إبعاد “اليونيفيل” يكشف مشروع نتنياهو الحقيقي وصوابية خيار المقاومة
|| صحافة ||
خرج نتنياهو مطالبًا الأمين العام للأمم المتحدة “انطونيو غوتيريش” بإجلاء قوات “اليونيفيل” العاملة في جنوب لبنان من مواقعها. أتى ذلك بعد يومين فقط على تعرضها للاستهداف المباشر وإصابة عدد من عناصرها، علمًا أن القوات الصهيونية المعادية كانت قد اتخذت من تلك القوات ببداية عمليتها العسكرية البرية درعًا بشريًا في محاولاتها اقتحام الحدود اللبنانية، ولم ينقذ هذه القوات إلا نبل المقاومة وحرصها على سلامتها في أثناء صدها لمحاولات الاختراق البري الصهيوني.
خطوة نتنياهو الخطيرة هذه إزاء “اليونيفيل” توجت بسلسلة اجراءات اتخذتها حكومة العدو، خلال العام الماضي، شكّلت تحدٍ وإهانة للمؤسسة الدولية الأم، منها إعلان الكيان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش شخصًا غير مرغوب به لدخول “اسرائيل”، ومنها تهديده محكمة الجنائية الدولية لملاحقتها قادته بجرائم حرب الابادة في غزة، ومنها ضربه بعرض الحائط قرار محكمة العدل الدولية الذي ألزم “إسرائيل” بوقف هجومها العسكري على مدينة رفح في قطاع غزة فورًا وفتح المعبر لدخول المساعدات الإنسانية للقطاع.
تصلف نتنياهو وتعنته هذا وجرائمه ضد الانسانية التي ارتكبها جيش كيانه في غزة؛ لم تقابل إلّا بصمت وتفرج دولي ما جعله يتمادى حتى وصل به الأمر إلى حدّ الاستخفاف بمصير كتائب “اليونيفيل” والمعروفة بأنها تتشكّل من قوى مختلفة (أوروبية، أفريقية، أسيوية) ما يعني أنه لا يعمل حسابًا للدول التي تنتمي إليها تلك القوات.. وهذا ما جعله يقدم على استهدافها، ثم الدعوة لإبعادها.
في هذا السياق؛ يُطرح السؤال الأبرز: ما خلفية هذا التطور الثلاثي الخطير(الاحتماء باليونيفل، استهدافها، إبعادها) والذي جاء متتابعًا في اسبوع واحد، وأي رسائل يبغي نتنياهو إيصالها للعالم؟ هل يريد الخلاص كليًا من القرار 1701 ودفنه إلى غير رجعة..؟
إذا كانت تلك أهداف نتنياهو المبيتة؛ فالسؤال يوجّه للداخل اللبناني: لماذا يرفعون القرار 1701 على أسنة الرماح إذًا ويعرونه مخرجًا آمنًا، طالما أن حكومة العدو من رأس هرمها لا تعيره لا هو ولا المنظومة الدولية بأكملها أي اهتمام؟.
هذا؛ ولأنّ الشيء بالشي يذكر، يحضرنا هنا المشهد ذاته في غزة، حينما استهدف جيش الاحتلال المؤسسات الدولية والإغاثية، ومنها “الأونروا” “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشعيل اللاجئين الفلسطينيين”، وهو ما عكس النوايا الصهيونية الحقيقية بتصفية قضية اللاجئين ومحاولة إغلاق الملف الخاص بحق العودة، وسلوك تصفوي لشرعية القضية. ولم تكن “الأونروا” المؤسسة الوحيدة التي استهدفت؛ بل تعرضت مركبات تابعة لبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، للقصف، وهو سلوك يرفع الحماية الدولية عن المدنيين والأطفال ويهدف إلى التهجير، بشكل صريح ومباشر، على أساس أن غزة المحاصرة الجائعة المعرضة للقصف في أي لحظة واي مكان لا تصلح للعيش.
المضحك المبكي أنه بالرغم من وضوح الشمس بانتهاك العدو للقرار 1701 بما يتجاوز 35 ألف انتهاك تنوعت ما بين اختراق الخط الأزرق والخروق البحرية والجوية منذ صدوره حتى “طوفان الأقصى”، ثم مواصلته لهذه الانتهاكات حتى اليوم. وهو ما تجلّى باستهداف المدنيين وقوات “اليونيفيل” وقواعد الجيش اللبناني، ومع ذلك يتعامى البعض عن كل ذلك ويحاول ترويج دعايات خبيثة بأن الحزب هو المسؤول عن عدم تطبيق القرار.
هذا السلوك الصهيوني منذ اللحظات الأولى للحرب يوحي بأنّ وراء الآكمة ما وراءها، وأن العدو يبيّت لأمر ما لربما ارتكاب جرائم جديدة، ولذلك يريد إبعاد قوات “اليونيفيل” عن الجنوب حتى لا تكون شاهدة على مذابحه كما حصل في مجزرة قانا الأولى في العام 1996، والتي طالت مدنيين لجأوا الى مقر تلك “القوات” لتحميهم لكنها لم تستطع لا أن تحميهم ولا أن تحمي نفسها، ليعود المشهد ويتكرر هذه الأيام في استهداف تلك القوات في الناقورة؛ علمًا أن مقر قيادة اليونيفيل يوجد في تلك المنطقة وهناك كانت تعقد اللقاءات تنسيقية فيما يخص القرار 1701، ما يعني أن العدو يسعى لتصفية هذا القرار.
على هذا الأساس، اذا كانت الأمم المتحدة لم تستطع أن تحمي قواتها كما لم تستطع أن تحمي المدنيين في قانا الذين لجأوا الى قواتها لحمايتهم في العام 1996، كيف يمكن للبعض في لبنان بعد كل هذا أن يواصل عزف معزوفته التي تتغنّى بالمجتمع الدولي والشرعية الدولية والأممية، ويتعامى عن كل هذه الاعتداءات والانتهاكات الصهيونية؟!..
من يراقب تصريحات وتقارير العدو بأنه لن يسمح بتكرار 7 أكتوبر/تشرين الأول على حدوده، يعلم أنّ المقصود ليست غزة فقط، بل الضفة ولبنان وسوريا، وتاليًا هو يعلم نية العدو المبيتة للعدوان على لبنان. وهذا ما فطنت إليه المقاومة في لبنان منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، فلم يكن أمامها من خيار سوى المواجهة وباللغة نفسها التي يعتمدها العدو ورعاته وهي لغة القوة، وإلّا البديل هو استعباد شعوب المنطقة، بمن فيهم من يخاصمون المقاومة ويحيكون ضدها المؤامرات، ويصطفون مع العدو.
العهد الاخباري: ايهاب شوقي