“طُــوفانُ الأقصى” في البحرِ الأحمر
موقع أنصار الله ||مقالات||عبد الحميد الغرباني
يَثِبُ اليمنُ في الزمانِ والمكانِ الصحيحَين، رغماً عن احتشادِ جِوارِه بالأخطاءِ والعِداء، لكن يمن الإيمان يعودُ ليتقدَّمَ الصفوفَ نحو أهدافٍ عزَّ الوصولُ إليها -في ما مضى- يعودُ مُدجَّجًا بِـ لَامَـةِ الجهاد وبيقينِ النصر في رِكابِ السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، ومن بوابةٍ حُورب كَثيراً وسنينَ؛ مِن أجل منعِه دون وصولها والعبور من خلالها إلى الأُمَّــة الإسلامية.
في البدء كانت فلسطين وكان يوم القدس العالمي وكانت الصرخة وكان شعار الحُرية “الله أكبر.. الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام”، وفي جديد الوثبة اليمنية عملية نوعية في البحر الأحمر اقتادت سفينة صهيونية في سياق النُصرة لفلسطين والمشاركة في معركة “طُــوفان الأقصى”، عملية البحرية اليمنية فارقة واستثنائية، أما لماذا؟ فيمكن الرد دون محاصرة القراءة.
على جانبٍ أَو صعيدٍ وقد قيل وكتب الكثير وهذا جهد آخر في ذات السياق يربط استثنائيةَ الإنجاز في أحد جوانبه أَو ابتداءً بإمْكَانية التنفيذ في خضمِّ مواجهات مفتوحة تفتقرُ للتكافؤ المادي بين محور الجهاد من جهة والمعسكر الغربي الصهيوني من جهةٍ ثانية.
أين كانت المدمّـِراتُ الأمريكية التي تجوبُ مياه الشرق والغرب؟ هل غفت التكنولوجيا الغربية ففاتها الرصد؟
أين كانت أحدثُ وسائل وأدوات التجسس الأمريكية والغربية والصهيونية؟ أين كانت!! فالعملية نُفذت، وكلّ دول هذا المُعسكر ترتدي ثيابَ العدوان، وتُحلِّقُ بآلته القاتلة وتمخُرُ عُباب البحر الأحمر والعربي وخليج عدن والمُحيط الهندي؟ وتتموضع في أكثر من قاعدة ونقطة في العديد من الدول المُشاطئة للبحر الأحمر وغيره ضمن السلسلة الفقرية البحرية المُشار إليها؟!
هل من الطبيعي وَالعادي أن تنفِّذَ بحريةُ اليمن عمليتَها بِكُل سلاسة وأن تجتازَ كُـلَّ الموانع المُعقدة أمامها بهدوء؟
لا يمكن وصفُ العملية إلا بالاستثنائية وَالنوعية، وَحتماً إن المُعسكرَ المُعاديَ المُتكالِبَ على فلسطينَ تحت الصَدمة؟ فليس عادياً أن تطالَ اليدُ اليمنيةُ هدفَها وسطَ بحر يَعُجُّ بالسفن العابرة بين شرق وَغرب العالم ضمن أسرع وَأقصر ممرٍّ ملاحي!!
ثُم إن الإنجازَ جاء في أعقاب تهديدات أطلقها قائد اليمن قبيل أَيَّـام معدودة، سمع بها كُـلُّ العالم، وبحثتها مراكزُ القرار في كافة الدول المنضوية في معسكر “إسرائيل” والولايات المُتحدة والغرب الكافر.
الإنجازُ استثنائيٌّ وَعظيمٌ جِـدًّا جِدًّا، وإن أشاحت أنظمةُ العجز العربية بوجهها عنه وعن اليمن، ومن الطبيعي أن تهتزَّ وترتعدَ أنظمةُ التطبيع والموالاة للصهاينة؛ فالإنجازُ يفضحُ جميعَها ويخلُقُ حالةَ تثوير في وعي وذهنية أبناء الأُمَّــة الإسلامية ضد حالة الاستكانة والخضوع والتبعية لأمريكا، فليست قدراً لا يُمكِنُ أن يُرَدَّ، ولا هي إلهًا يجبُ أن تُعبَدَ كما يعبِّرُ عن ذلك ذُلُّ أغلبِ الأنظمة الحاكمة لأبناء الأُمَّــة الإسلامية.
الإنجازُ اليمني في البحر الأحمر يُعزز إيمان أبناء الأُمَّــة بأنفسهم وبقدرتهم على المواجهة وإحراز النصر إذَا ما تماسك وَعيُهم، وَكانوا في ركابِ طليعتهم المُجاهدة، وغادروا دائرةَ الاستلاب التي تحاصِرُهم فيها أنظمة بلدانهم العميلة والمُطبِّعة.
العمليةُ دليلٌ حسيٌّ على واقعٍ حسي مؤدَّاه أن الزمنَ الذي كانت فيه أمريكا هي من تُهدّد وتنفذ، انتهى وَولَّى إلى غير رجعة، وأن الزمن الراهن هو زمن “الموت لأمريكا -الموت لإسرائيل”..
العمليةُ استثنائية لناحية كونها تعبيرًا عملانيًّا أن محورَ الجهاد والمقاومة لا يأبهُ لأساطيل أمريكا في المسرح البحري، وتجسيدًا لقول أمين عام سادة المجاهدين: إننا “لا نخشى من السفن الأمريكية في البحر المتوسط”، وَهي قبل ذلك مصداقٌ للعين اليمنية الراصدة للعدو وَالتي أطلقها السيدُ قائدُ الثورة -يحفظُه الله-.
اقتيادُ السفينة الصهيونية عمليةُ تحريرٍ للإرادَة العربية الإسلامية المُكبَّلة بالخوف والتبعية لمعسكر أمريكا -الغرب الكافر- وهو إنجازٌ مشرق يُعبِّئُ الأرواحَ بالإرادَة الحُرة، مدوياً ليس من القدر أن تظلَّ شعوبُ أمتنا أسيرةً لهوانِ وذُلِّ أصحاب الفخامة والسمو والمعالي.
هذا الإنجازُ الفارِقُ يؤكّـدُ أن كُـلَّ بلدان وشعوب الأُمَّــة تملِكُ ما تفعل، وأن النصرَ هو القرارُ في أحدِ تمظهراته، غدُ الأُمَّــة ومستقبلُها لا يُمكِنُ له أن يأتيَ إلا محمولاً على زوارق وبنادق وَمُسيّرات وصواريخ الجهاد والمقاومة.
استثنائيةُ الإنجاز ونوعية العملية تفرِضُ ألا يجري تجاوُزُها والعبورُ عليها دون أن تستوفيَ تجذيرَ أبعادها ودلالاتها المُختلفة بكل السُّبل، وَهذه مهامٌّ مُلقاة على عاتق وسائل الإعلام في محور الجهاد والناشطين في هذا الميدان بوسائله التقليدية والحديثة، وهذه معركةٌ تستدعي من الجميع الحذرَ من حرق إنجازات محور الجهاد وَالمقاومة واستهلاكِها بسرعة قياسية يُلِحُّ فيها سؤالُ ماذا بعد؟ دون أن تُستوفَى إجاباتُ أسئلة أُخرى، وَيضيعَ تحت هذه الوتيرة وهجُ الإنجازات وَيضعُفُ تأثيرُها في الوعي العام للأُمَّـة الإسلامية بشكل عام وَبشكل خاص وسط جماهير المحور المقاوم والمُشتبِك مع الإمبريالية والصهيونية.