عبقرية النبي محمد العسكرية وأثرها في تطوير فنون القتال الحديثة
رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله هو قائدًا وقدوة، كما وصفه الله سبحانه وتعالى في قوله: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21]. وكما بلغ درجات الكمال في الجانب الأخلاقي والديني والروحي برز أيضًا كقائد عسكري محنك قاد معارك عديدة بحكمة وتخطيط مدروس وبنى دولة إسلامية في غضون سنوات قليلة استطاعت إسقاط امبراطوريات بأكملها.
لقد أظهر النبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله مهارات عسكرية استثنائية من خلال تنظيمه الدقيق للمعارك وتخطيطه المتقن، وبفضل قدرته على إدارة وبناء الجيش الإسلامي وتوجيهه بحنكة، استطاع تحقيق انتصارات باهرة رغم التحديات الكبيرة؛ وما زالت العديد من المبادئ التي طبقها النبي الكريم تُستخدم كأساس لتكتيكات عسكرية حديثة.
في هذا التقرير سنحاول تسليط الضوء على جزء من حركة الرسول الجهادية والترتيبات العسكرية التي وضعها، والربط بينها وبين أساليب الجيوش الحديثة من خلال: التنظيم، المبادرات الاستراتيجية، والتحفيز المعنوي، وكيف استطاع تحقيق إنجازات عسكرية كبيرة، في مرحلة صعبة وفي وقت قياسي كوّن دولة إسلامية كبرى امتدت فيما بعد إلى حدود الصين شرقا وأطراف أوربا غربا..
أولاً: بناء شخصية الجند: (إعداد القوة البشرية):
كانت أولى خطوات الرسول الأعظم السعي لبناء شخصية المجاهدين معه بناءً عسكريا وفكريا وفي مختلف المجالات، وسنركز على بناء الشخصية العسكرية لأصحابه المؤمنين من خلال عدة خطوات:
أ – تغيير العقيدة العسكرية للجند (غرس الهوية الإيمانية) من خلال:
- غرس الإيمان ومحاربة الثقافات المغلوطة لدى الأفراد ونبذ العنصرية والتعصب القبلي.
- تحديد الأهداف والغايات الكبرى والسعي لتحقيقها، وكان الهدف الأسمى للرسول الأعظم، إقامة دين الله في الأرض، ومن هذا المنطلق كانت تحركات الرسول الأعظم تصب كلها لخدمة هذا الهدف مستخدما كل الأساليب (صلبة وناعمة بحسب المصطلح الحديث).
- بناء مجتمع موحد على كلمة سواء، لبنته الأولى بالمؤاخاة بين الأوس والخزرج وتوسيع الدائرة لتشمل القبائل العربية تحت راية الإسلام.
ب – إعطاء الجندي المؤمن الشعور بأهميته وقيمة عمله ومسؤوليته في الحياة
من خلال مشاركتهم في القتال والمرابطة واستشارتهم وتأمين احتياجاتهم والدعاء والاستغفار لهم والعناية بالجرحى وأسر الشهداء والتعامل الحسن مع المقصرين والهاربين من ميادين القتال .
ثانياً : تطوير الجيش
كانت الخطوة التالية للنبي صلوات الله عليه وعلى آله السعي لترتيب وضع الجيش الإسلامي ليكون بمستوى التحديات القائم، وقد عمد إلى المسارعة في اتخاذ العديد من الخطوات العملية أهمها:
أ – ترتيب الوضع الإداري للجيش الإسلامي:
- إعادة تشكيل الجيش وترتيب وضعه وبناء التشكيلات العسكرية وبناء الأقسام والتخصصات وقسّم الجيش لخمسة أقسام: (حراسة المقدمة، قلب الجيش، الميمنة والميسرة وحراس مؤخرة الجيش).
- التسليح العسكري (إعداد القوة).. حيث أعلن الرسول الأعظم حالة النفير العام وإعداد ما يمكن إعداده من قوة وعتاد تحت عنوان (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم).. كما قام الرسول بإعداد الدورات العسكرية للرماة والمشاة والفرسان.. إلخ.
ب – ابتكار الخطط والأساليب العسكرية المناسبة:
هناك العديد من الأساليب العسكرية التي اتخذها النبي الأكرم صلوات الله عليه وعلى آله ، لم يكن قد سبق إليها أحد، وهي كثيرة ومتعددة نذكر منها ما يلي
1- القتال بالصفوف:
وابتكر هذا الأسلوب في معركة بدر، وفي هذا النوع من القتال يصطف الجنود إلى جانب بعضهم بعضا وتلتصق نهاية الصف الأول مع أول الصف الثاني فيتكون من المجموع شكل هندسي، ويقف الجميع في مواجهة العدو وظهورهم محمية إلى الداخل، وبهذا الشكل لا يستطيع العدو مهاجمتهم من الخلف، لأنه حيثما اتجه كان الجنود في مواجهته، وهذه الطريقة المبتكرة في القتال أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى: إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بيان مرصوص
2- استخدام الأنساق
استخدم الرسول الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله سلوب الأنساق القتالية، وتشكيل قوة احتياطية خفيفة الحركة في يد القائد، لتطوير الهجوم ومطاردة العدو والالتفاف والتطويق على الجوانب عند الحاجة، ومعالجة المواقف المفاجئة، وحماية الجوانب من المشاة والفرسان.
3-استخدام أسلوب القتال التعطيلي ورتل المسير والتحرك الليلي، حيث كان في غزوة الفتح يسير في الليل ويكمن بالنهار لتحقيق عنصر المفاجأة.
4-استخدام أسلوب الحرب النفسية:
من خلال ضرب نفسيات العدو ما حدث في فتح مكة بإشعال النار، وكذلك استخدام أسلوب ” الحرب خدعة” وخلخلة جبهة العدو الداخلية، وفي نفس الوقت عمل على رفع معنويات المجاهدين، حيث كان يكشف للمؤمنين أنهم سيفتحون البلدان ويقضون على رؤوس الكفر.. إلخ.
5-البراعة في استخدام حرب المدن:
حيث استخدم صلى االله عليه وآله وسلم أسلوب قتال المدن والأحراش في غزة بني النضير وخيبر وبني قريضة للاستيلاء على لاقتحام حصونها المنيعة حيث كان يوجه وحدات قتالية صغيرة لإلهائها ويركز هجومه بقواته الرئيسية على حصن واحد ثم ينتقل من حصن لآخر ثم كان يقسم قواته حسب قبائلها وبطونها ليغرس فيهم المنافسة ويتسنى له تبديل قواته العسكرية لأخذ أقساط الراحة.
6-المفاجأة:
دائما ما كان يستخدم الرسول صلوات الله عليه وعلى آله أسلوب المفاجأة ففي غزوة الأحزاب فاجأهم بالخندق وفي غزوة خيبر أتاهم ليلا ولم يعلموا به حتى الصباح، كون المفاجأة التي تعتمد على اختيار الوقت المناسب والمكان ونوع السلاح الذي لا يتوقعه العدو، لأنها تفزع الأعداء وتشتت صفوفهم، وتدخل الرعب في نفوسهم وتحطم معنوياتهم وتشل حركتهم.
7-إدارة النيران:
فقد كان الرسول الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله يحدد مهام القوات المشتركة في القتال، وينظم التعاون بينها، وكانت القوات في ذلك الزمان تتكون من الفرسان الذين لديهم سرعة الحركة، والرماة الذين يتمركزون في مواقع السيطرة، وقوات رئيسة في الميدان، وقد كان التنسيق بين هذه القوات على درجة عالية من الدقة، كما حدث في غزوة أحد حيث اختار النبي صلى االله عليه وآله وسلم خمسين من الرماة بقيادة عبد االله بن جبير وأوصاهم قائلا: “إن رأيتمونا تخطفنا الطير، فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم. وبذلك سد الرسول على فرسان العدو، الثغرة الوحيدة التي قد ينفذون من خلالها، ويلتفون على صفوف المسلمين ويطوقونهم وقسم الجيش إلى ميمنة وميسرة، وجعل في مقدمة الصفوف مجموعة من المقاتلين الشجعان، واختار إقامة معسكره في مكان مرتفع ليحتمي به ، ويكبد عدوه خسائر كبيرة إذا حاول اقتحام المعسكر، كما حمى ميمنته وظهره بارتفاع الجبل، وحمى ميسرته بالرماة المتمركزين فوق الجبل، الذين رشقوا بنبالهم فرسان العدو وأرجعوهم خائبين حين حاولوا ثلاث مرات كسر الميسرة ليتوصلوا إلى ظهور المسلمين.
وهذه الخطة التي وضعها النبي صلى االله عليه وآله وسلم للقتال، ونظم فيها التعاون بين القوات المشتركة في المعركة، كانت في غاية الدقة والإحكام، وهي تدل على كفاءته العسكرية المتميزة.
8-ارسال سرايا الاستطلاع:
وكانت قيادة الرسول صلى االله عليه وآله وسلم تتميز بالاستباق، حيث يرسل بعوث الاستطلاع التي كانت تسمى بالسرايا، إلى المناطق المحيطة بالمدينة وغيرها، وقد قارب عددها سبعين سرية، وكانت تقوم بوظائف متعددة، فترصد حركة الخصوم حتى يعرف الرسول ما يفكر فيه أعداؤه، ولا يفاجأ بما لم يكن في الحسبان، وإظهار قوة المسلمين، وفرض هيبتهم في الداخل والخارج وقد أضاف النبي أمرا جديدا لعملية الاستطلاع، حين جعل المشاركة فيها لمن لديهم الرغبة للقيام بهذه المهمة، حتى تحقق الأهداف المتوخاة منها على أكمل وجه، وقال لعبد االله بن جحش حين أرسله أميرا على سرية: “اخرج أنت وأصحابك حتى إذا سرت يومين فافتح كتابك وانظر فيه فما أمرتك فيه فامض له، ولا تستكرهن أحدا من أصحابك على الذهاب معك”، وبعد يومين فتح عبد االله بن جحش الكتاب وقال لأصحابه: “وقد نهاني أن أستكره أحدا منكم، فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأما أنا فماض لأمر رسول الله فمضى ومضى معه أصحابه، لم يتخلف عنه منهم أحد.
وفي هذا التكتيك أسلوب ما يسمى الرسائل المكتوبة وهذه الطريقة تباهى الألمان في العصر الحديث بابتكارها أو ما يسمى الأوامر المختومة في الحروب، وهي تلك الأوامر التي تصدر إلى قواد السرايا وتكون مختومة، ولا تفتح إلا بعد زمن معين، أو عند مكان محدد، لتكون تلك الأوامر بعيدة عن متناول الجواسيس، ولا تمنح الفرصة الكافية للعدو بالاستعداد.
9- عنصر المبادرة: .. (ضربة تبوك الاستباقية):
واحدة من أبرز المبادرات التي قادها النبي الأكرم كانت غزوة تبوك، في هذه الغزوة، انطلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجيش قوامه (30) ألف مقاتل لمواجهة امبراطورية الروم في شمال الجزيرة العربية، رغم قلة الإمكانيات وصعوبة الطريق، كان القرار بمثابة ضربة استباقية لتحييد خطر العدو قبل أن يصل إلى ديار المسلمين.
النبي أراد أن يعلم أمته أن الانتظار وعدم التحرك أمام التهديدات يعرضهم للخطر. يقول الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثُباتٍ أو انفروا جميعًا.” (النساء: 71). من خلال هذه المبادرة، علّم النبي المسلمين درسًا هامًا: الهجوم خير وسيلة للدفاع، وأن من ينتظرون حتى يأتي العدو إليهم سيصبحون عرضة للاحتلال والإذلال، في عالم اليوم، يعرف هذا المبدأ بـ”الضربة الاستباقية” أو Preemptive Strike، وهو مفهوم حديث يعتمد على مهاجمة العدو قبل أن يبدأ بالهجوم، لضمان حماية الأمن القومي وتقليل الخسائر؛ نرى أن هذا المبدأ قد ظهر بوضوح في العديد من العمليات العسكرية الحديثة التي تعتمد على التحرك الاستباقي لتحييد التهديدات.
10- إدارة الموارد والإمدادات “كل مسلم جندي”:
يقول السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله” : نجح رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” في مهمته الرسالية أعظم نجاح بأقل التكاليف، يعني لاحظوا مثلاً: لو رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” عندما قال له جبريل مثلاً: [مهمتك عالمية، أنت رسول للعالمين، قدّم هذا الدين إلى كل البشر، أوصل رسالة الله إلى العباد، أقم للإسلام كياناً…الخ.]، يقول: [بس هذا مشروع كبير، ويحتاج ميزانية ضخمة، ويحتاج إمكانات هائلة، ويحتاج أعداداً كبيرة من البشر….] لا، ما عنده ولا شرط ولا قيد، بدأ يتحرك بمفرده، ثم بالقلة القليلة من المؤمنين معه، ثم اتسعت هذه الدائرة شيئاً فشيئاً بإمكانات بسيطة ومتواضعة، لم يحتج إلى دعم أجنبي من قوى ومكونات ليست ضمن الكيان الإسلامي، أطراف أخرى غير مسلمة. مثلًا: يستمد من الفرس، أو من الروم، أو من بعض الوثنيين العرب، أو يستفيد من صراعات هنا أو هناك ليعتمد عليها وهي من خارج دائرة الإسلام. أبدًا، يعتمد على التمويل الإسلامي، في مَن قد أسلم، مِن إمكاناتهم المتواضعة جدًّا، لم يحتج مثلًا يقول لله “جلَّ شأنه”: [أنا أشتي منك خمسة جبال تحولها لي ذهب تكون ميزانية لي حتى أني اشتغل وأستطيع أعمل]. |لا|، تحرك بالمتاح، بالممكن، وعلَّم المسلمين وربّاهم على هذا الأساس أن يتحركوا بأنفسهم وأموالهم وقدراتهم وطاقاتهم، وأن يثقوا بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أنه سيبارك فيهم، وفي قدرتهم، وفي طاقتهم، وسينميهم وينمي ما معهم، ويزيدهم خيرًا، ويبارك لهم، ويحثهم بالإعداد لما استطاعوا من قوة.
ومن أعظم الأمثلة على في غزوة تبوك، كان الجيش يواجه صعوبة في الحصول على الإمدادات وبسبب ذلك سمي ( جيش العسرة)، لم ينتظر رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله حتى تتيسر الأمور للمسلمين كون الإسلام بكله يتعرض لخطر داهم من قبل دولة كبرى وعندما يكون الخطر كبير يجب أن يكون هناك تحرك أكبر. لقد شجع الرسول صلى الله عليه وآله المسلمين على الإنفاق وتجهيز الجيش الإسلامي، والتحرك بشكل جماعي فكل فرد جندي وهنا يكون الطاعة والتسليم والتحرك واجبا مهما كانت الإمكانيات والظروف وتحرك المسلمين كلهم رغم الضائقة الاقتصادية ورغم سوء المناخ ولم يتخلف إلا ثلاثة أشخاص ونتيجة تخلفهم نزلت فيهم عقوبة كبيرة.
في الجيوش الحديثة: تستخدم الجيوش الحديثة نظمًا متقدمة لإدارة الموارد تشمل اللوجستيات، والتوريد، وإدارة المخازن. تُستخدم التكنولوجيا لتتبع وتنسيق الإمدادات لضمان وصولها إلى الجبهات الأمامية بشكل فعّال، ويتم التخطيط المسبق لتفادي أي نقص في الموارد، وتخصص الدول موازنات دفاعية كبيرة لضمان جهوزية للتحرك عند أي طارئ كما تسن الدول قوانين التجنيد الإجباري على كل مواطن بالغ عندما يتعرض الجيش لإنهاك أو الشعور بخطر وجودي يهدد سيادة واستقلال الدولة و هذا ما نراه اليوم ماثلا في سلوك العدو الصهيوني.
11- الاهتمام بالسرية والمعلومات الاستخباراتية:
لطالما كان الاهتمام بالمعلومات الاستخباراتية والسرية جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية العسكرية الناجحة، ويُعد النبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله أحد أعظم القادة العسكريين الذين اهتموا بهذا الجانب بشكل بارز، من خلال الاستفادة من المعلومات الاستخباراتية، تمكن النبي صلوات الله عليه وعلى آله من تحقيق انتصارات استراتيجية، بدءًا من غزوة بدر إلى فتح مكة، وصولًا إلى غزوة تبوك.
غزوة بدر: جمع المعلومات الاستخباراتية ومعرفة قافلة قريش:
غزوة بدر، التي وقعت في 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة، تُعد واحدة من أبرز المعارك في تاريخ الإسلام، كان للنبي صلوات الله عليه وعلى آله فهم عميق لأهمية المعلومات الاستخباراتية في هذه المعركة.
قبل المعركة، تمكن النبي صلوات الله عليه وعلى آله من الحصول على معلومات دقيقة حول تحركات قافلة قريش التجارية التي كان يقودها أبو سفيان بن حرب، كانت هذه القافلة تمثل هدفًا استراتيجيًا مهمًا لأن قريش كانت تعتمد على تجارتها كمصدر رئيسي للثروة، وقد أرسل النبي صلوات الله عليه وعلى آله سرية بقيادة عبد الله بن جحش لاستطلاع الأخبار حول القافلة وتقييم الوضع العسكري لقريش، وبفضل المعلومات التي حصلوا عليها، بأن قريش قد خصصت القافلة لتمويل الحرب على رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وقد تمكن النبي صلوات الله عليه وعلى آله من اتخاذ القرار الصائب بالتقدم لملاقاة قريش.
و قد تحدث القرآن الكريم عن هذه الخطوة يقول الله “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ}[الأنفال: من الآية7]، و كانت نية المسلمين في البداية هي الاستيلاء على القافلة للاستفادة منها و لكن جيش قريش كان قد خرج لقتال المسلمين والتقى الطرفين في بدر يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الأنفال: الآية42].
فتح مكة: كشف إفشاء حاطب بن أبي بلتعة:
في عام 8 هـ، قبيل فتح مكة، كان النبي صلوات الله عليه وعلى آله يجري بسرية تامة الاستعدادات لفتح مكة، في هذا السياق، قام حاطب بن أبي بلتعة بإفشاء سر تحرك المسلمين إلى قريش، حيث أرسل رسالة إلى قريش يطلعهم على نية المسلمين بفتح مكة. كان هدف حاطب من هذا التصرف هو حماية أسرته ومصالحه الشخصية، لكنه لم يكن يدرك عواقب عمله.
عندما علم النبي صلوات الله عليه وعلى آله بإفشاء السر من خلال معلومات استخباراتية حصل عليها من خلال وكيله، أرسل علي بن أبي طالب لتعقب الرسالة، تم اكتشاف الرسالة والقبض على حاطب، حيث تم إحضاره إلى النبي صلوات الله عليه وعلى آله .
في تصرف حكيم، لم يعاقب النبي صلوات الله عليه وعلى آله حاطب فورًا، بل قام بالتحقيق معه لفهم دوافعه، أظهر النبي صلوات الله عليه وعلى آله قدرة عظيمة على إدارة الأزمات والتعامل مع الخونة بحكمة، رغم أن حاطب كان قد أخطأ، إلا أن النبي صلوات الله عليه وعلى آله لم يتخذ موقفًا قاسيًا ضده، بل منح حاطب فرصة لتبرير أفعاله، وأكد في الوقت نفسه على أهمية الحفاظ على السرية والمعلومات الاستخباراتية.
غزوة تبوك: الحشد والاستخبارات:
غزوة تبوك، التي وقعت في العام التاسع للهجرة، كانت واحدة من أكبر الحملات العسكرية التي قادها النبي صلوات الله عليه وعلى آله ؛ في هذه الحملة، كان جمع المعلومات الاستخباراتية أمرًا حيويًا، حيث كان النبي صلوات الله عليه وعلى آله يتعامل مع تهديد من الدولة البيزنطية.
قبل الحملة، تم جمع معلومات استخباراتية حول تحركات قوات الروم للقضاء على المسلمين استخدم النبي صلوات الله عليه وعلى آله المعلومات التي حصل عليها لتجهيز جيش ضخم، حيث حشد (30) ألف مقاتل في ظروف صعبة، مما يعكس استعداده العالي واهتمامه بالاستعداد الكامل.
لم يقتصر اهتمام النبي صلوات الله عليه وعلى آله بالجمع المعلومات فقط، بل كان أيضًا يحرص على ضمان تنفيذ خطط محكمة بناءً على المعلومات المتوفرة، بفضل المعلومات الدقيقة التي حصل عليها، تمكن النبي صلوات الله عليه وعلى آله من اتخاذ عنصر المبادرة والتحرك الاستباقي وحقق نتائج استراتيجية هامة، مثل تعزيز قوة المسلمين وتوسيع نفوذهم، وإظهارهم قوة لا ترهب مما دفع إمبراطورية الروم إلى التراجع عن مواجهة المسلمين
ثالثاً: تطوير الرسول الأعظم أساليب وتكتيكات الدفاع:
- حفر الخنادق:
أخذ الرسول صلى االله عليه وآله وسلم برأي سلمان الفارسي رضي االله عنه في حفر الخندق في غزوة الأحزاب، ولكنه صلى االله عليه وآله وسلم هو من تولى تطوير الرسم الهندسي للخندق ليخدم الخطة الدفاعية عن المدينة، فاختار مكان الحفر وعين لهم أبعاده الهندسية، وجعل صلى االله عليه وآله وسلم كل عشرة أناس، يحفرون أربعين ذراعا وكان عدد العاملين ثلاثة آلاف رجل، فيكون طول الخندق اثنا عشر ألف ذراع، وهو ما يعادل ستة كيلومترات، كما أن عرضه ستة أمتار، وعمقه خمسة أمتار، وقد تفاجأ به الأعداء، وأصابهم الذهول، إذ لم يعهدوا مثله من قبل أبدا، ولم يكن معروفا في شبه الجزيرة العربية، ولم يستطع الأفراد ولا الفرسان تجاوزه وباءت كل محاولاتهم بالفشل.
- تأمين منطقة الإدارة:
اهتم الرسول الأعظم بالشؤون الإدارية للحرب، كالتموين وإسعاف الجرحى، وكل المواقع المهمة، يجعلها خلف الخطوط، بعيدة عن متناول العدو، وعندما عسكر المسلمون في غزوة بدر في أدنى من بئر بدر، أشار الحباب بن المنذر على الرسول أن يجعل البئر خلف خطوط المسلمين، فتم تأمين هذا الموقع الإداري المهم.
- الدقة في اختيار مواقع التحكم والسيطرة:
لما كان جبل عينين في غزوة أحد نقطة مهمة في السيطرة على أرض المعركة وحماية الجوانب ومؤخرة المسلمين، اختاره النبي صلى االله عليه وآله وسلم للرماة، وأوصاهم بعدم تركه لأي سبب كان، لكن الرماة خالفوا الأوامر، وأخلوا موقعهم من أجل الغنائم، فانتهزت قوات العدو الفرصة وقامت بعملية الالتفاف والتطويق، وانقضت على المسلمين.
أخيرًا
لقد جاهد الرسول صلوات الله عليه وعلى آله كما أمره الله {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (التوبة:٧٣)
ويقول السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله: (رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ” واصل مسيرته الجهادية حتى الرمق الأخير، ما قبل وفاته، وهو على فراش المرض، قبل وفاته أعدّ جيشًا ليُنفذه بقيادة أسامة بن زيد، وتوفي قبل تحرك ذلك الجيش، لكن حتى وهو في الرمق الأخير يقول: ((أَنفِذُوا جَيشَ أُسَامة))، يأمرهم بأن يتحركوا للجهاد في سبيل الله).
و هذا ما يجب أن نستفيده من حركة رسول الله الجهادية وأن نتحرك كما تحرك فليس هناك أحد معذور حتى رسول الله لم يعذره الله عن التحرك و الجهاد في سبيل الله خصوصا و نحن نواجه حرباً شديدة ضد ديننا، وضد أمتنا، وضد كل فرد فينا، وكل أسرة في مجتمعنا، و ما يحدث في غزة من مجازر إبادة وما حدث قبلها في فلسطين و في العراق وأفغانستان و اليمن و سوريا و كل البلاد الإسلامية مستباحة لهو أكبر شاهد على أنهم لا يحملون لنا إلا كل حقد وأنهم لا يقبلون بنا وأن التنكيل بنا وقتلنا و انتهاك كرامتنا ونهب ثرواتنا عقيدة يتعبدون بها..
ولا خلاص لنا إلا الطاعة لله ورسوله و الجهاد في سبيل الله كما أمرنا الله .. و متى علم الله صدق نياتنا فهو القائل {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ} (محمد:٧)