الخطاب الفصل يفضح المخطط الصهيو-أمريكي ويرسم طريق النصر

|| صحافة ||

في خطبته الثانية، يوم أمس الجمعة، والتي خصصها لتأبين شهيد القدس ودرة لبنان الساطعة واللسان الناطق باسم شعوب المنطقة السيّد حسن نصرالله -رضوان الله عليه- والتي خاطب فيها الأمة الإسلامية، كان قائد الثورة الإسلامية سماحة الامام السيد علي خامنئي دقيقًا وحريصًا في الوقت ذاته على توصيف الصراع وحقيقته بكشفه العلني للمخطط الصهيو-أمريكي الذي يتهدد المنطقة، وينفذه الكيان “الإسرائيلي”.

قال الامام السيد الخامنئي:”إن تركيز أميركا وأذرعها على حفظ أمن الكيان الغاصب ليس سوى غطاء لسياستهم المتبددة القاضية بتحويل الكيان إلى أداة للاستحواذ على جميع الموارد الطبيعية لهذه المنطقة، واستثمارها في الصراعات العالمية الكبرى. هدف هؤلاء تحويل هذا الكيان إلى بوابة لتصدير الطاقة من المنطقة إلى بلاد الغرب، واستيراد البضائع والتقانة من الغرب إلى المنطقة، وهذا يعني ضمان وجود المغتصب، وجعل المنطقة بأجمعها تابعة له.”

إن التمعّن بما قاله سماحة الامام الخامنئي يقودنا للعودة إلى التفكير في انطلاقة “طوفان الأقصى”، منذ ما يقارب العام في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وإلى الأحداث والظروف والمعطيات “الجيوسياسية” و”الجيواقتصادية” التي سبقته، والبحث في السلوك والسياسات الأمريكية والغربية و”الإسرائيلية” طوال هذا العام من أجل الوقوف عند حقيقة الصراع والمعركة التي تتهدد منطقتنا العربية والإسلامية وشعوبها، والتي أريد لها أن تكون منطلقًا للتحكم والسيطرة والنفوذ على العالم أجمع؛ كما أوضح السيد الخامنئي.

بناءً على ذلك؛ يمكن لنا إعادة صياغة مفاهيم الصراع ومقدماته ومراحله ونتائجه وفقًا للمحاور الآتية:

أولًا؛ لم يكن مشروع “الربيع العربي”، في مطلع العقد الثاني من القرن الحالي، وباعتراف كبار المسؤولين في الغرب الجماعي إلّا مخططًا أميركيًا – صهيونيًا لإعادة ترتيب المنطقة بعد إنهاك دولها، وتدمير مقومات قوتها تمهيدًا للتدخل في شؤونها ووضع مقدراتها تحت سيطرة الولايات المتحدة، وتلزيم قيادتها للكيان “الإسرائيلي”.

ثانيًا؛ بعد فشل مشروع “الربيع العربي” في سورية وتدحرج الفشل إلى كل من اليمن وتونس ومصر؛ لجأت الولايات المتحدة في نهاية العقد الفائت إلى طرح مشروعين بديلين هما “السلام الإبراهيمي” و “الناتو الشرق أوسطي”، في محاولة جديدة منها لدمج الكيان “الإسرائيلي” في المنطقة .

ثالثًا؛ بالتوازي مع ذلك بدأت الولايات المتحدة بطرح مشاريع اقتصادية و”جيواقتصادية”؛ وخاصة ما يتعلق منها بالطاقة، مصادرها وممراتها البرية والبحرية، على أن يتحول الكيان “الإسرائيلي” إلى محور لكل تلك المشاريع. وفي هذا الإطار برز مشروع “إيست ميد” “الإسرائيلي” لنقل الغاز من حيفا إلى قبرص وإيطاليا، ومشروع منتدى غاز شرق المتوسط الذي يضم، إلى جانب الولايات المتحدة و”إسرائيل”، كل من مصر والأردن واليونان والإمارات وفرنسا وغيرها، وكذلك مشروع قناة “بن غوريون” الذي يهدف لوصل البحر الأحمر بالبحر المتوسط عبر فلسطين المحتلة، وأيضًا مشاريع للسكك الحديدة وخطوط النفط من دول الخليج إلى حيفا .

رابعًا ؛ آخر ما عُمل عليه والتخطيط له كان مشروع “نيوم” السعودي شمال غرب المملكة على البحر الأحمر، وكذلك مشروع “الممر الهندي-الشرق أوسطي-الأوروبي”، وكلا المشروعين اعتمد في طرحهما التطبيع السعودي- الإسرائيلي شرطًا لازمًا لنجاحهما واستمرارهما. ولهذين المشروعين جوانب تجارية وطاقوية وفي مجالات التجارة العالمية والبرمجيات وسلاسل توريد الغذاء وقضايا أخرى متعلقة بالمناخ.

خامسًا؛ لأجل كل تلك المشاريع؛ كان لا بد من العمل على إعادة صياغة الهويات والأديان في المنطقة، وإعادة دمجها بشكل يسمح للكيان “الإسرائيلي” بالاندماج فيها تمهيدًا لتكليفه بقيادتها عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا وامنيًا وتكنولوجيًا وطاقويًا، من خلال مد أذرعه في وادي النيل وأخرى في الخليج، وثالثة شرق المتوسط .

سادسًا؛ أدركت الولايات المتحدة بأن تحقيق هذا الهدف يستوجب أولًا تصفية القضية الفلسطينية على أساس أن كل تلك المشاريع خطط لها لتجتمع في عقدة الجغرافيا الفلسطينية؛ بهدف تحويل الكيان “الإسرائيلي” إلى محور وبوابة يجري من خلالها التحكم بكل تلك المشاريع وتحقيق أهدافها.

سابعًا؛ لأجل تصفية القضية الفلسطينية لجأت واشنطن، ومعها “تل أبيب”، إلى أساليب عديدة منها ما هو عسكري ومنها ما هو سياسي واقتصادي، فكان العدوان على لبنان في العام 2006، والعدوان على غزة في العام 2008، والاعتداءات المستمرة على سورية، والعدوان على الضفة الغربية في العام 2022، والعدوان على اليمن في العام 2015، وأعلنت انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران، وفرضت عقوبات صارمة على تلك الدول والقوى التي عارضت وقاومت تصفية القضية الفلسطينية، فأخضعتها لحصار اقتصادي ومالي وتجاري.

ثامنًا؛ تمكّنت جبهة المقاومة من تطويق المخططات والمشاريع الصهيو-أمريكية، جغرافيًا وسياسيًا وأمنيًا وعسكريًا، امتدادًا من البحر المتوسط إلى باب المندب ومنه إلى مضيق هرمز، ومن ايران إلى العراق وسورية ولبنان. وتعرض المشروع الأميركي لانتكاسة كبيرة وخاصة بعد إسقاط صفقة القرن قبل أن يجهز “طوفان الأقصى” على فصول مشروعهم لوضع المنطقة تحت سيطرة الكيان “الإسرائيلي”، بل إنه يمكن القول بأن الطوفان كان حركة محقة وطبيعية ومشروعة للشعب الفلسطيني المظلوم؛ كما قال الامام السيد الخامنئي في خطبته.

تاسعًا؛ يتكشف من كل ذلك بأن حرب الإبادة الجماعية والتدمير الوحشي والممنهج ومخطط التهجير الذي تمارسه “إسرائيل”، بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة، في غزة والضفة الغربية ولبنان طوال عام على انطلاق طوفان الأقصى لم يكن سوى ردة فعل وحشية نابعة عن “الهيستريا” التي أصابتهم بعد فشل مشروعهم، ومحاولة بائسة منهم لإعادة فرضه بالقوة. وليس صحيحًا بأن الكيان الصهيوني وحليفه الأميركي يسعون لإعادة الأسرى أو إعادة المستوطنين إلى مستعمرات الشمال كما يحاولون الترويج له، ولو كان الأمر كذلك لوافقوا على وقف إطلاق النار بالتزامن على كل جبهات الصراع، من غزة إلى لبنان إلى كامل جبهات الإسناد .

عاشرًا؛ لقد أثبتت جبهة المقاومة أنها، ومهما اشتد العتو والترهيب والقتل والإجرام بكل صنوفه، بأنها لن تتراجع عن تحقيق النصر في هذا الصراع، ولن تسمح بمرور المخطط البائد، ولن تسمح للولايات المتحدة والغرب عمومًا في تنصيب “إسرائيل” حاكمًا على المنطقة وتحويلها إلى بوابة تتحكم بتجارتها واقتصادها وممراتها ومصادر طاقتها، مهما قدمت وستقدم من تضحيات. وكما أوضح الامام السيد الخامنئي؛ فإن ما دمر سيعاد بناءه، وأن الشهداء، وخاصة القادة منهم، سيكونون مصدر عز وفخار وباعث على النصر.

أخيرًا؛ إن لغة التحدي واليقين بالنصر التي أظهرها السيد الخامنئي، في هذه المرحلة التي تشهد تهديدات “إسرائيلية”- أميركية بالاعتداء على الجمهورية الإسلامية بعد أن لقنت العدو الصهيوني درسًا رادعًا من خلال الهجوم الصاروخي الذي أصابه بمقتل، هذه تعني أن الكيان “الإسرائيلي” يغامر بمنشآته الطاقوية “النفطية والغازية والكهربائية”، وليس لديه القدرة على احتمال مجابهة إيران وجبهة المقاومة في حرب شاملة ومفتوحة، والتي وإن غامر بها فسيكون قد استعجل زواله، وهو الذي بات يتحسس خطر وجوده بعد عام من الطوفان الذي أعاده 70 عامًا إلى الوراء؛ عندما كان يخشى وجوده في بداية إعلانه، كما أوضح السيد الخامنئي.

يبقى لنا القول بأن هزيمة هذا الكيان تعني هزيمة للمشروع الصهيو-أمريكي الذي تحدثنا عنه، وتفويت الفرصة على الأميركي الذي يسعى لاستعباد شعوب المنطقة والأمتين العربية والإسلامية. ولعل اختيار الامام السيد الخامنئي للغة العربية الفصحى في خطبته لم يكن عبثًا، بل لازمةً لا بد منها ليصل صوت الحق والعقل إلى شعوب هذه المنطقة لتدرك حقيقة هذا الكيان وحقيقة ما يراد بها ولها، ولتعي أهمية اتحادها في مواجهة ذلك.

إن هزيمة المشروع الصهيو-أمريكي، في هذه المنطقة الأهم في جغرافيا العالم السياسية والاقتصادية، تعني بالضرورة هزيمته على الصعيد العالمي، ومن هذا المنطلق كان تأكيد السيد الخامنئي بأن مقاومة هذا المشروع تمثل خدمة للإنسانية جمعاء ..

 

العهد الاخباري: حيان نيوف

 

قد يعجبك ايضا