المعركة مُستمرّة وعملية الفرز والتصنيف ما تزالُ جارية
موقع أنصار الله ||مقالات||عبدالإله أبو رأس
إن المشهد الدموي الذي يدور أمامنا يدين كُـلّ الصامتين، مشهد إدانة لإنسانية القرن الـ21 بأسره، إدانة لإنسانية المجرم وإنسانية المتفرج والمطبع والمحايد على السواء، وهذه المشاهد المتكرّرة ليست النهاية بل البداية؛ لأَنَّ من يفعل هذا بتعمد وتدبير وإصرار ومن يلقي بهذه البذور من الرعب إنما يريد أن يجني ثمار ما زرع، والرسالة مرسلة بريدياً للجميع، فهم يزرعون هناك ليحصدوا هنا.
والجرائم الوحشية التي ترتكب في قطاع غزة لم يحدث مثلها قط في ماضٍ أَو حاضر أَو تاريخ، أَو في أي عصر بائد من عصور مظلمة خلت، وأفظع منه أن تمر تلك الوحشية -القبيحة- دون عقاب ودون مساءلة، وأفظع من الكل هو السكوت العربي والسلبية الأُورُوبية وعدم التدخل وعدم المسارعة للنجدةِ والإنقاذ حتى على مستوى توصيل فتات الطعام للضحايا التي تُقتل وتُقصف وتُشرّد على مسمع ومرأى من العالم المتفرج، بل إن الأسوأ من ذلك هو إفساح المجال لهؤلاء الشياطين للجلوس والتفاوض معهم على أنصاف الحلول، والأقبح من ذلك هو التطبيع معهم واستقبالهم في مواكب تلفزيونية وصحفية، لأن المكر هذه المرة مزيج من الوحشية والبهيمية والرعب الذي يتكرّر -على أطفال غزة- في رتابة مفزعة لا يخطر بخيال؛ لأَنَّنا أمام شياطين أطلقت عن عقالها، ونفوس سفلية ومردة وزبانية خارجة من قعر جهنم تدار بأُستاذية غربية قبيحة.
وهذا النمط الجماعي من الإجرام ليس حرباً ولا غزواً وإنما هو تنكيل ينبئ عن نفوس مريضة، مشوهة، كافرة لا يخطر لها على بال أن هناك حساباً أَو عقاباً في دنيا أَو آخرة أَو شبهة عادلة أَو وجود لإله من أي نوع في الأرض أَو في السماء.
إذن ليعلم من تخلف اليوم أن المعركة القائمة حَـاليًّا هي معركة الفرز والتصنيف، وفلسطين مفترق الطرق الذي نلتقي فيه في لحظة اختيار لكل قرار نتخذه، ولكنه مفترق طرق خطير هذه المرة، والهروب من الاختيار مستحيل والخطأ قاتل، ولا مفر من اختيار ذلك الطريق، ولكن أي طريق؟ طريق يكون الخيــار فيه بين ذل وكرامة، أَو بين عزة ووضاعة، وبين الانتصار للـقضية الفلسطينية أَو الانهزام للصهيونية، وبين إرضاء الشيطان الأمريكي أَو الانتصار للضمير العربي.
والكل مسؤول اليوم والصغار قبل الكبار، ودائرة الامتحان الصعب تتسع لتشمل الجميع! من أنتم وما حقيقة إيمَـانكم؟ وما حقيقة انتمائكم؟ وفي أي صف كنتم تقاتلون؟ هل في صفوف الحقِ أم في صفوف الباطل؟ هل أنتم مُدِينون لما يحدث أم مُدانون في ما يحدث؟ أحرار تأبون العبودية أم عبيد تفضّلون الخنوعَ؟ مساندون للقضية أم خائنون للمبدئية؟ مؤمنون صادقون أم منافقون كاذبون؟ موقف صريح يدين ويستنكر أم موقف ذليل يُطبع ويساند؟
هذه هي حقيقة الفرز والتصنيف!! في أية دائرة أنتم حقاً؟ دائرة “الأنصار” الذين يؤمنون بالقضية وينهجون بالمنهجية القرآنية، وميثاقهم الحرية وشعارات البراءة، ومواقفهم المُشرِّفة، وإسنادهم للقضية أقوال وأفكار ثم تحولت إلى رؤى وأفعال بشكل صريح وقطعي، بالصواريخ البالستية والطائرات المُسيرّة والتغطيات الإعلامية والمبالغ المالية والخبرات العسكرية والتنسيقات المحّورِية والمقاطعات الجِذرِية، والتنديدات الشعبيّة والتصريحات القيادية التي تدين وتستوعد وتهدّد وتنفذ، أم أنتم على العكس من ذلك تماماً! ذل وخنوع وتطبيع وسكوت، وخيانة صريحة للقضية ووضاعة للمبدئية، وعمالة للصهيونية، سخرت أقلامها وأبواقها وفضائياتها وأموالها إرضاء للفرخ الصهيوني.
إن ما يحدث –اليوم- هو عين الحقيقة التي يتساقط فيها المزيفون كأوراق الشجر اليابسة، تلك الحقيقة التي لن يفلت أحد من عملية فرزها وتصنيفها، ثم على مستوى الشعارات الصادقة وفرزها عن الشعارات الزائفة، وسوف يخرج كُـلّ شخص -متخلف- مدموغ بحقيقته، موسوم بصفته إلى يوم الدينونة.
إنه مفترق الطرق الذي نلتقي فيه في لحظة اختيار لكل قرار نتخذه، ولكن ماذا عن قرارات الحكومات العربية؟ إنها قرارات تتبرأ كُـلّ يوم من نية الحرب وحتى من نية الاستعداد لأية مواجهة؟ بل إنها تخشى أن تعلن اجتماعها حتى لا يفهم بأن اجتماعها إعداد لشيء وراياتها البيضاء مرفوعة على الدوام، وأيديها ممدودة للمصافحة والتطبيع والسلام.
إذن إنها وصمة عار على جبين كُـلّ متخلف! والكل يتساءل حيال ذلك؟ أين موقف جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامية؟ وَما هي حصيلة جمعهم وما هي نتيجة قراراتهم؟ وما هي طبيعة تلك القرارات؟ هل هي قرارات تدين وتستنكر أم تهدّد وتستوعد؟ إن كانت كالأولى فهي لا تكفي، فأنا أَيْـضاً وأنا ذلك الفرد الضعيف قليل الحيلة أندّد وأشجب واستنكر وأرفض وأكتب، وهناك من يفعل أكثر من ذلك، فماذا فعلت الدول العظيمة -آنفة الشأن- أكثر من هذا؟ وهي عظيمة الموارد وفيرة الإمْكَانات، وهي التي تملك وسائل الضغط الدبلوماسي والمناورة والمقاطعة والمواجهة والمساندة، ومع كُـلّ ذلك لم تفعل أي شيء؟
لماذا؟ أم أنه قد استقر في ذهنها بأن الغرب وحده هو الذي يملك العصا الغليظة بينما هي لا تملك إلَّا الدعاء، والحق أنها تملك عصا أغلظ وهي حاجات هذا الغرب ومصالحه وشرايينه الحيوية، وَإذَا كانت فعلاً الحكومات العربية لا تملك هامش حركة تناور به أكثر من الكلام، فنحن لدينا قيادة حكيمة تملك هامشاً للحركة بلا حدود ترد به على هذا الظلم والجور.
إن الوضع الذي يدور على الساحة -اليوم- يحتاج إلى قيادة ذات مشروع قرآني، تعتلي المنصات بخطابات ذات نبرات قاطعة، وتجسد مُثل جديدة، وتسطر بطولات حقيقية، وتهدّد وتصرح بتصريحات جدية ومهدّدة، يليها أفعال منفذة فيها تحدٍ وفيها قوة وفيها مواجهة، وفيها صواريخ بالستية وفيها طيران مُسيّر، وفيها قيادة تتصدر المواقف، وتخترق الحواجز، وتتجلى فيها روحية الإرادَة والاختيار، وتتجسد فيها ملامح النصر ومباهج الانتصار.
إذن أيها الأعراب! أنتم بحاجة إلى قائدٍ ثوري يفجر الروح البطولية، يفجر ينابيع الجهوزية الكاملة ضد طواغيت الظلم والجور والطغيان، غير تلك الروح السائدة والوادعة والخانعة والخاضعة التي استنامت للعدوان، واعتادَت على السلبية وارتضت الخضوع للجبروتية.
وهَـا هو اليوم قد ظهر السيد العلم متحدياً قوى الشر والطغيان، متسلحاً بقوة الله وسلاحه الإيماني، وما عليكم إلا أن تُسلِّموُا حتى تنالوا الأمن والأمان.