من أغلق المعبر و فتح الممر؟! من يقتل غزة؟!

خاص|  يحيى الشامي
لم تعدِ القنابلُ الأمريكية سلاحَ العدوِ المفضَّل لارتكابِ المجازرِ؛ فالتجويع على سبيل تركيع المقاومة بات هو السلاحُ الأفضل من بين كل قنابل أمريكا وصواريخ الغرب المصلتة على غزة يظل التجويع فخر الجرائم الصهيونية، وأفتك أسلحتها المميتة، حيث يصبح الخبزُ حلماً يراودُ أطفالَ غزّة، و وحدَهُ الجوعُ يُنسيهم بقيةَ مصائبِهم يُنسيهم أنهم يتامى ويلهيهم عن آباءهم شهداء فهم بالكاد يصارعون جوعهم ولا وقت للحزن ولا للبكاء.
هل يستصيغُ المتخمون طعامهم بعد هذه المشاهد، وأنى يستلذ الناس بأقواتهم و”إسرائيل” لا يشبع حقدُها من أجسادِ هؤلاء، تحاصرُهم وتجوّعهم ثم تجمعُهم على شاحنةِ المساعدات و تسفك دماءهم على طحينها المتناثر، إنه فن القتل بما لا يتصوره بشر سوي ولا قلب سليم، ودفن الضمير بما لا يقوى عليه إلا عالم، خبث باطنه وساء واقعه فما عاد أسوأ منه ولا أقبح.
في غزة لم يعدْ الموت جوعاً مثلاً يُقال ولا قصةً تحكى أو أسطورةً تروى، بل هي الحقيقة القاتمة في أسوأ حالٍ تشهدها الإنسانية في تاريخها الحديث، حيث يتسنّى أخيراً للعالم أن يرى كيف يموت الناسُ جوعاً.
تقول اليونيسيف إن مليون طفل يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وأنّ %95 من الكبار قلصوا وجباتهم لمصلحة الأطفال، وتقول الصحة في غزّة، إن ما يشهده القطاع مجاعةٌ متصاعدة يوشكُ العالمُ أن يسمعَ حصادَها في آلاف الأرواح قريباً وتضيف على سبيل إخبار لا مناشدة، إن ستة أطفال ماتوا جوعا في مشفى عدوان واثنين آخرين ماتا في مجمع ناصر والقائمة تطول مع الوقت في أحدث ضحايا المجاعة جهات  أخرى تؤكد أن طفل من كل 6 يعيشون مجاعة، ويوشكُ أربعة مليون أن يقعوا فيها.
يقول صحفي من شمال غزة في مقطع نشره على صفحته: (كل دقيقةٍ تمر يعني ضحايا جدد ، نحن نموت لا بالقصف والغارات بل بالجوع والعطش، نحن هنا لا نجد ما نأكله لقد طحنا أوراق الشجر وأعلاف الحيوانات والمواشي لا شيء مما تتصورونه يمكن أن يُبقينا على قيد الحياة إلا وأكلناه .. ويضيف هذا النداء الأخير أوجهه اليكم الإنذار الأخير).
إنه النداء الأخير يقولُ الغزيون بأنفاسٍ متقطعة وأمعاءَ خاوية، ويشيرُ الاطباء إلى رضع وخدج في المهد قضى بعضهم بسبب الجوع وانعدام الحليب والذي أسفر عن حالة جفاف قاتل.
قد يُسمّى جفافاً أو سوءَ تغذية أو انعدامَ للأمنِ الغذائي كما يروق للمنظمات أن تُعرّفَه .. وكما يتناقله المتحدثون محذّرين من مجاعةٍ تصنعها “إسرائيل” على مكثٍ في غزة، لكن هذا الذي يأكلُ أجسام الغزيّين ويقتاتُ من لحومهم لكن التجويع يبقى هو أقوى أسلحةِ “إسرائيل”؛ ويرقى لمستوى وصفهِ بـ قنبلة التجويع.
لا جدوى من الانتظار
بضع قدور راسيات موضوعةٌ على النار ينتظرها آلاف الأفواه الفاغرة مشاهد مرعبة لم يسبق أن حدثت في تاريخنا الحديث، وأكثر ما يرعب فيها أنها تحدث في عصر العولمة والديمقراطية والحقوق شعارات طالما شنت واشنطن الحروب باسمها، لكن مشاهد التجويع في غزة تُسقط هذه المنظومة الغربية الزائفة دفعةً واحدة،  تشير التقارير الى أن ثلثي سكان القطاع المحاصر يتناولون وجبةً واحدة يومياً وأن زيادة عن تسعين في المائة من أطفال غزة مصابون بأمراض ناجمة عن سوء التغذية والى ما هو أسوأ تذهب التقديرات والتحذيرات التي هي أقصى ما يمكن للمنظمات أن تفعله في لحظة عجز عالمي غير مسبوق أمام جريمة بهذا الحجم.
مئات الشاحنات المتجمعة عند معبر رفح، لا يدخل منها إلا ما يأذنُ به العدو الإسرائيلي، وبعد إجراءات فحص وتفتيش تستمر لأيام و رفض إدخال معظم المساعدات، تقول منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين إن ما يصل الى القطاع مما يسمح العدو بمروره لا يتجاوز الخمس شاحنات كل يوم أو يومين ويؤكد مسؤولو الاونروا تعرّض بعض هذه الشاحنات لإطلاق النار من قِبل قوات العدو الإسرائيلي وبعضها يتلف في الطريق دون أن يستفيدَ منه أحد.
تعب العدو من القتل بالتجزئة كل يوم ٢٠٠ أو ٣٠٠، خسر كثيرا وهو ينفق على مجازره، من مخازن سلاحه أشكالاً وأنوعا من الذخائر الأمريكية قنابل وصواريخ أما الجوع فقاتل صامت بالجملة يفعلُ ما لا تفعله القنابل وبهدوء لا يسفك دماً ولا يمزق أشلاء فقط أمعاء خاوية على أجساد جائعة، وفيها يموت من الجوع من لم يمت بالقصف ويصاب بالهُزال والجفاف وسوء  التغذية والمرض من لم يصب بالشظايا حالُ غزة المذبوحة بجوعها وهذا العالم المتخم بنفاقه والغرب الكافر بكل شعاراته.

يصمت العالم فتبدو المجاعة سلاحا حتى غير محرم ، ويصرخ الفلسطينيون فلا يبدو أن الصوت يصل مسامع الدول وإن وصل لا يبلغ ضمائرهم وإن بلغ لا يزيدها إلا مواتا.

مذابح الطفولة 

قال مسؤولون صهاينةُ يوم الثامن من أكتوبر أن من في غزة هم وحوش على هيئة بشر وعليه يقتل العدو الإسرائيلي بكل وسيلة وطريقة وأداة هذه العقلية الصهيونية العنصرية المتجذرة لا ترى في قائمة ضحاياها أهو مدني أو بشر أو بريء بمن فيهم الأطفال ، ويُخطئ من يظن أن الأمريكي يُخالف الإسرائيلي بشيء في هذه النظرة والرؤية وعليه ينفضح الأمريكي هذه المرة كما لم يسبق له أن فعل وهو يؤازر ويشارك ويساند ويدعم الإسرائيلي بكل أنواع الدعم و السلاح.
ذلك الطفل المقتول في مهده جوعاً هو وحش لا بشر في نظرهم وإلا كيف لعقل سوي أن يُقدم على هكذا جريمة، وأولئك الجياع المتجمّعين بالآلاف حول شاحنة مساعدات في شمال غزة هم كذلك وحوش لا بشر يجوعهم العدو ثم يجمعهم ثم يقتلهم دفعةً واحدة !!.

غزة..  لوحدها 
لا شيء أقبح من جرم الصهاينة إلا صمت العالم، ولا أفتك من ألم الجوع سوى وجعِ خذلانِ ذوي القربى، ما عاد يا غزة خذلان هذا الذي تلاقيه من أخوة الدم والعقيدة، بل نكران وطغيان وليس تماهياً ولا تواطؤاً بل مشاركةً ومعاضدة وانكشافاً غير مسبوق وإن كان ثمنه الدم لكنه أحد مكاسب طوفان الأقصى وأسس الوعي المتين لمعركة الفتح الموعود والجهادِ المقدس.
وليس هذا الطريق الذي يشقه المتصهينون العرب وسط صحاريهم طريقاً لإمداد العدو عليه من البحر إلى الشام وإنقاذاً له من حصار البحر المفروض ليس إلا بعضًا من عار أمتنا تشقه صاغرة أنظمةٌ عميلة متصهينة أكثر من تصهين اليهود أنفسهم وأشد كفراً ونفاقاً .
هل رأى العُربُ هواناً مثلَه؟!
ثم هل بضع سلات رمتها طائرة عربية وتذهب صناديقُها عباب البحر هل تمحو هذا العار أو تشبع هذه الجوع أو تغفر هذا الذنب؟!
تتبدى الإجابة تساؤلات أخرى : من أغلق المعبر في وجه غزة؟ ومن فتح الممر إلى قلب فلسطين المحتلة؟!.

قد يعجبك ايضا