حزب «الإصلاح» يعاكس بيئته: لا لنصرة غزة

|| صحافة ||

يقلّل معظم إعلاميي حزب «الإصلاح» اليمني وسياسييه من أهمية مشاركة حركة «أنصار الله» في جبهة إسناد قطاع غزة. وإذ لا يخرج توصيفهم للهجمات في البحر الأحمر عن اعتبارها «مسرحية»، تعزو الماكينة الإعلامية في الحزب نجاح المسيّرة «يافا» في الوصول إلى تل أبيب إلى «غفلة إسرائيلية» ناتجة من التراخي واللامبالاة. وفي المجمل، تقوم سردية وكلاء «التحالف العربي» في اليمن، ومن ضمنهم «الإصلاح»، على أن «أنصار الله» تقدّم اليمن لقمة سائغة لإسرائيل، وأن الحركة تخوض حرباً مكشوفة بإمكانات صفرية، وتناوش بالمسيّرات، في معركة غير متكافئة.

كما تلتزم وسائل إعلام «الإصلاح»، في ما يخص جبهات الإسناد، وعلى رأسها جبهة اليمن، بسردية السعودية والإمارات، والتي تعكس المصالح الجيوسياسية لهما. ورغم أن الأخيرة تخوض حرب استئصال ضد الحزب في اليمن باعتباره جزءاً من «الإخوان المسلمين»، فإن الالتقاء الوحيد بينهما يتركز على التقليل من فائدة تلك الجبهات وتشويهها.وفي هذا الإطار، اعتبر «الإصلاح»، في بيانه تعليقاً على عدوان الحديدة، أن عملية المسيّرة «يافا» لا تمثّل اختراقاً أمنياً كبيراً وليس لها بُعد إستراتيجي مؤثر، وذلك خلافاً للاعترافات الإسرائيلية والغربية.

كما عنون بيانه المذكور بعبارة: «خدمة لأجندة إيران وإسرائيل… ميليشيا تجلب الدمار لليمن»، في ما يعدّ المرة الأولى التي يخرج فيها الحزب عن الإجماع اليمني المناصر لغزة، مرتئياً الانحياز التام إلى سياسات السعودية المتماهية مع العدوان الإسرائيلي. هكذا، لم ينسحب التحالف المعمّد بالدم بين «أنصار الله» وحركة «حماس»، على «الإصلاح»، الذي لم يلتقط الفرصة الثمينة للانخراط بأي شكل في نصرة غزة إلى جانب غالبية اليمنيين، بمن فيهم قاعدته الشعبية نفسها. كما يأتي انحيازه إلى السعودية والإمارات رغم تصنيف حركة «الإخوان المسلمين» في البلدين ضمن التنظيمات الإرهابية. ولذا، إن موقف «الإصلاح» الأخير يستبطن الخشية من أن تؤدي جبهة الإسناد اليمنية إلى تنامي قدرات «أنصار الله» واستخدام هذه القدرات في الداخل اليمني.

 

قيادة «الإصلاح» تتماهى مع السعودية والإمارات خشية خسارة تمويل الأولى

 

ورغم تدخل حركة «حماس» لدى الحزب لرأب الصدع مع «أنصار الله» في بداية العدوان على غزة، إلا أن مساعيها باءت بالفشل. ومرد ذلك أن «الإخوان المسلمين» في اليمن لم يستطيعوا حتى الآن الخروج من الفلك السعودي، ويبدو أنه ليس في وسعهم فعل هذا في المستقبل. والمفارقة هنا أيضاً هي أن «الإصلاح» يعتمد خطاب «المجلس الانتقالي الجنوبي» المموّل من الإمارات نفسه، مع العلم أن كلا المكوّنين يختصمان حول كل القضايا تقريباً، وتحكم علاقاتهما العداوة الدائمة، فيما شراكتهما في حكومة عدن، ما هي إلا ممر إجباري لنيل رضى «التحالف العربي» ومزاياه. ومن هنا، جاءت تصريحات «الانتقالي» وقياداته متقاربة جداً مع «الإصلاح». إذ قال القيادي في «الانتقالي»، هاني علي سالم البيض، إن الشعب اليمني «لن يقبل بأن تكون أرضه ساحة لتصفية الحسابات بين إيران وإسرائيل، ولا بين دول المنطقة».

وإذا كان ما تقدّم يعبّر عن النصف الفارغ من الكوب، فإن نصفه الآخر ممتلِئ بتأييد الهجمات في البحر الأحمر وعلى إسرائيل من قبل البيئة الحاضنة لـ«الإصلاح». إذ خلقت جبهة الإسناد أرضية خصبة متفاعلة بين «أنصار الله» وتلك البيئة التي تشارك بفعالية في المسيرات المقامة أسبوعياً في شارع السبعين في صنعاء وبقية المحافظات الشمالية، فيما كثير من القيادات الوسطى في الحزب تجاهر بتأييدها لعمليات «أنصار الله» ضد واشنطن وتل أبيب. والواقع أنه من النادر أن يجتمع اليمنيون على قضية ما، كما يُجمعون اليوم على قضية جبهة إسناد غزة، حيث تشعر الغالبية العظمى من الناس بالاعتزاز بقوة البلاد ووقوفها في وجه أكبر دولة في العالم، أي الولايات المتحدة، وحليفتها إسرائيل. ومن هنا، ليس مستغرباً شمول حالة المناصرة شرائح واسعة من المجتمع اليمني بمذاهبه وأحزابه وتياراته وجمعياته المختلفة، وامتدادها بشكل أفقي لتشمل القيادات الوسطى والنشطاء والنخب الفاعلة على الأرض، فضلاً عن عامة الناس.

ولعل ما تم رصده منذ أول عملية استهداف لإيلات وبعدها هجمات البحر الأحمر، من لقاءات، وتصريحات، ونشاط إعلامي ودعائي، ومشاركة في المسيرات الجماهرية الأسبوعية، أفصح عن تبلور موقف أكثر وضوحاً لناحية التقارب بين المكونات اليمنية، خصوصاً بين «أنصار الله» والبيئة الحاضنة لـ«الإصلاح». أما الصف الأول الممثل لبعض تلك الشرائح، وخصوصاً الأحزاب منه، فلاذَ بالصمت لاعتبارين: الأول، الحرج الناتج من الوقوف ضد من يناصر القضية الفلسطينية، والثاني مراعاة لدول «التحالف العربي»، أي السعودية والإمارات، إذ إن التأييد العلني لنصرة غزة سيخرجهم من «جنّة» التقديمات المالية والمكاسب الأخرى.

 

الاخبار اللبنانية: لقمان عبدالله

قد يعجبك ايضا