بزشكيان: إيران ستردّ بالمثل على حُسن النية ولتتعلّم واشنطن من أخطائها

موقع أنصار الله – متابعات – 7 محرم 1446هـ

كتب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان مقالًا في صحيفة “طهران تايمز” الإيرانية، بعنوان “رسالتي إلى العالم الجديد”، تحدّث فيه عن نهجه ورؤيته في السياسة الخارجية والعلاقات مع دول العالم.

وفي مقاله، أكد بزشكيان أنه في ظل الحرب والاضطرابات السياسية بالمنطقة، أظهر النظام السياسي في إيران استقراره، من خلال إجراء الانتخابات بطريقة تنافسية وسلمية ومنظّمة، ودحض مزاعم بعض خبراء الشؤون الإيرانية في بعض الحكومات، مشددًا على أنّ هذا الاستقرار السياسي وأسلوب إجراء الانتخابات الزاخر بالفخر يؤكد فطنة قائد الثورة الإسلامية آية الله الإمام السيد علي الخامنئي، وتفاني الشعب الإيراني في الانتقال الديمقراطي للسلطة، حتى في الظروف الصعبة.

وأوضح بزشكيان أنّه ترشّح لمنصب رئيس الجمهورية “على أساس برنامج الإصلاح، وتعزيز الوحدة الوطنية، والتعامل البنّاء مع العالم”، مضيفًا أنّه اكتسب ثقة المواطنين في صناديق الاقتراع، حتى تلك الفئة من الفتيات والشباب غير الراضين عن الوضع العام في البلاد.

وتابع “هذه الثقة قيّمة جدًا بالنسبة لي، وأنا عازم عبر إيجاد الإجماع، في الداخل وعلى المستوى الدولي، على تحقيق الوعود التي قطعتها لشعب بلادي خلال الحملة الانتخابية.

كذلك، شدّد بزشكيان على أنّ إدارته ستجعل في سلّم أولوياتها الحفاظ على كرامة إيران الوطنية ومكانتها الدولية في كل الظروف، ولفت الى أن سياسة إيران الخارجية تستند إلى مبادئ “العزة والحكمة والمصلحة” وأن تخطيط وتنفيذ هذه السياسة ملقى على عاتق رئيس الجمهورية، مؤكدًا “نيته الاستفادة من كل السلطات الممنوحة لمنصبه بهدف تحقيق هذا الهدف الشامل”.

وأردف “على هذا الأساس، تعتزم إدارتي انتهاج سياسة تعتمد على اغتنام الفرص من خلال خلق التوازن في العلاقات مع كل البلدان، على نحو يتفق مع المصالح الوطنية الإيرانية، والتنمية الاقتصادية، ومتطلبات السلام والأمن الإقليمي والعالمي”.

ورحب الرئيس الإيراني بـ”الجهود الصادقة الرامية إلى تخفيف حدة التوترات”، مؤكدًا أنّ إيران تحت إدارته “سترد بالمثل على حسن النية”.

تعزيز العلاقات مع جيراننا على رأس الأولويات

وبيّن أنّ طهران “ستضع تعزيز العلاقات مع جيراننا على رأس أولوياتها”، وستعمل على إرساء أسس “منطقة قوية”، بدًلا من منطقة تسعى فيها دولة واحدة لفرض هيمنتها وسيطرتها على الدول الأخرى.

وأعرب أيضًا عن اعتقاده بأنّ “الدول المجاورة والشقيقة ينبغي ألّا تهدر مواردها الثمينة في منافسات استنزافية، أو سباقات تسلح، أو تقييد بعضها بعضًا بلا داعٍ، وبدلًا من ذلك، يجب أن يكون هدفنا خلق بيئة تمكّن الدول من تخصيص مواردها لتحقيق التقدم والتنمية في المنطقة لصالح الجميع”.

وأضاف: “سنُبادر إلى التعاون مع تركيا والسعودية وسلطنة عُمان والعراق والبحرين وقطر والكويت والإمارات، والمنظمات الإقليمية، لتعميق العلاقات الاقتصادية، تعزيز العلاقات التجارية، زيادة الاستثمار المشترك، معالجة التحديات المشتركة، والمضي قدماً نحو إنشاء إطار إقليمي للحوار وبناء الثقة والتنمية”.

وتابع الرئيس الإيراني المنتخب أن “منطقتنا تعاني منذ فترة طويلة من الحرب والتوترات الطائفية والإرهاب والتطرف وتهريب المخدرات ونقص المياه وأزمة اللاجئين والدمار البيئي والتدخلات الأجنبية وأنّ الوقت قد حان “لمعالجة التحديات المشتركة بين الدول في المنطقة لمستقبل أفضل للأجيال القادمة”، موضحًا أنّ “التعاون من أجل التنمية والازدهار الإقليميين سيكون المبدأ التوجيهي لسياستنا الخارجية”.

وأكد أننا كدول تمتلك موارد كثيرة ومعتقدات مشتركة نابعة من تعاليم الإسلام السمحة يجب علينا أن نتحد وأن نعتمد على قوة المنطق وليس منطق القوة، مضيفًا: “من خلال الاستفادة من طاقاتنا لإيجاد المعيار، يمكننا أن نؤدي دورًا حاسمًا في النظام العالمي الناشئ بعد القطبية من خلال تعزيز السلام، وخلق بيئة هادئة مؤاتية للتنمية المستدامة، وتعزيز الحوار، وتبديد معاداة الإسلام”.

وأردف قائلًا: “إيران مستعدة للقيام بنصيبها العادل في هذا الصدد”.

وقف المذبحة في غزة ومنع اتساع الحرب

وأضاف بزشكيان: في عام 1979، بعد الثورة، قطع النظام الناشئ في جمهورية إيران الإسلامية علاقاته مع نظامي الفصل العنصري في “إسرائيل” وجنوب أفريقيا، استناداً إلى معايير القانون الدولي والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان. وحتى يومنا هذا، لا تزال “إسرائيل” نظام فصل عنصري أضاف “الإبادة الجماعية” إلى سجله المظلم من الاحتلال، وجرائم الحرب، والتطهير العرقي، وبناء المستوطنات، وحيازة الأسلحة النووية، والضم غير القانوني لأراضي الآخرين، وغزو جيرانه.

وفي ما يخصّ العدوان “الإسرائيلي” المتواصل على قطاع غزة، أكد بزشكيان أنّ إدارته ستحثّ، “كإجراء أولي، الدول العربية المجاورة على التعاون والاستفادة من كل الوسائل السياسية والدبلوماسية، لإعطاء الأولوية لتحقيق وقف إطلاق نار دائم في القطاع، بهدف وقف المذبحة ومنع اتساع الصراع”.

وشدّد الرئيس الإيراني على “وجوب العمل بعد ذلك لإنهاء الاحتلال المطوّل الذي دمّر حياة 4 أجيال من الفلسطينيين”، مؤكدًا أنّ “جميع الدول ملزمة بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 باتخاذ التدابير اللازمة لمنع الإبادة الجماعية، وليس مكافأتها من خلال تطبيع العلاقات مع مرتكبيها المجرمين”.

وتطرّق في مقاله إلى موقف الشباب في دول الغرب من الحرب على قطاع غزة، مشدّدًا على أنّ “الكثير من الشباب في الدول الغربية أدركوا صحة موقف إيران المستمر منذ عقود، تجاه الاحتلال الإسرائيلي”.

وأضاف: “أريد أن أغتنم هذه الفرصة لأقول لهذا الجيل الشجاع، إن الاتهامات الموجهة إلى إيران بمعاداة السامية بسبب موقفها المبدئي من القضية الفلسطينية ليست مخطئة تماماً فحسب، بل إنها تهين أيضًا ثقافتنا ومعتقداتنا وقيمنا الأساسية. وتأكدوا أن هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة مثل الاتهامات الظالمة بمعاداة السامية التي توجه إليكم عندما تتظاهرون في الجامعات للدفاع عن حق الفلسطينيين في الحياة”.

العلاقات مع روسيا والصين إستراتيجية

الرئيس الإيراني أكّد أنّ كلًا من روسيا والصين “وقفتا إلى جانب طهران خلال الأوقات الصعبة”، معربًا عن تقديره لهذه الصداقة وقال: لقد كانت الصين وروسيا دائما صديقتين وداعمتين لنا في الأوقات الصعبة. ونحن نقدر هذه الصداقة كثيراً.

وعن موسكو، أكد الرئيس الإيراني المنتخب أنّ روسيا “حليف إستراتيجي وجار مهم لإيران”، مشيرًا الى أنّ إدارته “ستظلّ ملتزمةً توسيع التعاون معها وتعزيزه”، وأضاف أنّ طهران “تتمنى السلام لشعبي روسيا وأوكرانيا وأن حكومتي ستكون مستعدةً لدعم المبادرات الرامية إلى تحقيق هذا الهدف”.

بالإضافة إلى ذلك، أوضح بزشكيان أنّه “سيواصل إعطاء الأولوية للتعاون الثنائي ومتعدد الأطراف مع روسيا، وخصوصًا في أطر مثل مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون والاتحاد الاقتصادي الأوراسي”.

وأكد بزشكيان أنّ خريطة الطريق التي أبرمتها إيران مع الصين، والتي تمتد على مدى 25 عامًا، “تمثّل معلمًا مهمًّا نحو إقامة شراكة إستراتيجية شاملة مفيدة للطرفين”، معربًا عن تطلّعه إلى “التعاون على نطاق أوسع مع بكين، مع التقدم نحو نظام عالمي جديد”.

ولفت إلى أنّ بكين أدت في عام 2023 دورًا محوريًا في تسهيل تطبيع العلاقات الإيرانية – السعودية، بحيث “أظهرت رؤيتها البناءة ونهجها الاستشرافي للشؤون الدولية”.

وتابع “إدارتي تدرك أنّ المشهد العالمي قد تطوّر إلى ما هو أبعد من الأنماط التقليدية، ملتزمةً بتعزيز العلاقات ذات المنفعة المتبادلة مع اللاعبين الدوليين الناشئين في الجنوب العالمي، وخصوصاً مع الدول الأفريقية”.

العلاقة بأميركا اللاتينية راسخة

وعن العلاقات بين إيران وأميركا اللاتينية، أكد بزشكيان أنّها “راسخة وسوف يتم الحفاظ عليها وتعميقها بشكل وثيق، بهدف تعزيز التنمية والحوار والتعاون في كل المجالات”.

ولفت إلى وجود “إمكانات أكبر بكثير للتعاون بين إيران ودول أميركا اللاتينية، مقارنةً بما يتم تحقيقه حاليًا”.

أتطلّع للدخول في حوار بنّاء مع أوروبا

واعتبر الرئيس الإيراني المُنتخب أن العلاقات مع أوروبا شهدت الكثير من التذبذبات صعودًا وهبوطًا، مشيرً إلى أنّ الدول الأوروبية تراجعت عن التزاماتها الـ11 التي كان من المفترض العمل وفقها من أجل إنقاذ الاتفاق النووي وتخفيف تأثير العقوبات غير القانونية وأحادية الجانب التي تفرضها الولايات المتحدة على الاقتصاد الإيراني.

وأضاف: “من بين هذه الالتزامات يمكن أن نذكر ضمان المعاملات المصرفية الفعالة، والحماية الفعّالة للشركات من العقوبات الأمريكية، وتشجيع الاستثمار في إيران. لقد انتهكت الدول الأوروبية جميع هذه الالتزامات، لكنها تتوقع بشكل غير معقول أن تفي إيران بجميع التزاماتها من جانب واحد بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة”.

وتابع: “على الرغم من هذه الخطوات الخاطئة التي اتخذتها الدول الأوروبية، فإنني أتطلّع إلى الدخول في حوار بنّاء مع دول أوروبا، بهدف وضع العلاقات على المسار الصحيح، استناداً إلى مبادئ الاحترام المتبادل والمساواة”.

وإذ لفت بزشكيان إلى ضرورة أن “تعي الدول الأوروبية أنّ الشعب الإيراني شعب فخور لا يمكن التغاضي عن حقوقه وكرامته”، قال: “عندما تدرك القوى الأوروبية هذه الحقيقة، وتضع جانبًا تصورها المزيف المبني على تفوقها الأخلاقي، وتتغلّب أيضًا على الأزمات الوهمية التي ألقت بظلالها على علاقاتنا لفترة طويلة، ستكون هناك فرص كثيرة للتعاون بين إيران وأوروبا يمكن استكشافها”.

وأوضح أن هذه الفرص “تشمل التعاون الاقتصادي والتكنولوجي، أمن الطاقة، طرق الترانزيت، البيئة، مكافحة الإرهاب والاتجار بالمخدرات، أزمات اللاجئين”، وغيرها من المجالات.

على واشنطن أن تُدرك أنّ طهران لا تستجيب للضغوط

أمّا عن الولايات المتحدة، فشدّد الرئيس الإيراني على “ضرورة أن تعترف واشنطن بالواقع، وأن تفهم، مرةً واحدةً وإلى الأبد، أنّ إيران لا ولن تستجيب للضغوط”.

وأضاف: “لقد دخلنا خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015 بنوايا حسنة وأوفينا بجميع التزاماتنا بالكامل، لكن الولايات المتحدة -بسبب المشاحنات والانتقامات المتعلقة بسياساتها الداخلية- انسحبت بشكل غير قانوني من الاتفاق وبفرض عقوبات أحادية تتجاوز الحدود الإقليمية، كبدت الشعب الإيراني -خاصة خلال جائحة كورونا- خسائر ومعاناة وأضرارًا لا حصر لها، وسببت خسائر لاقتصادنا بمئات المليارات من الدولارات.

وتابع “إلى جانب شن الحرب الاقتصادية ضد ايران، فإنّ واشنطن عمدت أيضًا إلى تصعيد حدة الصراع عبر الانخراط في إرهاب الدولة، من خلال اغتيال قائد قوة القدس في حرس الثورة، الشهيد قاسم سليماني، بطل مكافحة الإرهاب، صاحب الشهرة العالمية والمعروف بنجاحاته في إنقاذ شعوب المنطقة من داعش والجماعات البربرية المماثلة، واليوم يشهد العالم العواقب الوخيمة لهذا القرار.

وأضاف بزشكيان أنّ واشنطن وحلفاءها في الغرب “لم يفوّتوا فرصةً تاريخيةً لتقليص التوترات، وإدارتها في المنطقة والعالم فحسب، بل عملوا أيضًا على تقويض معاهدة حظر الانتشار النووي (أن بي تي) بشكل خطير، من خلال إظهار أنّ تكاليف التزام مبادئ نظام حظر الانتشار النووي قد تفوق الفوائد التي قد يقدّمها”، وأردف “في الواقع إن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين أساؤوا استخدام نظام حظر الانتشار النووي -خلافاً لتقييمات أجهزتها الاستخبارية- بهدف فبركة أزمة تتعلق بالبرنامج النووي السلمي الإيراني، واستخدامها لممارسة الضغط المستمر على شعبنا”.

وأضاف: “في الوقت نفسه، دعموا بنشاط ودون تردّد “إسرائيل” – نظام الفصل العنصري العدواني الذي ليس عضوًا في معاهدة حظر الانتشار النووي، والذي يمتلك، وفقًا لكل الأدلة، أسلحة نووية”.

وجدّد الرئيس الإيراني موقف طهران بشأن العقيدة الدفاعية، وقال: “أريد التأكيد مرة أخرى على أنّ العقيدة الدفاعية الإيرانية لا تتضمّن الأسلحة النووية، وأدعو الولايات المتحدة للتعلّم من أخطاء الماضي واتخاذ سياسة جديدة وفقًا لذلك”.

وشدّد على “وجوب أن يدرك صنّاع القرار في واشنطن أنّ السياسة التي تقوم على تحريض الدول الإقليمية ضدّ بعضها لم تنجح، ولن تنجح في المستقبل أيضًا، وعليهم أن يقبلوا واقع ايران ويتجنّبوا تصعيد التوترات الحالية”.

وختم الرئيس الإيراني المنتخب بالقول: “لقد أوكل إليّ الشعب الإيراني تفويضًا قويًا لمواصلة التعامل البنّاء على الساحة الدولية مع الإصرار على حقوقنا وكرامتنا ودورنا المستحق في المنطقة والعالم، وأودّ أن أوجّه الدعوة إلى كل أولئك الراغبين في الانضمام إلينا في هذا المسعى التاريخي”.

 

قد يعجبك ايضا