ثورة طُلّاب في 40 جامعة أمريكية ضد العدوان الصهيوني على غزة
موقع أنصار الله – متابعات – 18 شوال 1445هـ
صوّت مجلس جامعة كولومبيا في نيويورك، اليوم السبت، لصالح قرار يدعو للتحقيق مع إدارة الجامعة حيث استدعت الشرطة لقمع الطلبة المحتجين على العدوان الإسرائيلي والمدعومة أمريكا على غزة.
في دولة يتفاخر مواطنوها وصانعو قرارها بديمقراطيتهم وارتفاع مستوى الحريات، يواجه طلبة الجامعات الاعتقال لممارستهم حقهم في التعبير عن رفض دعم بلادهم للعدو الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة.
طلاب جامعة جورج واشنطن يواصلون احتجاجهم في حديقة الحرم الجامعي على دعم الإدارة الأميركية للعدو الصهيوني على الرغم من الطوق الأمني الذي تفرضه الشرطة pic.twitter.com/iWYzTtE5UG
مشهد عام يلخص ما تعيشه العديد من الولايات الأميركية، وسط استهجان لما يجري، وإدانات من منظمات دولية، لطريقة تعاطي قوى الأمن والشرطة مع المحتجين والمعتصمين، طلابا كانوا أم أكاديميين، دون أدنى اعتبار أو احترام حقهم في التعبير السلمي.
للوهلة الأولى، يظن الرائي أن تلك المشاهد تأتي من دولة من دول “العالم الثالث” كما يطلقون عليه، طالما تعرضت لانتقادات من مسؤولين أميركيين لانتهاكها حقوق الإنسان، وهو ذات السبب الذي تدخلت لأجله في شؤون كثيرين وحرّكت أدواتها الإعلامية ضدهم أو حتى فرضت عقوبات عليهم.
الخلفيات
كانت البداية في الـ18 من شهر نيسان/ أبريل الجاري، حيث بدأ الطلاب المؤيدون للفلسطينيين في جامعة كولومبيا الأميركية اعتصاما في حديقة الحرم الجامعي احتجاجا على الاستثمارات المالية المستمرة للجامعة في الشركات التي تدعم العدو الصهيوني فلسطين والإبادة الجماعية في غزة، حيث تم اعتقال 108 منهم.
بعد استمرارها لأيام، وبناءً على طلب من رئيسة الجامعة نعمت شفيق، قامت شرطة مكافحة الشغب باعتقال أكثر من مئة طالب نصبوا خياما في الحرم الجامعي، وتعرضوا للضرب والاعتقال.
ردّة الفعل الأمنية تلك أحدثت ردة فعل عكسية، وأثارت حنق طلاب في جامعات أخرى، كما ظهر مع إعلان شرطة بوسطن، الخميس، إصابة 4 ضباط أثناء اعتقال 108 طلاب شاركوا في احتجاج مؤيد لفلسطين نظمه طلاب كلية إيمرسون بولاية ماساتشوستس الأميركية.
هتافات تندد باستمرار العدوان على غزة، وتحيي الشعب الفلسطيني، وتطالب بوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، ما يدلّ على وجود فجوة كبيرة وعدم توافق بين صانع القرار من جهة، وأولئك الطلاب ومعلميهم الذين انضموا إليهم أيضا في احتجاجاتهم، من جهة أخرى.
وزاد الطين بلة أيضا تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي خرج في فيديو مصور عبر منصة “إكس”، مساء الأربعاء، يحرض فيه ضد طلاب الجامعات المتظاهرين، ونعتهم بـ”معادي السامية”، وشببهم بالنازيين، وهو ما عدّه أميركيون “تدخلا في شؤون بلادهم الداخلية”.
اتّسعت رقعة الاحتجاجات مع تجمع مئات الطلاب، صباح الخميس، في حرمي جامعتي جورج تاون وجورج واشنطن بالعاصمة الأميركية واشنطن، مُطالبين بوقف فوري لإطلاق النار في غزة.
وفي وقت لاحق، امتدت مظاهرات الطلاب المؤيدين للفلسطينيين إلى جامعات رائدة أخرى في الولايات المتحدة، مثل جامعات نيويورك وييل، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ونورث كارولينا، و بنسيلفانيا، إلى أن وصل العدد إلى أكثر من 40 جامعة ومؤسسة تعليمية، ومن المتوقع أن يرتفع إلى أكثر من ذلك.
“عدوى التضامن”
انتقلت “عدوى التضامن” إلى فرنسا، وقامت الشرطة، مساء الأربعاء، بإخلاء مدرج لجامعة “ساينس بو باريس”، من عشرات الطلاب المؤيدين لفلسطين، الذين طالبوا بإنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فيما شارك آخرون بوقفة لذات الهدف أمام جامعة السوربون.
والجمعة، انطلقت بالعاصمة الألمانية برلين، مظاهرة احتجاجية ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث اعتقلت الشرطة عددا من المتظاهرين أثناء محاولاتها تفريقهم بعد نصبهم خياما على قارعة الطريق، مع توقعات بامتدادها إلى دول وجامعات أخرى مع الزخم الذي تحظى به القضية الفلسطينية حاليا.
وأمس أيضا، نصب المئات من الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في جامعة سيدني بأستراليا، خيما في الحرم الجامعي واحتجوا على الهجمات الإسرائيلية على فلسطين.
وضمن الحراك المتزايد، نظم طلاب كلية لندن الجامعية (UCL)، الجمعة، في بريطانيا وقفة احتجاجية داخل الكلية لمطالبة إدارة الجامعة بقطع علاقاتها مع شركات السلاح الداعمة لإسرائيل.
إدانات
منظمة العفو الدولية أدانت، الخميس، قمع الجامعات الأميركية للاحتجاجات الطلابية المناهضة للعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، مؤكدة أن الحق في الاحتجاج “هام جدا للتحدث بحرية” عما يحدث بقطاع غزة.
وقالت المنظمة الدولية على منصة “إكس” إن “إدارات الجامعات الأميركية واجهت الاحتجاجات الداعمة لحقوق الفلسطينيين بعرقلتها وقمعها، بدلا من السماح لطلابها بممارسة حقهم بالاحتجاج وحمايته”.
ونددت أيضا منظمة هيومن رايتس ووتش واتحاد الحريات المدنية الأميركي باعتقال المتظاهرين وحثا السلطات على احترام حقوقهم في حرية التعبير.
تحول كبير للتفاعل الشعبي
حسام شاكر، الخبير في الشؤون الأوروبية والدولية من فينا، أكد في حديثه للأناضول على أن “أحداث الجامعات الأميركية هي في الواقع تعبير عن طور جديد دخلته الفعاليات الجماهيرية المنددة باستمرار الإبادة ودعمها ومناصرتها للشعب الفلسطيني، ضد استمرار العدوان على قطاع غزة”.
وشدد على أنها “طور جديد وليست أحداثا معزولة، ولم يأت من فراغ، وإنما حالة تطورية لتراكم الخبرة الجماهيرية والفعل الشعبي وأحداث الاعتراض المتعددة التي شهدتها بيئات حول العالم، وبالأخص الأميركية”.
ومضى “إن النشاطات الطلابية كانت في صدارة التفاعلات الجماهيرية طوال مئتي يوم من العدوان، وبعد مرور هذه المدة، اختمرت خبرات الفعل الجماهيري، وثمة قناعة متزايدة بأن الاكتفاء بالتظاهر النمطي لا يجدي نفعاً، فحصل التوجه المتزايد إلى إحداث ضغط مركز ومتصاعد على المسارات التي تغذي الاحتلال الإسرائيلي وتنعش عجلة الإبادة بشكل مباشر أو غير مباشر”.
“بالتالي، الحدث بحد ذاته هو الوعي بالحاجة إلى تطوير التحركات الجماهيرية بصفة أكثر تخصصية وأكثر قدرة على الضغط، وتدرك أيضا أهمية الضغط على مصالح الاحتلال الإسرائيلي وجيشة التي تتشابك مع الجامعات الأمريكية من حيث لم يتوقع أحد على النحو الذي شهدناه”، شاكر متابعا.
وبين أن “هذا الاعتصام، والذي كان صغيرا بالأساس في جامعة كولومبيا، استنفر ردة فعل غاضبة جدا من قبل نخبة سياسية متنفذة في الولايات المتحدة الأميركية، التي اعتادت خلال موسم الإبادة الجاري على تغييب جامعات النخبة والضغط على إداراتها بحرمانها من التمويل، والتهديد بسحب الاستثمارات، واتخاذ إجراءات رادعة بحقها”.
وشدد شاكر، وهو باحث في الحالة الجماهيرية الداعمة لفلسطين في البيئات الغربية، على أن “الإقدام على تحدي الإرادة الطلابية واللجوء إلى الخيار القمعي، أدى إلى ردة فعل عكسية ونشر خبرة الاعتصام الجماهيري إلى عموم المشهد الجامعي الأميركي، ومنه لدول أخرى حول العالم”.
ورأى أنه “حتى لو لم يمارس القمع، فإن الخبرة كانت ستتمدد تلقائيا، وهذا ما أدركته النخبة والقوى الضاغطة لصالح الاحتلال، فانطلقت بحملة تشويه من جانب، وأيضا بحملة ترهيب وتلويح بالقمع من أجل وقف هؤلاء الطلاب المعتصمين”.
“هذا المشهد له دلالات كبيرة، فالحدث عالمي؛ لأن هذه الجامعات ذات وزن عالمي، وفيها نخب العالم الصاعدة، وجامعات تمثل رمزية عالمية ملهمة في كل مكان، وما يحدث ينعكس على المزاج الشبابي والطلابي”، يضيف شارر.
وتابع “ما حدث كشف جملة من المآزق في الواقع الأميركي، كانتفاء الاستقلالية الجامعات وخضوعها لسلطة الممولين، ومدى تداخل الحياة الاكاديمية مع الاستثمارات”.
وزاد “واتضح أيضا أن جيش الاحتلال نفسه ضالع في علاقات مع جامعات أمريكية بما فيها جامعة كولومبيا من خلال استثمارات وتمويل أبحاث معينة، وهذا فتح ملفاً لم يكن وضع من قبل في دائرة الضوء”.
وتطرق شاكر إلى شعار وصفه باللافت رفع باحتجاجات الجامعات الأميركية، عنوانه “فلسطين في كل مكان”، وهو ما يؤكد على “أن القضية الفلسطينية أصبحت شأنا داخليا في الواقع الأميركي”، على حد قوله.