فعالية حزب الله في تشييع نصر الله.. الدلالات والرسائل

موقع أنصار الله . تحليل |  أنس القاضي

مر ما يقارب 5 أشهر على استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في 27 سبتمبر 2024م، ثم استشهاد الأمين العام التالي السيد هاشم صفي الدين في 3 أكتوبر، وقبلها وقعت تفجيرات أجهزة البيجر في لبنان في 17 سبتمبر 2024م، بعد هذه الفترة الزمنية التي تعرض فيها حزب الله لضربة قاسية من الكيان الصهيوني، جرى يوم أمس 23 فبراير 2025م تشييع الشهيد السيد حسن نصر الله ورفيقه الشهيد السيد هاشم صفي الدين.
وبقدر ما أعاد التشييع إلى المُحبين الوجع من جديد، فإن حزب الله ظهر في هذا التشييع بصورة جديدة، بعد تلك الانتكاسات، عاد بصورة قوية في الساحة اللبنانية والإقليمية، من خلال فعالية التشييع التي حملت العديد من الدلالات، والتي لم تكن فعالية دفن قيادة حزب الله، بل أشبه ما تكون بفعالية إعادة تأسيس وإعادة إشهار حزب الله.
وفي العموم، فعالية الحزب كانت ناجحة، من النواحي التنظيمية واللوجستية، فقد انتهت بدون مشاكل أمنية كبيرة، وأثبتت الدعم الداخلي الذي يحظى به الحزب كمتصدر للمقاومة الوطنية الإسلامية في لبنان، وكذلك بما أظهرته الفعالية من دعم دولي من دول وفصائل محور المقاومة وأحرار العالم من آسيا وامريكا اللاتينية وغيرها. والمعادلة الجديدة بعد التشييع هي: حزب الله لم ينتهِ، بل بدأ مرحلة جديدة من المواجهة والاستعداد.

نجاح التنظيم واستعراض الجماهير

المشهد الذي احتضنته المدينة الرياضية في بيروت يعكس قدرة حزب الله على حشد جماهيري ضخم بشكل منظم، ما يؤكد قوة نفوذه الشعبي، كما أن مشاركة أعداد كبيرة من مختلف الفئات العمرية والمناطق اللبنانية تعكس مدى تأثير الحزب في المجتمع اللبناني الحاضن للمقاومة، وقدرته على الحشد وتنظيم أنصاره في لحظات مصيرية وحاسمة، على النقيض من تقديرات خصوم الحزب في الداخل والعدو الصهيوني.
اختيار المدينة الرياضية في بيروت -وليس مكاناً في جنوب لبنان- ليكون مكان التشييع يشير إلى رغبة حزب الله في إبراز الحدث كمناسبة وطنية تتجاوز الطابع الحزبي، وهي حقاً كذلك، وتأكيد رمزية السيد حسن نصرالله بكونه قائدا وطنيا لبنانيا مقاوما، إلى جانب مكانته الخاصة في حزب الله.

ترسيخ محور المقاومة

كان لمشاركة وفود رسمية من دول وفصائل محور المقاومة من إيران واليمن والعراق وسوريا، إلى جانب ممثلين عن فصائل المقاومة الفلسطينية، كان لهذه المشاركة أهمية من حيث تعزيز فكرة وحدة محور المقاومة وامتداد تأثير حزب الله خارج لبنان واستمرار مشروع “وحدة الساحات”، المشروع الذي رفعه الأمين العام الشهيد نصر الله.
الحضور الإيراني اللافت، من خلال رئيس مجلس الشورى محمد قاليباف ووزير الخارجية عباس عراقجي، يشير إلى الدعم المستمر من طهران لحزب الله، واعتباره أحد أبرز الحلفاء لها في المنطقة.
مشاركة الحكومة العراقية وفصائل المقاومة العراقية والوفد اليمني، يعكس مركزية حزب الله في محور المقاومة رغم ما تعرض له، ووقوف هذه القوى المقاومة معه في وضعه الراهن الصعب، وهوَ أمر يقدره الحزب كثيراً، ويخيف الكيان الصهيوني أكثر.

أبرز رسائل حزب الله للداخل اللبناني

قدمت الفعالية نصرالله –كما هو في حقيقته- قائدا وطنيا وليس فقط حزبياً، وتكرر في خطاب الفعالية أن نصرالله “حبيب المجاهدين والمستضعفين” سعة مشروع المقاومة، والشخصية التي كان عليها السيد والتي تتجاوز السياجات الطائفية التي سعى لترسيخها العدو.
كما أن مشاركة شخصيات سياسية ودينية لبنانية مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري بصفته الشخصية وممثلاً عن رئيس الجمهورية اللبنانية، وكذلك ممثلين عن الحكومة تعكس حقيقة أن الحزب جزء أساسي من التركيبة السياسية اللبنانية لا يمكن تجاوزه.
وكان خطاب نعيم قاسم واضحا، إذ شدد على أن المقاومة لا تتوقف بفقدان القادة، بل تزداد قوة، وقد خاطب قاسم كل الوطنيين اللبنانيين من مختلف الطوائف، بخطاب التحرر الوطني، وقدم المقاومة التي يقودها الحزب كضرورة وطنية، وقد كان حشد اليوم تأكيداً على هذه الحقيقة.
كما حملت رسائل الحزب على لسان أمينه العام الحالي الشيخ قاسم التأكيد على أن حزب الله وافق على الهدنة من منطلق وطني استراتيجي، لكن الدولة اللبنانية هي من تتحمل مسؤولية متابعة ملف الانسحاب الإسرائيلي.
هذا الموقف يهدف إلى الضغط على الحكومة اللبنانية لتبنّي موقف أكثر قوة في مواجهة المماطلة الإسرائيلية، بدلاً من ترك المقاومة وحدها في المواجهة، خصوصاً وأن الحكومة هي الطرف اللبناني الموقع على الاتفاق، وهي من سوف تنشر قواتها العسكرية على الحدود مع الأراضي المحتلة في جنوب لبنان.

أبرز رسائل حزب الله للكيان الصهيوني

الرسالة الأبرز للكيان هي أن حزب الله مستمر رغم اغتيال نصرالله وصفي الدين، وأن “المقاومة تُكتب بالدماء لا بالحبر على الورق”، رسالة الوجود والبقاء، وهي تثير الإحباط واليأس في أوساط العدو الذي افترض أنه حقق إنجازاً حاسماً في حربه العدوانية الأخيرة على لبنان. هذه الرسالة تؤكد فشل الكيان في أهدافه المعلنة بإنهاء حزب الله، الحزب الذي أكد على أنه سيواصل العمل حتى “تحرير جميع الأراضي اللبنانية المحتلة”.
حديث الشيخ نعيم قاسم عن أن “إطلاق النار سيكون وفقاً للظروف، وسنقرر متى نصبر ومتى نرد” يعكس استراتيجية أكثر مرونة في التعاطي، مع تمسك المقاومة المبدئي بحق الرد والردع، فحزب الله -وفق هذا الخطاب- لن يرد فوراً، لكنه سيحافظ على خيار الرد مستقبلاً في الظروف الأنسب.
كما أن تحليق الطائرات الإسرائيلية أثناء التشييع -وهوَ عمل استعراضي يائس- قابله رد من حزب الله عبر خطابات التحدي، التي توجزها عبارة “موتوا بغيظكم، المقاومة باقية وقوية ومستمرة”، هذه الرسالة من الحزب تهدف إلى كسر محاولة الكيان فرض معادلة جديدة عبر الاغتيالات، وإثبات أن حزب الله لا يزال فاعلاً في معادلة المقاومة.

رسائل الفعالية غير المباشرة للكيان الصهيوني بما اظهرته من تنظيم وحضور، هذا المشهد الجماهيري الضخم في بلد صغيرة الجغرافيا قليلة السكان، أوصل رسالة أن الحزب لا يزال يتمتع بشعبية قوية رغم التحديات، وهو قادر على تعبئة أنصاره بشكل مؤثر، كما أن مشاركة ممثلي الدول وفصائل المقاومة، وشخصيات من احرار العالم، أظهرت أن حزب الله ليس معزولاً، بل جزء من محور إقليمي له امتداده السياسي والعسكري.

المشاركة الإيرانية في التشييع

المشاركة الإيرانية في مراسم التشييع حملت دلالات سياسية واستراتيجية عميقة، سواء من حيث مستوى الحضور أو الخطابات التي ألقيت، فهي تأكيد على متانة التحالف بين إيران وحزب الله، فوصول عباس عراقجي ممثلاً عن الرئيس الإيراني، ومشاركة ممثلين عن المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، يعكس الأهمية القصوى التي توليها طهران للعلاقة مع حزب الله.
كما أن البيان الذي تلاه السيد مجتبى الحسيني باسم المرشد الإيراني يعكس موقفاً صريحاً بأن إيران تَعُد حزب الله جزءاً لا يتجزأ من سياستها الخارجية المقاومة للإمبريالية والصهيونية، وأنها لن تتخلى عنه.
خامنئي في بيانه -الذي ألقاه ممثله عنه- وصف الشهيد بأنه “المجاهد الكبير وزعيم المقاومة الرائد”، وأكد أن اغتياله لن يؤثر على المسار الاستراتيجي للمقاومة، وهذه الرسالة تهدف إلى طمأنة جمهور حزب الله وجمهور المقاومة في المنطقة، بأن المقاومة لا تزال قوية، وأن مسيرتها لن تتوقف عند غياب شخصيات قيادية.

رسالة تحدٍّ لـ”إسرائيل”

كما بعث خامنئي برسالة تحد بقوله إن المقاومة “لن تتوقف حتى بلوغ الغاية المنشودة” أي أن إيران لا ترى اغتيال نصرالله وصفي الدين أنه نهاية للصراع، بل خطوة ضمن مسيرة مستمرة، والتلميح إلى أن “العدو سيعلم أن المقاومة باقية” هو رسالة مباشرة لـ”إسرائيل” بأن المتغيرات الإقليمية الأخيرة لن تضعف محور المقاومة.

استعراض القوة الإقليمية لإيران

إرسال إيران وفداً رسمياً وحضور شخصيات بارزة من القيادة الإيرانية يعكس رسالة إلى الدول الإقليمية بأن إيران لا تزال قوة فاعلة في المنطقة وفي المشهد اللبناني الذي يتسم بتعدد الفواعل الدولية، وأن علاقتها بحزب الله وحلفائها لن تتأثر بأي تغييرات.
كما أن المشاركة الإيرانية الحاشدة تأتي رداً على التصريحات الإسرائيلية التي قالت إن اغتيال نصرالله فرصة للبنان “للتخلص من النفوذ الإيراني” حد تعبيرهم، ليأتي هذا الحضور، رداً على هذا الخطاب، ولهذا قام العدو الصهيوني بعمليات عسكرية في لبنان بالتزامن على التشييع تعبيراً عن الانزعاج من نجاح الفعالية ومن العلاقة اللبنانية الإيرانية.
وفي العموم، فإن المشاركة الإيرانية في التشييع لم تكن مجرد حدث بروتوكولي ومجاملة دبلوماسية، بل كانت إظهاراً للتماسك الاستراتيجي بين إيران وحزب الله، ورسالة إلى الكيان بأن المقاومة لم تضعف، وأن قيادة الحزب مستمرة بدعم إيراني كامل.

ردود الأفعال الإسرائيلية

الأنشطة الصهيونية في لبنان بالتزامن مع تشييع نصرالله وصفي الدين تحمل العديد من الرسائل السياسية والعسكرية، وتعكس مجموعة من الدلالات المهمة؛ وفي المقام الأول الأعمال العسكرية الصهيونية، تعكس الانزعاج الشديد للعدو الصهيوني، بخروج حزب الله بهذه القوة والشعبية ونجاح الفعالية، والمشاركين من الداخل اللبناني ومن المنطقة ومن دول العالم، فهي الصفعة الأخرى، بعد صفعة خروج حركة حماس وهي المسيطر على قطاع غزة، وتآكل مشروع “اليوم الثاني لغزة”، ومقارنة بحماس وحضورها المتواضع، فإن عودة حزب الله بهذه القوة هي أخطر رسالة تلقاها العدو من الفعالية.

محاولة نتنياهو تأكيد “الردع الإسرائيلي”

تحليق الطائرات الحربية الإسرائيلية فوق جنازة نصرالله وصفي الدين ليس مجرد استعراض للقوة، بل هو رسالة إسرائيلية إلى حزب الله والجمهور اللبناني مفادها أن “إسرائيل” قادرة على الوصول إلى أي هدف في أي وقت، حتى في قلب الضاحية الجنوبية.
تصريحات “وزير الحرب” الصهيوني “يسرائيل كاتس” بأن “هذه هي نهاية من يهاجم إسرائيل” تأتي في سياق تعزيز صورة “إسرائيل كدولة لا تتسامح مع التهديدات” وهي محاولة لترميم الردع الذي سقط في يوم السابع من أكتوبر 2023م، في معركة طوفان الأقصى.

محاولة التأثير النفسي والسياسي

نشر الكيان لمقاطع مصورة عن عملية الاغتيال بالتزامن مع مراسم التشييع يهدف إلى تحقيق تأثير نفسي على أنصار حزب الله وإظهار ضعف التنظيم في منع اغتيال قياداته.
تصريحات “وزير الخارجية” الصهيوني جدعون ساعر بأن لبنان أمام “مفترق طرق” بين البقاء تحت ما أسماه “الاحتلال الإيراني” أو ما وصفه بـ”التحرر” تعكس محاولة إسرائيلية لدق إسفين بين حزب الله والمجتمع اللبناني، وهي محاولة فشلت حتى في أوج العدوان الصهيوني على لبنان قبل وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024م.

الضغط السياسي

القصف الصهيوني لما زعم العدو الصهيوني أنها مواقع عسكرية في “بعلبك” وجنوب لبنان خلال مراسم التشييع يهدف إلى إرسال رسالة باستمراره في تقليص قدرة حزب الله على الرد بشكل فوري ومنع أي تحرك عسكري وإعادة بناء الحزب لقدراته العسكرية.
هذه الغارات والتحركات الإسرائيلية لا تستهدف حزب الله فقط، بل تحمل رسالة إلى طهران ودمشق بقيادتها الجديدة المتواطئة، مفادها أن “إسرائيل” لا تزال تفرض خطوطها الحمراء ولن تسمح بعودة المقاومة وما تسميه عادة بالنفوذ الإيراني إلى جوارها.

قد يعجبك ايضا