المُسَيّرات اليمنية خلف خطوط العدو الصهيوني
||صحافة||
تصاعدت العمليات اليمنية في عمق الاحتلال الصهيوني في الآونة الأخيرة، لا سيما الأسبوع المنصرم الذي شهد تنفيذ أربع عمليات نوعية ضربت أهدافًا حساسة للعدو الصهيوني في مختلف مدن فلسطين المحتلّة، منها ثلاث عمليات في ثلاثة أَيَّـام متتالية، والرابعة كانت الجمعة الفائتة، ليتوج اليمن بذلك مواقفه المناصرة لفلسطين بزخم كبير على كُـلّ المستويات.
وبالقفز عن العملية الأولى من بين الأربع، والتي نُفِّذَت في الثامن من ديسمبر بعدد من الطائرات المسيرة وضربت هدفًا حيويًّا جنوبي فلسطين المحتلّة بالتعاون من المقاومة العراقية، ندقق النظر حول باقي العمليات الثلاث التي نفذت في الـ9 والـ10 والـ12 من الشهر الجاري؛ كونها كشفت عن تفوق يمني جديد وثابت، مقابل فشل أمريكي صهيوني قد يتسم بالثبات أَيْـضًا في ظل تحَرّك العجلة اليمنية التطويرية بشكل متواصل أعجز الأعداء عن الردع أَو المواكبة على أقل تقدير.
في عملية الـ9 من ديسمبر، نفذ سلاح الجو المسير في القوات المسلحة اليمنية عملية استهدفت هدفًا حساسًا للعدو الصهيوني في منطقة “يفنة” في أسدود، جنوبي منطقة “يافا” التي يسميها العدوّ “تل أبيب” ويتخذها عاصمة له – بيد أنها باتت عاصمة غير آمنة على الإطلاق – وذلك بطائرة مسيرة واحدة نجحت في اختراق كُـلّ المنظومات الدفاعية ووصلت لهدفها بدقة عالية، وقد أظهرت المشاهد المصورة دقة الاستهداف والتأثير الذي أحدثته.
وعلى الرغم من أن السلاح المستخدم كان “طائرة مسيرة واحدة”، إلا أن العدوّ الصهيوني، ورغم انتشار المنظومات الأمريكية الحديثة في عاصمة الاحتلال، فشل في رصدها أَو تعقبها، وقد تمكّنت الطائرة من التشويش حتى أقر العدوّ الصهيوني بأنه اعتبرها طائرة صديقة لا معادية، وهذا تطور مزدوج وكبير، مقابل فشل ملحوظ وفادح وكبير أَيْـضًا.
أما في العملية الثالثة التي نفذت في الـ10 من ديسمبر، فقد برزت مؤشرات الفشل الصهيوني الأمريكي الدفاعي بشكل أكبر من سابقيه، حَيثُ كان الشق الأول من العملية ضرب ثلاث سفن إمدَاد ومدمّـرتين تابعات للبحرية الأمريكية، بعدد من الصواريخ والمسيرات، قبل أن يتم تنفيذ الشق الثاني من العملية بضرب هدفين حساسين للعدو الصهيوني في منطقتي “يافا – تل أبيب” وعسقلان، وذلك بطائرتين مسيرتين فقط.
وما يؤكّـد تصاعد الفشل الأمريكي الصهيوني بشكل أكبر هذه المرة، هو أن الطائرتين وصلتا لهدفيهما بنجاح دون أي رصد أَو تعقب رغم استنفار كُـلّ المنظومات الدفاعية الأمريكية المنتشرة في البحر بعد استهداف المدمّـرات وسفن الإمدَاد التابعة لواشنطن؛ أي إن الطائرتين اللتين وصلتا لعمق العدوّ تمكّنتا من تخطي الاستنفار الدفاعي؛ ما يؤكّـد قدرتها العالية على التخفي في ظل أقصى درجات الاستنفار الدفاعية المضادة، وهذا بحد ذاته يضاعف أزمات العدوّ ورعاته ويجعلهم مستسلمين تمامًا أمام التكتيكات اليمنية، فإذا كان هذا الفشل في الرصد والتعقب جاء وقوى العدوان في أعلى درجات الاستنفار، فكيف سيكون مستوى الفشل في الظروف الاعتيادية؛ ما يؤكّـد أن اليمن ماضٍ في فرض معادلة جوية جديدة تسيطر فيها على المشهد جوًّا، بعد أن سيطرت على المشهد بحرًا.
وفي العملية الرابعة التي نفذت في الـ12 من ديسمبر، وتم الإعلان عنها وسط الخروج المليوني اليمني الكبير، جددت القوات المسلحة اليمنية التأكيد على ثبوت معادلة الفشل الصهيوني الأمريكي، حَيثُ لم يختلف المشهد، فقد تم إرسال طائرتين فقط لضرب هدفين في “يافا – تل أبيب”، وعسقلان، وهما نفس المنطقة التي تم استهدفهما في عملية الـ10 من ديسمبر؛ أي إن العدوّ الصهيوني فشل في الاستفادة من الدرس السابق وعجز عن الاحتماء بأيٍّ من الاستعدادات اللازمة لتفادي تكرار الاختراق اليمني.
وبتجدد هذا الاختراق يتأكّـد للجميع أن الأمر لم يعد مُجَـرّد تشويش حتى يدعي العدوّ أنه يعتبر المسيّرات صديقة وليست معادية كما صرّح عقب عملية الـ9 من ديسمبر، بل إن الأمر تجاوز التشويش إلى حَــدّ التخفي التام والمطلق حتى وصول الطائرة للهدف، ليجد العدوّ نفسه أمام أقل من 15 ثانية من رؤية الطائرة بعد انخفاض تحليقها حتى وصولها للهدف كما أظهرت مقاطع الفيديو، وهذا ما يكذب مزاعمه ويؤكّـد أن العدوّ عاجز حتى عن رصد الطائرة، فلو كان الأمر كما زعم العدوّ سابقًا أنه ظن بأن الطائرة كانت صديقة، فَــإنَّه سوف يستفيد ويضع الاحتياطات اللازمة حتى لا يتكرّر هذا الظن، لكن تكرار العملية بنفس الطريقة وبنفس السيناريو يؤكّـد أن العدوّ لم يتمكّن من رصدها نهائيًّا، وفوجئ بالضربة، وأن شهود العيان الذين عاينوا المسيرات لم يروها إلا قبل 15 ثانية من وصولها الهدف، أي عند تحليقها الانقضاضي على الهدف، والتحليق الانقضاضي يكون في آخر لحظات وصول المسيرة للهدف، ويكون التحليق فيه منخفض بحيث يشاهده القريبون من الهدف، دون أن تشاهده أيٌّ من المنظومات.
وبهذه العملية، تثبّت القوات المسلحة اليمنية معادلة التفوق الجوي غير المسبوق، والذي يحلق خلف خطوط العدوّ الدفاعية، بجميع أنواعها وطرازاتها، وتفرض فشلًا أمريكيًّا صهيونيًّا جديدًا، وبهذه المعادلة فَــإنَّ المعطيات تؤكّـد أن اليمن قد تمكّن من وضع الترتيبات للازمة للتحَرّك الواسع والحر وغير المحدود في إطار المرحلة الخامسة من التصعيد، فتكرار ثلاث عمليات بنفس السيناريو يؤكّـد الفشل الحتمي للعدو.
وما يزيد الأمر تعقيدًا على العدوّ ورعاته، هو أنه لم يتم ذكر نوع الطائرات المستخدَمة في العمليات الثلاث؛ ما يؤكّـد أن هناك طرازات متجددة تواكب احتياجات المرحلة، وتفاقم فشل الأعداء الذين يحتاجون لوقت طويل حتى يتمكّنوا من رصد الطائرة على أقل تقدير، أما ترميم قدرتهم على إسقاطها فيبدو أنه بعيد المنال، خُصُوصًا في ظل المسار التطويري اليمني المتصاعد الذي يباعد المسافات بينه، وبين خيارات الأعداء اللاحقة، والتي يبدو أنها باتت عاجزة وليس فقط مرهَقة.
صحيفة المسيرة: نوح جلّاس