الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية ||د. أحمد الزين/ بانوراما الشرق الأوسط

بغض النظر عن هوية من يتولى زمام الأمور في البيت الأبيض اكان جمهورياً أم ديمقراطياً، تبقى السياسة الخارجية للولايات المتحدة الاميركية مرتبطة ارتباطا وثيقا بمصلحة اميركا العليا و من ورائها المحافظين الجدد.

 

وتأثر المحافظون الجدد بأفكار ليو شتراوس، وهو مفكر يهودي ألماني هاجر إلى الولايات المتحدة عام 1938 وعمل أستاذاً للعلوم السياسية في جامعة شيكاغو الأمريكية.

 

والمرة الأولى التي استخدم فيها مصطلح “المحافظون الجدد” كان في مطلع عشرينيات القرن الماضي وتحديداً سنة 1921 وذلك في معرض انتقاد الليبراليين الذين انتقلوا إلى اليمين.

 

ويدين المحافظون الجدد بالولاء الكامل لإسرائيل، وكان أول من تبنى هذا المصطلح ايرفين كريستل، الذي يعتبر عرّابهم وهو والد بيل كريستل مؤسس مشروع القرن الأمريكي الجديد.

 

إضافة إلى ذلك، وبعد دراسة معمّقة للفترة التي تسبق عادة الانتخابات الرئاسية الاميركية وما تلاها في دورات عديدة، يتبيّن ان منحنى السياسة الخارجية هي التي تفرض صفات الرئيس الذي يأتي “غب الطلب”.

 

فقبل انتخاب جورج بوش الابن في العام 2000، كانت بلاد “العم سام” بحاجة على رأس هرمها، الى شخصية متهورة متعطشة للحروب، بغية التوّغل أكثر في دول الخليج العربي وشن حرب على العراق للمرة الثانية. ورغم أن بوش حدّد الخطوط العريضة في الأصل، ووضع جدول أعمال طموح لتنفيذه خلال فترة رئاسته، تم تغيير أولوياته بشكل ملحوظ من قبل المحافظين الجدد، فاندلعت الحرب في أفغانستان والعراق وبدأت المناقشات الداخلية بشأن الهجرة والرعاية الصحية والأمن الاجتماعي والسياسة الاقتصادية والتعامل مع المعتقلين المتهمين بالإرهاب، طمعا في مزيد من السيطرة على مناطق أخرى في العالم. والحاجة إلى الشخصية المتهورة نفسها هي التي اطاحت بالمرشح الديموقراطي جون كيري في انتخابات العام 2004 امام بوش الذي كان يسعى إلى ولايته الثانية، وهو ما شكل صدمة كبيرة للشعب الاميركي في حينها و تم تسجيل العديد من حالات التزوير في الانتخابات.

 

يسود في بعض الدول العربية الاعتقاد بان الولايات المتحدة الاميركية صديقتهم لكن “الربيع العربي” المزعوم اثبت ان ما يحرّك الاستراتيجية الاميركية هي مصالحها، فعندما انتفت الحاجة الى حسني مبارك، تم بيعه في سوق النخاسة. هنا نستذكر كيف ان اميركا قادرة على تغليف افعالها كما تريد. فهي تقصف ارتال جيوش حلفائها مدعية الخطأ ولكنها قادرة على اصابة غرفة نوم الفنانة ليلى العطار بصاروخ بعيد المدى لانها رسمت صورة جورج بوش الاب على ارضية فندق الرشيد.

 

وتتلخص مصالح اميركا بعاملين اساسيين لا ثالث لهما. العامل الاول هو الاقتصادي ومدى حاجة اميركا إلى سوق لبيع الأسلحة للشرق الاوسط. ويلعب اللوبي الاقتصادي دورا مهما في السياسة الخارجية الاميركية، فعلى سبيل المثال، عندما أعلنت بعض الدول عزمها تحويل الاحتياطي النقدي لديها من الدولار الى اليورو، وُضعت الجيوش الاميركية على أهبة الاستعداد، لان مثل هذه الخطوة كان سيكون لها تاثير كارثي على البلاد. فحاجة اميركا للتغذية النقدية الخارجية اساسية لاستمرارية هذه الدولة العظمى. وهنا تبرز اهمية الانجازات التي قام بها باراك اوباما على هذا الصعيد، فهو اكثر رئيس اميركي على مر العصور يبيع اسلحة لدول الخليج العربي، علماً انه لم يورط جيوشه في اي حرب خارجية كما فعل اسلافه. لقد تقرر منذ العام 2015 أن أميركيا ستلجأ إلى اسلوب الحرب الناعمة في الشرق الاوسط.

 

اما المحرك الثاني فهو امن و استقرار الدولة الوحيدة التي تعتبرها اميركا حليفا حقيقيا، وهي اسرائيل. اللوبي الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة يُعرف أيضاً بـ “اللوبي المؤيد”، وهو تعبير يسمح بوصف مجموعة من الأفراد والمؤسسات التي تعمل بنشاط على توجيه السياسية الخارجية الأمريكية بما يحقق مصالح دولة إسرائيل.

 

واللوبي بهذا المعنى، ليس حركة واحدة تتمتع بمرجعية أو قيادة مركزية، فالأفراد أو المنظمات الذين يشكلونه، قد يختلفون أحيانًا فيما بينهم على عدة مسائل سياسية, و  لا يضم “اللوبي المؤيد” يهوداً أمريكيين فقط، بل يدخل ضمن إطار نشاطاته أفراد أو جماعات ممن يعرفون بالصهاينة المسيحيين,  وتعتبر لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية التي تسمى اختصارًا “أيباك” من أشهر وأهم المنظمات المنضوية تحت لواء اللوبي. والدليل على ذلك انه عندما دُعِم الملياردير اليهودي الاميركي دونالد ترامب، اصبح مؤكدا من هو الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة مع الاخذ بعين الاعتبار ان تصويت الشارع الاسرائيلي لهيلاري كلينتون لم يكن سوى مسرحية هزلية لاخفاء التوجه الحقيقي لذوي النفوذ اليهود. اضف الى ذلك ان الاولوية لاميركا في السنتين المقبلتين هو فك الارتباط مع المملكة العربية السعودية التي تعاني من ضائقة اقتصادية، واصبحت تشكل عبئا على بلاد العم سام، فكان ترامب الشخصية المثيرة للجدل القادرة على القيام بهكذا خطوة دون احراج الادارة الاميركية.

 

و اخيرا، لفهم السياسة المستقبلية للولايات المتحدة أنقل ما يتم تداوله على لسان خطيب معمم يدّعي التشيّع، ويمتلك قناة فضائية تبث من دولة عظمى منحته اللجوء ومولت قناته بتوجيه من المخابرات المركزية الأميركية CIA.

 

هذا الشيخ يلقي محاضرات بشكل يومي على الهواء مباشرة، يقول فيها ان الخلفاء الثلاثة وعائشة وعددا كبيرا من الصحابة كفار يجب شتمهم طلبا للثواب. في الشرقاط والحويجة وقرى تكريت وقرى الرمادي، تجمع دائرة الارشاد في عصابات “داعش” الشباب وتعرض لهم تلك المحاضرات على شاشة كبيرة وبعد انتهاء المحاضرة يصيح بهم شيخ “داعشي” ودموعه تنهمر على لحيته: “الغوث الغوث يا ابناء الفرقة الناجية، انظروا الى هؤلاء الروافض وقد هتكوا عرض نبيكم، وشتموا صحابته وكفّروهم، عليكم بهم، فوالله ما قاتلهم منكم احد الا ضمنت له الجنة وسبعين حوراء كاللؤلؤ المكنون”.

 

الخطيب الاوروبي يعتقد انه بمثل هذه المحاضرات يدخل الجنة. والشيخ الداعشي يعتقد ان تحريض الشباب على اخذ ثار الصحابة يدخله الجنة. والانتحاريون الذين يخرجون في نهاية جلسة المشاهدة يبحثون عن اقرب حزام ناسف، يعتقدون انهم سيدخلون الجنة. رجال CIA الذين فتحوا الفضائية وجلبوا الشيخ من بلاده ومولوه وسجلوا محاضراته واوصلوها الى مقرات “داعش”، هم الطرف الوحيد الذي لا يؤمن بوجود الجنة.

 

المحاضرات مستمرة والبث لا ينقطع، وشاشات القرى النائية تعرض والشيخ “الداعشي” لا يتوقف عن الصراخ، والانتحاريون يتوافدون على مدن “الرافضة” ومقبرة النجف.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com