اليوم النوعي للمقاومة الإسلامية في لبنان.. إما يذعن العدو الآن أو الآتي اعظم
|| صحافة ||
حتى تاريخه؛ يمكن القول إن الرابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 هو اليوم الأكثر رمزية وفعالية على مستوى الأداء العسكري للمقاومة الإسلامية منذ بدء معركة “أولي البأس” في السابع عشر من سبتمبر/ أيلول الماضي. إذ من حيث الشكل؛ تحسم الأرقام هذه الميزة بسقف أعلى للعمليات؛ فقد بلغ عددها 50 عملية في يوم يواحد، وبيان الرقم 1 عن عملية حصلت، مساء الجمعة، استهدفت قاعدة “بلماخيم” الجوية جنوب “تل أبيب” بصلية من الصواريخ النوعية.
هذا؛ وأعلى رقم سجلته المقاومة هذا اليوم، بحسب بياناتها، أرفقه العدو بسلسلة أرقام ملفتة:
- 504 مرات دوّت صفارات الإنذار هذا اليوم في كيان العدو من شماله إلى وسطه (ما بعد تل أبيب) من السادسة صباحا حتى وقت متأخر من مساء الأحد.
- أكثر من 340 صاروخًا أطلقت، حتى المساء، على كيان العدو وعشرات المسيرات شلت الحياة في أول أيام الاسبوع، وأنزلت نحو 4 ملايين صهيوني إلى الملاجئ.
- إحصاءات الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية سجلت تنفيذ 34 عملية داخل كيان العدو، وبعمق بلغ 150 كلم عن أقرب نقطة حدودية (قاعدة أشدود البحرية)، 19 في المناطق اللبنانية المتاخمة للحدود الفلسطينية.
- بلغ عدد القواعد المستهدفة 9 من عكا إلى ما بعد تل ابيب، 5 مواقع وثكنات عسكرية، 14 مدينة ومستعمرة، 18 تجمعًا عسكريًا “إسرائيليًا”.
- أطلق 38 صاروخ أرض – أرض من النوع الثقيل، بينهم 4 صواريخ نوعية و7 صواريخ موجهة دمرت 6 دبابات في منطقتي التوغل “الإسرائيلي” في البياضة في القطاع الغربي وديرميماس في الأطراف الغربية للقطاع الشرقي، فدمرت وأحرقت، فقتل وجرح من فيها.
- 6 مرات قصفت تجمعات العدو العسكرية فقط في أطراف مدينة الخيام، 4 مرات في أطراف ديرميماس وعند مثلث كفركلا – ديرميماس، وتحركات عند موقع الراهب العسكري قبالة عيتا الشعب، وقصف تجمع في بلدة شمع بصليات صاروخية ومسيرات انقضاضية أبقت كل قوات العدو في مناطق التوغل الحدودية تحت نيران المقاومة، فأجبرت على التراجع في محور البياضة وكذلك في أطراف مدينة الخيام، مع معلومات ومشاهد تناقلها شهود عيان عن استبسال منقطع النظير لمجاهدي المقاومة الإسلامية في صد محاولات التوغل الصهيونية في الخيام والبياضة ومنعها من التقدم وتثبيت سيطرتها، ما جدد التأكيد، في هذا اليوم، المسار الصعب والتكلفة الباهظة التي يتعين على كيان العدو دفعها فيما لو أصر على الاستمرار في عمليته البرية.
هذه نقطة مهمة جدًا وأساسية، في برنامج عمل المقاومة لهذا اليوم الاستثنائي، والذي كان مشبعًا بالرسائل والرموز في أكثر المواقيت حساسية والمرتبطة بمصير ما يمكن تسميتها بالمحاولة الديبلوماسية الأخيرة لوقف إطلاق النار، والتي حسم فيها لبنان موقفه الإيجابي لجهة الموافقة عليها بعد تقديم ملاحظاته على الورقة الأميركية، وتثبيت مطلبي وقف إطلاق النار وعدم المس بالسيادة اللبنانية. هذا في حين يكرر العدو الإسرائيلي محاولة تحسين شروطه التفاوضية في الميدان البري، خصوصًا بعد استنفاد بنك أهدافه الجوي، حيث كانت نتائج يوم الأحد دامية ومهمة بالنسبة إليه لجهة فشله في فرض تنازلات لبنانية يجهد عبثا لتحقيقها.
يبدو أن قيادة المقاومة، والتي كانت تدير التفاوض بالميدان لمنع العدو من أي سوء فهم لتفاعلها الإيجابي مع مبادرات وقف النار، ذهبت إلى الحد الأقصى الذي يمكن القول إنه فاجىء العدو بنوعية وكثافة العمليات التي استهلت، عند السادسة والنصف صباحا بقصف هدف عسكري “إسرائيلي”- لم يسمه بيان المقاومة- في مدينة “تل أبيب” بشكل مكثف ومركز في عملية مركبة تكفل الإعلام الحربي في وقت لاحق من اليوم نفسه بالكشف عنها. وكانت عبارة عن إطلاق سرب من المسيّرات الانقضاضية ذات المدى البعيد وصليات من صواريخ فادي ٦ قبل أن تنقض صواريخ قادر ٢ على الهدف وتحقق الإصابات الدقيقة والمباشرة فيه، بحسب البيان الصادر.
لقد تقصدت المقاومة بدء نشاطها لهذا اليوم بقصف تلك الأهداف،ـ في “قلب تل أبيب”، ردًا على العدوان “الإسرائيلي” على العاصمة اللبنانية بيروت لتثبيت معادلة “تل ابيب مقابل بيروت”، والتي أكدها الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في إطلالته الإعلامية الأخيرة، على قدرة المقاومة على تنفيذها وتثبيتها. لهذه الغاية نفذت المقاومة الإسلامية ثلاث ضربات نوعية في “تل ابيب” وما بعدها: الأولى صباحا (الآنفة الذكر)، والثانية عند التاسعة صباحًا، أيضًا، واستهدفت للمرة الأولى قاعدة أشدود البحرية (150 كلم) بسرب من المسيّرات الانقضاضية أصابت أهدافها بدقة، والثالثة عند الواحدة ظهرا استهدفت قاعدة غليلوت (مقر الوحدة 8200) في ضواحي “تل أبيب” بصلية من الصواريخ النوعية.
إلى ذلك؛ يبدو أن قيادة المقاومة أرادت بهذا الزخم تثبيت مجموعة من الحقائق، في هذه اللحظات الحاسمة، من الصراع والبحث عن وقفه على الشكل الآتي:
1- إسقاط مقولة نتنتياهو، بعد سكرة ضرباته النوعية لحزب الله، أن أحدًا في الشرق الأوسط لن يجرؤ بعدها على المس بـــــ”إسرائيل”. وهو اعتقد أنه لوى ذراع المقاومة في لبنان وكسر إرادتها، لكنها أثبتت في الميدان، وبوتيرة تصاعدية وفي بضع ساعات في يوم واحدـ إرادتها وقرارها بالمضي في المواجهة حتى تحقيق النصر الموعود.
2- إفهام العدو بالنار المتواترة والمكثفة أن لديها ما يكفي من المخزون الاستراتيجي لاستعادة زمام المبادرة والضرب المستمر في العمق الصهيوني. وهي تُخرج له كل يوم أنواعًا جديدة من الصواريخ التي تدهشه وتصدمه وتروعه، وآخرها كان قبل يوم بإخراج الصواريخ المجنحة إلى الخدمة، مع ما تمتاز به من قدرة على المناورة والتخفي عن الرادارات والدقة في إصابة الأهداف، فضلاً عن المدى البعيد جدا الذي تقدر على الوصول إليه (مئات الكيلومترات، ما بعد كيان العدو).
هذه نقطة جدلية رمتها المقاومة، في كيان العدو، وأثارت مع عمليات هذا الشهر وعمليات، يوم أمس، نقاشًا واسعًا في الكيان حيال المعلومات المغلوطة التي تقدمها قيادته لجمهورها، بعدما أقنعتهم بأنها دمرت 80 في المئة من القدرات العسكرية لحزب الله. وقد أصبح هذا الموضوع مدار تهكم يومي، داخل الكيان المؤقت، حيث يلمس الجمهور “الإسرائيلي” بالنار في وقلب ووسط كيانه قدرات حزب الله الصاروخية والمسيّرة. وكان لافتًا، يوم أمس الأحد، كيف أن بعض القنوات “الإسرائيلية” تعرض على شاشاتها من أربعة مصادر، في توقيت واحد، صور الدمار الكبير والنيران التي اندلعت من نهاريا وعكا وحيفا وصولًا إلى “تل أبيب” في تغطية إعلامية نادرة تجاوزت الضوابط التقليدية للرقابة العسكرية، وحسمت كل الجدل “الإسرائيلي” حيال ما يملكه حزب الله من قدرات ومن إرادة لم تتزحزح قيد أنملة عن ثوابتها.
3- الخبرة التي تظهرها المقاومة يوميًا، في إدارة وتنفيذ هذه العمليات النوعية والمركبة، والتي تعكس معرفة دقيقة بخصائص أنظمة الدفاع الجوي الصاروخي الإسرائيلي وكيفية مشاغلتها بمسيّرات وصواريخ ذات مدى أقل قبل أن ينقض الصاروخ الأساسي على هدفه ويظهر فشل تلك المنظومات الأكثر تطورًا في العالم، ويرفع الصراخ داخل كيان العدو عن السبب في الفشل وعدم إسقاط صاروخ واحد قطع أكثر من مئة كلم متر، ولم يُسقط. هذه المباغتة والمراوغة والسيطرة التشغيلية تؤكد مجددًا أن اغتيال مستويات قيادية عليا في المقاومة لم يؤثر على إدارتها لهذا المستوى المتقدم من العمليات، وأن البدائل التي عُيّنت تملك خبرات ممتازة في هذا المجال، يجري اختبارها بكفاءة عالية يوميًا في الميدان مع كفاءة الأسلحة نفسها.
4- النقطة الأهم في زخم الانتظار للموقف “الإسرائيلي” النهائي من صيغة إطلاق النار الحالية تتمثل بعزم المقاومة الإسلامية على تثبيت معادلات جديدة يستمر مفعولها إلى ما بعد وقف إطلاق النار وتشكل قواعد الاشتباك المقبلة؛ حيث تظهر فشل العدو في تحقيق أهدافه الاستراتيجية، وتؤكد قدرة المقاومة على ضبط وردع جنونه وغطرسته. وهذا ما سيجعل من معادلة “تل أبيب مقابل بيروت” إحدى أهم مؤشرات النصر الموعود لأولي البأس الشديد.
بناءً عليه؛ يمكن القول إن المقاومة تموضعت، يوم أمس الأحد، في موقع تصعيدي عالٍ جدًا، سيكون له كبير الأثر في المستقبل القربب. وذلك إن لجهة إجبار العدو على حسم خياره والموافقة على ما وافق عليه لبنان، دولة ومقاومة، وضرورة ألّا يفهم الإيجابية اللبنانية دليلَ ضعفٍ يستغلها للإيغال في وحشيته وغطرسته، أو الذهاب إلى مرحلة تصعيدية تملك فيها المقاومة الإرادة والعتاد والخبرة التي تمكّتها- بإذن الله تعالى وعونه- من فرض شروطها وتحقيق أهدافها في كسر جبروت العدو.
العهد الاخباري: عبد الحسين شبيب