الكيان الصهيوني في مواجهة اليمن [1/2]: الخيارات التقليدية لا تعمل

||صحافة||

تحدّث الإعلام “الإسرائيلي”، في الأيام الماضية، عن تجاذب سياسي وأمني على طاولة القرار في “تل أبيب”، حول الأسلوب الأمثل لمواجهة التحدي اليمني، وردع حركة «أنصار الله» عن مهاجمة “إسرائيل”. وفي حين هدّد رئيس حكومة العدو، “بنيامين نتنياهو”، ووزير حربه، “يسرائيل كاتس”، بمهاجمة أهداف داخل الأراضي اليمنية (وهو ما بدأ تنفيذه أمس)، رأى رئيس «الموساد»، دافيد برنياع، ضرورة مهاجمة إيران نفسها، لإجبارها على لجم صنعاء. وفي تسريب ثانٍ، بدا موجّهاً كذلك، تحدثت إسرائيل عن نيتها استهداف قادة «أنصار الله»، الأمر الذي أشار إليه كاتس نفسه، حين قال إن إسرائيل ستبدأ استهدافها لـ«قادة الحوثيين»، مضيفاً: «كما تعاملنا مع (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى) السنوار في غزة و(رئيس المكتب السياسي السابق لحماس إسماعيل) هنية في طهران و(أمين عام حزب الله السابق، السيد حسن) نصر الله في بيروت، سنتعامل مع رؤوس الحوثيين في صنعاء أو في أي مكان في اليمن». أما ما ورد على لسان نتنياهو، فكان مماثلاً مع تباين رئيس، إذ قال في كلمة مسجلة بُثّت على موقع «إكس»: «سيتعلّم الحوثيون أيضاً ما تعلّمته حماس وحزب الله ونظام (الرئيس السوري السابق، بشار) الأسد وآخرون، حتى لو استغرق الأمر وقتاً، وهذا الدرس سيتعلّمه الشرق الأوسط برمته».

إستراتيجية «تدفيع الثمن» “الإسرائيلية”

هكذا إذاً، تبدو تلك التصريحات والتسريبات جزءاً من قرارات جرى اتخاذها في “تل أبيب” بعد سلسلة من الجلسات الطويلة، ما يعني أن التهديدات هي ما يمكن الحديث به علناً لزوم صورة الاقتدار. إلا أن القرارات الفعلية لم يُكشف عنها، فيما يتعين على المراقبين استخلاصها، وإن كان في كلمة نتنياهو المسجّلة والخالية من أخطاء الارتجالات، ما يفيد في تقدير الخطوة التالية لـ”إسرائيل”، والتي لن تكون، في جانب منها، مباشرة، كما قال، ما يعني أن الأدوات المتاحة لدى الكيان وحلفائه، غير قادرة وحدها على معالجة التهديد اليمني.

إزاء ذلك، يمكن إيراد الملاحظات التالية:

– إن جزءاً كبيراً جداً من التهديدات مخصّص للجمهور “الإسرائيلي” نفسه، بعد إخفاقات أنظمة الدفاع الجوي التابعة لإسرائيل والحلفاء، في التصدي للصواريخ اليمنية، والتقديرات بأن فشل التصدي ليس مجرّد إخفاق، بل هو نتيجة خلل بنيوي يتعلّق بالنظام نفسه، وبنية تلك الصواريخ التي تستعصي على الدفاعات على اختلاف أنواعها.

– ما يرد على لسان كاتس، لا يعني بالضرورة أنه مطابق لما جرى اتخاذه من قرارات، أو أنه إستراتيجية معلنة سيُعمل على تنفيذها، خصوصاً أن مواقف هذا الرجل يمكن إدراجها في إطار العلاقات العامة لشخصية سياسية تريد حجز مكان لها في وعي الجمهور، بوصفها شخصية صقورية يمينية تتماثل مع تطلعات هذا الأخير.

– الحديث عن تردد “إسرائيل” بين خيارين: مهاجمة إيران للجم اليمن، أو الاكتفاء بمهاجمة اليمن، يعدّ تعمية للحقيقة. إذ لا توجد جهة في إسرائيل أكثر دراية من «الموساد» بالعلاقة بين إيران و«أنصار الله»، وأنها ليست علاقة تابع بمتبوع، بل علاقة تكاملية مع مصالح مشتركة، لا يجبر أي طرف فيها الآخر على فعل ما يريده وفقاً لإملاءاته ومصالحه الخاصة. ورغم أنه قد تكون لطهران مصلحة في دفع صنعاء إلى مهاجمة “إسرائيل” إسناداً لقطاع غزة، إلا أن لدى الجانب اليمني ما يكفي من أسباب خاصة وذاتية ومصالح مباشرة في أكثر من مستوى واتجاه داخلي وإقليمي، للانخراط في هذه المعركة.

– يجمع خبراء “إسرائيل” وكبار معلّقيها الأمنيين والإستراتيجيين، على أن الكيان لا يملك أدوات ردع «أنصار الله»، وإن كانت الضربات التي شنّها حتى الآن «مثيرة للإعجاب». وهذا المعطى يجري التعبير عنه بلا تحفظات كبيرة في تل أبيب، عبر التنبيه إلى أن الأضرار التي يمكن لإسرائيل أن تتسبّب فيها في اليمن، لا تكفي، وربما غير ذات صلة، لكي تدفع القيادة اليمنية إلى الانكفاء. ولربما يتوافق هذا المعطى مع الجملة الاعتراضية التي جاءت في كلمة نتنياهو المسجّلة، إذ بعد تهديدات طويلة – عريضة، شدد على أن النتيجة لن تكون فورية، وهي تتطلّب وقتاً.

أما ما لم يرد في المواقف والتسريبات “الإسرائيلية”، فيمكن إجماله في نقاط ثلاث:

– لا قدرة لـ”إسرائيل” وحدها على مواجهة التهديد اليمني، خصوصاً أن هذا الأخير لم يكن في حسبانها على مر السنوات والعقود الماضية، وهو ما يستلزم بناء مكوّنات وقدرات خاصة لمواجهته، على أن تتحقّق النتيجة المأمولة، لاحقاً.

– المفارقة بالنسبة إلى “تل أبيب”، في المواجهة الحالية مع صنعاء، هي أن الخيارات التقليدية “الإسرائيلية”، وعلى رأسها إستراتيجية «تدفيع الثمن»، تعدّ من ناحية «أنصار الله» مكافأة تحثّها على تنفيذ مزيد من الهجمات ضد “إسرائيل”؛ فلا جائزة ولا مكانة لدى اليمنيين، أكبر من أن يكونوا على رأس هذه المواجهة. وربما تلك واحدة من أهم المعضلات التي تواجه طاولة القرار والتخطيط في “تل أبيب”.

– إن قدرة الجانب اليمني على الإضرار بـ”إسرائيل”، ما لم تتمكن الأخيرة من اجتثاث هذا التهديد، ستتحوّل إلى وسيلة قتالية لن ترتدع صنعاء عن استخدامها لتحقيق أهداف سياسية وأيضاً ردعية، سواء في الداخل لمواجهة التهديدات في الأراضي اليمنية، أو في الإقليم، في حال أعاد التحالف الإقليمي – الغربي استئناف حربه المباشرة على اليمن.

هذا بالنسبة إلى “إسرائيل”، لكن ماذا عن الحلفاء الدوليين والإقليميين؟ يبدو أن هؤلاء غير مستعدين، بل ربما غير معنيين – حتى في حال امتلاكهم القدرة -، بمواجهة صارمة ومطلوبة “إسرائيلياً” مع «أنصار الله»؟ وبالتالي، سيكون على “إسرائيل” أن تخوض «حرباً» مع الحلفاء لدفعهم إلى تغيير أولوياتهم، وحثّهم على تحمّل أثمان مواجهة تكون أكثر شمولية وطموحاً ضد صنعاء. لكن هل تكون مقاربة كهذه ناجعة؟ للحديث صلة.

 

الاخبار اللبنانية

قد يعجبك ايضا