تحدد مصير الإنسان في الدنيا والآخرة على ضوء موقفه من هدى الله وتعليماته
في المحاضرة الرمضانية الثامنة، يبين السيد القائد أن قصة خلق آدم، وبداية الوجود الإنساني، وموقف إبليس، وردت في سورٍ كثيرةٍ في القرآن الكريم، وأنه في كل سورة تأتي القصة في إطار سياقٍ معيَّن، وتضيء الآيات القرآنية المباركة على جوانب مهمة ذات علاقة بذلك السياق، وبذلك تكتمل للإنسان الصورة من جوانب متعددة، ويستفيد الكثير والكثير من الدروس.
ويبين السيد القائد أنه منذ خلق الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الأرض فقد أعدها وهيأها للإنسان، وكان في تقديره وتدبيره أن يهيئها للإنسان، عندما يأتي الوقت الذي سيخلقه فيه، فهيئها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” تهيئةً عجيبة، تتلاءم مع حياة الإنسان، ومع دوره الذي سيستخلفه الله على أساسه فيها، ويوضح أن الآيات الكثيرة جداً في القرآن الكريم تبيِّن لنا أن الله هيأ الأرض، من بداية خلقها، ومراحل تكوينها وتهيئتها وإعدادها، وجعل الله فيها من البركات، والخيرات، والمنافع الواسعة والمتنوعة جداً للإنسان.
ويؤكد السيد القائد أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” كان قد أخبر الملائكة قبل خلق الإنسان بزمن أنه سيخلق هذا الإنسان، ولكنهم عرفوا مما أخبرهم الله “جلَّ شأنه” أنه سيحصل من بعض البشر إفسادٌ في الأرض، وسفكٌ للدماء، ارتكاب جرائم رهيبة جداً، ويبين أن من حكمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن يخبرهم عن الإنسان، وأن يكون لهم علاقة منذ بداية خلق الإنسان؛ لأن هناك مهام منوطة بهم في حفظ الإنسان، وإحصاء ورصد أعماله، وفي النزول بالوحي، وأمور كثيرة من التدبير الإلهي.
ويؤكد السيد القائد أن الملائكة اندهشوا، وكان اندهاشهم، وتساؤلهم، والعرض الذي قدَّموه أن يقوموا هم بمهمة الاستخلاف على الأرض، ليس اعتراضاً منهم على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ لأنهم كما ذكرنا عنهم فيما ورد في القرآن الكريم بشأنهم، أنهم: {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}، أنهم {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}، ويبين أن الملائكة في إيمانهم وتعظيمهم لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” كبُر عليهم وشقَّ عليهم أن يكون في الأرض مخلوقٌ يعصي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويرتكب تلك الجرائم الرهيبة، الفظيعة، الشنيعة، من إفسادٍ في الأرض وسفكٍ للدماء، ونظروا الى مفهوم الاستخلاف من زاوية واحدة بأن بالإمكان أن يقوموا هم بمهمة الاستخلاف في الأرض. ولكن برحمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبحكمته، وبفضله، فقد بيّن لهم وجه الحكمة، بما أوصلهم إلى قناعة تامة، وأيضاً في إطار الهداية لهم، وكان هذا درساً عظيماً للملائكة.
ويبين السيد القائد أن خلق الله آدم “عَلَيْهِ السَّلَام”، وبخلقه بدأت حياة البشر، وقد خلقه من طينة الأرض، ومن عناصرها، ونفخ الله فيه من روحه، وأن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أيضاً خلق منه حواء “عَلَيهِمَا السَّلَامُ”، آدم وحواء هما العنصر البشري الأول، ومنهما توالد البشر.
وبعد ذلك الاختبار، الذي وصل الملائكة فيه إلى أن تذكروا واستحضروا حكمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وعلمه، وأنه اختار ما هو الأنسب فعلاً للاستخلاف على الأرض، وهو آدم “عَلَيْهِ السَّلَام”، وصلاحية آدم والبشر لهذه المهمة، يبين السيد القائد أنه أتى من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أمرٌ آخر، قال تةعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} حيث أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، فامتثلوا لأمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” دون تردد، ودون تساؤل، ووبرز موقف غريب، ومخالف الذي كان موقف إبليس، كما قال الله عنه في (سورة الكهف): {كَانَ مِنَ الْجِنِّ} انه كَانَ مِنَ الْجِنِّ وليس من الملائكة، ولكنه كان قد ارتقى بعبادته، وتقرُّبه إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، إلى أن بقي في السماوات بين أوساط الملائكة.
معصية إبليس، وموقف إبليس فيه دروسٌ كثيرة، كثيرٌ منها سنتحدث عنه في الحديث على ضوء الآيات المباركة (في سورة الأعراف، في سورة الحجر…) في بقية السور، التي ذكرت القصة بشكلٍ تفصيلي؛ لأنها وسَّعت حول هذا الموضوع؛ لأنه في كل سياق وردت فيه القصة، يأتي تركيز على نقطة معينة بشكلٍ أكثر، هنا اختصار في القصة (في سورة البقرة)، لكن (في سورة الأعراف، في سورة الإسراء، في سورة ص) هناك توسُّع أكثر.
ويؤكد السيد القائد أن إبليس امتنع من السجود، وعصى أمر الله وَاسْتَكْبَرَ، وكان عصيانه منشؤه التكبر، ودافعه التكبر، وكان عصيانه بنفسه تكبراً؛ لأنه اعتبر نفسه أكبر من أن يخضع لهذا الأمر الإلهي في السجود لآدم، محتقراً لآدم من جهة، ومعتقداً أنَّ مقامه فوق أن يؤمَّر بمثل هذا الأمر؛ ولذلك أساء إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، واتَّهم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ فكان كافراً بذلك، {وَكَانَ مِنَ
الْكَافِرِينَ}؛ لأن الرفض لأمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” هو قسمٌ من أقسام الكفر.
ويبين السيد القائد ما بعد موقف العصيان من إبليس حيث أتت بداية الاستخلاف لآدم “عَلَيْهِ السَّلَام” في الأرض، وقد خلق الله له حواء “عَلَيهِمَا السَّلَامُ”، وأسكنهما الله في بداية الاستخلاف في الأرض في الجنة، وهي ليست جنة الآخرة، التي تأتي في حياة الآخرة بعد الحساب والجزاء؛ إنما لحكمة الله وبرحمته أراد أن تكون بداية الاستخلاف لآدم “عَلَيهِمَا السَّلَامُ” وحواء، وبداية مشوارهما في الحياة، في إطار نعيمٍ في هذه الدنيا، واستقرار، وألَّا يباشرا العناء، والكد، والجهد، والتعب، من بداية مشوار الحياة.
ومن قوله تعالى:{وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} يبين السيد القائد أنه بدأ التمرين لهما على الالتزام بالمسؤولية، فيما هو مأذونٌ له به من الله، وفيما لم يأذن الله له به؛ ولذلك بدأ مشوارهما في المسؤولية مرتبطاً بهذه المسألة: أنَّ الله نهاهما عن أكل شجرة، عن شجرةٍ واحدة، ألَّا يأكلا من تلك الشجرة، وأذن الله لهما في بقية ما في تلك الجنة، وهو كثيرٌ جداً، وواسعٌ، يعيشان فيه برفاهية، وتتوفر لهما فيه ما يكفيهما وأكثر مما يكفيهما بكثير، فكان الذي لم يأذن الله لهم فيه: الأكل من تلك الشجرة على وجه الخصوص. هذا كان اختباراً لهما، وتمريناً على الالتزام بالمسؤولية.
ويبين السيد القائد أن الشيطان استمر في مسعاه للإيقاع بهما، وتوريطهما في الأكل من الشجرة، وسوس لهما، ومرةً بعد أخرى، وصولاً إلى أن أقسم لهما أنه ناصحٌ لهما، ونسيا ما قد فعله الشيطان في تكبره في البداية، واجتمعت حالة النسيان والذهول من جهة، وحالة الرغبة الشديدة، نتيجة لذلك التصور الخاطئ عن سر تلك الشجرة، فدفعا آدم وحواء إلى تناول الشجرة، كما قال الله عن آدم (في سورة طه): {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}، ويؤكد أنه لم يكن إقدامهما على تناول الأكل من الشجرة بمثل إقدام إبليس- لعنه الله- في عصيانه لأمر الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بالسجود لآدم، هو أقدم على عصيانه لأمر الله جرأةً، وكبراً، واتِّهاماً لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في حكمته وعدله؛ أمَّا هما فكان إقدامهما نسياناً، وذهولاً، وخضوعاً لتلك الرغبة، ولتأثير ذلك الحجم من الخداع الكبير من جهة الشيطان
ويؤكد أن النتيجة كانت مؤلمة لهما: {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ}، أخرجهما الشيطان؛ لأن الله كان قد حذَّرهما أنهما إن تناولا من تلك الشجرة، فسيخرجا من تلك الجنة، وهذا الذي حصل: عندما تناولا منها أُخرجا من الجنة، وكان الشيطان نُسِبَ الإخراج إليه؛ لأنه السبب في ذلك، والذي سعى وراء ذلك، {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ}، من الحياة الهنيئة، المستقرة، التي تتوفر فيها احتياجاتهم بدون عناء، ولا كد، ولا جهد، وبعد ذلك أتى من الله الأمر لهم جميعاً: آدم وحواء، وللشيطان كذلك، {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} وسُمِّي هنا منذ أن مارس هذه الجريمة في الإغواء، أول عملية إغواء اشتغل عليها، سُمِّيَ شيطاناً؛ لأن ذلك هو دور الشيطان: الإغواء للناس عن طريق الحق، بأسلوب الخداع، يستخدم أسلوب الخداع للإغواء عن طريق الحق، فهو العمل الشيطاني، الذي من أصبح يقوم بهذا الدور، من أصبح ذلك دوره، يمارسه، يشتغل عليه، يسمى شيطاناً، سواءً كان من الجن، أو من الإنس أيضاً{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}.
ومن قوله تعالى {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} يبين السيد القائد أن آدم “عَلَيْهِ السَّلَام” وحواء ندما بعد الذي حصل، لم يكن حالهما كحال الشيطان، لا في دافع المعصية، أو دافع المخالفة، ولا في أيضاً ما وراء ذلك: طريقة الإقدام على المعصية، ثم ما بعد المعصية والمخالفة، {إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة: 37-39]، وأتى الأمر بالهبوط منها، ويبين أن، عبارة: {اهْبِطُوا}، تأتي في الأرض نفسها، من الذهاب من منطقة إلى أخرى.