ما أسباب الرضا الأمريكي عن مصر ؟ّ!

|| صحافة ||

في خبر لافت ويبدو متعارضًا مع السياق الراهن للأحداث، أعلنت الخارجية الأمريكية أن إدارة بايدن، أخطرت “الكونغرس”، أنها ستقدم لمصر مساعدات عسكرية بقيمة 1.3 مليار دولار، بشكل كامل للمرة الأولى في ظل الإدارة الحالية، دون مناقشة الشروط التي حالت دون تسليم هذه المساعدات طوال السنوات الماضية .

وهذه الخطوة تشي برضا أمريكي كامل عن مصر، بل ومكافأة لها، وهو أمر مستغرب بلحاظ تناقضه سياسيًا مع التوترات المعلنة بين مصر والكيان الصهيوني، وقانونيًا مع الاشتراطات الأمريكية في ملف حقوق الإنسان والذي لم تستجد أسباب تُفضي إلى رفع العقوبات المقرونة به، وفقًا لأحدث تقرير للخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان. وهو ما يطرح سؤالاً عن أسباب الرضا الأمريكي، وهل هو محاولة لانتزاع موقف مصري يتعلق بالحرب الراهنة ومستقبل عزة؟.

وكمدخل لمحاولة الإجابة عن هذه التساؤلات، لا بد من التوقف أمام تعليل الخارجية الأمريكية للقرار، حيث أبلغ وزير الخارجية أنتوني بلينكن الكونغرس، أنه سيتنازل هذا العام عن الاشتراطات المتعلقة بالمبلغ الذي جرى الربط بينه وبين سجل مصر في مجال حقوق الإنسان، استناداً إلى مصلحة الأمن القومي الأمريكي، وأن هذا القرار مهم لتعزيز السلام الإقليمي ومساهمات مصر المحددة والمستمرة في أولويات الأمن القومي للولايات المتحدة، وخاصة لإتمام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وإعادة الرهائن إلى ديارهم، وزيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، والمساعدة في تحقيق نهاية دائمة للصراع بين “إسرائيل” و”حماس”.

 

هذا التعليل يستدعي التوقف أمام عدة نقاط:

1- حديث الخارجية الأمريكية عن “تعزيز السلام وإتمام وقف إطلاق النار” يتعارض مع فشل الوسطاء ومنهم مصر في إحراز أي تقدم في المفاوضات

2- المساعدات الإنسانية التي تتحدث عنها أميركا لا تدخل من معبر رفح بل يتم شحنها إلى معبر كرم أبو سالم للتفتيش والتدقيق وهو خاضع للسيطرة الصهيونية، وكل ما يدخل غزة هو بقرار صهيوني ولا ناقة لمصر ولا جمل في دخول المساعدات.

وهنا تضاف أسئلة أخرى، وهو كيف تساعد مصر في خدمة الأمن القومي الأمريكي وفي وضع نهاية للصراع كما عللت الخارجية الأمريكية؟ ومحاولة الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب مناقشة عدة عناوين، نراها ذات صلة بهذه الإجابة:

 

ما “المعونة الأمريكية” وشروطها؟:

“المعونة الأمريكية” لمصر هي مبلغ ثابت سنويًا تتلقاه مصر من الولايات المتحدة الأمريكية منذ توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” المصرية “الإسرائيلية” عام 1978، وتحوّلت منذ عام 1982 إلى منح لا ترد بواقع 3 مليارات دولار لـ”إسرائيل”، و2.1 مليار دولار لمصر، منها 815 مليون دولار “معونة اقتصادية”، و1.3 مليار دولار “معونة عسكرية”.

وهذه “المعونة” تساعد في تعزيز الأهداف الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وقد استفادت من خلالها واشنطن الكثير، مثل السماح لطائراتها العسكرية بالتحليق في الأجواء العسكرية المصرية، ومنحها تصريحات على وجه السرعة لمئات البوارج الحربية الأمريكية لعبور قناة السويس، إضافة إلى التزام مصر بشراء المعدات العسكرية من الولايات المتحدة.

ما علاقة المنطقة (د) في اتفاقيات “كامب ديفيد” ومستقبل غزة بعد الحرب؟

المنطقة (د) في اتفاقيات “كامب ديفيد” هي المنطقة المتعلقة بالجانب “الإسرائيلي” والتي تحظر الاتفاقية وبنودها على “إسرائيل” التمركز في تلك المنطقة بأكثر من 4 آلاف جندي بأسلحة قوات المشاة الميكانيكي في منطقة عمقها 4 كيلومترات على الجانب “الإسرائيلي” من الحدود، وأنها مصرح لها بـ 180 مركبة ومنشأة وتحصين عسكري في هذه المنطقة. أما دخول قوات مدرعة أو مدفعية فهو يعد انتهاكًا للاتفاقية.

ولا تسمح بنود الاتفاقية للكيان بزيادة عتاده العسكري لأي سبب إلا بعد التنسيق مع الجانب المصري وموافقته وإلا يعد ذلك مخالفًا للشروط وانتهاكًا صريحًا للاتفاق بين البلدين.

وكانت غزة وقت توقيع الاتفاقية تحت الاحتلال الصهيوني، وبالتالي شملتها الاتفاقية، ويقع محور فيلادلفيا والذي يضم معبر رفح داخل هذه المنطقة.

ومع انسحاب الكيان من غزة عام 2005 بعد ما سمي بـ”فك الارتباط”، خضع المحور ومعبر رفح لاتفاقية خاصة سميت “بروتوكول فيلادلفيا”، وهو لا يلغي أو يعدل اتفاقية “كامب ديفيد”، والتي تحد من الوجود العسكري للجانبين في تلك المنطقة.

وبالتالي شكل دخول الدبابات الصهيونية للمحور انتهاكًا صريحًا للاتفاقية برمتها وليس لـ”بروتوكول فيلادلفيا” فقط، ويشكل احتلال العدو للمحور بأي حجم للقوات خرقًا لبروتوكول ملحق بالمعاهدة، أي يشكل خرقًا لها.

وقد تواترت التقارير التي تفيد بأن الوفد “الإسرائيلي” كشف خلال جولة المفاوضات في القاهرة عن رغبة “إسرائيل” بإلغاء “بروتوكول 2005” المعروف باسم “اتفاق فيلادلفيا”، كما طلب الوفد إدخال تعديلات على الملاحق الأمنية للاتفاق بين مصر و”إسرائيل” الموقع عام 1979، ويتعلق الأمر بالمنطقة “د” والتي تضم المنطقة الحدودية على طول الشريط الحدودي بين مصر والنقب وقطاع غزة.

وبالتالي فإن مستقبل غزة بعد الحرب في التصور الصهيوني هو في السيطرة والاحتلال بمنطق الأمر الواقع والإذعان حتى مع من وقع معهم اتفاقيات مزعومة، وذلك عبر إجبارهم على تعديلها وفقاً لمصالحه.

 

ما المطلوب من مصر لخدمة الأمن القومي الأمريكي؟

يبدو أن المطلوب من مصر أمريكيًا هنا هو التجاوب والمشاركة في مشروع مستقبل غزة وفقًا للسيناريوهات “الإسرائيلية” والأمريكية، ومن أمثلة ذلك ما أشارت إليه تقارير صهيونية بطلب موافقة مصر والإمارات على المشاركة في قوات دولية في غزة، ضمن ترتيبات “اليوم التالي”.

كما أن المطلوب هو عدم تصعيد مصر وعدم استخدام أي وسائل للضغط  من نوعية وقف التنسيق الأمني، أو تجميد التطبيع مع الكيان، أواستدعاء السفير المصري من “تل أبيب”، أو اللجوء للتحكيم الدولي لانتهاك اتفاقية “كامب ديفيد”.

كما يبدو أن المخطط أمريكياً هو بعض مما أشارت إليه تسريبات تفيد بإمكانية موافقة مصر على احتلال المحور والمعبر ولو تحت عنوان السيطرة مرحلية، والتكيف مع ذلك، مقابل دعم أميركي وإماراتي، ومنح القاهرة امتيازات سرية عسكرية واقتصادية وتنسيق أمني واستخباراتي على أعلى مستوى في ما يتعلق بإدارة الممر.

ما الأهداف الأمريكية المستنتجة من هذه الخطوة؟

 

نستطيع استنتاج بعض دلالات هذه الخطوة الأمريكية ربطًا بما سبق:

1- تثبيت اتفاقية “كامب ديفيد” عبر الالتزام بكامل المبلغ المنصوص عليه ب”المعونة”، وهو نوع من أنواع تحفيز مصر على الالتزام بها مهما كان حجم الانتهاكات الصهيونية.

2- إحراج مصر بوصفها شريكاً وربط “المعونة” بوساطتها، وبالتالي دفعها للقبول بالانتهاكات الصهيونية حتى لا تبدو هي المعرقل لنجاح المفاوضات.

3- وربما يكون من ضمن الأفكار الأمريكية هو تحرير مصر من فزاعة حقوق الإنسان والتشجيع على حظر وقمع أي تظاهرات او احتجاجات مناصرة لغزة.

 

العهد الاخباري: ايهاب شوقي

قد يعجبك ايضا