطينيين في وسائل إعلام أجنبية ومحلية، ويعيش الكثيرون منهم ظروفا مروعة، ويخاطر أغلبهم بحيواتهم لتقديم تغطية الأحداث المرعبة المتواترة على مدار الساعة، وينتهي الكثير منهم بأن يصبحوا هم أنفسهم جزءا من الأخبار، حين يتعرضون للاغتيال أو العنف الجسدي والاعتقال.
يتقصد العدو الصهيوني من استهدف الصحفيين إخفاء الحقائق عن الجرائم وقتل الشهود، فيما يرى البعض أن المقصود من استهداف عائلاتهم إبعادهم عن واجبهم المهني وخنقهم بأحزانهم الشخصية والعائلية، ودفعهم للشعور بالإحباط والانكسار، لكن هذا لا يعني فصل الاستهداف عن استراتيجية العدو الصهيوني في الحرب على غزة والتي يتقصد إبادة كافة سكانها، والضغط لتهجيرهم إن فشل في إبادتهم، لكنّ ما لا تقوم التحليلات برؤيته هو العامل الإجرامي المتعمد الذي يقارب التوحّش الصهيوني الانتقامي والغريزي الإبادي الذي ينفذ إجراما بمستويات «صناعية» فائضا عن أي منطق أو حدّ، دون اكتراث بأي قيم أو مواثيق، هذا الأمر سببه أن قادة الكيان الإرهابي يشنون هذه الحرب بضوء أخضر أمريكي وغربي ويعتقدون أنهم محصنون من كل محاسبة، بأمريكا وقوى الغرب الكبرى، التي تمتلك وسائل النفوذ والإعلام والسيطرة، وتعفيهم من المساءلة عن كل ما يفعلونه على الأقل إعلاميا.
وقد مر اليوم العالمي للإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين الذي يصادف الثاني من نوفمبر كل عام، مر هذا العام، دون إشارات واضحة في وسائل الإعلام الغربية والأمريكية، هذا اليوم الذي يتوخى منه الصحفيون ووسائل الإعلام والمنظمات العاملة في المجالات الحقوقية والصحفية والدفاع عن الصحفيين، وتعزيز سبل الحماية للصحفيين والإعلاميين خلال تأديتهم مهام نقل الحقيقة، كان هذا العام يتيما فقد سقط حق الحماية للصحفيين من الادبيات الغربية، لأن حربا في غزة تشنها إسرائيل دفاعا عن نفسها وضعت الصحفيين أهدافا أساسية لها، وما دامت الحرب حرب إسرائيل ربيبة الغرب وأداة أمريكا الراعية لها، فإنه لا بد أن يسقط ذلك الحق لصالح القاتل الإسرائيلي الذي يهرع الغرب لدعمه، حتى ولو وصل عدد الصحفيين والإعلاميين الشهداء إلى أكثر من 48 صحفياً.
علاوة على ذلك فإن الغرب ومنظماته ووسائل إعلامه لا يصمت فقط إزاء حرب الإبادة الإجرامية الوحشية التي تشنها إسرائيل على غزة، بل ويسندها بالدعم السياسي والأمني والعسكري، وتتبنى وسائل إعلامه سردية المجرم الإسرائيلي بأنها «حرب الدفاع عن النفس»، رغم كونها حرب إبادة إجرامية وحشية همجية لا مثيل لها في التاريخ، فضلاً عن أنها تقتل وتستهدف الصحفيين والإعلاميين وعوائلهم وتضعهم في رأس الأهداف، فإنها حرب إبادة جماعية يشنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة المحاصر، وتنطوي على استهداف متعمد لكل وسائل الاتصال مع قطاع غزة، بما فيها الاتصال والإنترنت والهاتف والاتصالات المحمولة، حيث تتعرض الاتصالات للاستهداف والتعطيل المتكرر، وذلك بغية إتاحة أن يرتكب الكيان الصهيوني المجازر في الظلام، بعيداً عن عدسات وسائل الإعلام، والذي تتجاهله وسائل الإعلام الغربية.
وإضافة إلى قصف منازل ما لا يقل عن 45 صحفياً واستشهاد عشرات من أفراد عائلاتهم من ضمنهم الاستهداف المتعّمد لعائلة الصحفي وائل الدحدوح، مراسل قناة الجزيرة، فإن عدداً من وسائل الإعلام تعرضت مبانيها للقصف المتكرر والمتعمد من قبل الطائرات الصهيونية.
هذه الحرب الصهيونية المتعمدة على الصحافة والإعلام والصحفيين والإعلاميين، لم تتوقف الصحافة الغربية إزاءها في اليوم العالمي للإفلات من العقاب عن الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت قراراً في جلستها الثامنة والستين عام 2013، أعلنت بمقتضاه يوم الثاني من نوفمبر ليكون “اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين” . وأدان القرار الذي حث الدول الأعضاء على اتخاذ تدابير محددة لإنهاء الافلات من العقاب، جميع الهجمات وأعمال العنف التي ترتكب في حق الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام .
كما يحث الدول الأعضاء على بذل قصارى جهودهم لمنع العنف ضد الصحفيين والعاملين في وسائل الاعلام ويدعو لمساءلة مرتكبي الجرائم ضد الصحفيين وتقديمهم للعدالة، وتعزيز بيئة آمنة ومواتية للصحفيين لممارسة عملهم بشكل مستقل ومن دون أي تدخل غير مبرر.
وقد مرت هذه المناسبة – في وقت تستعر فيه حرب إسرائيل الإجرامية على البشر والحجر في غزة، وعلى الصحفيين والإعلاميين- مقطوعة عما يحدث، وفي الوقت الذي تقتل فيه إسرائيل الصحفيين والإعلاميين، كانت أمريكا وفرنسا وألمانيا وكل دول الغرب تواصل حشدها ودعمها للحرب الإجرامية، ولم يفت هذه الدول أن تتحدث عن اليوم العالمي للإفلات من العقاب، لكن من غير أن تضع ما يحدث في غزة المستثناة من كل القوانين الدولية وحقوق الحماية في سياق الإدانة، رغم أن هذه الدول أصدرت بيانات باليوم العالمي تدّعي فيه الالتزام بإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين!
وعلى النحو الزائف نفسه، دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر في بيان صحفي ” المجتمع الدولي إلى التوحد لمحاسبة من يأمرون بارتكاب أعمال العنف والمضايقة والترهيب بحق العاملين في المجال الصحفي ومن يرتكبون هذه الأعمال “، أما فرنسا فقد اعتبرت في بيان لوزارة خارجيتها ” أن الدفاع عن حرية الصحافة وحرية التعبير ضمن أولويات السياسة الخارجية لفرنسا“، من جهته أصدر الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، ونائبة رئيسة المفوضية الأوروبية، فيرا يوروفا، بيان صحفي اعتبرا فيه أن الصحفيين الذين يعرضون حياتهم للخطر لتقديم وقائع ما يحدث على الأرض، تخدم تقاريرهم الإعلامية الدقيقة والنزيهة مصلحة عامة أساسية؛ حيث يمكن أن يكون للتقارير والصور والأخبار من الميدان تأثيرًا حاسمًا على تطور النزاعات المسلحة ونتائجها“..
البيانات الغربية المجرّدة من الحقيقة لم تكن إلا أكاذيب مفضوحة بما يحدث في غزة، فالحرب التي تنتهك حقوق الصحفيين والإعلاميين وتركز على قتلهم في غزة هي حرب أمريكا تدعمها كل الدول الغربية، وما دامت إسرائيل ربيبة أمريكا والدول الغربية هي التي تقتل الصحفيين فإن ذلك كافيا لتصبح قواعد القانون الدولي الإنساني وحماية الصحفيين بدعة ساقطة، وتصبح الجريمة مبررة، وقد عبّر جوزيب بوريل الممثل للاتحاد الأوروبي عن إسقاط حق الحماية للصحفيين عن غزة، وبرر ما يرتكبه العدو الصهيوني بقوله «غالبًا ما يتم عرقلة العمل الصحفي عمدًا في النزاعات المسلحة، ويواجه الإعلاميون المنع من الوصول، والرقابة، ويعانون من المضايقات، فضلاً عن الاحتجاز التعسفي والهجمات الوحشية“، مكتفياً بالتعليق الذي كان تبريراً فاضحاً لادعاءات الاتحاد الأوربي وتشدقه بالقوانين الدولية وحقوق الانسان وحق حماية الصحفيين.
كما هي حرب لا مثيل لها في التاريخ من حيث البشاعة والوحشية والإجرام، فإنها كذلك غير مسبوقة لناحية انكشاف الغرب وسقوط عناوينه التي يتشدق بها حول حقوق الإنسان والصحافة، وهو ما يسقط بدعة الغرب وقوانينه وعناوينه الإنسانية وما يتعلق بها، وإذا كان الصحفيون يسعون للحصول على رخص دولية لممارسة العمل الصحفي، فإن الحرب الصهيونية على غزة تجعلنا اليوم أمام رخصة قتل «دولية» ممنوحة من أمريكا والاتحاد الأوربي لكيان العدو الصهيوني، ترخص له قتل الصحفيين والإعلاميين وتعفيه من اليوم العالمي للإفلات من العقاب.
لا شارات الصحافة ولا خوذها وستراتها تحمي صحفي فلسطيني في غزة، لأن الحرب غربية أمريكية والشارة والخوذة غربية كذلك، سقط الحق ويجب أن تسقط الشارة والخوذة وبدعة القانون الدولي وبدع ملحقاته، وليعمل الصحافيون على ما يحميهم حقاً.