سبق الرسول إلى ميادين النجدة والشجاعة
د. حمود عبدالله الأهنومي
من الطبيعي، بل ومن اللازم والواجب، أن نُيَمِّم وِجهتنا نحو النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مناسبةٍ وفي غير مناسبة؛ لنَميرَ من معينه الصافي، ونبعه النقي، ونستمد من هديه الكريم، ومواقفه الحكيمة، وسلوكاته الشجاعة، وروحيته المعطاءة والعالية، ما يفيدنا في واقعنا المعاصر؛ لمواجهة التحديات التي تواجهنا اليوم؛ لا سيما وأنه صلى الله عليه وآله وسلم يشكل حلقة الوصل الوحيدة بيننا وبين من اصطفاهم الله واختارهم من الأنبياء والمرسلين، وجعلهم النماذج المشرفة لكل العالمين من ورائهم.
لقد خاض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تجربته البشرية بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى، وتعامل مع النواميس والقوانين التي فطر الله العالم والكون عليها، وكان صلى الله عليه وآله وسلم حينما يقوم ويقوم أصحابه معه بتوفير العوامل التي تساعده على تحقيق أهدافه وغاياته كانت تلك الأهداف والغايات تتحقق على أرض الواقع، وحينما يقصِّر أصحابُه أو يفرطون في شيء منها كان يترتب على ذلك التقصير أو التفريط النتائج المادية والمعنوية المتوقعة، أي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يتعامل مع تلك العوامل والقوانين والنواميس التي لا تزال تفرض علينا تأثيراتها في واقعنا اليوم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن تجربة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقصة نجاحه قابلة للتكرر فينا اليوم؛ إذ نتعامل مع ذات الظروف والعوامل والقوانين والنواميس التي تعامل معها.
شجاعة الرسول الأعظم
وعليه فإن من أهم ما يجب علينا تعلُّمُه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جهاده الكبير، وشجاعته العظيمة؛ فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم أول المستجيبين للتحديات التي فُرِضَتْ على مجتمعه، وكان السبَّاق إلى كل معركة، والمُقَدَّم في كل ميدان، ويكفينا أن الإمام عليا عليه السلام، وكان أشجعَ الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يصفه بقوله: “كنا إذا احمرَّ البأس، ولقي القومُ القومَ، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فما يكون أحدٌ أقربَ إلى مواقع العدو منه”، بل قال أيضا: “لقد رأيتُنا يومَ بدر، ونحن نلوذ بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أقربُنا إلى العدو، وكان من أشدِّ الناس يومئد بأسا”، وهذا يبيِّنُ أن قيادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للجبهات الجهادية العسكرية كانت قيادة من الأمام في كثير منها، وكان في الصفوف الأولى للمعارك.
وقد قدّم القرآن الكريم صورة عظيمة في هذا السياق لهذا النبي الكريم والشجاع، فهو يصفه بأنه هو الذي يقود ميدانيا أصحابه المجاهدين؛ فقال تعالى: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، في بيان واضح بأنه هو الذي كان يخطط ويقود ميدانيا معركة القتال والحرب مع الأعداء المشركين، وقال تعالى: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ)، في بيان واضح بأنه كان السباق إلى كل معركة، وقال تعالى: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا)، في بيان واضح بأنه كان يقاتل بنفسه، وكان يقوم بعملية القيادة والتوجيه والتعبية المعنوية والروحية لأصحابه المقاتلين، وهذا كله يرسم لنا صورة رائعة جدا عن أداء رسول الله القتالي والجهادي في أرض المعركة، وهي صورة حاول أعداء هذه الأمة تشويهها، أو تحريفها.
نماذج سيئة
فهناك مَنْ صوَّر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بشكل نمطي سلبي، عندما جعلوا النموذج الإيجابي للمسلم الحق، والطيب، والرائع، هو ذلك النموذج الجامد، الذي لا يعرف معركة، ولا يحمل سلاحا، ولا يقتل عدوا، وهناك من الأعداء مَنْ صوَّره بشكل وحشي ومتعطش للدماء، ومتهور، لا يحمل حكمة، وليس لديه فكر ولا روية، وكلا الصورتين حَرَّفَتْ وتحرِّف ما كان عليه واقع الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، الذي كان شجاعا، وكان مجاهدا، وكان من السباقين إلى قتال الأعداء، لكن ذلك كان من منطلق عطفه ورسالته الإنسانية ورحمته للعالمين التي ما بُعِثَ إلا بها ومن أجلها، فاتَّحَدَ بها، وصار إليها؛ كما تشير إلى ذلك الآية الكريمة التي تقول: (وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، والآية الكريمة: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القلب لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فاعف عَنْهُمْ واستغفر لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر)، والآية الكريمة: (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)، والآية الكريمة التي تعتبر من أعظم أوصاف رسول الله، التي تقول: (وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
لقد كان شديدا على الأعداء المعتدين، وكان رحيما بأصحابه، وهذا ما يتطلبه الواقع منا اليوم، قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله والذين مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ)..
اليمن يقتدي بنبي الأمة
إننا – كيمنيين نتعرض لعدوان وحشي عالمي من قبل أئمة الكفر من اليهود والنصارى المعتدين وأوليائهم المنافقين – بحاجة إلى العودة إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يتحرك في مواجهة جمهرة كبيرة من أعداء الدين والإسلام؛ إذ نجد أن سيرته صلى الله عليه وآله وسلم مواقفه التاريخية تتكرر في واقعنا اليوم مع نفس الأعداء وبذات المواقف، ولن ننتصر في هذه المواقف وعلى هذه التحديات إلا بالروحية العظيمة والمعطاءة التي كان عليها نبينا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أدل على تلك النفسية القوية والمبادِرة والمِعطاءة والشجاعة ممَّا ورد في الرواية عن الإمام جعفر الصادق، حيث ذكر أن المشركين (أغاروا ذات مرة على سرح المدينة (أي أنعامها السائمة التي ترعى)، فنادى فيها منادٍ: يا سوءَ صباحاه، فسمعها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فركب في طلب العدو، وكان أول المطارِدين لأولئك المعتدين، وكان أول أصحابه لحوقا به أبو قتادة على فرس له، وكان تحت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرْجٌ دفتاه ليف، ليس فيه أشَرٌ ولا بَطَرٌ، فطلب العدو، فلم يلقوا أحدا، وتتابعت الخيل، وكان العدو قد انصرف هاربا).
هذه الرواية تخبرنا أن رسول الله كان أول المنجدين، وفي طليعة المبادِرين، وأنه ركب مركوبا متواضعا، وهذه هي طريقته ونفسيته وروحيته العظيمة في مواجهة المهمات الأمنية والعسكرية التي هدَّدت سلامة مواطني دولته الناشئة، وهي النفسية والطريقة والروحية التي يجب أن نتمثلها اليوم في واقعنا كمنتسبين إلى السلك العسكري والأمني، ونحن نواجه تحديات خطيرة وكثيرة، ولا نجاة لنا منها إلا بالاقتداء بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مبادرةً وشجاعةً وجهادا وتواضعا وإخلاصا، وشعورا عميقا وقويا بالمسؤولية، وحسا أمنيا وعسكريا عاليا، وحكمة وقيادة.
إن مناسبة المولد النبوي فرصة عظيمة للاطلاع أكثر على سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يفوت اللبيب منا أن يجعل من هذه المناسبة فرصة ومحطة للتعرف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشكل أعمق وأفضل وعلى أساس ما جاء في القرآن الكريم وما ورد في الروايات التاريخية التي لا تتعارض مع آيات القرآن الكريم، وهذا أمر لا مناص لنا كأمة ناهضة تتحرك نحو العلياء من أن نقتفي أثره، ونخطو خطاه، حتى تتكرر فينا تجربته الناجحة والمؤثرة والتي غيّرت العالم في غضون سنوات عديدة..