عام على طوفان الأقصى..رسائل المقاومة أبعد من “تل أبيب”

|| صحافة ||

في إطلالة استثنائية وغير اعتيادية، تُعدّ الأولى من نوعها منذ اغتيال الشهيد قاسم سليماني في العام 2019م، أَمَّ سماحة آية الله الإمام السيد علي الخامنئي صلاة الجمعة، والتي اطلق عليها “جمعة النصر”، مع ما تضمنته من حدث جلل، تمثل في تأبين سيد الشهداء على طريق تحرير الأقصى سماحة الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله ونائب القائد العام لحرس الثورة الاسلامية لشؤون العمليات الجنرال عباس نيلفروشان. إلّا أنها حملت العديد من الأبعاد والدلالات والرسائل تتعدى حدودها، من حيث التوقيت والشكل والمضمون، الجغرافية الإيرانية لما هو أبعد بكثير من النطاق الإقليمي…. فما كانت تلك الحدود وما هي أبرز معالم هذا الخطاب؟

هناك العديد من السمات والخاصيات التي اتسم بها هذا الخطاب، والتي يمكن أن نورد بعضها وفقًا للتسلسل الآتي:

أولًا: من حيث التسمية؛ يؤكد إطلاق تسمية “جمعة النصر” ثبات رؤية السيد الإمام، ومن خلفه محور المقاومة، بأنّ النصر هو حتمي ضد المشروع الصهيو-أميركي في المنطقة، وأن استشهاد القادة وإن كان حدثًا أليمًا وجلل، لكنّه لا يؤثر في سيرورة المقاومة التي أرادها هؤلاء القادة الشهداء أن تكون إرثًا مقدسًا وثقافة وعقيدة واضحة المعالم والتوجه والمسار باتجاه تحرير فلسطين المحتلة.

ثانيًا؛ من حيث التوقيت السياسي؛ جاءت هذه الخطبة وتزامنت مع تسارع التطورات والأحداث المتراكمة على مستوى الصراع الوجودي مع الكيان المغتصب، إذ تتمثل أبرز مكنونات هذه الأحداث والتطورات في:

  1. اغتيال خيرة القادة لمحور المقاومة، وفي مقدمتهم الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله.
  2. التركيز على أهمية هذه الخطبة كونها تتزامن والذكرى السنوية الأولى لعملية “طوفان الأقصى” شهدتها فلسطين المحتلة في السادس من تشرين الأول 2023م.
  3. “خطبة النصر” أسقطت أحد أبرز أكاذيب الحرب النفسية الشرسة التي ينشرها الكيان، من خلال الدعايات والإشاعات المنافقة بأنّ سماحة القائد مختبئ في مكان محصن وسري، ليظهر القائد بكل ثقة وطمأنينية بين حشود غفيرة من أبناء شعبه “في مصلّى الإمام الخميني” في طهران، وهو من أبرز المعالم الدينية المقدسة بالنسبة إلى الإيرانيين وأكثر المناطق المكشوفة.
  4. جمعة النصر تزامنت مع قدرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية من تكريس معادلة الردع مع الكيان الصهيوني، والثأر والانتقام لدماء شهداء المقاومة في ليلة “الوعد الصادق2″، والتي اطلقت من خلالها القوات الإيرانية ما يقارب من 200 صاروخ باليستي، أدخلت الكيان على المستويين الرسمي وغير الرسمي في إرباك ورعب أدت إلى هروب أكثر من 10 ملايين مستوطن إلى الملاجئ، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو”.

ثالثًا: من حيث الشكل؛ الكلمة التي تضمنها خطاب قائد النصر، تضمنت العديد من الرسائل برمزيتها المختلفة:

  1. طوال الخطبة كان سماحة الإمام السيد علي الخامنئي يتكىء ويمسك ببندقية حربية، وهو ما يعني أن خيار المقاومة بيد أمينة، ولن يتفاوض عليها بالرغم من الضغوط والإغراءت كلها التي تتعرض لها إيران للتخلي عن دعم هذا الخيار من ناحية، ومن ناحية أخرى إيران كلها في تأهب واستعداد، ويدها على الزناد في ظل التهديدات الصهيونية بالاعتداء عليها إيران مجددًا بعد ليلة “الوعد الصادق2”.
  2. الحضور الشعبي الواسع ومتابعة خطاب القائد داخل إيران، بشكل خاص، يؤكد مدى التفاف الشعب الإيراني حول قيادته وتماسكه ومناعته ضد أي محاولات اختراق من المشاريع الصهيو-أميركية التي ألمح إليها نتنياهو في أحد تصريحاته منذ أيام، عندما دعا الشعب الإيراني للانقلاب والتمرد ضد نظامه السياسي.
  3. إلقاء قسم كبير من خطاب النصر باللغة العربية، على غرار خطاب سماحته في العام 2003م، عندما توجه إلى الشعب العراقي وتحذيره من مخاطر العدوان الأمريكي على العراق وضرورة التصدي له. إذ إنّ أهمية المرحلة التي تشهدها المنطقة عمومًا، ودول المحور ولاسيما لبنان وفلسطين من عدوان همجي عسكري ونفسي خصوصًا، تتطلب الكثير من الوعي والإدراك والدعم، وشرح ما حققته المقاومة من انجازات أدت إلى إعادة الكيان 70 عامًا إلى الوراء، فضلًا عن رغبة سماحة القائد في إظهار مكانة سيد الشهداء الأمين العام للمقاومة اللبنانية سماحة السيد “حسن نصرالله” عنده شخصيًا، وإبراز دوره وتأثيره الإقليمي، بقوله: “ارتأيتُ أن يكونَ تَكريمُ أخي وعزيزي ومَبعَثُ افتِخاري والشّخصيّةُ المحبّوبةُ في العالمِ الإسلامي، واللسانُ البليغُ لشعوبِ المنطقة، ودُرّةُ لُبنانَ السّاطِعَةُ، سَماحَةُ السيّد حَسن نصر الله- رضوان الله تعالى عليه- في صلاةِ جُمعةِ طَهران، وسأتطرّقُ أيضًا لبعضِ النّقاط”.

رابعًا: في المضمون؛ تضمن خطاب النصر مجموعة من المقاربات التي انبثقت بشكل تداعيات جيواستراتيجة لعملية “طوفان الأقصى”، وخاصة إنها تزامنت مع الذكرى الأولى لهذه العملية المباركة، وتدور أبرزها في:

  1. عودة القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الإقليمي والدولي بفعل العمل المقاوم للفصائل الفلسطينية وقدرتها على التصدي للاعتداءات الصهيونية منذ عام، بالرغم من المحاولات كلها لتذويب هذه القضية، وتغييبها من اهتمام وعقلية المستويات السياسية والشعبية في المنطقة والعالم. وهذا ما برز في كلام السيد القائد: “لا ريبَ في أن أحلام الصهاينة والأميركيّين هذه إنّما هي محضُ أوهامٍ مستحيلة، فالكيانُ ليس إلّا تلكَ الشجرةَ الخبيثةَ التي اجتُثَّت من فوقِ الأرض، وقد صدَقَ قولُهُ تعالى {مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}”.
  2. دور المقاومة في استعادة الحقوق وصيانة الأوطان ومواجهة الغطرسة والمشاريع الصهيو-أميركية، في المنطقة، بما في ذلك نهب الثروات وسلب السيادة، وتسويغ الاعتداءات على شعوب المنطقة. كما أن هذه المقاومة أظهرت مدى وحشية الكيان وداعميه، وانتهاكهم للقانون الدولي ومبادئه، وأظهرت في ما أظهرته سقوط الوهم والدعاية التي روجّ لها الكيان على مدى أكثر من سبعة عقود لما يسمى “عنصر التفوق” و”الجيش الذي لا يقهر” وغيرها.. وهذا ما انعكس في كلام اللإام السيد بجمل متعددة في خطبة النصر، لعل أبرزها: “هذا الكيانُ الخبيث، بلا جذور، ومزيّفٌ ومتزعزع، وقد أبقى نفسه قائمًا بصعوبةٍ عبرَ ضخّ أميركا الدعم له، ولن يُكتبَ له البقاءُ- بإذن الله تعالى- أُغدِقَت عليهِ المساعداتُ المختلفةُ من أميركا وعددٍ من الدولِ الغربية، وقد مُنيَ بالهزيمة في مواجهة بِضعة آلاف من المكافحينَ والمجاهدين في سبيل الله المحاصرينَ الممنوعينَ من أيّ مساعدةٍ خارجيّة، وكانَ إنجازَهُمُ الوحيدُ قصفَ البيوتِ والمدارسِ والمستشفياتِ ومراكزَ تجمّعِ المدنيّي،. إنّ المقاومةَ في المنطقة لن تتراجعَ بشهادة رجالِها، والنّصرُ سيكونُ حليفَ المقاومة، لقد أوصلَ طوفانُ الأقصى وعامٌ من المقاومةِ… أعاد الكيانَ الصهيونيَّ سَبعينَ سنةً إلى الوراء”.
  3. زرع الدول الغربية للكيان في المنطقة كان هدفه إبقاء الدول الإقليمية، ولاسيما دول الطوق سابقًا، ومحور المقاومة اليوم في استنزاف وتدمير وقتل نتيجة السلوك الإرهابي للحكومات الصهيونية المتعاقبة، والتدخلات الخارجية بهذه الدول، وهذا ما يمكن الاستدلال عليه بقول المرشد:” العاملُ الأساسيُّ للحروبِ وانعدامِ الأمن والتخلّفِ في هذهِ المَنطِقَةِ هوَ وجودُ الكيانِ الصَّهيونيِّ… فالمشكلةُ الأساسُ في المنطقة هيَ تَدَخل الأجانبِ فيها”.
  4. وحدة الساحات بين محور المقاومة نصرة لفلسطين ولمواجهة المشاريع الصهيونية باتت أمرًا واقعًا، ولها مؤثر وحاضر بقوة من خلال جبهات الإسناد التي تصاعدت عملياتها بشكل تدريجي، ولاسيما جبهة الجنوب اللبناني التي أرهق حزب الله فيها هذا الكيان ودفعه للقيام بهذا الجنون الإجرامي مؤخرًا، ويمكن الاستشهاد على ذلك من خلال قول قائد النصر: ” بتدبيرِ السيّد نما حزب الله مرحلةً بمرحلة، بصبرٍ وبنحو منطقيّ وطبيعي، وأبرزَ آثارَهُ الوجوديّةَ أمامَ أعدائهِ في المراحلِ المختلفةِ عَبرَ دَحرِ العدوِّ الصَّهيوني، وحزب الله والسيّدُ الشهيدُ بدفاعهِم عن غَزّةَ، وجهادهم من أجل المسجدِ الأقصى، وإنزالهِم الضربةَ بالكيانِ الغاصبِ والظالم، قد خَطوا خطوةً في سبيل خدمة مصيريّة للمَنطِقَةِ بأكملِها، والعالم الإسلامي كلّه”.
  5. لعل من أبرز التداعيات عن عملية “طوفان الأقصى” وشهادة سيد الشهداء ورفاق دربه، هو ما لمسه الكاتب من تولي سماحة آية الله الإمام السيد علي الخامنئي مهام إدارة قيادة المحور ومواجهة المشروع الصهيوني. وهذا ما برز في جمل القائد الأبوية والقيادية التي تضمنه خطاب النصر، مثل ” أعزّائي، يا شعبَ لبنانَ الوفي، يا شبابَ حزبِ الله وحركة أمل المُفعَمَ بالحماسَة! يا أبنائي، وأيّها الأعزّة” وغيرها من جمل تؤكد رعاية سماحته وتوليه لإدارة وقيادة محور المقاومة في ظل التهديد والتلويح الصهيوني بدعم الولايات المتحدة الأمريكية من استهداف دول المحور وفقًا لخارطة “اللعنة” التي رفعها نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها 79 بشكل عام، وفي إطار تغيير معالم الشرق الأوسط من خلال استهداف إيران.

سيقى السؤال: هل سيتحمّل الأمريكي والصهيوني تبعات أي مغامرة على مستوى المحور؟ وهل يدركون ما معنى أن يتولّى قائد الثورة قيادة المحور؟

 

العهد الاخباري: محمد نادر العمري

قد يعجبك ايضا